|
|
 Re: نوستالجيا مزمنة: (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
homesickness والفول وسلطة الدكوة والقراصة
د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال
قبل نحو اسبوعين وفى مدينة برايتون الساحلية الجميلة بانجلترا ..ونحن فى ضيافة الرجل الرائع د. يس حسن، اعدت لنا بت الاكرمين زوجته، مائدة عامرة بكل الطيبات . وتوسطها ملاح بامية خضراء مفروكة بالشمار الاخضر ورفيقتها الكسرة طبعا ..
انا اعيش فى اذربيجان بعيدا عن وطنى ومتزوج من الاذر ..ورفيقى فى الضيافة د. شمس الدين خيال حاله يشبهنى فقط نختلف فى المكان، حيث يقيم فى المانيا جسدا ..وروحه وعقله مع وطنه الكبير ..ولازال يسمع صفارات قطار عطبرة ويتلهف لفول اليمانى وباسطة جنة الفواكه وسينما الجمهورية ..وسرير فى نص الحوش ورزاز مطرة ..وكمان تراب عطبرة الذى جعل احد المعلمين المصريين يطلق عليها " عطبرة المقبرة" ..وبينما يتضايق هذا المعلم من ريحة الجدران " المزبلة" عقب الامطار ..فان دكتور خيال يحن لتلك الرائحة !!
لاحظت يومها، باننى ودكتور شمس تركنا كل الاطباق وركزنا على البامية المفروكة مع الكسرة والسلطة ..واكلنا بلذة ..وكأننا نتعبد فى محراب الوطن ! ونسمع اصوات امهاتنا وحبوباتنا واباؤنا من حولنا!
قلت لاينور امس، عايزين نركب / نعمل فول بكرة ..فاستنكرت الامر وقالت ان الدنيا حر ( درجة الحرارة العليا من 27 الى 30 ). ضحكت وانا اخبرها ان درجة الحرارة فى السودان تقترب من الخمسين ..ونتناول الفول بعد اغراقه بزيت السمسم..
واننى هنا لا اتناول اى شئ فى المساء لاننى لو فعلت اصاب بالتخمة وحيرقان المعدة، بينما فى السودان عادى " اضرب" ابو الافوال ليلا ..واحيانا البوش مع اخوتى او مع اصدقائي واخلد للنوم فى الحوش بكل سهولة ..واستيقظ فجرا وانا فى كامل صحتى وعافيتى ..
وهنا ندلع الفول كثيرا ..ونضع معه: فصين توم وبصلة وبندورة واحدة ( بندورة وكشفنا دورها فى سوق الموردة العتيق وفى المغرب الزوين يسمونها مطيشة )، وملعقة صلصة، وثلاثة بلحات، وملعقتين زيت، وقطعة صغيرة من رغيف بايت ..ويطلع فول زى " الفرصة" وتاكله وما يديك الدرب.. وكمان عندنا شمار اخضر من السليم احضره لى الجميل حافظ نورى مع دكوة وكثير من الطيبات ..وجبنة الاذر البيضاء تشبه جبنة السودان زمان ..وتقطع اينور السلطة والبصل الاخضر وتعد وجبة فول ملوكية ..ولكن اين اخوتى ..اين الرفاق ..
بعد ده كله
لا استطيع تناول الفول بلذة وشهية كما افعل مع اخوتى ورفاقى ..
وللفول ذكريات كثيرة
بدات من فول السفارة الاميريكية قرب شارع على عبداللطيف وبعدها نحلى بباسطة سلا القريبة ..وننام فى سرير هو عبارة عن لستك قندران عليه مرتبة اكل عليها الدهر وشرب ..ونضحك وننكت وبعدها نناجى النجوم ..ونكتب الشعر والقصة ..
وكانت اول مرة يتم طردى من حصة/محاضرة فى حياتى كلها ..هى تاريخ اول وجبة بوش اكلتها فى حياتى ..يومها لم يكن احد يعرف البوش..المهم الفول خلص ( ولو خلص الفول انا ما مسؤول), واعطانا صاحب بوفيه عساكر السجون، باقى القدرة ومن ثم تفتقت عبقرية احد زملاؤنا وسكب باقى القدرة على خبز بايت ناشف ..وعندما رجعت متخما ..وانا اجلس فى مقدمة القاعة ..اصبحت اشعر بالنعاس، وبعدها شعرت بانى مريض، وشعرت وكأنى بالع حبة فاليم ..فصاح فينى دكتور عبدالعظيم / طارق وهو من اعز اصدقائي الان: فخرالدين امشى كمل نومك فى الداخلية..
عندما حكيت لاستاذى عبدالعظيم هذه القصة بعد سنين طويلة ونحن فى مؤتمر بالخرطوم ..وهو رجل رقيق وجميل وحنون ..تأثر جدا ..وقد حكيتها كطرفة ولم اقصد ان يتألم.
الوطن يا صديقى المهندس الفيلسوف علاء الدين ( مؤلف اذان الانعام بالشراكة مع رفيق دربى د. عماد محمد بابكر) ..الوطن ليس مثاليات ..بل بوابة منزل تحن اليها ..والكلب جرقاس والكديسة نوسة ..وجار كريم واخر لئيم وست الفريق ..والحب الاول ..الخ
واحس السودانيين من اكثر شعوب العالم اصابة بمرض ال
homesickness
وشقيقك د. عماد ورغم معاناته فى السودان، وما فعله به الكيزان، وارتباطه الكبير بالفرنجة، الا انه فى ساعات الصفاء وعندما نجلس للسمر " يفتح لى قلبه" والحنين والانين ..ولا اعلم ان كان دفنه فى السودان بوصية منه ام انها عاداتنا وتقاليدنا وبس!؟
تصدق يا علاء حتى الاجانب يرتبطوا بالسودان بشكل عجيب جدا ..فان زوجتى اينور تعشق السودان بشكل مبالغ فيه ..وايضا اصدقائي الانجليز ..وتحديدا يحبوا الناس فى السودان بشكل مبالغ فيه...فما هو ذلك "المغنطيس" ان لم تكن الشخصية السودانية؟
كان لنا صديق فى انجلترا ..يدفع مساهمة شهرية لجمعية خيرية، وتذهب مباشرة الى طفلة معاقة فى السودان وتحديدا فى القضارف، وقد واصل مساهماته الى ان بلغت مرحلة الدخول للجامعة، فقرر حينها ان يزورها فى القضارف ويراها لاول مرة ..وعندما رجع من السودان حكى لى مذهولا رحلته بداية من مطار الخرطوم وحتى وصوله للقضارف ورجوعه منها ..حكى لى اول لحظة لقاء واجمل شاى بالللبن تناوله فى حياته ..وهو يصور لى بتاع اللبن بحمارته والذى خبط بعصاته على الباب بعد اذان المغرب، وبعد ان علم ان هنالك ضيف ..سكب رطل مجانا اكراما للضيف، وعندما علم من هو زاد رطلا اخر واصر على تحيته واحتضانه ورفع عصاته مرحبا ..وكيف تجمع الجيران وكل جار احضر معه صحن بلح واخر زلابية ..الخ
وان ست البيت قطعت كرتونة تحت المنقد واشعلتها وجلست وقت ليس بالقصير ليشتعل الفحم وتضع عليه الحليب ومن ثم الشاى ..والدموع فى خده اخبرنى بان تلك اول مرة يتناول شاى بهذه المتعة والجمال...وانه احس بالمحبة والدفء والحنان ..وانهم احضروا له " عراقى" ابيض ..واخرجوا له عنقريب فى نص الحوش ...وشرب من ماء الزير حتى ارتوى ..وانه لاول مرة فى حياته ينام فى حوش ويرى نجوم الليل ..ويسمع الديك عند الفجرية ..ومن يومها ارتبط وجدانيا بالسودان بشكل مبالغ فيه ..فكيف يكون حالنا نحن الذين شربنا ماء الجدول واكلنا
" الحنونة" وشهدنا حبوبتنا وهى تعجن الخبز فى" الماجور " ونحن نجهز لها بعدها "المرصات"!؟.
ونعيد السؤال مع الصالح الطيب صالح ..وهو يسال عن هوية الكيزان: من أين أتى هؤلاء!؟؟؟؟؟
واحمده تعالى بان اباؤنا وصديقنا الطيب صالح لم يشهدوا فظائع الجنجويد " الصناعة الكيزانية" التى فاقتهم اجراما واذلالا لشعب ابي كريم...الجنجويد الذين ينهبون الان حى الموردة العريق ويدخلون باحذيتهم الى مسجد السادة الادارسة ..
وقد هجرت امى بيتها الذى تعرفه ويعرفها وهى فى عقدها التاسع ..واصيب اخوتى بمرض فراق ديارهم ..وايضا فقدوا سبل كسب العيش الكريم ..وشهداء بالالاف ومعتقلين دون ذنب ..ومزيدا من المعاقين ..وهنالك من مات حزنا على فراق ديارهم..واحتلال الجنحويد لقطعة من فؤادهم ..وليس مجرد ارض واحجار وممتلكات ذات قيمة مادية !
قبل الختام، انقل لكم ادناه ما قرأته عن مرض البعد عن الدار والاوطان:
What is homesickness؟
Homesickness is a feeling of stress or anxiety caused by separation from people and places that you know. And, It can affect anybody.
Symptoms of homesickness include:
* a disturbed sleeping pattern
* feeling angry, nauseous, nervous or sad
* feeling isolated, lonely or withdrawn
* feeling overwhelmed, insecure, anxious or panicky
* feelings of low self-esteem or self-worth
* headaches
* a lack of appetite or concentration.
د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال
| |
 
|
|
|
|
محمد عبد الله الحسين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست