عند النظر إلى تاريخ السودان منذ الاستقلال في عام 1956، نجد أن مسيرة البلاد كانت مليئة بالتحديات والانقسامات التي تركت أثرها العميق في نسيجه الاجتماعي والسياسي. فقد تحول السودان من بلد كان يُنظر إليه كواحد من أغنى دول إفريقيا بالموارد الطبيعية والبشرية، إلى بلد تتقاذفه الحروب الأهلية، والصراعات الحزبية، والانقسامات القبلية، حتى باتت الوحدة الوطنية حلمًا بعيد المنال. الإرث الاستعماري- بداية الصراعات لم يكن الاستقلال نهايةً للمعاناة، بل بداية لمرحلة جديدة من الصراع. فقد ترك الاستعمار إرثًا من التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المناطق المختلفة في السودان، خاصة بين الشمال والجنوب. ومنذ البداية، أظهرت الحكومات الوطنية المتعاقبة عجزًا عن بناء مشروع وطني شامل يعالج القضايا الملحة كالتنمية المتوازنة، والعدالة الاجتماعية، والمشاركة السياسية. عقود من الاحتراب والتمزق شهد السودان أطول حرب أهلية في القارة الإفريقية بين الشمال والجنوب، والتي استمرت لأكثر من خمسة عقود وانتهت بانفصال الجنوب في عام 2011. غير أن الانفصال لم يكن سوى بداية لفصل جديد من الأزمات. فمن دارفور إلى النيل الأزرق وجنوب كردفان، استمرت الحروب والنزاعات المسلحة التي غذتها عوامل القبلية والتمركز الحزبي حول المصالح الضيقة. التمزق الحزبي والشلل السياسي عانى السودان من تشرذم حزبي أضعف الدولة وأفقدها قدرتها على تحقيق الاستقرار. الأحزاب السودانية، بمختلف توجهاتها، لم تستطع تجاوز الخلافات الأيديولوجية والعمل على مشروع جامع. كما أن التدخل العسكري المتكرر في السياسة أدى إلى إنشاء نظم استبدادية عمقت الأزمة بدلًا من حلها. ما هي المألات الحالية - السودان بين التقسيم ودولة المواطنة الحرب الحالية، التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تأتي كأحدث حلقة في سلسلة الأزمات التي تعصف بالبلاد. هذه الحرب، رغم قسوتها، قد تكون لحظة فارقة تدفع السودانيين للتفكير جديًا في مستقبل بلدهم. هناك خياران رئيسيان يلوحان في الأفق التقسيم , وإذا استمرت الصراعات القبلية والجهوية في التفاقم، فإن تقسيم السودان إلى عدة دويلات قد يصبح واقعًا لا مفر منه. فالمطالبات بالانفصال في بعض المناطق، مثل دارفور، قد تتصاعد في حال عجز الدولة عن توفير الأمن والعدالة. دولة المواطنة ونري على الجانب الآخر، هناك فرصة لبناء دولة حديثة تقوم على أساس المواطنة، حيث يتم تجاوز الانتماءات الضيقة إلى مشروع وطني جامع. هذا الخيار يتطلب إرادة سياسية قوية، وإصلاحات جذرية تشمل كتابة دستور جديد، وإرساء نظام ديمقراطي حقيقي يعبر عن تطلعات جميع السودانيين. ما الذي يمكن فعله لإنقاذ السودان؟ التوافق السياسي أقول إن التوافق بين القوى السياسية والمدنية هو الخطوة الأولى نحو الاستقرار. فلا يمكن للسودان أن ينهض إذا ظل أسيرًا للصراعات الحزبية. معالجة جذور الأزمات ولا بد من التصدي للأسباب الجذرية للصراعات، مثل التهميش الاقتصادي، وانعدام العدالة الاجتماعية، وغياب التنمية المتوازنة. دعم المصالحة الوطنية نقول لهؤلاء الساسة تحقيق السلام يتطلب عملية مصالحة شاملة تشمل كل الأطراف المتصارعة، مع العمل على تعزيز الثقة بين المكونات المختلفة. هل هناك أمل؟ رغم قتامة المشهد، لا يزال السودان يملك مقومات النهوض. فالشعب السوداني يتميز بقدرة استثنائية على الصمود والإبداع في مواجهة الأزمات. وإذا استطاع السودانيون تجاوز خلافاتهم والعمل معًا لبناء دولة المواطنة، فإنهم قد يحولون مسار التاريخ ليكتبوا فصلًا جديدًا أكثر إشراقًا.
إن السودان، بموقعه الاستراتيجي وموارده الغنية، قادر على أن يكون نموذجًا يحتذى به في التعايش السلمي والتنمية إذا توافرت الإرادة الوطنية الحقيقية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة