|
تداعيات يحيى فضل الله: (البعاتي) إلى آدم سحنون تحديدا يحيى فضل الله
|
10:57 PM December, 21 2024 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
هانذا أتململ على سريري, ظلام الغرفة يكثف خوفي جهزت الأدوات اللازمة للحماية من ذلك الهاجس الغريب, كرتونة, هي قطعة صغيرة من الكرتون غرزت فيها عددا من الإبر, هذه القطعة الصغيرة من الكرتون وضعتها تحت المخدة في الجانب القريب من يدي اليمنى, لا أطمئن إلا إذا وضعتها داخل يدى اليمنى بعد أن أضعها تحت المخدة. في الجانب الأيسر من المخدة القريب أيضاً من متناول يدي اليسرى, وضعت الشبط البلاستيكي ولا أطمئن إلا إذا وضعت يدي اليسرى على (فردتي) ذلك الشبط, يهرب مني النوم وأنا أتوقع في أي لحظة حضور ذلك الكائن العائد من موته. لم أنس أن أضع تلك الكاميرا ذات اللون الأزرق على (سحارة) جدتي (بت مدني) التي أحتفظ فيها بالكتب والمجلات المصورة, مجلة الصبيان و ميكى وسمير والوطواط وسوبرمان وطرزان وبونانزا والرجل العنكبوت والرجل البرق, كانت تلك السحارة موضوعة أمام شباك الغرفة والسرير الذي أنام عليه موضوع بالقرب من هذه السحارة, هذه الكاميرا الزرقاء اللون هي موضوع خوفي من ذلك الهاجس, كانت هذه الكاميرا تخص هذا الكائن العائد من موته, صديالتىادم سحنون) الذي يسكن في حي (أم بطاح) حرضني على أن أصر على أخذ هذه الكاميرا من شاب يجاورهم في السكن وكان له هناك متجر صغير. كان هذا الشاب طيبا بما فيه الكفاية حتى أنه لم يبد اعتراضا على ذلك الطلب وتركنا نأخذ أنا وآدم تلك الكاميرا متعلقين بتحسسنا الطفولي لمعرفة هذه الآلة التي تستطيع ان تهب الإنسان صورته وهذه ميزة تحرض على نزعة ذلك التملك الطفولي للأشياء. هانذا أتململ على سريري وقطعة الكرتون الصغيرة بها عدد من الإبر وهاهما (فردتا) شبطي البلاستيكي تحت مخدتي وها هو ظلام الغرفة يكثف داخلي تفاصيل الخوف والهواجس. الشاب الذي أخذنا منه أنا وصديقي آدم سحنون تلك الكاميرا،طبعا لم نرجعها إليه لمدى أكثر من شهر. هذا الشاب مات فجأة إثر علة لم تمهله طويلا, أبلغني آدم ذات صباح ونحن في حوش المدرسة – مدرسة كادوقلى الشرقية التي تحولت من الأولية إلى الابتدائية بعد ما يسمي بالسلم التعليمى. كان ذلك في العام 1970م من القرن المنصرم ونحن نتهيأ ونستعد لامتحانات الدخول إلى الثانوية العامة, أبلغني آدم بذلك الخبر, خبر موت ذلك الشاب صاحب الكاميرا الزرقاء, بعدها بأيام, جاءني آدم منزعجا يقول لي:- إن الشاب صاحب الكاميرا الذس مات قد رجع الى الحياة وهو الآن (بعاتي) يتجول في حي (أم بطاح) وقد جاء ليلا وفتح متجره الصغير وقد شاهده بام عينه (حميدان) الذي رجع مخمورا من سهرة. لمح حميدان ضوء فانوس المتجر الصغير وفكر في سيجارة النوم وحين وصل المتجر رأى ما لم يكن في الحسبان, رأى الشاب الذي مات قبل أقل من شهر وهو يتجول داخل متجره الصغير وهو يبحث عن شيء مهم. دقق حميدان النظر مغالبا فكرة أنه مخمور ليس إلا, ولكن هاهو الشاب البعاتي يقترب منه فجفل راكضا متخليا عن ترنحه وكان الشاب البعاتي يركض وراءه وسرعان ما أمسك البعاتي بحميدان وبصوت فيه (نخنخة) قال البعاتي لحميدان: (بتجري مني مالك يا حميدان؟) وينفلت حميدان من قبضة البعاتي ويركض البعاتي وراءه ويمسك به متسائلا ذات السؤال: (بتجري مني مالك يا حميدان؟) وهكذا بين انفلات وركض وسؤال متكرر ولمدي اكثر من ثلاثة ساعات قضاها حميدان راكضا فى أى اتجاه حتى انه وجد نفسه وهو يلهث من التعب امام سينما كادوقلى وكان الوقت فجرا وديوك حى (العصاصير) القريبة من السينما تتصايح. جاءنى ادم مفزوعا بحكاية حميدان هذى وحين لمح فى عيوني اتهامى له بانه خيالى, اصر على ان اقابل حميدان فى (ام بطاح). المهم الشاب صاحب المتجر الصغير فى (ام بطاح) الذى اخذنا منه الكاميرا الزرقاء قد عاد من موته كى ياخذ ما يخصه من اشياء, قيل انه اخذ كل ملابسه وقد اخذ ايضا العود الذى كان يعزف عليه امام متجره. وفي الليالى المقمرة كان صوت عوده يسمع من اتجاهات مختلفة وهذا يعنى انه يتحاوم فى وخارج الفريق, المصيبة, ان الكاميرا الزرقاء معى انا وهذا يعني ان على ان استعد للقاء هذا الكائن المخيف لانه حتما سياتى لاخذ كاميرته. وبذلك المنطق الطفولى تجاه هذا الحدث غير العادى والذى ينتمى الى تلك الفكرة الغريبة التى تتعلق بعودة الموتى, يقول لى ادم : (يمكن يجينى فى البيت ويقول عايز الكاميرا) – (خلاص انت شيل الكاميرا معاك وكان جاك اديها ليهو) – ( لكن هو ما عارف انو انت الاخت الكاميرا) – (انا اول مرة اقابلو وهو ساكن جمبك) – (لا, انت خلى الكاميرا معاك وبعدين لمن يجينى انا بقول ليهو الكاميرا عندك وحيجى ياخدها منك) – ( هو حيجيك انت اول لانو ساكن جمبك وبعدين هو ما عارف انا ذاتو ساكن وين) – (منو القال ليك, ده بعاتى بكون عارف أى حاجة) وهكذا اصبحنا نتحدث انا وادم عن ذلك الشاب الميت صاحب الكاميرا باعتباره موجودا وحيا فيثى صورته تلك الغريبة, صورة البعاتى. الشعور بذلك الرعب من ان تلتقى بهذا البعاتى الذى بينك وبينه علاقة هى تلك الكاميرا, ووصلنا بعد نقاش غريب وطويل به افكار الهروب من تلك المواجهة المرعبة ودخلنا فى تفاصيل وتفاصيل وصلنا بعدها ان تكون الكاميرا معى يوما وتكون مع ادم اليوم التالى وهكذا حين ياتى الشاب البعاتى لياخذ تلك الكاميرا التي تخصه, فاذا وجدها معى فبها واذا لم يجدها معى ساخبره انها مع ادم وهكذا فى حالة مجيئه لادم. كل ذلك ونحن مدفوعون بذلك الرعب من تلك الفكرة نكون قد اقتسمنا الخوف بيننا. يغيب عنى ادم فى الامسيات وياتينى فى الصباح بحكايات وحكايات عن ذلك الشاب البعاتى, ياخذ الكاميرا معه يوم ويرجعها الى فى اليوم التالى ونحن فى حالة هذا الرعب والخوف الكثيف جمعنا كل معلومة تخص هذا الكائن العائد من الموت, عرفنا ان البعاتى لا يمكن ابدا ان تهرب منه, كلما ركضت منه تجده امامك واذا حدث واشتبكت معه فى عراك فهو الغالب دائما وانت المغلوب لانك اذا رميته على الارض فستجده من فوقك, عرفنا ايضا ان صوت البعاتى به (نخنخة) وذلك من اثر القطن الذي يوضع على انف الميت عادة وجاءنى ادم بفكرة غريبة لم املك الا تنفيذها وهى ان ظهر لك البعاتى فما عليك الا ان تغرز الابرة على أى نعل مقلوب, لذلك حين تكون الكاميرا معى ومتوقعا حضور ذلك الشاب البعاتى, اجهز تلك الادوات, الكرتونة الصغيرة وعليها تلك الابر وفردتى شبطى البلاستيكى دائما تحت مخدتى وهكذا يفعل ادم ذلك حين تكون الكاميرا معه. تنقلت بيننا الكاميرا وتنقل ايضا ذلك الخوف وذلك الرعب وهانذا استلقى مرعوبا على سريري وبى من ذلك الانتظار – السريالى – انتظارى لهذا الكائن العائد من موته, بى من ذلك الانتظار تلك اليقظة ذات التوقع المخيف, اتحسس بيدى اليمنى كرتونة الابر وبيدى اليسرى فردتى الشبط واتاكد تماما من وضعهما بالمقلوب استعدادا لغرز الابر على الشبط البلاستيكى وانتظر وانتظر وانتظر وبى كل مخاوف الدنيا. وفجأة احس بحركة على الشباك ولا تملك اصابعى تلك المرتجفة وهى تمسك بكرتونة الابر وفردتى الشبط تحت مخدتى, اتشبث بادواتى الدفاعية تجاه هذا الكائن المخيف واحس براسى قد تنمل وفجاة احس بخبطة على الشباك واحس بشئ يقع على صدرى واصرخ, اصرخ, اصرخ بكل خوف الدنيا. اصرخ واغرز ابرة عليثى الشبط المقلوب, اصرخ واغرز ابرة اخرى, اصرخ واغرز, اغرز واصرخ, اصرخ واغرز كل الابر على فردة الشبط, صرختى ايقظت كل من فى البيت وحين جاءت امى وهى تحمل فى يدها بطارية وحين فتحت الغرفة سقط ضوء البطارية على ذلك القط الذى قفز على صدرى من الشباك, وجدتنى امى منكمشا عليثى السرير من الخوف مبتلا من العرق واحمل فى يدى فردة الشبط التى تحملت كل تلك الابر. فى الصباح حملت معى الكاميرا الى المدرسة كى اسلمها لصديقى ادم سحنون وكأنى فجاة قررت ان افعل شيئا اخر وهكذا و امام دهشة ادم حطمت تلك الكاميرا على حجر كبير ولم يملك ادم الا ان يحتج وهو يحدق فى الشظايا الزرقاء التى كانت قبل قليل كاميرا, احتج ادم وبصوت مشروخ بالهواجس : – ( يعنى كان جانى اقول ليهو شنو ؟) . ———–. * من نصوص كتاب التداعيات الرابع (كادوقليات) الصلدر فى العام 2021 عن دار (ويلزهاوس) بجنوب السودان
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة... https://www.medameek.com/؟p=163567https://www.medameek.com/؟p=163567 .
|
|
 
|
|
|
|