|
Re: في يوم التمريض الدولي- تحية للضمير الحي في (Re: زهير ابو الزهراء)
|
"ممرضة النيل" (إهداء إلى الممرضات السودانيات)
يَا زَهْرَةً نَبَتتْ بِضَفَّةِ ألَمِ تَمْشِي عَلَى دَرْبِ الوَفَاءِ بِلا وَهَنِ
تَمْسَحُ آلَامًا عَلَى صَدْرِ جَرِيحِ وَتُنْبِتُ الصَّبْرَ كَنَبْتِ الرَّوَاحِنِ
فِي غُرْفَةِ المَوْتِ وَأَحْيَاءِ الحُطَامِ تَبْنِي حَيَاتًا مَا انْكَسَرَتْ بالرَّغَمِ
وَجْهٌ يُضِيءُ كَشُعَاعٍ فِي دُجَى وَصَوْتُهَا نِدَاءُ رَحْمَةٍ مُرْتَجَى
سُودَانِيَّةُ الرُّوحِ تُحْيِي الأَمَلَ تَمْحُو جِرَاحَ المَوْتَ بِالْوُرْدِ وَالعَسَلِ
تَحْنُو عَلَى الطِّفْلِ إِذَا ضَاعَ الْحَنِينُ وَتُنْقِذُ الشَّيْخَ مِنْ وَحْشَةِ الْيَأْسِ يُدْنِينُ
يَا مَنْ نَشَأْتِ عَلَى أَخْلَاقِ الْحِجَى فِي طِينِكِ الطُّهْرُ وَفِي قَلْبِكِ الْحِجَا
مَا بَيْنَ "فَاشِرْ" وَ"سِنَّارَ" الْحَنَايَا خُطَاكِ تَبْعَثُ فِي القُلُوبِ الرَّجَا
يَا مَنْ تُدَاوِي فِي الحُرُوبِ النَّزِيفَا وَتُعِيدُ لِلْحُبِّ الحَيَاةَ الْمَصِيرَا
لَكِ التَّحَايَا.. فِي سَمَائِكِ أُنْشُودُ مِنْ "الدَّمَرْ" لـ"أُومَدُرْمَانْ" تَعُودُ
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: في يوم التمريض الدولي- تحية للضمير الحي في (Re: زهير ابو الزهراء)
|
"بياض في زمن الرماد" قصة قصيرة بمناسبة يوم التمريض العالمي
لم يكن صباح ذاك اليوم عاديًا في مستشفى "النو" بأم درمان. كانت صفوف المرضى تمتد من البوابة حتى الداخل، بعضهم جاؤوا من أطراف المدينة، وبعضهم نازحون من مدن الحرب، وكلهم يطلبون شيئًا واحدًا: رحمة. في الزاوية الشرقية من قسم الطوارئ، كانت "سلمى"، الممرضة ذات الستٍّ والعشرين عامًا، تلفّ الضمادات حول ساق طفلٍ جاء من الحارة التاسعة. نزف كثيرًا في الطريق، لكنه ظلّ يمسك بأصبع أخته الصغيرة، وكأن الحياة كلها تكمن في تلك القبضة. سلمى لم تنم منذ ليلتين. طاقم التمريض ناقص، والمستلزمات شحيحة، والرواتب لا تصل، لكن هذا لا يُهم حين تصرخ أُمّ فوق رأسك: "ألحقوهو... بموت!"، أو حين تنظر إليك بنت في السادسة وتهمس: "هو بابا حا يصحى؟" كانت سلمى تقول دومًا في نفسها: "لسنا ملائكة. لكننا لا نملك ترف اليأس." وفي يوم التمريض العالمي، لم تأتِ كاميرات ولا ورد. جاء فقط شيخٌ طاعنٌ في السن، نجا من جلطة، وعاد يسير على قدميه. أصرّ أن يُهديها مسبحته، وقال: "ما عندي إلا دي... لكن انتِ، يا بتي، غرزتي فينا الحياة." ضحكت سلمى، وقبّلت المسبحة، ثم عادت تمسح جبين مريض آخر، وتكتب ملاحظة في ملفه الطبي. في الخارج، كان العالم يحتفل بيوم التمريض العالمي، لكنها لم تكن تحتاج إلى احتفال. كانت فقط تريد وطنًا لا يُشبه غرفة الطوارئ... ولا يُترك الممرضون فيه وحدهم في الحرب.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: في يوم التمريض الدولي- تحية للضمير الحي في (Re: زهير ابو الزهراء)
|
عظمة التمريض السوداني: كرامة تُنبتُ زهرًا في أرضٍ مُحترقة ليست العظمةُ في أن ترفعَ شعارًا أو تتباهى بمعداتٍ حديثة، بل في أن تُمسكَ بيدٍ ترتعشُ من الجوع، وأن تُنقذَ روحًا توشك أن تَنسلَّ من بين أصابع الزمن. هذا هو التمريضُ السوداني: فعلٌ إنساني خالص، يَصنعُ المعجزاتِ بلا أجنحةٍ ولا صولجان. التمريضُ هنا.. ليس مهنةً بل "ميثاق شرف" في بلدٍ يُقاسي ويلاتِ الحرب، حيث تُسرقُ المستشفياتُ قبل البيوت، يصيرُ التمريضُ فريضةً وجودية:ممرضةٌ تُرضعُ طفلًا يتيمًا بدمعةٍ بدل الحليب. ممرضٌ يَخترقُ خطوطَ القتالِ حاملًا صندوقَ إسعافٍ مُمزقًا. كفٌّ تمسحُ عرقَ الموتى قبل الأحياء.
هنا لا يُسألون: "ما راتبك؟"، وكيف نَجَوتَ اليوم؟.
. عظمةٌ لا تحتاجُ لشهادةٍ عالمية التمريضُ السوداني يُعلّمُ العالمَ أن البطولةَ الحقيقية تُولدُ حين:
تُحوّلُ الخرطومَ المدمرةَ إلى غرفةِ عملياتٍ مفتوحة.
تُمسي "دارفور" مخيمًا للعطاء رغم ذاكرةِ الدم.
تَرفضُ أن تَموتَ كرامةُ المريضِ حتى لو انقطعَ الأكسجين.
إنهم يُجرّبونَ معنى أن تكونَ "ملاكًا" في زمنٍ يَموتُ فيه حتى الملائكة. سؤالٌ للتاريخ: مَن سيكتبُ سيرتهم؟ لن تُخلّدهم الكتبُ الرسمية، ولن تُسمّي شارعًا باسمِ ممرضةٍ ماتت وهي تُخفي طفلًا تحتَ صدرها من القصف. لكنّ دماءَهم ستسيلُ في ذاكرةِ الوطن كـ نهرٍ خفي، يُنبِت على ضفافه جيلٌ يعرفُ أن الكرامةَ لا تُشترى، بل تُورَّث.
رسالة إلى العالم: هذا هو السودان لا تبحثوا عن عظمتنا في قصورِ الحُكام، بل ابحثوا عنها في عينَي ممرضةٍ لم تنم منذ ثلاث ليال، وفي يدَي ممرضٍ يَستدينُ ثمنَ القفازات ليمسحَ جرحًا.
نحنُ لسنا أبطالًا.. نحنُ بشرٌ اختاروا أن يَموتوا واقفين، كي لا يَسقطَ المريضُ جوعًا أو ألمًا.
العِبرة ليست في "السودانية"، بل في "الإنسانية" التمريضُ السوداني ليس استثناءً، بل هو مرآةٌ تُريكَ قدرةَ الإنسانِ على التجديف ضد بحر الموت. فإذا أردتَ أن تعرفَ معنى "العظمة"، فلا تنظر إلى الأضواءِ الساطعة في مستشفياتِ أوروبا، بل ابحث عن شمعةٍ تُحاربُ الظلامَ في غرفةِ طوارئِ الخرطوم.
هنا، حيثُ الحياةُ تُشترى بثمنٍ بخس، يُصبحُ التمريضُ أعظمَ رسالةٍ عرفها الإنسان: أن تُحبَّ حتى لو كان العالمُ كلُّه يُعلّمك الكراهية.
| |
 
|
|
|
|
|
|
|