تشهد الساحة السودانية تقلبات دراماتيكية، خاصة فيما يتعلق بحركات مسار دارفور التي تبدو وكأنها تحترق بمراكبها على طريق مجهول. فبعد أن لعبت دورًا رئيسيًا في اتفاقيات السلام، تتحول الآن إلى طرف مهدد بالانهيار بين قوى الدعم السريع من جهة والجيش السوداني من جهة أخرى. يبدو أن شهر العسل بينها وبين المركز قد انتهى، وأنها تواجه مصيرًا مشابهًا لما حدث للدعم السريع سابقًا.
المشهد الحالي يعكس بوضوح كيف استطاع المركز أن يتلاعب بحركات مسار دارفور كما تلاعب بالدعم السريع سابقًا. كانت هذه الحركات سابقًا أدوات في معركة المركز، مجرد أبواق تُستخدم لتعزيز نفوذ الجيش المركزي، دون أن تدرك أنها تسير في طريق الانهيار. ومع تصاعد الخطاب الإعلامي العدائي ضدها من قبل أقلام محسوبة على الاستخبارات، يبدو أن نفس السيناريو يعاد مرة أخرى ليتم ضربها.
تكشف المعلومات أن محاولات التفاهم السري بين حركة تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي والدعم السريع لم تحقق نجاحًا يذكر، بينما ظل الجيش المركزي وقائده عبد الفتاح البرهان في حالة من انعدام الثقة تجاه هذه الحركات، خاصة مجموعة مناوي، وقد أعلنها مرتين. المرة الأولى عندما قال إنهم “شوية مع دول وشوية مع دول”، والمرة الثانية صباح الأول من يناير 2025 عندما أشار إلى أنهم والدعم السريع متساويان، بعد أن علم بوجود اتفاق بين الجيش وميليشيات “كيكل” لإقصائه. هذا الوضع جعل حركات مسار دارفور بين مطرقة الدعم السريع وسندان الجيش، وكلاهما يمتلك مبررات واضحة لإنهاء وجودها كقوة سياسية وعسكرية، لكن الاختلاف يكمن فقط في التوقيت. أيام العسل بين حركات مسار دارفور والنظام في بورتسودان تبدو وكأنها في نهايتها. تشير التحليلات إلى أن التحالفات التي كانت تجمع الحركات مع الجيش المركزي على وشك الانهيار، ومؤشرات التصعيد الإعلامي ضدها في الصحف الإلكترونية وصفحات الصحفيين المحسوبين على الأجهزة الأمنية تشير إلى أن تحالفها المؤقت قد وصل إلى طريق مسدود. ربما هناك تفاهمات بين الجيش وبعض القيادات الأخرى، مما يعجل بنهاية هذه الحركات. الحملة الإعلامية التي تُشن حاليًا ضد حركات مسار دارفور تذكرنا بما حدث مع الدعم السريع. نفس الصحفيين ونفس الأقلام التي كانت تُستخدم للإطاحة بالدعم السريع قبل الحرب و شيطنته ، تتوجه الآن ضد هذه الحركات. يتجلى ذلك في وصفها بعبارات عنصرية تهدف إلى نزع شرعيتها أمام الرأي العام، مثل اتهامها بأنها “مرتزقة” أو “جراد غرب إفريقيا”، او ( قدت الصندوق ) مما يعكس تهيئة المسرح لإقصائها نهائيًا. من الواضح أن حركات مسار دارفور تفتقر إلى رؤية فكرية أو مشروع سياسي متماسك. هذه الأزمة الفكرية جعلتها ضحية للتماهي مع قوى القهر بدلًا من مقاومتها، مما أدى إلى فقدانها لأي تعاطف شعبي معها الآن. لم تستطع الحركات تقديم بديل حقيقي أو رؤية واضحة، بل اكتفت بلعب دور الأداة في يد المركز وكانت فرحة برضاء المركز عنها خلال الفترة السابقة. إنها سيكولوجية القهر والتماهي في المتسلط كما يقول الدكتور مصطفى حجازي. الأيام القادمة قد تحمل النهاية المحتومة لحركات مسار دارفور، حيث تجد نفسها بين نيران الدعم السريع وضغوط الجيش السوداني. هذه الحركات التي عاشت فترة قصيرة من القوة والنفوذ تواجه الآن عزلة سياسية وفقدان جميع حلفائها بسبب خياراتها السابقة. يبدو أن الطريق أمامها سيعيدها إلى ما وصفه مني أركو مناوي بـ”السماء ذات البروج”، حيث لن تجد ملاذًا أو تعاطفًا في معركتها القادمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة