ليلة الانقلاب المشؤوم 24/ 10/ 2022 منذ زمن وأنا أقف مشدوهاً فاغراً فاهي في بلادة وبلاهة منذ أن بزغ ليل إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر ، ذلك الإنقلاب "الخلاقة " - كما وصفه الحاج وراق في إحدى ندواته المشهودة – و الذي دفع بمجموعة من الشخصيات الورقية المؤطرة في قالب قصصي وحكواتي مصنوع بعناية فائقة لأن تتسيد المشهد الدراماتيكي الذي أفرزه ذلك الانقلاب المشؤوم، وغزوا شاشات القنوات الفضائية ومواقع الميديا الأسفيرية بلغة خشبية سمجة مكرورة ، جعلتني استميت محاولاً فهم تلك النوعية من البشر والتي لا تستحي أو يطرف لها جفن أو يؤرقها ضمير أو وازع من دين أو عرف أو تقاليد ، وهي تردد كما البغبغاوات جملة من العبارات الجوفاء البلهاء التي لا تقنع طفلاً رضيعاً أو شخصاً معتوهاً في عقله بعاهة من جنون مستديم أو من تخلف عقلي أو من بلادة وغباء مستحكم. وعن طريق الصدفة المحضة وقع في يدي كتاب ألان دونو نظام التفاهة ، وهو أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية ، وهو أكاديمي ناشط مناهض للرأسمالية المتوحشة صدر في عام 2017. ويدور الكتاب حول فكرة جوهرية محورية مفادها بأننا نعيش في مرحلة تاريخية غير مسبوقة تتعلق بسيادة نظام أدى تدريجياً إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة. والقارىء بتمعن وروية يجد أن فكرة كتاب ألان دونو تنطبق إنطباقاً تاماً على المرحلة المفصلية التي نمر بها الآن كدولة وككيان متماسك يخشى من التفكك والتحلل التلاشي، وهذا نفس ما أشار إليه " هنري أروفون" في كتابة [ فلسفة العمل] حيث يقول هنري : ( أننا نشاهد ازدهاراً موصولاً لأساطير جوفاء و لأهواء جمعية غير معقولة ، ولتزييفات عقائدية دامية .. ) تحكم وتتحكم في مصائر الشعوب ، فكل ما يحيط بنا يشي بتسطيح الهام وتسخيف المعتبر ، فذلك هو الخطاب السائد والبضاعة الرائجة، ومثل ذلك ما قاله الكاتب البريطاني جورج أورويل في مقاله الشهير بعنوان السياسة واللغة الإنجليزية Politics and English Language ، والذي أورد فيه أن عادات اللغة الخشبية مستفحلة أكثر ما يكون في أوساط السياسيين. تلك اللغة التي تلوكها ألسنة أولئك الذين أطلقوا على أنفسهم خبراء ومحللون استراتيجيون ، هي لغة جوفاء تقوم على الحشو ولمجرد التكرار بألفاظ مختلفة وكأن في الأمر قضية جديدة ، وذلك بغرض الاقناع قهراً كما كان يردد مسؤول الدعاية والاعلان النازي "جوزيف جوبلز " بوق الدعاية النازية– أكذب أكذب حتى يصدقك الناس- فخطابهم أجوف من كل معنى ومن كل فضيلة ومن كل ما تعارفنا عليه من قيم ومبادىء تحكم ساحة العمل النضالي والسياسي .وهي فئة قليلة نادرة غير ما يعتقد كثير من الناس وهو فن لا يتقنه إلا القلة . تلك المفردات التي أكثروا من تردديها طيلة عام كامل لم تفلح في تغيير وجه الانقلاب الكالح ، وهي تشبه ما كان يكتبه إخوان الصفا في رسائلهم ، والتي قال فيها أبو حيان التوحيدي: [ لقد رأيت جملة من رسائل الإخوان وهي مبثوثة من كل فن بلا إشباع ولا كفاية ، وهي خرافات و كنايات وتلفيقات وتلزيقات، وحملت عدة منها إلى شيخنا أبي سليمان المنطقي السجستاني محمد بن بهرام وعرضتها عليه ، فنظر فيها أياماً، وتبحرها طويلاً ، ثم ردها علي ، وقال: " تعبوا وما أغنوا ، ونصبوا وما أُجروا ، وحاموا وما وردوا ، وغنوا وما أطربوا ، ونسجوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا"] ولعمري إن بضاعتهم تلك ردت إليهم من غير مكيال يكتل به ، ومن غير تسوية سياسية جزاء ما صنعوا من إعتصام مشهور أطلق عليه إعتصام الموز، ففي أول منعطف من منعطفات الإنقلاب تم التخلص منهم ونبذهم كما ينبذ الشخص الأجرب خوفاً انتقال العدوى. فهم نصبوا وتعبوا فلم يؤجروا ، وكان نسيجهم مُهلهلاً ومُشاطهم مفلفلاً. إن طبيعة الأشياء تقول إن ما مضى من قسوة الآلام وحدتها وإجترار الاحزان تلو الأحزان جراء سقوط كل أولئك الشهداء والجرحى والمفقودين وتمدد النزاعات القبلية والجهوية والعنصرية المفتعلة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، لن يكون بأي حال من الأحوال في مقدم الأيام بأسواء مما كان، وأننا يجب أن نمضي إلى نهاية أشواط الثورة ، فليس في الأمر خيار ، بل هو قدر هذا الشعب وهؤلاء الشباب الذي يستميت في سبيل تقديم مشروع دولة القانون والمؤسسات التي تقوم على مفاهيم الحرية والعدالة والمساوة المطلقة. ولذلك يأتي شعار اللاءات الثلاث جوهرياً في مبناه ، ومنطقياً في مبتغاه، وأخلاقياً في مبتداه وآخره. #مليونية25أكتوبر ودمتم منذر حربي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عمر جبرونا
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست