كتب رشاد عثمان قبل ٤ ساعات في الفيسبوك " يا شيخَ عندي مسألة " …
بهذا التساؤل الذي استمزجه فتحي البحيري من قراءاته لأبي حيّان التوحيدي مستخدماً حُجج وأدوات أرسطو الأولى في نقد النصوص التأسيسية … عرفتُ فتحي البحيري شاعراً فيلسوفاً .. ومناضلاً ضد الإستبداد - كما أبدع في تعريفه الكواكبي - ومنافحاً ضد الدوغمائية الدينية بالفطرة ..
كان فتحي البحيري .. ضد الإستبداد … في بلاد لا ينجيك فيها منه … غير أن تتصالح مع استبداد أدنى منه درجة … وأقل منه وطأة !! ..
وكنتُ قد التقيته قبل أن يبدأ كتاباته الجادة .. التقيته في حفل تاريخي يليق بليالي الخرطوم قبل أن ينعق فيها البوم … في أمسيةٍ "غازلت دموعها حديقة في الخيال " في قاعة الصداقة بالخرطوم .. أمسية كان نجمها محمد عثمان وردي .. قابلتُ فتحي لأول مرة … وعقد الثمانينات من القرن الماضي يتصرّم .. قبل أن تطل علينا سخائمُ العهد الغيهب
" فداً لعيني طفلة غازلت دموعها حديقةً في الخيال شمسك في راحتها خصلة طريّة من زهر البرتقال والنيل ثوبٌ أخضرٌ ربّما عاكسه الخصر قليلاًَ فمال" ...
هل ترى وتستمزج .. كيف وصف الفيتوري إنحناءات النيل المقصودة .. لتهارقا وبعنخي منذ الأزل ؟!!
كان نصُ الفيتوري .. ثم المعالجة الأسطورية التي أبدعها محمد وردي .. هما محور النقاش ….
ومنذ ذلك التاريخ … تعرفت على "متصوّف النضال والسياسة والأدب الرفيع " فتحي البحيري …
ها أنت ترحل يا محبوب "من باب الحياة لي باب المنون " .. في جنوب ام درمان لأنك لا تجد التطبيب والدواء في قلب عاصمة دولة المشروع الحضاري !!
ما زال صوتك طازجاً في أذني ونحن نتندر في حديثنا مع بدايات الحريق عن ابتذال البعض من مستجدي السياسة وأرباع المثقفين لدولة ٥٦ !!..
" حليل دولة ٥٦" !! ..
فما أن خرج الأنجلوساكسون من السودان في ٥٦ … سودان الباشا الألباني محمد علي … حتى بدأ أحفاد عمارة دنقس وعبد الله جمّاع في ممارسة التداعي الحر .. والسقوط عموديّاً عبر الأزمنة - كعادتهم في التفوّق على السريالية - عائدين به تدريجيّا. إلى ماقبل ١٨٢١ ،.. إلى عهود حروب القيمان !!
قلتٰ لك حين جَرّ السؤالُ السؤالَ وانسكبت المجاعة في العقول؛
السودان باقٍ - استراتيجياً - بأرضه ونيله … وسيعود الجدب والإدقاع الحضاري إلى صحراء العرب التي سينضب نفطها عما قريب …
كنتَ ناقداً موسيقيّاً من طينة الكبار … حينما انتبهت إلى فداحة الغزو … وأنت تحاورني في صباحٍ بديع ( بنش في المين رود قُبالة قانون ) … في منتصف تسعينات العقد الذي تصرّم … وكيف انتصرت طبول إفريقيا العظيمة على "دفوف العرب " في مديح سوداني مهول من سنخ " يا ليلة ليلك جَنّ .. معشوقك أوّه وأنَّ " ونحن نربط ذلك بما كتبه محمد أبو القاسم حاج حمد عن الارتباط العضوي لمولّد (محمد المهدي المجذوب) مع رصفائه في إفريقيا .. لا مع أصحاب اللغة (عمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد ) !! … كان "ذاك الصباح " بعد ليلة بديعة لعقد الجلاد .. أظنها - والذاكرة خؤون - كانت في المجمع الطبي ….
يا محبوب …. أي عبث أكثر من أن تموت وأنت لا تجد الدواء … في (نواحي ام درمان) التي عشتَ حياتك كي تجعلها عصية على السقوط ….
السقوط الأخلاقي قبل السقوط العسكري .. فقد سقطت أم درمان من قبل عسكريّاً دون أن تسقط أخلاقيّاً !!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة