Quote: غضب [1 نوفمبر 2019] يواجهنا سؤال هام وهو: هل كان سقوط المشروع الحضاري الإسلاموي وفضح إفلاس فكر الحركة الإسلاموية أمراً حتمياً لا يمكن تجنبه؟ نعم بالتأكيد، وذلك بحكم النشأة ومسار التطور والقوى الاجتماعية المكونة لها والمنفذة للمشروع .. ولذلك أرفض التساؤل الإنفعالي الساذج: “من أين أتى هولاء؟”، لأنهم من قلب المجتمع السوداني ومن صميم عقله الغيبي. وهم قطاع أساسي من فئة "الأفندية" السودانية أو البورجوازية الصغيرة التى تربّت في كنف الدولة الكولونيالية التي نعتوها لاحقاً بـ "العلمانية" بعد أن استفادوا من كل خيراتها وامتيازاتها، بل كانوا الأكثر تكالباً على فوائض أموالها متحكرين في مركز "الميري" ومتمرغين في ترابه وقد أدركوا مصالحهم مبكراً، فدخلوا مدرسة المُبشِّر لأن "معهد وطني العزيز" لا يحقق أحلام الأفندية .. وحتى في بعثات الدراسات العليا، فضلوا دراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية فى لندن وأدنبرة. نشأت الحركة الإسلاموية في المدارس والجامعات وليس في الأرياف أو الورش .. الثورة المهدية، كحركة إسلامية، كان وقودها فقراء الريف والرعاة لذلك قدمت التضحيات ولكن الأفندية أصحاب شعار "كوَّن نفسك"، همهم البنيان العالي والسيارات والنساء، وتسيطر عليهم شهوة البطن والفرج .. وجدوا ضالتهم ومثالهم في الأفندي الأكبر "شيخ حسن" القادم من باريس، وبالتالي يكف عنهم شر تهمة الرجعية والتخلف ويصك لهم أيديولوجيا تلفيقية بعيدة عن الطائفية والصوفية والشيوعية .. يكتب حسن مكي: (الدولة القائمة على فصل السلطات وتعددية سياسية وحريات وفكرة المواطنة كأساس للحقوق. هذه ثمرة من ثمرات الفكر السياسي الإنساني ترد في كل الدساتير، والسؤال أليست هذه أفكار علمانية؟، لأن هذا هو أساس الفكر الإنساني العلماني ولكن السؤال هل هذه الأفكار مستمدة من الفكر الإسلامي وهل تتماشى معه، بالنسبة للترابي الاجابة نعم لأنه استند عليها في الدستور الذي كتبه وأجازه ورهن حياته السياسية له، إذن هذا هو تجديد الترابي، إرجاع هذه الأفكار المعروفة والمتفق عليها والمتداولة كعملة إسلامية ولكن هل هي عملة إسلامية أم مجرد محاولة تلفيق، وهذه ستظل نقطة حوار ونقاش وسط الإسلاميين وغيرهم بين الذين يرون الترابي مجدداً إسلامياً فذاً وبين الذين يرونه ملفقاً كسا أفكاراً علمانية ثياباً إسلامية، ولكن في ذروة قوة الترابي في الدولة لم يسعَ في درب بسط الحريات وتجاهل هذا الأمر - لمحات من مسيرة الحركة الإسلامي، 2017:137). لم تهتم الحركة بإنتاج الأفكار أو تأسيس حركة فكرية وهذا سلوك أفندوي منذ مؤتمر الخريجين، كما لم تهتم بالتربية الروحية لعضويتها وهذا وضع متوقع لأن القيادة انحازت لنهج الوصول للسلطة السياسية بأيّة وسيلة على حساب نهج تربية المجتمع .. هذا وضع متوقع لأن الحركة اعتبرت إنتاج الفكر فرض كفاية إذا قام به البعض(شيخ حسن) سقط عن الباقين. وللمفارقة اجتهدت الحركة في نشر الإعلام الهابط في فترة الديمقراطية الثالثة وأدخلت صحافة الشتم وسوء الأدب للحياة السياسية كوسيلة لاغتيال الشخصية والتمهيد للإنقلاب بالتقليل من قيمة الديمقراطية وجدواها، وهذا هو الإسهام "الفكري" الوحيد للحركة الإسلاموية .. وحين سطا الإسلامويون على السلطة لم تكن لديهم رؤية فكرية ولا استراتيجية، فأخضعوا البلاد لسياسة التجربة والخطأ. ولكنهم في نفس الوقت تعاملوا مع البلاد كفاتحين لبلد غير مسلم فاستباحوا أمواله وضاع الحد الفاصل بين المال العام والخاص وصار الاعتداء على مال الدولة فعلاً عادياً وتم تطبيع الفساد واكتفت اليوتوبيا التي بشرت بدولة المدينة باختزال الإسلام في جلدالسكارى والفتيات لابسات الملابس القصيرة، وفي منع الربا. كذلك عرف السودان في عهد المشروع الحضاري اكتظاظ دار المايقوما بالأطفال مجهولي الوالدين، وانتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي. جاء في تقريرصحفي: (حذّر حسن عثمان رزق - القيادي بالمؤتمر الوطني والمرشح السابق لموقع الأمين العام للحركة الإسلامية بولاية الخرطوم - حذّر في تصريح لصحيفة آخرحظة الصادرة يوم 31 يناير 2013 من تزايد حالات زواج المثليين بالبلاد، وتفشي معدلات الاصابة بمرض الإيدز، ودعا لمتابعة الأطفال في مرحلة الأساس وفي رياض الأطفال وأن تكون هناك مطالبة بمتابعة دقيقة لمعرفة ما إذا كان هناك أشخاص يضايقونهم أو يتحرشون بهم، محملاً الحكومة والمجتمع والمؤسسات التعليمية بالبلاد مسؤولية تزايد حالات الاغتصاب وسط الأطفال) .. وكان أعضاء بالمجلس الوطني أكدوا في جلسة إستماع لتقرير لجنة الشئون الاجتماعية والصحية والانسانية وشئون الاسرة بالمجلس، يوم 1مايو 2013، تنامي ظواهر الدجل والشعوذة والتطرف، وقال عضو المجلس إبراهيم نصر الدين البدوي: (البلاد تشهد إرتفاعاً في معدلات زواج المثليين وإنتشار مرض الإيدز وحالات الدجل والشعوذة - حريات، صحف يوم 31 /3 /2014)، كما قال خبراء أن (3) الف حالة إعتداء جنسي ضد الأطفال دونت بالمحاكم، وأن (80)% من الأطفال يتعرضون للتحرش الجنسي! .. وقالت الناشطة الدكتورة صديقة كبيدة، في تدشين مبادرة "لا للصمت" التي أطلقها مركز الفيصل الثقافي: (الإعتداء الجنسي على الأطفال يتم من داخل الأسر والمدارس، وحتى المساجد التي باتت تشكل خطراً على الصغار)، وأضافت: (لا بد من ورش توعية للمعلمين والأمهات وائمة المساجد بمدى خطورة هذه الاعتداءات الجنسية على الأطفال)، مؤكدة أن (الحالات المدونه بالمحاكم وصلت الى 3 الف حالة)!! هذا هو الحصاد المر لتجربة المشروع الحضاري - أو الديستوبيا الإسلاموية - وبالتالي وفاة الحركة الإسلاموية ووداعها بلا أسف عليها محملة بالعار، لأنها أذلّت هذا الشعب العظيم عمداً ومع سبق الاصرار. في وداع الحركة الإسلاموية (3) مشروع الفساد والإنحلال د.حيدر إبراهيم علي
01-08-2024, 10:35 AM
Yasir Elsharif Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 51129
مقال الدكتور حيدر ابراهيم علي "في وداع الحركة الإسلاموية"، بأجزائه الثلاثة بدا نشره في بعض الوسائط في يونيو 2018. وهذا هو الجزء الأول من الراكوبة:
Quote: في وداع الحركة الإسلاموية: خراب الوطن والدين (1) 4 يونيو، 2018 فيسبوك X
حيدر إبراهيم علي
ظلَّ الإسلامويون السودانيون في الفترة الأخيرة يتبارون في نقد حركتهم بما يشبه نعيها بأسلوبٍ رحيم متجنبين صدمة الفراق والفقدان ثم دفنها بجلالٍ واحترام ولكن الوفاء ليس من شيم الإسلامويين، وفي هذا الصدد يكفي النظر لشعائر قتل الأب في مفاصلة عام 99 الشهيرة واعتقاله وإذلاله، ولعل الأب نفسه لم يستغرب فعلتهم تلك لأنها نتاج تربيته .. كان علي الإسلامويين لو كانوا أناساً طبيعيين – بعد النقد والشجب الذي كالوه لمشروعهم الحضاري – أن يكرموه بالتشييع اللائق.
ليس من أغراض هذا المقال لوم أو إدانة الإسلامويين فهم يستحقون الشفقة والعطف أكثر من اللوم والإدانة، وحالهم الآن أقرب إلى شخوص تراجيديات سوفوكليس الإغريقية أو إلى هاملت شكسبير: ضائعون، حائرون، مترددون وممزقون داخلياً .. كانوا يبشرون بيوتوبيا إسلامية في السودان، فإذا بها تتحول إلي ديستوبيا (dystopia)، وعدوا بالمدينة الفاضلة فجاءوا بالمدينة الفاسدة، أعلنوا أنهم يريدون استعادة مجتمع المدينة المنورة، ولكنهم شيدوا مجتمع المدينة المظلمة حرفياً بانقطاع الكهرباء ووأد التنوير.
رجعت إلى تصورات منظري الحركة في السنوات الأولى لتطبيق ما يسمى بالمشروع الحضاري الإسلامي، (مجلة قراءات سياسية الصادرة عن مركز دراسات الإسلام والعالم، Tampa، العدد الثالث السنة الثانية صيف 1412-1992)، حيث كتبوا عن السودان وتجربة الإنتقال للحكم الإسلامي، وفي هذا السياق يقول التيجاني عبد القادر عن سرية وضعف نظام الإنقاذ في البداية: (بالرغم من المدارة والترفق والتمسك بشعرة معاوية، فإن للإسلام شعائر لابد أن تظهر وحدوداً لابد أن تقام ولهجة لابد أن تُعرَف، والقرآن يذكِّر المسلمين بأن الذين أوتوا الكتاب من قبلهم يعرفون الإسلام كما يعرفون أبناءهم – الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم – لقد عُرِفَت الانقاذ منذ عامها الأول بأنها ذات صبغة إسلامية وصارت تُعامَل علي هذا الأساس)، ثم يواصل قائلاً: (وأمام الضغوط الداخلية والخارجية لم يكن أمام ثورة الإنقاذ إلا أن تحتمي بالعمق الشعبي، أي أن تنقل جمهور المسلمين من هامش الحياة إلى داخل حلبة الصراع متجاوزة الأعراف الاستعمارية والأطر النظامية التقليدية التي كانت تمر عبرها السلطة والثروة ولكى تتضح منهجية التجاوز هذه، يمكننا أن نذكر النماذج التالية التي سارت عليها ثورة الإنقاذ: أ- الدفاع الشعبي، ب- الدبلوماسية الشعبية، ج-الغذاء الشعبي، د- التعليم الشعبي المستمر، هـ- نطام المؤتمرات الشعبية .. غير خط الحركة الإسلامية الحديثة المتمثل في تفكيك دولة ما بعد الإستقلال العلمانية وإعادة ربطها بمنظومة المفاهيم والقيم الإسلامية – ص53) وهنا خطيئة الإسلامويين الكبرى، فقد قاموا بتفكيك الوطن والمجتمع وليس الدولة العلمانية المتوهَمة التي أدارها حزبان دينيان طائفيان منذ الاستقلال عام 56 .. وما لبث التيجاني أن أصبح من أوائل المُحبَطين حين تساءل مبكراً: (العسكريون الإسلامويون، أمناء على السلطة أم شركاء فيها؟)، ثم صار يكتب عن الفتنة لوصف الوضع الذي بشر بخيراته.
أما المقال الآخر في تلك الإصدارة، فقد كان لمحمد محجوب هارون الذي كان وقتها متحمساً ونشطاً بين لندن والخرطوم، قبل أن يدفن في حفر الإسلاميين العديدة والخبيثة .. كان مقاله بعنوان: (المشروع الإسلامي السوداني “1989-1992” حصاد التجربة وآفاق الغد – ص59)، والذي ختمه بقوله: (إن ثورة الإنقاذ تطرح مشروعاً حضارياً مضامينه إسلامية، ووسائله إعادة تفعيل الدين وتشغيل دينامياته وتحريك سكونه، وغايته بناء مجتمع إسلامي معاصر في أمثل صورة).
أما عبدالوهاب الافندي، فقد كان من أوائل المطالبين بالنقد الذاتي بعد اكتشافه لـ (السوبر تنظيم) وظل ناقداً مثابراً للتجربة، ولكنه رغم ذلك يقول أنه ما زال إسلامياً !! .. لقد حيرتني هذه المكابرة، ولكنني تذكرت أنهم أبناء الترابي.
وقفزت إلى ذهني الحادثة الموحية وذات الدلالة والتي رواها الشيخ/ عيسى مكي عثمان أزرق في كتابه (من تاريخ الإخوان المسلمين في السودان)، حيث يقول في ص 105: (أثيرت قضية الأخ الركابي التي فحواها شكواه من التصريح الذي نشره حسن الترابي في شأنه بخصوص مهاجمة الصادق المهدي فيما يحتص بقضية فلسطين، فقد صرح الترابي أن المحرر الذي هاجم الصادق “محرر غير مسؤول” .. وطالب الركابي في شكواه لأعضاء المجلس برد اعتباره أمامهم بصفته المسؤول عن الجريدة “الميثاق”، لأن التصريح المنسوب لأمين عام جبهة الميثاق فيه إساءة له .. وعندما طلب الحاضرون من الأخ حسن أن يعتذر له، رفض حسن بحجة أنه لم يتعود أن يعتذر أمام الملأ !!، وأحيل الأمر للمكتب التنفيذي لتتم معالجته هناك).
المقال القادم: (الإسلامويون والمكر السيىء)
01-08-2024, 10:38 AM
Yasir Elsharif Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 51129
Quote: في وداع الحركة الإسلاموية (2) الإسلامويون والمكر السيىء 10 يونيو، 2018 فيسبوك X
حيدر إبراهيم علي
يمكن أن نفهم الخراب الذي ألحقه الإسلامويون بالسودان لو عرفنا موقفهم من فكرة الوطنية والقومية، فالإخوان المسلمون لا يؤمنون بالوطن بل بالأمة الإسلامية. أثناء حكم الرئيس الإخواني، محمد مرسي في مصر، تناقش صحفي مع مسؤول قيادي في جماعة الإخوان – أظنه البلتاجي – الذي أطلق عبارته السوقية الشهيرة: “طظ في مصر” رداً على ذلك الصحفي عندما أشار لأولوية مصر وضرورة تنميتها .. وفي السودان كان لهم نفس الموقف تجاه الوطن ولكنهم دأبوا علي التقية والمكر وتجنب المواجهة. ولكن الموقف جاء جلياً في كتاباتهم، ولاحقاً في ممارستهم عندما حكموا. يكتب خالد موسى دفع الله: (الأصل في الولاء أن يكون للأمة الإسلامية باعتبارها الكيان العقدي والهوية الاعتقادية، وذلك نصرة للإسلام والمسلمين – إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا – والولاء الواجب على المؤمنين لا ينبغي أن يكون محصوراً في طائفة من المؤمنين بل هو ولاء للأمة الإسلامية بكاملها ويحرم على المؤمن أن يكون ولاؤه لغير المؤمنين – ومن يتولهم منكم فإنه منهم – ولا تكون نصرته وفكرته وطاقته وعمله لغير المسلمين. ولا يجوز للمسلم أن يختصر ولاءه في طائفة مخصوصة وجماعة محدودة بل ولاء المؤمن مسخر لكل أهل العقيدة الإسلامية والتوحيدية “لا مجال هنا لحق المواطنة بل حق العقيدة فقط” – كتاب فقه الولاء الحركي، مطبوعات الحركة الإسلامية الطلابية، 1995:86)، فلا يأتي أي ذكر لما يسمى الوطن، وهذه الرقعة الجغرافية (السودان) في نظرهم مجرد مسرح للعمل الإسلامي الذي يقسمه الترابي إلى مراحل: الأولى هي مرحلة الدعوة، الثانية حين يتجسد التيار في جماعة منظمة والثالثة حين تستوي الجماعة فتصبح حركة فاعلة في المجتمع، أما الرابعة فهي مرحلة التمكين والاستخلاف (مجلة منبر الشرق عدد مارس1992،ص17) .. ويصل خالد موسى إلى نفس الغاية حين يكتب نفس الكلمات حرفياً في وصف هدف الجماعة: (التمكين والاستخلاف ونشر الدعوة – ص16)، ثم يفصِّل قائلاً: (جاء الخطاب القرآني في التكليف وتطبيق التشريع الإلهي بلسان الضمير الجمعي – وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله – المصدر السابق نفسه).
ولم يكن من أهداف الإسلامويين المساهمة مع القوى السياسية الأخرى في بناء دولة مواطنة قوية ديموقراطية موحدة ومتطورة في وطن حديث الاستقلال بل كان هدفهم الاستيلاء علي هذه الرقعة أو “الثغر الإسلامي” وتحويلها لحقل تجارب أو معمل لتجربة إسلامية في الحكم، أو بالأصح مغامرة كارثية أسموها مشروع حضاري.
بدأ مكر الإسلامويين، أو هندسة المؤامرة، في وقت مبكر عندما أدخلوا البلاد في نفق مظلم باسم معركة الدستور الإسلامي مدشنين تديين السياسة السودانية معاكسين لتوجه الحركة الوطنية القومي كما جسده مؤتمر الحريجين والأحزاب الوطنية متهمينهم، زوراً، بالعلمانية .. كانت البداية دعوة جماعة التبشير الإسلامي لاجتماع بأمدرمان يوم10/12/1955، ثم اجتماع آخر في 11/12/1955 دُعيت إليه جماعات ذات توجه ديني مثل إتحاد الختمية وهيئة الأنصار (لاحظ أن الدعوة ليست للحزب الوطني الاتحادي ولا حزب الأمة)، أنصار السنة، خريجو المعهد العلمي، صوت الإسلام، جماعة القرض الحسن، الجمعية الخيرية الإسلامية بالخرطوم، جماعة المحافظة على القرآن بأمدرمان، مؤتمر الهيئات الإسلامية، جماعة التبشير الإسلامي والإصلاح، جماعة المحافظة على القرآن بشمبات، جماعة السيرة المحمدية .. وهذه ليست كيانات مؤثرة، بل غير معروفة في العمل العام، ولكن القصد كان دعائياً للإيحاء بوجود تيار عريض يطالب بالدستور الإسلامي .. وقد مثلت تلك المبادرة إنحرافاً خطيراً في أولويات الحركة الوطنية الناشئة بعد الاستقلال، فعوضاً عن جعل الأولوية في الخطاب السياسي للوحدة الوطنية ومشكلة الجنوب والتنمية، شغل الإسلامويون الجماهير بنقاشات الدستور الإسلامي العقيمة، علماً بأنهم لم يقدموا أي مقترح مكتوب أو مسودة لهذا الدستور .. وفي هذا الصدد يكتب حسن مكى: (ونجحت الحركة الإسلامية في ذلك الوقت المبكر في إقامة الجبهة القومية للدستور الإسلامي وحشدت فيها حتى راعيي الحزبين الكبيرين، السيد على الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي، بالإضافة إلي كيان أنصار السنة وكيان الطرق الصوفية – لاحظ التناقض والانتهازية في الجمع بين الاثنين – والشخصيات والبيوت الدينية. وهكذا ولدت الحركة الإسلامية في صيغة جبهوية مشدودة إلى الآخر معلنة تبنيها لكل ما هو قابل للتنظيم والتشكل … مبررة استعدادها للتحالف مع الجميع في إطار فهم مشترك للإسلام، ولكنها تجاهلت خطاب المواطنة الذي يستدعي الآخر غير المسلم وعلى الأخص في جنوب السودان وجبال النوبة -كتاب لمحات من مسيرة الحركة الإسلامية. الخرطوم2017:43) .. ويتأكد تأميم التوجه السياسي الوطني وتزييفه في قول مكي: (وقد أدت هجمة الحركة الإسلامية على قضية التغيير الإسلامي من زاوية الدستور الإسلامي إلي حشد شعبي ضخم مؤيد لهذا الشعار على اختلاف التوجهات العقدية والسياسية، وأصبح شعار الدستور الإسلامي، منذ ذلك الوقت في عام1955، في جدول أعمال القوي السياسية السودانية – نفس المصدر السابق). وبسبب غياب البعد الوطني وعدم سودانية الإسلامويين، أعطوا أنفسهم الحق في الاحتيال وخداع كل ما هو سوداني يخالف إسلاميتهم فهم إسلامويون أولاً، وبعد ذلك قد يكونون سودانيين أو لا يكونوا، ويعتبر بعض الإسلامويين أن الفرد الأفغاني أو الباكستاني المسلم أقرب إليهم من مواطنهم القبطي أو العلماني. ويواصل حسن مكي معترفاً: (ويبدو أن شعار الدستور الإسلامي أصبح مطية لأن يصبح استلام السلطة أولوية. كما ستر شعار الدستور الإسلامي فقر الحركة الإسلامية، ليس فقط في باب البرامج السياسية والأجتماعية ولكن كذلك التربوية – ص71).
شكل عدم الإيمان بالقومية السودانية طريقة تعامل الإسلامويين مع الدولة السودانية القائمة، فقد قسمت نفسها في الممارسة إلي ظاهر وباطن في كل مراحل وجودها، كما يؤكد حسن مكي: (ظل ممثلو الإخوان يؤدون قسم الولاء للأجهزة الموجودة في الدولة ولكن يبدو أنه من واردات الفقه غير المعلن أو ربما الاعتبارات العملية الذرائعية جعلهم لا يعطوا هذه العهود أولوية، إذ استقر في وعي الكثيرين منّا أن العهد الأول هو مع التنظيم الذي هو جماعة المسلمين وبذلك فإن سلطان الولاء للتنظيم يجُبُّ سلطان كل ولاء آخر ولا تخل هذه العقيدة من اضطراب، ولكن لم تتم معالجة هذه القضية بصورة أصولية كما أنها لم تثير جدالاً وتم التعامل معها وكأنها من المسلمات – نفس المصدر السابق، ص 58). واستكمالاً لعملية المكر والمؤامرة، أسس الإسلامويون لأيديولوجيا إسلاموية ليس لها صلة بالدين رغم كل الإدعاءات، وظفوا فيها كل مظاهر سوء الطوية التي تميزهم مع خبث نادر .. قامت هذه الأيديولوجيا على خلق عدو متوهم تشحن ضده مشاعر العدوانية والعنف. فعلى سبيل المثال، باع الإسلامويون فكرة الخطر الشيوعي على البلاد، فكانت مسرحية حل الحزب الشيوعي التي أضرت بالتجربة الديمقراطية ثم أطاحت بها .. ولك أن تتصور أناساً تُسْتَفَز مشاعرهم الدينية مساء الخميس وتكون ردة فعلهم ظهر اليوم التالي في صلاة الجمعة!! .. إضافةً لذلك، ومن أجل تبرير تحطيم الدولة الناشئة ألصقت بها تهمة العلمانية، وفي المقال السابق قلت عنها أنها دولة الحزبين الطائفين .. وبالمناسبة الطائفية ليست شتيمة، ولكنها مصطلح سياسي علمي يصف واقعاً ملموساً فالطائفية هي ثالوث يساوي العقيدة والمال والسياسية، فلو اكتفى الختمية والأنصار بالراتب والأوراد لسميناهم “الطرق الصوفية” ولكنهم أضافوا للطريقة دائرة المهدي ودائرة الميرغني لتراكم المال، ثم الحزبين – الوطني الاتحادي وحزب الأمة – كما أن الناخبين يصوتون لأحد السيدين وليس لبرنامج انتخابي. هذا ما قصدته بالطائفية، فالسودان لم يعرف دولة علمانية تفصل الدين عن الدولة، فهناك باستمرار وزارة أوقاف ومعاهد دينية وكلية أو جامعة إسلامية وهيئة لعلماء الدين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة