يا من ولدت بلا ميعادٍ في ظِلِّ خيالٍ لا يُوجَدْ تهيمُ الروحُ بلا أصداءٍ بين جدارٍ.. بين مَسْجِدْ
تفنيكَ ظنونٌ مُتَشابكةٌ وتعيدُكَ أوهامُ المَوْعِدْ تبحثُ عنكَ.. فلا تلقى غيرَ ظِلالٍ تتبخَّرُ في الغدْ
أتراكَ مررتَ ببابِ العُمرِ؟ أم أنّكَ ما زلتَ وليدَ الأزلِ؟ أم أنّكَ ظلٌّ على حافَةِ النهرِ يروي السرابَ ولا يرتحلْ؟
أوقِدْ يقينَكَ في المُنْحنى واكسرْ قيودَكَ، لا تمتثلْ وامنحْ فُؤادَكَ ضوءَ الخُلودِ ولا تَكُ ممن يخافُ الأملْ
تخيل أنك لم تُولد بعد، أنك مجرد طيف يتجول بين ظلال الأفكار، حتى خيالك نفسه بلا وجود، سوى شذرات متناثرة من سراب أفكارك. تستيقظ فجأة، فلا تجد نفسك، بل ترى ملابسك متجسدة أمامك، تراقبك بعينين خفيتين، كأنها تسألك: "أين أنت؟"تمضي يومك باحثًا عن ذاتك بين طيات الزمن المشوه، منهكًا دون أن تدرك أن ضميرك محبوس في دولاب متهالك، يعاني أوجاع العالم، مفتاحه الأول ضاع، والثاني بلا أثر، وساعة الزمن تدور في صدرك كأنها تطاردك بلا رحمة.ماضيك يسير عكسك، حاضرُك يلفك بأسئلته الصامتة، والغبش الذي كان مبهماً ذات يوم صار دربك المحتوم. ستة فصولٍ تحتضن سنواتك، لكنها لم تزهر، ولم تبنِ لك سقفًا يحميك من العراء. لم تروِها بمحايتك، ولم تحمِها من السقوط.لا تتذمر الآن، فحين تستيقظ ولا تجد نفسك، لا تقلق، بل اسأل أهل البيت عن صورتك. ربما سقطت منك على عتبة الأمس، أو توارت خجلاً منك. وإذا لم تجد حلاً، لا تفرّط في سيادتك، لا تسمح لظلك بأن يسحقك. وإن شككت في وجودك، فأطفئ النور وابحث عنك في الظلام.كن يقظًا، خذ خيالك واغسله بماء النيل، دع التيارات تحمل ما تبقى من شوائبك، ولكن إياك أن تدعي الحكمة بينما تعكر صفو النهر. راجع وقتك، اضبط ساعتك على نبض الحياة، وأدرك أن الجميع ينتظرونك عند مفترق الحيطان، فلا تتأخر، فالشمس من خلفك تتبخر.وتذكَّر أن السير في درب الخوف لن يعيدك، اكسر حاجز الرهبة في داخلك، واستثمر فينا قوتك. نحن أبناء الخيال المشترك، نحن الذين صلوا معك ظهرًا مستعجلًا، وأقاموا خلفك صفوفًا مترابطة.افتح أبواب هذا العالم المقلوب، فباب الفرح مخلوع، والحسرة تمضغ الأكف، والجائع المترَف يعاني من تخمة الألم. حين تسيل دمعتك، تحرق قلوب المنتظرين، وتشتعل صرخاتك في صدر الأفق. البيوت تبكي، حتى الحزن نفسه حزين، والطيبة غدت مكيدة، والخوة خائنة.أيها العابر في نصف الليل، كن حذرًا، لا تنزل وحدك في البئر إلا وأنت تحمل مطرًا لأقرب عطشان. غنِّ للقمر، دعها ترقص على أرضنا السمراء، دعها تعزف لحنك الأبدي.وإن صعدت شجرة الأحلام، لا تأكل ثمرتها المحرمة، ولا تعصي أمر النور. وإن ضاقت الجنة، فالبحر أمامك، وسفينة نوح تنتظر ركابها.اصحُ الآن، فالهم بلغ قمم الجبال، والموت يجمع الأرواح كحاصد لا يعرف الرحمة. الأرض تئن، عطشى لمن يرويها بالحلال، فمنحها ماءك الصافي، ستمنحك فيضًا من خيرها.لا تخنها كما فعلوا، لا تقطع أوصالها باسم السلام، لا ترهنها للهلاك. احمل جرحها بين يديك، أعد إليها بسمتها، ازرع في جراحها الأمل.حين يُستباح الوطن، يختفي الفرح في الضفاف، ويضيع القمر في التيه، لكننا، رغم كل هذا، ننتظر عودتك، ننتظر أن تأتي قبل أن تقوم القيامة.ارجع، قبل أن يحترق الزمن، قبل أن تتيبس الأنهار، وأدخل مدينتك كفاتحٍ منتصر، لا كلاجئٍ منهزم. لا تتأخر، فالفرح ينتظرك، والبيوت تشتاق لأنوارك.ويا أيها الخيال العالق في ضمائرنا، لا تنسنا كما لم ننسَك، وإن متنا، فلن يكون ذلك وداعًا، بل وعدًا باللقاء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست