رحل المفكر البحريني الكبير الدكتور محمد جابر الأنصاري، أحد أعمدة الفكر العربي في الخليج، تاركاً وراءه إرثاً فكرياً هائلاً، وإسهاماً عميقاً في قراءة الواقع العربي وتشخيص أزماته. كان الأنصاري أكثر من مجرد مفكر؛ كان مشروعاً متكاملاً للنهضة، حاملاً رؤية نقدية ثاقبة، تعيد التوازن بين وجدان الأمة وعقلها، وتنطلق من ماضٍ ثريّ لاستشراف مستقبل أفضل.
ولد الأنصاري عام 1939 في البحرين، وشرع منذ سنوات شبابه الأولى في البحث عن الحقيقة الفكرية بين ضفاف التراث العربي وأفق الحداثة الغربية. حمله شغفه إلى الجامعة الأمريكية ببيروت، ومنها إلى كامبريدج والسوربون، فجمع بين عمق الثقافة العربية وسعة الأفق الغربي.
في مسيرته، أضاء الأنصاري دروب الفكر بعديد من المؤلفات التي صارت علامات في المكتبة العربية، مثل "تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية" و**"العرب والسياسة: أين الخلل؟"**. تميزت هذه الأعمال بجرأة التحليل ووضوح الرؤية، محاولاً فهم جذور العطب في الواقع العربي. كانت دعوته إلى "تحرير العقل العربي من قيود الخطابة" وإعادة التوازن بين النثر والشعر، بين الوجدان والعقل، نهجاً يقتفي أثر ابن خلدون والجاحظ والفارابي.
لقد آمن الأنصاري أن "التأزم السياسي والاجتماعي في العالم العربي لن يُحل إلا بفهم ذاتي شجاع، بلا أقنعة أو رتوش". كان يسعى لإعادة تشكيل الوعي العربي بعيداً عن الأوهام التعظيمية أو الاستغراق في الماضي، وناشد أبناء أمته أن يقرأوا "مقدمة ابن خلدون" مراراً، كخطوة أولى للخروج من الأمية الحضارية.
رؤية الأنصاري لم تكن تنظيراً مجرداً؛ بل كانت مشروعاً نهضوياً يحمل بذور التغيير، ومنهجه في النقد كان مرآة صادقة تعكس ما يعانيه الفكر العربي من أزمات وتطلعات.
برحيله، تخسر البحرين والخليج العربي، بل الأمة العربية جمعاء، مفكراً نادراً سخر حياته لإعلاء شأن الفكر والتنوير. ومع ذلك، تبقى كتبه وأفكاره شاهدة على عظمته، ترشد الأجيال المقبلة إلى طريق الإصلاح والنهضة.
محمد جابر الأنصاري، غادرت جسداً لكن فكرك حيٌّ، باقٍ يروي عطش الساعين إلى الحقيقة، وينير ظلمات الواقع العربي المتعثر. رحمك الله، وجزاك عن أمتك خير الجزاء.
12-28-2024, 08:18 AM
حيدر حسن ميرغني حيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 28857
الجابري يرحمه الله ويتقبله قبولاً حسناً، احد أعلام وأعمدة الفكر في عصرنا الحديث إمتداد لكوكبة المفكرين المستنيرين المحفورة في ذاكرتنا الجمعية من لدن زكي نجيب محمود ، و حسين مروة ، و عبد الرحمن بدوي، و فؤاد زكريا، و محمد أركون، و عبد الله العروي، و إدوارد سعيد ، ومهدي عامل برحيله فقدنا مفكراً اصيلاً ساهم إسهاماً كبيراً في تشيكل وعي جيله وبلاشك ، الاجيال اللاحقة في الفلسفة والحضارة والفكر سنوات الدراسة ، كنت مفتوناً بقراءاة منجزات "الدكاترة" زكي نجيب محمود" حيث كنت اشارك السكن طالب فلسفة مجيد كان يجلب كتب كبار المفكرين قادني ذلك لإقتناء احد اهم كتب الجابري "مشروع نقد الفكر العربي"، 3 مؤلفات ، المنجز الضخم الذي بذل فيه عصارة فكره ومشروعه التنويري .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة