أشهرت الولايات المتحدة العصا من دون الجزرة هذه المرة في وجه الحكومة السودانية، لردعها سياسيا، وحضها على العودة إلى طاولة المفاوضات مع قوات الدعم السريع، وكشفت معلومات حول تطور علاقتها العسكرية بكل من روسيا وإيران، وفرضت عقوبات جديدة على قائد عسكري كبير في الجيش السوداني.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية الخميس أن الجيش السوداني وضع شراء الطائرات المسيرة من روسيا وإيران في مقدمة أولوياته بدلاً من السعي لتحقيق السلام.
ويعتقد مراقبون أن البرهان وقادة المجلس العسكري فهموا التواصل الأميركي معهم في فترات سابقة على أنه انفتاح يسمح لهم بفعل أي شيء بما في ذلك مقاطعة لقاءات ترعاها الولايات المتحدة كما حصل مع لقاء جنيف، وعدم التعاون في مسار جدة.
وإذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد تحملت أسلوب الجيش في التهرب من المفاوضات والعراقيل التي يضعها أمام المساعي الأميركية، فإن قياديي المؤسسة العسكرية السودانية يبدو أنهم لا يقدّرون أن العلاقة العسكرية مع روسيا وإيران من المحرمات.
وفرضت واشنطن عقوبات على الفريق أول ميرغني إدريس سليمان، مدير عام منظومة الصناعات الدفاعية في الجيش السوداني، والمعروف أنه مسؤول مباشرة عن تمويل الجهود الحربية، ومن المقربين إلى قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
وذكرت تقارير سودانية أن الموقف الأميركي يشير إلى تحول واضح من حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، بعد أن تلقى الجيش اتهامات عديدة بأنه المانع الرئيسي لتحقيق السلام في البلاد، حيث يسعى للتصعيد بدلاً من وقف الحرب.
وقال وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بالوكالة برادلي سميث “إن الإجراء الذي اتخذ يؤكد الدور الأساسي الذي لعبه أفراد رئيسيون مثل ميرغني في شراء الأسلحة، وإدامة العنف، وإطالة أمد القتال في السودان”.
ومنذ بداية الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل من العام الماضي، منح الجيش السوداني أولوية لاقتناء الأسلحة من جهات مختلفة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، والعمل على دعم السفن الروسية لوجستيّا من خلال منحها مزايا في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، مقابل أن تقدّم إليه أسلحة نوعية، ما قلل من اهتمام قيادة الجيش بالتجاوب مع نداءات وقف إطلاق النار.
وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأميركية قد صنف في الأول من يونيو 2023 منظومة الصناعات الدفاعية في السودان كمسؤولة عن سياسات تهدد السلام والأمن في السودان أو متواطئة في ذلك أو شاركت فيه أو حاولت المشاركة فيه.
وفرض المجلس الأوروبي في يناير الماضي عقوبات على ستة كيانات ضالعة في الحرب، من بينها منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش السوداني.
ويقول مراقبون سودانيون إن تغيّر خطاب الإدارة الأميركية نحو التصعيد يعكس حرصا على تحميل الجنرال البرهان مسؤولية الفشل في إنهاء الصراع، ما يوسع العزلة الدولية المفروضة على السلطة العسكرية في البلاد.
ويضيف المراقبون أن استهداف الفريق أول ميرغني إدريس قد يفضي إلى تقليص الموارد المالية الضرورية للجيش، ويفرض ضغطا مضاعفا على القيادة العسكرية لإعادة تقييم موقفها، وحثها على الاتجاه نحو العودة إلى المفاوضات.
وتعزز الاتهامات بشأن السعي للحصول على مسيّرات من روسيا وإيران، ثم توسيع نطاق العقوبات لتشمل شخصيات مؤثرة وقريبة من البرهان، التوقعات بأن الولايات المتحدة شرعت في تبني مواقف أكثر حزما حيال الجيش وقائده، بعد أن أدركت أن لا طائل من التعامل معهما بمرونة؛ إذ لم يفلح أسلوب واشنطن في تغيير موقف الجيش وجعله يذعن لخيار المفاوضات، وقام بشن حملة عسكرية استعاد من خلالها جزءا من خسائره في الخرطوم.
وقال عضو تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) محمد الهادي محمود إن الولايات المتحدة تسير في خطوات تهدف إلى حظر الأسلحة المهربة إلى الطرفين المتصارعين، وإن الخطوات الأميركية الجديدة لها دلالات سياسية كبيرة، إذ أن الإشارة إلى استيراد الجيش مسيرات من روسيا وإيران تشي بأن واشنطن تدرك طبيعة ما يقوم به الجيش لإطالة أمد الصراع، غير أن المعطيات تؤشّر على أن تلك التصورات ليس لها تأثير ملموس في الواقع المرير على الأرض مع احتدام المعارك العسكرية.
وأشار في تصريح خاص بـ”العرب” إلى أن الولايات المتحدة تدرك أن طرفي الصراع اتخذا إجراءات لتقوية قدراتهما العسكرية بهدف الاستمرار في الحرب، وأن اتجاه الجيش نحو روسيا مثلا يساهم في توسيع رقعتها لتتخذ منحى إقليميا ودوليا أكبر، وهو ما تسعى الإدارة الأميركية الحالية إلى تقويضه، خاصة أن الأوضاع مشتعلة في منطقة القرن الأفريقي (معارك قبلية في إثيوبيا وتوترات في الصومال).
وأوضح أن الولايات المتحدة لم تعد تعول على الحلول السياسية كثيرا لإنهاء الحرب حاليا، وتفضل إدارة الرئيس جو بادين ترك المهمة للرئيس الأميركي الجديد (كامالا هاريس أو دونالد ترامب)، وهو أمر لا يخدم الأزمة السودانية التي تسير بسرعة كبيرة نحو الحرب الأهلية مع الانتهاكات المستمرة في ولاية الجزيرة مؤخّرا.
وأكدت نفيسة حجر، عضو هيئة محامي دارفور، لـ”العرب” أن تحركات الولايات المتحدة في جوهرها إيجابية وتشكل دفعا نحو إنهاء الحرب عبر تحييد مصادر استيراد السلاح المؤثرة، وأن القائمين على استيراد السلاح سيتوجب عليهم البحث عن وسطاء آخرين غير الذين ذكرتهم الولايات المتحدة في بيانها الأخير، واختيار أشخاص جدد يتولون مهمة توريدها، وفي الحالتين لن يكون ذلك بالأمر اليسير وسيكون بحاجة إلى ترتيبات قد تفلح في النهاية، لكن تعدد العقوبات يبرهن على أن الدائرة تضيق عليهم.
وذكرت أن خطوة العقوبات لن يكون لها تأثير كبير على أرض الواقع، إلا أنها أفضل من العدم، وتبرهن على وجود إرادة دولية تسير باتجاه التصعيد لدفع الطرفين إلى إلقاء السلاح، كما أن الولايات المتحدة تهدف إلى التأكيد على أنها تساعد الشعب السوداني على تحقيق رغبته في وقف القتال، وأن خطاب البرهان الذي دعا فيه المواطنين إلى حمل السلاح دفع الولايات المتحدة إلى إدراك خطورة الانزلاق الكامل نحو الحرب الأهلية في السودان.
وتم تأجيل زيارة المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريليو ومديرة الوكالة الأميركية للتنمية سامانثا باور إلى بورتسودان، والتي كانت مقررة مؤخرا.
العرب
10-26-2024, 02:08 PM
حيدر حسن ميرغني حيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 28867
عضو المنبر العام الدكتور واصل علي كان افضل من يحلل الاحداث والأكثر موثوقية في نقل الاخبار سنوات الصراع الكيزاني في دارفور حساب البرهان حظره من التعليقات .. - واحد من تعليقاته الظريفة
البلابسة قالوا له " انت دعامي" رد " نعم انا دعامي so what"
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة