|
Re: اوسكار وايلد في السجن (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
انا اقرأ .. إذا أنا أحيا علي حسين
في ظهيرة يوم ممطر من شهر تشرين الثاني عام 1895، وقف أوسكار وايلد بانتظار القطار الذي ينقله الى السجن، كان قد حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة عامين بتهمة الأفعال الفاضحة، شاهد المارة الكاتب الشهير مكبل اليدين، في السجن تمت مراعاة مكانته فكلف بمهمة مساعد أمين المكتبة، مما أتاح له فرصة نادرة للحديث مع السجناء عن موضوع محبب الى نفسه، وهو القراءة. في الوقت نفسه أخذ يقدم نصائح ممتازة عن الكتب لمن يريد أن يقرأ من السجناء. التقارير التي كانت تقدم عن وايلد في السجن تقول انه كان منهمكاً في إعادة قراءة الكلاسيكيات المحببة الى نفسه، فقد طلب أن يحصل على سبع كتب أبرزها الكوميديا الإلهية لدانتي، ويكتب في رسالة الى شقيق زوجته إن : "الحرمان من الكتب فظيع مثله مثل الحرمان الجسدي في حياة السجن الحديثة، هذا الحرمان الجسدي لا يُقارَن بالحرمان التام من الأدب بالنسبة لشخص كان الأدب له أهم شيء في الحياة، الشيء الذي يمكن من خلاله إدراك الكمال، ومن خلاله وحده يمكن للعقل أن يشعر بأنه حي". وفي عريضة قدمها الى وزير الداخلية شرح وايلد معاناته من نقص الكتب التي هي اساسية لكي يحافظ الانسان على توازنه العقلي. وقد سمحت له ادارة السجن بقراءة كتابين في الأسبوع، ولكن مكتبة السجن صغيرة جدا، فتم السماح له بادخال كتب جديدة، فطلب روايات غوستاف فلوبير وكتب ارنست رينان، وبعض مؤلفات شكسبير ورواية ثيربانتس " دون كيشوت "، وكتب سبينسر واشعار كيتس ومؤلفات افلاطون ونسخة من الانجيل، ومجلد يضم أعمال من المسرح الاغريقي، ونسخة من ألياذة هوميروس، ويكتب في احدى رسائله إن :" "الكوميديا الإلهية" لدانتي فوق كل الكتب ساعدته على فهم العالم البشع للسجن، لقد قرأت دانتي من قبل كل صفحة فيه، لا المطهر ولا الفردوس كانا يعنياني... ولكن الجحيم! ما الذي يمكنني فعله سوى أن أعجب به؟ الجحيم، ألم نكن ساكنين فيه؟ الجحيم: كان هو السجن". بعدما قضى العام الأول من مدته، وضع وايلد مقترحات بشأن أفضل الكتب التي على السجناء الاطلاع عليها، وقد قسم قائمته الى ثلاثة اصناف من الكتب. يضم القسم الاول الكتب الواجب قراءتها ويضع وايلد الكوميديا الالهية والياذة هوميروس ودون كيشوت في المقدمة بعدها رسائل شيشرون وكتاب رحلات مارك بولو ومذكرات سان سيمون ورواية مدام بوفاري وصومعة بارما لستندال. أما القسم الثاني فيضم الكتب التي تستحق أن تُقرأ مثل مؤلفات افلاطون ودواوين كيتس وكتاب دليل المرأة الذكية لبرنادشو. الى جانب هذين القسمين يضيف وايلد قسماً ثالثاً وهو يخص الكتب التي يجب ان لاتُقرأ، وهو يقول :" مثل هذه القائمة بالكتب السيئة ضرورة مهمة، خصوصا اننا نعيش عصر يقرأ كثيرا الى حد إنه لم يعد له الوقت ليتعجب ويفكر، ويطالب كل قارئ كتب أن يضع قائمة بأسوأ مئة كتاب ليجنب الشباب فوضى القراءة غير النافعة " يمكنني أن أتذكر الأنفعالات التي ولّدتها اول الكتب في نفسي، هكذا كتبت فرجينيا وولف في رسالة عام 1918 ، وجهتها الى قارئة تسألها عن أهمية الكتب في حياة الانسان..اعتادت وولف أن تقرأ في الصالة الخضراء في منزلها الذي اشترته ، بيت بسيط في إحدى القرى مشيد بالحجر وسط حديقة كبيرة، حيث كان هذا البيت بالنسبة لها ملجأ للهدوء والطمأنينة :" هذا البيت عبارة عن مركب يحملني فوق أمواج القراءة والكتابة المقلقة والمخدرة في آن واحد ". منذ أكثر من اربعين عاماً ، أجد نفسي كل جمعة أذهب الى شارع المتنبي ، مثل محب يذهب للقاء محبوبته ، دون أن يدري ما المفاجأة التي بانتظاره ، وفي كل مرة كنت اشعر بنشوة غريبة لحظة النظر الى الكتب ، وغالباً ما كانت الأغلفة تقذف بي الى عالم مجهول ، بينما كنت أرغب بكل كياني أن أغور في أعماق هذه الكتب ، وحين أتمكن من الحصول على كتب جديدة ، يبدأ قلق آخر ، البحث عن عناوين جديدة آخرى ، كنت أًبحث في رفوف المكتبات مرهوباً بالأسماء ، هذا تولستوي وذاك ايمانويل كانط ، هنا يقف جان جاك روسو الى جانب هنري برغسون ، من بعيد ينظر اليهم سارتر ساخراً ، فيما فكتور هيجو لاتحلو له الصحبة الى مع بلزاك . في زاوية ما يقبع الجاحظ فيما يندب ابو حيان التوحيدي حظه ، كنت مثل طفل ضائع وسط غابة كبيرة ، يتطفل النظر في وجوه الآخرين ، شعور بالسعادة يغمرني ، وأنا أمارس لعبة بعث الكُتاب الموتى من قبورهم . الآن بعد كل هذه السنوات أسال نفسي ما الذي استفدته من القراءة عندما كنت صبياً، لقد أطلقت هذه الكتب العنان لمخيلتي، ومنحتني عالما جميلاً، منسجما، وأيا كانت مكاسبي من القراءة، فانها ستظل الشيء الوحيد الذي لايزال يسحرني ، يكتب هنري ميللر إن الخيال هو طريقة غير مباشرة للإقتراب من الحياة، ولإكتساب رؤية شاملة للكون
| |
 
|
|
|
|