11:15 AM December, 12 2024 سودانيز اون لاين
Hani Arabi Mohamed-كوكب الأرض
مكتبتى
رابط مختصر
الحب ... دواء السودان
بقلم هاني بشير
لطالما كانت الأوطان كائنات حية تعيش بوجدان شعوبها، ولطالما كانت قلوب أبنائها النابضة بالحب هي شريان حياتها الأصيل. اليوم، ونحن نستعرض جراح السودان الغائر، ندرك أن الحب—ذاك الشعور السامي الذي يغمر الوجود بالمعنى—هو البلسم الوحيد الذي يمكن أن يداوي هذه الأمة المنهكة. كل الأزمات التي تعصف بالسودان، من نزاعات سياسية، وصراعات قبلية، وانقسامات اجتماعية، وجفاف اقتصادي، تنبع من أصل واحد: نقص الحب. إنه نقص الحب بين أبناء الوطن، ونقص الحب للوطن ذاته.
الحب أساس الوحدة الوطنية
الوطن هو بيت كبير يجمع تحت سقفه الجميع، فلا معنى له إذا انعدمت الألفة بين أهله. في السودان، تشكل التعددية العرقية والثقافية لوحة فسيفساء رائعة، لكنها أصبحت مصدر شقاق بدلاً من مصدر قوة. لماذا؟ لأن الحب مفقود. عندما يفتقد الناس الحب، يتشبثون بهوياتهم الصغيرة ويغلقون قلوبهم أمام المختلف. وإذا كان الحب موجوداً، فإن الاختلاف يصبح تنوعاً يُثري، وليس تنافراً يُقصي.
الحب يعلّمنا أن الآخر هو امتداد لذواتنا، وأن ما يؤلمه يُوجعنا. كيف يمكن أن تشتعل النزاعات القبلية إذا كان الحب رابطاً بين القبائل؟ بل كيف يمكن للسياسة أن تتحول إلى ميدان للصراع بدل أن تكون جسراً للتفاهم إذا كانت القلوب مفعمة بالمودة؟ الحب هو القوة التي تلغي الحدود الوهمية التي نصنعها بيننا، فيصبح الوطن وحدة واحدة لا تتجزأ.
الحب كدواء للفساد
الفساد هو سرطان المجتمعات، والسودان ليس استثناء. غير أن جذور الفساد تمتد إلى مكان عميق في النفس البشرية: غياب الحب. حينما يحب الإنسان بلده حباً حقيقياً، فإنه لن يمد يده إلى المال العام، لأنه يدرك أن هذا المال ملك للجميع. وحينما يحب المسؤول شعبه، فإنه يعمل بإخلاص من أجلهم، ويضع مصالحهم فوق مصلحته الشخصية.
الحب يجعل الإنسان نزيهاً، لا يسرق، ولا يختلس، ولا يخدع. إنه يملأ القلب بشعور عارم بالمسؤولية، فيصبح أداء الواجب لذة، وخدمة الآخرين غاية. الحب يجعل الضمير حيّاً، ويحوّل العمل إلى عبادة. إذا أردنا القضاء على الفساد في السودان، فعلينا أن نغرس الحب في قلوب الجميع: حب الله، حب الوطن، وحب الناس.
الحب كأساس للتنمية
التنمية ليست مشاريع إسمنتية ولا أرقاماً اقتصادية فقط؛ إنها قبل كل شيء عملية إنسانية. السودان بلد غني بموارده، لكنه يعاني من فقر مدقع. لماذا؟ لأن التنمية الحقيقية تتطلب حباً للبلد يدفعنا للعمل الدؤوب من أجله. التنمية تحتاج إلى تعاون، والتعاون يحتاج إلى حب.
الحب يلهم الناس للإبداع، ويحثهم على التضحية. كيف يمكن لمزارع أن يزرع أرضه بإتقان إذا لم يكن يحبها؟ وكيف يمكن للعامل أن يؤدي عمله بإخلاص إذا لم يكن يشعر بأن جهده يخدم بلداً يحبه؟ إن الحب هو المحرك الأساسي لكل تقدم، لأنه يولد دافعاً داخلياً أقوى من أي حافز مادي.
الحب كعلاج للاغتراب الداخلي
ليس الاغتراب عن الوطن هو ما يؤلم فقط، بل الاغتراب داخله أشد قسوة. كثير من السودانيين يشعرون بأنهم غرباء في بلدهم، لأنهم لا يجدون فيه الأمان ولا الكرامة. هذا الشعور نابع من غياب الحب في المجتمع. الحب هو الذي يمنح الإنسان الإحساس بالانتماء، وهو الذي يجعلنا نحتضن بعضنا البعض.
عندما يحب الإنسان، فإنه يسعى لجعل كل من حوله سعيداً. الحب يخلق مجتمعاً متماسكاً، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء من كل، وحيث يتم دعم الضعيف، واحترام الكبير، واحتضان الصغير. الحب هو الذي يملأ الحياة بالدفء، ويحيل الغربة إلى قرب.
الحب كمخرج من الأزمات السياسية
السودان بلد مرهق بالصراعات السياسية التي لا تنتهي. القادة السياسيون يختلفون، والشعب يعاني. لماذا؟ لأن السياسة في غياب الحب تتحول إلى لعبة مصالح، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب الآخرين. أما إذا كان الحب حاضراً، فإن السياسة تصبح فناً لإدارة الاختلاف، حيث يتم وضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
الحب يعلّم القادة أن الوطن ليس ملكاً لهم، بل هو أمانة في أعناقهم. ويعلّم الشعوب أن الاختلاف في الرأي لا يعني العداء. إذا دخل الحب إلى قلوب الجميع، فإنه سيجعل الحوار بديلاً عن العنف، والتفاهم بديلاً عن الصراع. الحب هو ما يجعلنا ندرك أن الوطن بحاجة إلى الجميع، وأن القوة الحقيقية تكمن في الاتحاد.
كيف نزرع الحب في السودان؟
إن زرع الحب ليس مهمة مستحيلة، لكنه يتطلب إرادة جماعية وجهوداً مستمرة. علينا أن نبدأ من الأسرة، فهي المدرسة الأولى للحب. إذا نشأ الأطفال في بيئة مفعمة بالحب، فإنهم سيكبرون وهم يحملون هذا الحب إلى مجتمعهم. علينا أن نغرس فيهم قيم العطاء، والتسامح، والإيثار.
ثم يأتي دور التعليم، فهو الأداة الأقوى لبناء مجتمع محب. يجب أن تُركز المناهج على تعليم الطلاب أن الحب هو القوة التي تبني الإنسان والمجتمعات. علينا أن نربي جيلاً يؤمن بأن الحب ليس ضعفاً، بل هو أعظم قوة في العالم.
كما أن للإعلام دوراً كبيراً في نشر الحب. يجب أن تقدم وسائل الإعلام رسائل إيجابية تشجع على التلاحم، وتُبرز النماذج التي تعمل بإخلاص من أجل السودان. الإعلام يمكن أن يكون أداة لبث الأمل، وإشعال شمعة في قلب كل سوداني.
في النهاية، يجب أن ندرك أن الحب ليس مجرد شعور عابر أو كلمة تُقال، بل هو أسلوب حياة. إنه القوة التي تحيل المستحيل إلى ممكن، وتحول الانقسامات إلى وحدة، والجراح إلى شفاء. إذا أردنا أن نعالج مشاكل السودان، فعلينا أن نبدأ من الحب. لأنه حينما يسكن الحب في القلوب، فإن كل شيء آخر يصبح ممكناً.
لنجعل الحب رسالتنا، وطريقنا، وأملنا. لنجعل الحب علاجاً للسودان، الوطن الذي يستحق منا كل الحب.
Hani Arabi Mohamed
Amira Hussien
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست