في مشهد يندى له جبين الإنسانية، وثّقت مقاطع الفيديو المنتشرة جرائم وحشية لا يمكن وصفها إلا بالهمجية، ارتكبتها قوات الجيش السوداني والمجموعات المتحالفة معها في ولاية الجزيرة عقب سيطرتها على مدينة ود مدني. هذه الجرائم التي استهدفت المدنيين العزل لم تُظهر فقط حجم الاستهتار بأبسط حقوق الإنسان، بل أيضًا عمّقت الشعور بالألم والعجز لدى الشعب السوداني الذي يرزح تحت وطأة الحرب والنزاع. في خضم هذا المشهد الكارثي، يُطرح سؤال ملح: هل يمكن للنشطاء، عبر الترويج لمقاطعة حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، أن يحققوا إدانات دولية حقيقية تُفضي إلى تغيير جذري في طريقة تعامل العالم مع الأزمة السودانية؟ تحديات المقاطعة وتأثيرها تاريخيًا، أثبتت المقاطعات الاقتصادية والسياسية أنها سلاح ذو حدين. فبينما نجحت في بعض الحالات، مثل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فشلت في حالات أخرى بسبب غياب الإرادة الدولية أو هشاشة أدوات الضغط. في حالة السودان، يواجه النشطاء تحديًا مزدوجًا: أولًا، ضعف التنسيق بين القوى المدنية نفسها، وثانيًا، غياب الاستجابة الفعّالة من المجتمع الدولي الذي غالبًا ما يكتفي بإصدار بيانات شجب دون اتخاذ خطوات عملية. لكن المقاطعة، إذا نُظّمت بشكل استراتيجي وحظيت بتأييد شعبي داخلي ودعم عالمي، قد تشكّل ضغطًا حقيقيًا على حكومة الأمر الواقع. فالاقتصاد السوداني المنهك أصلًا يعتمد بشكل كبير على التحويلات الخارجية والتجارة الدولية، ما يجعل فرض العقوبات أو تجفيف الموارد الدولية مسارًا قد يُضعف قبضة السلطة ويُجبرها على إعادة النظر في سياساتها. المجتمع الدولي بين التدخل واللامبالاة في الوقت نفسه، تطرح الجرائم المروّعة في ود مدني تساؤلًا أكثر إلحاحًا: هل يمكن أن يدفع هذا الوضع الصادم العالم إلى التدخل؟ الجواب ليس بسيطًا. فتدخل المجتمع الدولي يعتمد على مصالحه الاستراتيجية أكثر من التزامه الأخلاقي. ومع ذلك، يمكن للدول والنشطاء أن يستغلوا أدوات القانون الدولي ووسائل الإعلام للترويج لفكرة أن استقرار السودان وحماية المدنيين ليسا مجرد مسألة إنسانية، بل ضرورة للسلم العالمي. إن الفوضى الحالية في السودان تحمل تهديدات تمتد إلى ما وراء حدوده. فتنامي العنف، وتزايد موجات النزوح، وانتشار الجماعات المسلحة في الإقليم يمكن أن يُحدث تأثيرًا سلبيًا على الدول المجاورة، ما يجعل السودان قنبلة موقوتة تهدد الأمن الإقليمي والدولي. هل هناك أمل؟ رغم السوداوية التي تغلف المشهد، يبقى الأمل معقودًا على وعي الشعب السوداني ونضاله المستمر من أجل التغيير. كما أن تضامن النشطاء الإقليميين والدوليين، والدعوات إلى تحقيق العدالة والمساءلة، يمكن أن يُشكل ضغطًا فعّالًا على المنظومة الدولية لدعم التدخل لصالح استقرار السودان.
إن حماية المدنيين في السودان ليست مجرد قضية محلية، بل مسؤولية إنسانية تقع على عاتق العالم بأسره. فهل يكون الترويج لمقاطعة حكومة الأمر الواقع خطوة البداية نحو التغيير، أم مجرد صرخة أخرى في وادٍ عميق من اللامبالاة الدولية؟
01-16-2025, 09:46 AM
الزبير بشير الزبير بشير
تاريخ التسجيل: 08-11-2009
مجموع المشاركات: 1149
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة