سعدية تكنس باحة القبة في همة و نشاط. ترمق الضريح من طرف خفي و هي تبسمل و تحوقل. و توزع دخان المبخرة يمنة و يسرة. تتوارث أسرتها مفتاح قبة الشيخ ،، جيلا بعد جيل. تحلف به : وحاة شيخنا. فيكمل الكلام و يقيف حتى في معاملات البيع و الشراء . و السعر لا حدود له هناك ،، ( وحاة شيخنا تمنو كدة ). الحد الفاصل بين التصديق و التكذيب هو ذكر إسم الشيخ. تتبرك به النساء. تنذر النذور
عند إشتداد طلق الحوامل ،، تتوارى كل الأسماء و الكرامات ،، يجري الإيمان في بوتقة واحدة و يمر بأنبوب واحد عبر النفس الإنسانية ،، فيختزل عقل المرأة في عز خروج الروح من الروح كل المخزون الروحاني في كلمة واحدة ( يا الله ،، أنا في حواك يا الرسول ،،، يا النبي )
تنطلق صرخات الميلاد ،، تزغرد الحبوبات ،، و تخرج الداية بفخذ حنيذ ،، و هي تتمتم ( الحمد لله ،، الجنا راسو كبيرة ،، ربنا ستر و لطف ،، الرسول فوقا و فوق جناها ). تقام للشيخ الموالد ،، تذبح الذبائح ،، حلقات الذكر على ضوء النار المتقدة. ( يا ربي بهم و بآلهم ،، عجل بالنصر و بالفرج )
دمج لدرجات المحبة في نفوسهم البسيطة ،، محبة النبي و محبة شيخهم ، و كأنهم يطلبون مزيدا من البركة للمدفون في أرض قريتهم و يَصِلٌون حبل مدح النبي بحبل مولد شيخهم ،، عشق يعتلج كتروس لا تتوقف عن الدوران.
تشتد حرارة الجو ،، تسخن طبقات الجو العليا ،، فينفلت إعصار يتلوى في عز الهجير ،، يحمل ذرات التربة و ينطلق مكتسحا كل ما في طريقه ،، و رغم أنه لا يقارب ( إعصار النينو ) ،، إلا أنهم يرددون ( محمد جانا ما تغشانا ). إسم الله أقرب للسان. و إسم الرسول ملاذ و حجاب. إسم محمد يغلف طبقات اللسان بعفوية.
يقترب موسم الحج ،،، يستعد الحجاج للسفر جنوبا للبندر للإستعداد. تلبس خديجة ملابسا بيضاء ،، تغوص بوجدانها في جو الحج و كأنها في ( بروفة إيمانية ) ،، تعيش في جو الحج و هي لا تدري إن كانت ستحج هذا العام أم لا ،، مسبحتها القديمة لا تفارقها ، تلازم ( برش الصلاة ) حتى في غير أوقات الصلاة ،، تصلي الفرض ،، و تصلي السنة ،، و تزيد ركعاتا من عندها ،، ترفع يديها النحيفتين المعروقتين للسماء تلهج بالدعاء المكتوم ،، تبكي عند ذكر إسم الرسول و مكة و المدينة و تتشنج ،، فتضمها أختها الحاجة الرضية ( قولي بسم الله ،، إن شاء الله صالح ولدك حيرسل ليك حق السفر و يقابلك عند خشم باب الباخرة في جدة ،، إنتي ختى الرحمن في قلبك بس ،، إن شاء الله بتمسكي باب قبر النبي بي إيدك و تجغمي من موية زمزم و تهزي ستاير الكعبة و تدعو لينا ربنا و لي كل أحبابك ببركة النبي و جاه الرسول ). فيتعالى نحيب سكينة و يهتز جسدها النحيل ،، فكلمة ( لبيك ) قد تضخمتْ بين حناياها حتى أحست بأن جسدها قد صار ( كبالونة كبيرة ) و أنها قد تستطيع الطيران إلى أرض الحجاز في خفة الريشة و سرعة طائر صغير. ( يا راحلين إلى منى ،،، عاكستني ظروفي ،، )
كم من إمرأة و كم من رجل ،،، تتضخم لديه كلمة ( لبيك اللهم لبيك ) و تكبر مع مر الأيام ،، فيمضغونها ،، و يبلعونها و يجترونها ،، زادهم كل عام أن يعيشوا أيام الإحتفال بعودة الحجيج ،، يوم الكرامة ،، و شربة من زمزم ،، و ( مسبحة كهرمانية تضيء بالليل ) و لكنها لا تضيء شمعة أملهم بالسفر ، و بخورا يهدهدون به أرواحهم الهائمة في منى و عرفات و مزدلفة ، يرمون جمرات شوقهم للتعلق بأستار الكعبة في زفرات و عبرات لا تنتهي.
يتأبط حمدان في عضده الأيمن حجابا ماكنا مغلفا بالجلد ،، يثق في أنه يطرد عنه الوسواس الخناس الذي لازمه بعد زواجه الثاني ،، نصحه الشيخ بأن لا يدخل به مرحاضا ،، أو أن يجلس به في مجلس به منكر. زاره الوسواس و هو ينطلق في ليل بهيم وحده ،، خيل إليه أن كل المردة و قبيلة إبليس تعدو في أثره و تجتهد في طلبه ،، و عندما وصلت روح وساوسه حلقوم صبره و تشبثت بتلابيبه ،، قرأ بأعلى صوته المعوذتين و آية الكرسي. ثم صلى على النبي الكريم ،، فتصبب عرقا باردا ،، و نسى أنه يتقلد حجابا ، و أحس أن روحه و كأنها خرقة بالية كانت قد إعتراها التراب ،، فإنزاح عنها الركام و تطاير غباره.
تتمايل المركب في عرض النيل الممتليء حتى الثمالة بفعل الفيضان ،، نسمة شرقية تملأ الشراع ،، فتنتفخ أوداجه البيضاء المرقعة ،، فتنطلق تتهادى كعروس على صفحة المياة العكرة و الناس في هدوء و توجس ،، و تنقلب النسمة الوادعة إلى ريح عاتية ،، تتمايل المركب ،، تجحظ العيون ،، يطقطق خشب المركب و يئن تحت وطأة الأمواج المتلاطمة ،، ( الريس ) يقف منتصبا كنخلة جردتها الأيام من ( العنباج ) يصارع الرياح ( بالدفة ) تارة ، و تارة بمهادنة الريح بطى الشراع و فرده. و تنطلق الألسن ( يا سيدي الحسن ،، حمد و خوجلي ،، يا الشيخ الأرباب ،، و كل أصحاب القبب ،، و أصحاب مسابح اللالوب ،، و شيوخ الصوفية ) ،، نداءات متغلغلة في النفوس كطبقة من جليد هش تعلو صفحة النهر ،، سرعان ما تذوب لتندمج مع مياهه فيختلط الفرع مع الأصل.
و يمتليء جوف المركب بالماء من فتحات جانبية ،، و تبدأ الأيادي في إغتراف المياه في صراع معها و مع الزمن ،، و يقف شيخ وقور منتصف المركب مبتهلا ( يا منجي نوح و أهله ،، يا منجي موسى من فرعون ،، يا منجي نبيك محمد في الغار ،، بسم الله مجريها و مرساها ،، ). و تتهادي المركب لتعانق الضفة الأخرى في صخب.
سلاح الإيمان الخفي ينطلق في وقت تجتاح فيه الروح جحافل الخوف و في وقت تدوس على النفوس المضعضعة سنابك خيل الوسواس ،، فيدك هذا السلاح كل تلكم الحصون فتتناثر شظاياها بعيدا. و لكن سرعان ما ينسى الإنسان هذا السلاح في غمرة فوران تنور الحياة ،، و تلاطم أمواجها و أزيز رياحها العاتية و سفينتها التي تتأرجح تتقاذفها أنواء الخير و الشر.
ثم يغفر الله لهذا الطين الملطخ بالذنوب. و الصلصال المعجون بالخطايا و النسيان. و الحمأ المسنون الذي مصيره بين كلمتي ( كن فيكون ).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة