مقال جدير بالبكاء اقصد بالقراءة كتب Salim Alamin النخبة الرأسمالية و اختطاف السودان ...
قبل عام تقريبا استأجر احد أصدقائي موقعا في الخرطوم لإنشاء معمل باسطة و حلويات شرقية التي يتخصص و يجيد صناعتها ، أثناء تجهيز المحل استشار احد موظفي المحلية المسؤولة من المنطقة لاستخراج رخصة ، إلا أن الموظف صدمه بأن السلطات تمنع استخراج تراخيص صناعة الحلويات في هذه المنطقة ، و عندما الح عليه صديقي لمعرفة السبب ، علم بأن الشركات الكبيرة لديها اتحاد و تدفع للسلطات او المسئولين اموال لمنع قيام معامل منافسة في هذه المنطقة ، أن أردت العمل في هذا المجال عليك فقط اختيار تسويق منتجات واحدة من هذه الشركات الكبيرة ذات الأسماء الشهيرة . قبل شهر تواصل معي احد المستثمرين الأجانب يعمل في مجال العصائر و المشروبات المعلبة و هو وكيل لشركة اسبانية كبيرة في عدد من الدول الافريقية الجزائر مالي موريتانيا السنغال و غيرها . ويرغب في الدخول إلى السوق السوداني . و كانت قد اعيدت له شحنة من الميناء و تم منعها من الدخول . طلب مني أن نذهب إلى السودان و نؤسس شركة تقوم باستيراد المشروب و توزيعه ، كان يظن انه تم منع دخول البضاعة في المرة الأولى بسبب انه اجنبي ، و سيتذلل الأمر حالما وجد شريك سوداني . و هكذا ظننت انا ايضا . لكن قلت له بدلا عن تكبد خسائر تسجيل شركة باجراءات طويلة ، تواصلت مع عدد من المعارف لاستخدام شركاتهم و اسماءهم لهذه المهمة ، للأسف صدمت بأن اعرف ان إدخال المخدرات أسهل من إدخال مشروبات و عصائر إلى السودان ، بسبب ان مجموعة من الرأسمالية التي تسمى وطنية تسيطر على هذا المجال و تتحكم في السلطات لوضع عراقيل تؤدي إلى خسائر فادحة لكل من تغضب عليه الآلهة و يفكر في الدخول و العمل في المجال، المجال الذي يظنون أن الله اختارهم للقيام عليه ... هذه المعلومة فتحت لي نقاشات واسعة مع عدد كبير من أصحاب التجارب الذين حاولوا الدخول في بعض المجالات لكن وجدوها مغلقة بالضبة في وجوه من هم خارج أسر و مجموعات اقتصادية محددة . و الويل و الثبور و الخسار و البوار لمن يفكر في منافستها ، بإمكانك أن تكون موزع او وكيل ، لكن إن تكون منافس !!! ، أسهل منه لحس الكوع . هذه النخبة تتحكم في تسير وجهة الدولة و اقتصادها وفق ارادتها ، تضع العديد من القوانين و العراقيل أمام الآخرين و المستثمرين، و تترك ثقرات تنفذ هي من خلالها . صديقي الذي عمل موظف علاقات عامة في شركة لإحدى هذه الأسر، قال بأن طيلة فترة عمله لم يستطيع موظف دولة من إيقافه عن فعل ما يريد ، بالرغم من العوائق الكبيرة الموضوعة أمام الآخرين، عوائق تبدد لهم موارد وزمن و تجلب خسائر فادحة وربما الخروج من المجال ، قال ان الشركة تزوده بمبالغ مالية يدفعها كرشاوي لمسئولين محددين حتى يتم تسهيل مهامه ، و إن اعترض على عمله اي موظف بائس يرفض الرشوة ،ما عليه إلا بالاتصال بالمدير الذي يتصل برؤساء الموظف فيتم نقله أو حتى إقالته في الوقت و الحين إن أصر على الوقوف أمام عمل انصاف الآلهة الذين يسيطرون على البلاد ...
حضرت لقاء تلفزيوني للمخلوع البشير يشتكي لطوب الأرض من إعاقة المسئولين للاستثمارات الأجنبية و التي هي عصب اي تطور ، فهل كان يجهل بأن هذه الأسر و النخب هي التي تتحكم في المسئولين و توجههم و توجه القوانين وفق ارادتها !! . دونكم قانون التبغ المودع أمام البرلمان ايام الإنقاذ منذ اكثر من خمسة عشر عاما ، لكن لا أحد يجرؤ على إجازته. صابر محمد الحسن ايام كان وزير المالية الأسبق هدد بفضح القطط التي دمرت البنوك و نهبت الأموال، إلا أنه صمت حتى تمت إقالته، و حميدتي الذي قال ان مجموعة صغيرة تتحكم على اقتصاد البلاد و انه سيفضحها و لن يسكت ، فأنتهى به الحال اليوم في دارفور يقيم مباريات كرة القدم و يبذل كل طاقته في أن يبرئ نفسه من الاشتراك في الانقلاب، الانقلاب المصنوع بعناية فائقة . ما يحدث في السودان لا يحدث في اي دولة أخرى . صديقي المستثمر الذي تم منع بضاعته عن دخول السودان أعاد تصديرها من ميناء بورتسودان إلى شرق افريقيا ، و قبل أن تصل قام بتسجيل شركة في يوغندا و أخرى في جوبا بمنتهى اليسر و السهولة . الدول من حولنا تتطور يوما بعد آخر بسبب الاستثمارات الأجنبية و مرونة القوانين في التعامل معها . لا توجد أسر تتحكم و تختطف الدولة إلا في السودان ، هذا الأمر جعل حتى المواطنين كأجانب في بلادهم فاصبحوا يهربون باموالهم إلى دول الجوار ، ستصابون بالذهول لو عرفتم عدد الشركات و المصانع التي يمتلكها السودانييون في مصر القريبة، ناهيك عن إثيوبيا و كمبالا و نيجيريا و تنزانيا . النقلة الاقتصادية التي حدثت في كل هذه الدول بسبب الاستثمارات الأجنبية و تساوي الفرص أمام المواطنين . نحن أمام معضلة حقيقية في كيفية تحجيم شراهة هذه النخبة التي تعيش في رفاهية منفصمة عن الواقع البائس لغالبية المواطنين ، رفاهية على حساب التطور الطبيعي للبلاد . بلد عاصمتها بلا طرق ولا مجاري ولا إنارة ، و نخبتها متخمة بالاموال تدفعها لمنع المنافسين يشاركوها في الامتيازات التي صنعتها ضعف الدولة و بؤس موظفيها و مسؤليها ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة