الرِدّة الكاملة و هزيمة الثورة تفتح آفاق حل سياسي جديد. من هم الحاكمون؟ الفئة التي تحكم الآن فصيل من الرأسمالية الطفيلية و عندما نقول الرأسمالية الطفيلية نقصد تلك الفئة التي تعتاش علي جهاز الدولة و تشريعاته كوسيلة لمراكمة رأسمال و الحوز علي الامتيازات التي تمكنهم من هدم عميلة الانتاج في القطاعين الرعوي و الزراعي و القطاع الصناعي الضعيف و يتم ذلك عبر المضاربات التي تجعل المنتج أقل الفئات مكسبا. خلال زمن سيادة رأس المال الطفيلي انتشرت عمليات السمسرة و لفهم ذلك علينا أن نفكر في مزارع ما من أصحاب الملكيات الصغيرة ينتج الطماطم مثلا، يتراص صف طويل من السماسرة بين هذا المنتج و المستهلك و توفر التشريعات و القوانين النافذة غطاء من الحماية لهذة السلسلة من السماسرة و هؤلاء السماسرة يراكمون ارباحاً اكبر بكثير من مكاسب المنتج و ارباحه. عمليات بيع ممتلكات الدولة بأسعار زهيدة لمنسوبي النظام ( عناصر الحركة الإسلامية زمن سلطة عمر البشير ) أحد أشكال عمل الرأسمالية الطفيلية . و عمليات التمويل الإنتقائية من البنوك الإسلامية كونت قسم كبير من فئات الرأسمالية الطفيلية. الفئة التي تحكم الآن يمكننا أن نسميها الرأسمالية الكلبتوقراطية أو رأسمالية لصوص الموارد المعدنية ، موارد الثروة الحيوانية، الموارد الزراعية و الموارد البشرية ( النخاسة العسكرية في حروب اليمن و ليبيا كأمثلة) تطورت هذه الفئة خلال فترة حكم عمر البشير و ممثلو هذه المجموعة هم: كبار ضباط الجيش، الدعم السريع، الشرطة و جهاز الامن و مجموعات من المدنيين هذه المجموعات كانت من كوادر الحركة الاسلامية او حماة سلطتها . تتميز هذه الفئة بالإرتباط بالمحاور الاجنبية من دول الجوار بالتحديد مصر و السعودية و الامارات و الارتباط بالصين و روسيا لتسهيل عمليات تهريب الموارد المعدنية و موارد الثروة الحيوانية و الموارد الزراعية و الموارد البشرية . سلطة انقلاب 25 اكتوبر 2021م هي سلطة اللصوصية السياسية الناهبة للموارد و المرتبطة بالمحاور الاجنبية. التطورات في النشاط الاقتصادي للرأسمالية الطفيلية كانت السبب العميق في انقسامات ما كان يسمي بالجبهة القومية الاسلامية قبل إنقلاب 30 يونيو 1989م حيث برزت تكوينات سياسية متناحرة نتيجة لضيق المصالح و هي المؤتمر الوطني ، المؤتمر الشعبي و غيرها من تظيمات المجرمين علي شاكلة غازي العتباني و الطيب مصطفي و غيرهم . يقود ما يسمي بالحركة الإسلامية الآن المجرم علي كرتي المطلوب للعدالة لضلوعه في جريمة معسكر العيلفون و غيرها من الجرائم و هي بلاشك تختلف عن الحركة الاسلامية التي قادها سيء الذكر الترابي و غيره. يقود الآن علي كرتي سلطة اللصوصية السياسية المرتبطة بالمحاور الاجنبية و ليس البرهان و حميدتي غير ارجوزات يحركمهما كيف يشاء و الخلافات بينهم تعود لأن علي كرتي لا قبول له عند قيادات المحاور الاجنبية و المقصود مصر ، السعودية و الامارات نتيجة لتاريخه كواحد من عضوية تنظيم الأخوان المسلمين، لكنه يحظي بقبول محور تركيا، ايران و قطر و جميعها دولة ملفوظة في المجتمع الدولي نتيجة لدعمها لتنظيمات الإرهاب. يستخدم البرهان و حميدتي هذا الأمر لشق عصا الطاعة أمام المجرم علي كرتي . عندما يجأر حميدتي بالشكوي من الحركة الإسلامية و يرسل التهديدات لا يكون ذلك غير دليل علي عدم قدرته علي صون مصالحه مع محور دول الجوار و عندما يقول البرهان نريد سلطة مدنية من الكل غير المؤتمر الوطني فهو يعلم تمام العلم أن المؤتمر الوطني قد مات و شبع موتاً و الموجود الآن هو سلطة اللصوصية السياسية بقيادة علي كرتي.و كما هو معلوم تربط علاقات النسب بين الرجلين فهمنا لطبيعة السلطة يكرّب قدرتنا علي منازلتها فمرحبا بجميع المقالات التي تشرّح الفئة الحاكمة و تنبهنا لطبيعتها. ما هي آفاق الحل السياسي الجديد؟ لا بد من بعض التقديم النظري لهذا الحل و لنبدأ بمصطلح الهبوط الناعم . أحد دور الخبرة الغربية أطلق هذا المصطلح للتغيير بعد هبّة سبتمبر 2013م و علي ضوئه و باستصحاب ضرورات أخرى نشأت قوي نداء السودان. و يعني المصطلح التغيير السياسي الذي يضمن استمرارية الجوهر الطبقي للراسمالية الطفيلية. لقد بدأت حمي الذهب اليورانيوم في تلك الفترة و هي الفترة التي استقوي فيها عمر البشير علي فئاتٍ من الحركة الاسلامية اشتملت حتي علي المجرم علي عثمان . للغرب مصالح في عمليات نهب موارد السودان لم يستطع تحقيقها نتيجة لمضاءة الدبلوماسية الروسية و الصينية في حماية رأس النظام المطلوب لدي محكمة الجنايات الدولية فاستفادت الصين و رسيا من عمليات نهب الموارد المعدنية حينها . أراد المجتمع الدولي إستمرار عميات نهب الموارد فتم إقتراح مشروع الهبوط الناعم و لسوء الحظ استجاب قسم كبير من القوي السياسية نتيجة لحسن النية و تبنوا هذا المشروع كمشروع جاد سيحل معضلة السودان السياسية . من جانبي لا ألوم هذه القوي السياسية علي غير عدم الإستبصار و ضبابية الرؤية و الثقة في لصوص الحركة اللإسلامية . انتهي دور قوي الهبوط الناعم من غير الإسلاميين و المقصود التنظيات الوطنية الديمقراطية بإنقلاب 25 اكتوبر 2021م فلا يجوز بعد الآن استخدام مصطلح الهبوط الناعم فهو فاقد للدلالة هذه الأيام خاصة عند توصيفنا للأحزاب الاتحادية و حزب الامة و حزب المؤتمر السوداني فهذه قوي وطنية لا شك في مصداقيتها السياسية خاصة علي مستوي كوادرها الوسيطة و قواعدها و لا لوم علي قياداتها يجعلها في مرمي النيران النقدية الهدّامة من الخصوم السياسيين فالسياسة هي فن إدارة الممكن و المتاح من خيارات، الخطأ السياسي ملازم للحزب السياسي و دواؤه هو النقد و النقد الذاتي . أما أن نقول جميع الأحزاب لا فائدة ترتجي منها فهذا ترويج لأفكار الكيزان و استجابة كسولة ذهنيا لتبريرات مساندي الإنقلابات. لأنه لا ديمقراطية بدون أحزاب مختلفة يكون كل واحد منها التعبير السياسي عن اقسام و فئات و طبقات مختلفة من المجتمع السوداني العريض و المتنوع. في الواقع الآن ثلاثة اتجاهات للتغيير و هي: مجوعة داعمة للانقلاب من فلول الإسلاميين و فلول الحركات المسلحة الموقعة علي إتفاق جوبا و هي مجموعات من الشركاء في نهب الموارد المعدنية بالذات تسعي هذه المجموعة لتغيير شكلي يحفظ جوهر مصالح سلطة اللصوصية السياسية و هم من يسمون أنفسهم بقوي الوفاق الوطني و مبادرة أهل السودان و غيرها من الأسماء ذات الدلالات من مصطلحات الحركة الإسلامية الفاسدة. و مجموعة القوي الوطنية التي تمثلها الأحزاب الاتحادية و حزب الأمّة و حزب المؤتمر السوداني و البعثيين و الناصريين و هذه قوي وطنية ديمقراطية تطالب بإبعاد الجيش عن السياسية و إعادة هيكلته و دمج و تسريح المليشيات بما فيها الدعم السلايع و تطالب بمحاسبة الإسلاميين علي الجرائم التي ارتكبوها في دارفور و غيرها من الجرائم و اللانتهاكات و محاسبتهم علي فض الاعتصام و مصادرة ممتلكاتهم التي حازوها بالفساد و النهب. و هنالك مبادرة التغيير الجذري التي يتبناها الحزب الشيوعي السوداني مع وافر احترامي لتلك المبادرة لكن لا أري فرصة حقيقية لإتمامها، لأنها تشبه بناء سلطة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية أو السلطة الوطنية الديمقراطية الموصوفة في كتاب الشهيد عبد الخالق محجوب الماركسية و قضايا الثورة السودانية. السلطة الوطنية الديمقراطية تضع الحزب الشيوعي في مركز الفعل السياسي و تتطلب وحدة و تنظيم الطبقة العاملة ، المزارعين و المثقفين الثوريين و ما يسمي بالرأسمالية الوطنية التي لا أجد لها تمثلاً في أرض الواقع. و كما هو معلوم فليس هنالك من أي وحدة تذكر علي صعيد العمال و المزارعين و المثقفين الثوريين ناهيك عن لجان المقاومة و تجمع المهنيين. بذلك تكون مبادرة التغيير الجذري أفقاً سياسيا به الكثير من النبل و الشفافية لكنه لا يصلح لمعاجلة نازلة إنقلاب 25 اكتوبر 2021م. المطلوب الآن برنامج حد أدني يوحد القوي السياسية الوطنية جميعا و لجان المقاومة و المهنيين علي مباديء إبعاد الجيش عن السياسة ، بناء جيش قومي و وطنني بتسريح و دمج المليشيات بما فيها الدعم السريع . جيش خاضع لرئيس الوزراء و له وزير دفاع مدني، و محاسبة منتسبي الجيش و الدعم السريع و الحركات المسلحة علي الانتهاكات . إتباع شركات الجيش، الدعم السريع، الشرطة و الامن لوزارة المالية و منع الجيش و القوات النظامية من حوز الشركات و الاستثمار . حل جهاز الامن الحالي و محاسبة منتسبيه و بناء جهاز مخابرات وطني يتبع لمجلس الوزراء . إصلاح جهاز الشرطة بعد محاسبو منتبيه من مرتكبي الجرائم. و مباديء بناء سلطة ديمقراطية و مدنية تنجز مهام الفترة الانتقالية و تحضر للانتخابات العامة . سلطة مدنية تنجز معالجات لمناطق النزاعات المسلحة بإتمام عمليات المحاسبة ثم إنجاز السلام و مطلوباته . نحن الآن في واقع شبيه بما كان عليه الحال قبل ثورة ديسمبر المجيدة. الرِدّة التي هتفنا ضدها بهتافنا الجميل الشعب أقوي و الرِدّة مستحيل قد تمت بالفعل و يتجلي ذلك في في إلغاء جميع قرارات لجنة تفكيك التمكين ، عودة كوادر الحركة الإسلامية لمؤسسات القطاع و القوات النظامية و الجيش و الأمن و عودة الهاربين إلي تركيا لا أظن أننا نختلف حول تحقق الرِدة. لذلك تتوفر الآن فرصة جديدة أمام الجميع و المقصود قوي الثورة و أحزابنا السياسية لتدشين بداية جديدة لمشروع سياسي جديد يتلافى أخطاء تحالف قوي الحرية التغيير و يستصحب معه المستجدات بعد إنقلاب 25 اكتوبر 2021م . تتطلب هذه الفرصة درجة من حسن التدبير بما يُفوِّت فرصة الإنقضاض التام علي قوي الثورة التي يخطط لها علي كرتي و البرهان و حميدتي و أعوانهم من الإنقلابيين المجرمين. طه جعفر الخليفة هاملتون اونتاريو في كندا 17 سمبتمبر 2022م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة