*اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-16-2025, 05:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-29-2022, 10:57 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
*اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة...

    09:57 AM June, 29 2022

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر




    عشر ذي الحجة.. اغتنموها ولا تضيعوها
    اختار الله من الأيام أياما جعلها مواسم خيرات، وأيام عبادات، وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة كالنفحات، والرشيد السعيد من تعرض لها، ونهل من خيرها، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني بسند حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده].(حسنه الألباني في الصحيحة).

    ومن هذه المواسم النيرات، والنفحات المباركات، أيام العشر الأول من ذي الحجة الحرام، فقد اختارها الله على ما سواها، ورفع شأنها واجتباها، وجعل ثواب العمل فيها غير ثوابه فيما دونها، علاوة على ما خصها الله به من أعمال فريضة الحج التي لا تكون في غيرها.

    ومن مظاهر اختيار الله لها:
    إقسام الله تعالى بها في كتابه: فهي الليالي العشر في سورة الفجر، وهي الأيام المعلومات في سورة الحج، وفيها يوم عرفة، يوم المباهاة والعتق، وفيها يوم النحر، أفضل أيام الدنيا، وكذلك تفع فيها معظم أعمال الحج وكل أركانه، وكذلك لما فيها من الأضاحي والتزام أمر الله، وإحياء سنن المرسلين محمد وإبراهيم عليهما أزكى الصلوات والتسليم.

    وقد توج النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاختيار لأيام العشر ببيان فضل العمل فيها وتقديمه على ما يعمل في سواها، .. فقد روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء].

    وعند الإمام البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى...].(قال الألباني سنده جيد).
    وروي الطبراني في معجمه الكبير بإسناد جيد: [ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير].

    ما يستحب من العبادات فيها:
    وقد استحب السادة العلماء أعمالا يفعلها المسلم في هذا الموسم الجليل.. فمنها:
    أولا: الحج
    إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرم، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب - إن شاء الله - من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة](متفق عليه).

    ثانيا: الصيام
    فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة كاملة، أو ما يقدر عليه منها؛ لأنه من أصلح الأعمال أولا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها ثانيا.. فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: [كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر...](النسائي وأبو داود وصححه الألباني).

    ثالثا: صوم يوم عرفة لغير الحاج
    وهو وإن كان من أيام التسع إلا أننا خصصناه بالذكر تنبيها على فضله ففيه زيادة أجر ورجحان مثوبة.. فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ](أخرجه مسلم). فلا يفوتنك أخي المؤمن هذا الأجر العظيم.

    رابعا: الأضحية يوم العيد
    وهي سنة مؤكدة لمن وسع الله عليه وقدر عليها، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: [ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ ،وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا](متفق عليه). والصفحة هي جانب العنق..

    والسنة أن يشهد المضحي أضحيته، وأن يباشرها بنفسه، وأن يأكل منها شيئاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وإن وكَّل غيره كالجمعيات والهيئات الخيرية جاز، ولو كانت خارج البلاد.. وتجزئ الشاة عن واحد والبدنة أو البقرة عن سبعة.

    خامسا: الإكثار من التحميد والتهليل والتكبير
    فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح، وسائر أنواع الذكر، في أيام العشر. والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى. ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة؛ قال الله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}(الحج/28). والجمهور على أنها أيام العشر كما جاء عن ابن عباس وغيره.

    وفي المسند عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد] (وصحّح إسناده العلامة أحمد شاكر).

    والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة ـ ولاسيما في أول العشر ـ فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيراً للغافلين، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

    سادسا: التكبير دبر الصلوات
    وهذا أيضا مما يسن في هذه الأيام ومن صالح العمل فيها، ويبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الثالث عشر من ذي الحجة. فعن شقيق بن سلمة رحمه الله قال: "كان علي رضي الله عنه يكبر بعد صلاة الفجر غداة عرفة ثم لا يقطع حتى يصلي الإمام من آخر أيام التشريق ثم يكبر بعد العصر"(أخرجه ابن المنذر والبيهقي. و صححه النووي وابن حجر). وثبت مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما.

    قال ابن تيمية: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة"(مجموع الفتاوى:24/20).
    وقال ابن حجر: "وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود: "إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره والله أعلم" (الفتح:2/536) .

    أما صيغة التكبير
    أ) الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر كبيرًا.
    ب) الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
    ج) الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.

    وهذه الصيغ ذكرها كلها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله..
    وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح أثر ابن مسعود رضي الله عنه: "أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، و الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".

    سابعا: سائر أعمال البر
    كالصدقات ونوافل الصلوات، وصلة الأرحام، ومراعاة الأيتام، وكل عمل صالح سواها، فهي كلها داخلة في العمل الصالح الذي هو في هذا الشهر أفضل من غيره.
    فلنبادر باغتنام تلك الأيام الفاضلة، قبل أن يندم المفرّط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرّجعة فلا يُجاب إلى ما سأل. نسأل الله أن يديم علينا أيام النعم ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

    *اعظم وأفضل ايام الدنيا*🌺

    🌿 *قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء ". رواه البخاري* 🌿

    🍃 حديث عظيم... بورينا انو العبادة في الايام الجاية دي (بتبدا بكره الخميس او بعد بكره الجمعه)... افضل من اي عبادة في ايام السنة التانية كلها ... حتى انها افضل من العبادة في ايام رمضان زاتو زي ما قال العلماء... انت متخيل معاي؟؟؟... شفت ايام رمضان مش العبادة فيها عظيمة واجرها عظيم.... يلا العبادة في الايام دي افضل منها.. َابتداء من المحافظة على الصلوات والبعد عن المحرمات... مروراً بالاذكار والقران والانفاق وكل ابواب الخير... وزي ما في الحديث... الأعمال الصالحة في الايام دي احسن من الجهاد في سبيل الله... انت فاهمني؟؟؟🤔 ... الجهاد الواااحد ده اللي بيهو كانت الفتوحات الاسلامية.. َ الجهاد اللي فيهو بتعرض نفسك للموت عدييل في سبيل الله... وهو يعد افضل الاعمال.... يلا الايام الجاية دي افضل منه... الا الاستثناء المذكور في الحديث...

    🍃 طيب يا احبابنا ... الايام دي ايام عظيمة... جاتك لحدي عندك... ايام مافي احسن منها اطلاقا على مدار السنة... وامكن ما تتكرر لينا تاني... الله يطول اعمارنا في طاعته... لكن الموت ما معروف متين. .. فخلينا نغتنم الايام دي لانها موسم خيرات... موسم تجديد ايمانيات... موسم *تصحيح مسار*... في مسارنا إلى الجنة ان شاء الله....

    ❍ برنامج عملي لإغتنام العشر بالاعمال الصالحة وتصحيح المسار :

    🌴 التوبة :

    اقيف مع نفسك الليلة وقفة محاسبة... شوف استعدادك ماش كيف للموت... و استعدادك ليوم القيامة... شوف التقصير في الطاعات والصلوات والأذكار والقران... وشوف وقوعك في الذنوب والمنكرات... شي لسان وشي اضان وشي عينااان 👀...
    استغفر ربك... وتوب من الذنوب... وافتح صفحة جديدة مع الله ... في الايام المباركة دي... واتحرر من أسر الذنوب والمعاصي ...

    🌴 الصلاة في مواعيدها :

    مافي أعمال صالحة احب إلى الله تعالى في الأيام دي من الصلاة في وقتها وفي الجماعة... خلي الصلاة عندك في اوقاتها وخشوعها *خط احمر* ما بتعلب ولا بتهزر فيو ... كان كنت بتضيع الصلاة في الايام الفاتت دي... فرصة الايام دي انك تستعدل في صلاتك في وقتها و بخشوعها وطمأنينتها... اتذكر انك بتناجي فيها ربك... بتتكلم معاو... بتشكي ليو في سجودك.... واتذكر انو صلاتك راس مالك... وهي اول حاجة حا تتسئل عنها يوم القيامة... خلي الايام دي انطلاقة حقيقية للمحافظة على الصلاة مدااار العام ان شاء الله...

    🌴 الصيام :

    صومها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومها... واتذكر انو من صام يوم في سبيل الله باعد الله عن وجهه النار سبعين سنة... وما تنسى انو صيامك ده افضل صيام في السنة بعد رمضان... واتذكر برضو انو الصيام خير معين لفعل الطاعات وترك الذنوب والمحرمات... حاول صومها كلها... وشجع ناس بيتكم... تقول ليهم رايكم شنو نرجع لمة رمضان تاني... ونساعد بعض على الطاعة... واذا ما قدرتوا تصوموها كلها... صوموا معظمها... او الاتنين والخميس... وطبعا اكيد اكيد ما ح تفرطوا في يوم عرفة ان شاء الله....

    🌴 الاكثار من قرآءة القران :

    امكن الناس تكون قصرت مع نفسها في تلاوة القران بعد رمضان ... بحيث انو الزول ما كان بقرا القران بصورة يومية... ده اذا ما بصورة اسبوعية... او امكن من رمضان ما فتحوا مصحف 🙈 ... ف الايام دي فرصة ممتااااازة تقبل على كتاب ربنا... اللي الحرف الواحد منه... بعشر حسنات... والله يضاعف لمن يشاء... انت قادر تفهمني؟؟؟ 🤔... حرف واحد بعشر حسنات... شوف السطر الواحد فيو كم... وفي ناس عندهم ختمة ثااااابتة ف العشر اليوم دي... شوف الحماس ده كيف 😍... وكمان فرصة الايام دي برضو انك تنوي تواصل بعد العشر الاوائل على قراية القران بصورة يومية.... ولو ١٠ صفحات في اليوم [ تقريباً تلت ساعة بس من زمنك ] ... واتذكر الآية البتقول (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)... عشان كدة خلينا مع الأيام الطيبة دي نفتح صفحة جديدة مع القرآن...

    🌴 ذكر الله والتكبير:

    املأ كل ساعة من أوقات العشر المباركة دي بذكر الله عز وجل اللي منها أذكار الصباح والمساء ( تحفظك وتبارك ليك يومك) وكذلك التكبير والتهليل.... في بيتك شغلك طريقك واوقات فراغك... خلي قلبك يحيا ويعيش وينتشي بذكر الله في الايام دي... زي ما في الحديث الصحيح : (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ)... حدد اذكار معينة من السنة النبوية واعداد معينة حسب البناسبك وما تتنازل عنها في الايام دي ... عشان تقدر تلتزم... مثلاً سبحان الله وبحمده مية مرة بصورة يومية... وما تنسى تكتر من التكبير والتهليل....

    🌴 المحافظة على السنن الرواتب والنوافل :

    ومنها السنن الرواتب وهي ١٢ ركعة في اليوم... اذا حافظت عليها ربنا يبني ليك بيت في الجنة زي ما جاء في الحديث... وكان قدرت ركعتين قيام ليل... قبل الفجر... او نص الليل... وكان ما قدرت... ركعتين قبل ما تنوم... ان شاء الله تصليها بعد العشا طوالي... عشان تكون اتكتب ليك شي في قيام الليل...

    🌴 الصدقة :

    حاول اذا عندك طريقة... اتصدق في الايام دي... ولو ب 100 جنيه بس... واتذكر الحديث (اتقوا النار ولو بشق تمرة) صحيح مسلم.. ف حاول جود بالموجود في الايام دي... لانو الايام دي صعبة جداً على كتير من الناس... غلاء موباااالغة... وارتفاع خرافي للأسعار... والناس جد محتاجة... والفقراء اتقسموا النبقة... واتأكد انو ربنا ح يخلف عليك بالخير زي ما وعد...

    🌴 الدعاء :

    احنا في أمس الحاجة دي للدعاء مع الوضع الراهن في السودان... كتر الدعاء لنفسك واهلك وبلدك... ودعاء خااااص ربنا يرفع الغلااااء والبلاء والكورونا من البلاد ...

    🍃 اذن يا اخوانا... ما تخلي باب خير الا تكون طرقته في الايام دي... وليك منو نصيب... دي ايام ما بتتعوض... وممكن ما تمر علينا تاني 🏃‍♂️🏃‍♂️..


    *إن استطعت أن لا تدع باباً من أبواب الخير إلا طرقته فافعل.. فلعلك لا تدرك العام المقبل... أمد الله في عمرك*...

    إن الليالي والأيام، والشهور والأعوام، تمضي جميعا، وتنقضي سريعا؛ هي محط الآجال؛ ومقادير الأعمال فاضل الله بينها فجعل منها: مواسم للخيرات، وأزمنة للطاعات، تزداد فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات، ومن تلك الأزمنة العظيمة القدر الكثيرة الأجر يوم عرفة تظافرت النصوص من الكتاب والسنة على فضله وسأوردها لك أخي القارئ حتى يسهل حفظها وتذكرها:

    1- يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم قال الله- عز وجل- : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:39]. والأشهر الحرم هي : ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب.. ويوم عرفة هو اليوم التاسع من أيام شهر ذي الحجة.

    2- يوم عرفة أحد أيام أشهر الحج قال الله - عز وجل- {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:197] وأشهر الحج هي : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة.

    3- يوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه قال الله - عز وجل- : {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}[الحج:28].
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة".

    4- يوم عرفة أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها؛ منبها على عظم فضلها وعلو قدرها قال الله - عز وجل- : {والفجر . وَلَيَالٍ عَشْرٍ}[الفجر:2]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما: "إنها عشر ذي الحجة"، قال ابن كثير: وهو الصحيح.

    5- يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عمل أزكى عند الله - عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل- ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الدارمي وحسن إسناده الشيخ محمد الألباني في كتابه إرواء الغليل.

    6- يوم عرفة أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة، قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- : إن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة:5]. قال عمر – رضي الله عنه- : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.

    7- صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين: فقد جاء الفضل في صيام هذا اليوم على أنه أحد أيام تسع ذي الحجة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها، فعن هنيدة بن خالد -رضي الله عنه- عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر : أول اثنين من الشهر وخميسين) (صحيح أبي داود).
    كما جاء فضل خاص لصيام يوم عرفة دون هذه التسع قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة : (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) (رواه مسلم).. وهذا لغير الحاج، وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف.

    8- أنه يوم العيد لأهل الموقف قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام)(رواه أبو داود وصححه الألباني).

    9- عظم الدعاء يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة)(السلسلة الصحيحة).
    قال ابن عبد البر رحمه الله: "وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره".

    10- كثرة العتق من النار في يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة) رواه مسلم.

    11- مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء) رواه أحمد وصحح إسناده الألباني .

    التكبير في العشر ويوم عرفة
    12- ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين:
    التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المفروضة، ويبدأ من فجر يوم عرفة، قال ابن حجر – رحمه الله- : "ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود رضي الله عنهم أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى".

    وأما التكبير المطلق فهو الذي يكون في عموم الأوقات، ويبدأ من أول ذي الحجة، حيث "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما"، والمقصود تذكير الناس ليكبروا.

    13- فيه ركن الحج الأعظم، وهو الوقوف بعرفة الذي لا يتم حج أحد إلا به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) متفق عليه.

    إذا كان هذا اليوم قد حوى كل هذه الفضائل فينبغي على المسلم ألا يفرط فيه ويضيعه من غير طاعة وذكر ودعاء، كما لا ينبغي أن يفوت المسلم الصيام في هذا اليوم ليغفر الله به ذنوب سنتين، سنة ماضية وسنة آيتية، وهذا فضل كبير لعمل ليس بالشاق العظيم.. وننبه كل فاضل ألا يعرض نفسه في هذا اليوم لسخط الله بالوقوع في معاصيه ومساخطه فإن هذا اليوم أعظم وأكرم من أن يضيع في غير طاعة فضلا عن أن يكون في معصية فهذا من علامات الحرمان.

    اللهم بلغنا بمنك عرفة، ووفقنا لحج بيتك الكريم، وتقبل منا صالح الأعمال واجعلنا من عتقاء الله من النار في ذلك اليوم يا كريم.
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    [برنامج ليوم عرفة| د. خالد أبو شادي]

    ١_نم ليلتك مبكِّرا ما استطعت؛ بنية التقَوّي على طاعة الله لتنال بنومك أجرا.

    ٢_ قم قبل الفجر للسحور، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحِّرين.

    ٣_ صلِّ ٤ ركعات قيام على الأقل وادع ربك وأنت ساجد بخير الدنيا والآخره مع البكاء والتباكي.

    ٤_ اقض وقتا قبل الفجر في الاستغفار حتى تُكتٓب من المستغفرين في الأسحار.

    ٥_استعد لصلاة الفجر قبل الآذان بخمس دقائق، واستشعر أن ذنوبك تخرج مع آخر قطرة لكل عضو وأنت تتوضأ..

    .٦_ قل دعاء ما بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (تُفتٓح له أبواب الجنة الثمانية).

    ٧_صلِّ الفجر واجلس في مصلاك إلى ما بعد الشروق ب ١٥ دقيقة.

    ٨_ابدأ التكبير بعد السلام مباشرة.

    ٩_اجلس في مُصلّاك حتى الشروق تقرأ القرآن مع تسبيح وتهليل وتحميد، ولا تنسٓ أذكار الصباح .

    ١٠_صلِّ ركعتي بعد شروق الشمس ليكتب الله لك أجر حجة وعمرة، وإياك أن تضيِّعها.

    ١١_أنت الآن مخير إن استطعت ألا تنام اليوم كاملا، فلا تضيع ثانية واحدة في ذكر ودعاء، وكن على يقين بالإجابة.

    ١٢_أو تنام ساعة أو ساعتين تنوي بذلك التقَوّي على طاعة الله سائر اليوم..

    ١٣_ثم قم من النوم لتتوضأ وتصلي ٤ ركعات ضحى على الأقل، ونوِّع بين الطاعات حتى لاتمل:
    تكبير - ذكر - تلاوة القرآن..

    ١٤_صلِّ الظهر وكبِّر وسبِّح، واقرأ شيئا من القرآن.

    ١٥_ أكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فهو أفضل الدعاء في يوم عرفة!!

    ١٦_صلِّ العصر وكبِّر، وابدأ بأذكار المساء .

    ١٧_اقرأ القرآن إلى قبل المغرب بساعة تقريبا، ثم أتبِعه بالدعاء بخشوع.
    ولا تنس إخوانك المستضعفين في كل مكان، وأقصانا الأسير، والمرابطين حوله.

    ١٨_ادعُ الله أن لا تغرب شمس يوم عرفة إلا وأنت من عتقائه.

    ١٩_إياك أن تظن أنك باجتهادك في يوم عرفة خيرٌ من غيرك، فأنت لا تضمن القبول لكنك ترجوه، وإن ضمنته لم تضمن الثبات، فإن إبليس عَبَدَ اللهَ دهرا مع الملائكة ثم صار إلى ما صار إليه، فلا تُعجَب بعملك، واسأل الله القبول والثبات، وأيقِن بالإجابة.

    ٢٠_ مع آذان المغرب:
    ابدأ الإفطار، ولا تنس أن للصائم دعوة لا تُرَدُّ.

    #يوم_عرفة

    للحج جملة من المقاصد استفاض الْإِمَام الشيخ محمد الغزالي (1917 - 1996م) في شرحها بما يتسع لعدد من المقالات ، اقتصرت منها في هذه العجالة على بعض المقاصد العقدية، أسوقها اليك أخي القاريء في النقاط التالية :

    المقصد الأول : تذكير بالوظيفة الحقيقية للإِنسانية :

    إنَّ الوفود القادمة من القارات الخمس على اختلاف لغاتها وألوانها وأحوالها يجمعها شعور واحد، وتنتظمها عاطفة دينية مشبوبة، وهى تترجم عن ذات نفسها بتلبية تهز الأودية! ويتحول ما أضمرته من إخلاص إلى هتاف باسم الله وحده، لا ذكر هنا إلا لله! ولا جؤار إلا باسمه! ولا تعظيم إلا له! ولا أمل إلا فيه! ولا تعويل إلا عليه. إنَّ المسافات تقاربت، بل انعدمت، بين ذكر لله يمر بالفؤاد كأنه خاطرة عابرة، وبين ذكر لله يدوى كالرعد القاصف من أفواج تتدافع إلى غايتها لا تلوى على شىء، ولا يعنيها إلا إعلان ولائها لله الذى جاءت لتزور بيته. لقد رأيت فى العواصم الكبرى تظاهرات تطلب كذا، وتهتف لكذا! أين هذه من تلك؟ أين الثرى من الثريا؟ إِنَّ أولئك الحجيج المكرمين يحيون رب الأرض والسماء، ويوثقون علاقة العالم بسيده، ويؤكدون الوظيفة الحقيقية للإنسانية، وهل خلق الناس إلا لعبادة الله وطلب رضاه..؟ (علل وأدوية ، ص: 133)

    المقصد الثاني : تجديد وتخليد لمشاعر التوكل على الله :

    إنَّ التوكل شعور نفيس غريب، وهو أغلى من أنْ يخامر أي قلب، إنه ما يستطيعه إلا امرؤ وثيق العلاقة بالله حماس بالاستناد إليه والاستمداد منه. وعندما ينقطع عون البشر، وتتلاشى الأسباب المرجوة، وتغزو الوحشة أقطار النفس، فهلا يردها إلا هذا الأمل الباقي في جنب الله! عندئذ ينهض التوكل برَدِّ الوساوس وتسكين الهواجس. إنني بعين الخيال أتبع "هاجر" وهي ترمق وليدها الظامئ، ثم تجري بخطوات والهة هنا وهناك ترقب الغوث وتنتظر النجدة. إن ظنها بالله حسن، وقد قالت لإبراهيم عندما تركها في هذا الوادي المجدب الصامت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت في رسوخ : إذن لا يضيعنا. وها هي ذي تتعرض للمحنة، وتنتظر تدخل السماء. وتدخلت السماء، وتفجرت زمزم، وغني الوادي بعد وحشة، وصار الرضيع المحرج أمة كبيرة العدد عظيمة الغناء، ومن نسله صاحب الرسالة العظمى، ومن شعائر الله هذا التحرك بين الصفا والمروة تقليدا لأم إسماعيل، وهي ترمق الغيب بأمل لا يخيب. ما أحوج أصحاب المُثل إلى عاطفة التوكل، إنها وحدها تكثرهم من قلة، وتعزهم من ذلة، وتجعل من تعلقهم بالله حقيقة محترمة، (فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء ، ص: 87)

    المقصد الثالث : الْإِعلان بوضوح عن أساس حضارة المسلمين وسياستهم :

    فى يوم معين من السنة، ومكان مخصوص من الأرض، تلتقى الوفود المقبلة من المشارق والمغارب، تلتقى وفود الرحمن فى صحراء عرفة، فى ملابس لا تصلح لخيلاء ولا موضع فيها لزينة أو امتياز، الناس شعث غبر! تكسوهم سيماء العبودية والتجرد والافتقار إلى الله. ليعلنوا أساس حضارتهم وسياستهم، إنه التوحيد الذى جاهد المرسلون كلهم من أجله! .. فلا عجب إذاً أنْ يكون التوحيد هو الشعار المرفوع سحابة النهار، وزلفاً من الليل ،... العرب والعجم والترك والهنود والزنوج وغيرهم وغيرهم من خلق الله يصرخون بهذا الشعار! إنَّ الأصنام القديمة سقطت، بيد أنَّ أصناماً أخرى ظهرت وسرقت أفكار الناس ومشاعرهم، وربما رأيت أفرادا وشعوبا يزحمون أرجاء الدنيا، ويحيون ويموتون ما يرفع أحدهم بصراً إلى السماء، ولا يرفع كف ضراعة إلى خالقه، لأنه لا يعرفه..! إنَّ الأمة الإسلامية وحدها هى التى ورثت الحقيقة، وعرفت العقيدة الصحيحة، وهاهى ذى ترسل وفودها إلى الأرضى المقدسة معلنة فى المكان والزمان اللذين فرضهما الله، أنه لا إله إلا الله ، عليها نحيا، وعليها نموت، وفى سبيلها نجاهد، وعليها نلقى الله. (علل وأدوية ، ص: 134)

    المقصد الرابع : تذكير المسلمين بتاريخهم المادي والروحي لتبقى دورات التاريخ متصلة المبنى والمعنى:

    فالمسجد الحرام أول بقعة وضعت فى الأرض ليعبد فيها الركع السجود ربهم وحده، مهدها الخليل إبراهيم عليه السلام بعد عراك طويل مع الوثنية المستكبرة العنيدة! أعلن عليه السلام الحرب على الحجارة المقدسة، واشتبك فى خصام مر مع المتعصبين لها وهم كثير! فى طليعتهم أبوه وقومه! وأشرف على الموت فى هذا الصراع لولا أن الله أبقاه ليكمل رسالته.. فلما جاء إلى مكة بنى هذا البيت الشامخ، ودعا أن يحفه الله بالأمان، حتى لا يساور العباد القلق وهم بين يدى الله! ودعا أن يطهر الله القلوب من ظلال الوثنية. ودعا أن يكون من ذريته نبى يحرس الوحدانية وينشر العلم والتقوى، وأن يقود أمة تسلم لله وجهها وتخلص قلبها.. كيف لا يجىء المسلمون هنا وتاريخهم المادى والروحى يرتبط بهذا المكان، وذكريات الوحى الأول والخاتم ترف فى ربوعه كلها؟ إنهم يجيئون ليترجموا عن وفائهم ويقينهم، ولتبقى دورات التاريخ متصلة المبنى والمعنى، لا يمر عام إلا أقبلت الوفود من كل فج كأنها الحمائم تنطلق إلى أوكارها، يحثها الشوق إلى مهاد التوحيد وحصنه، (علل وأدوية ، ص: 132)

    المقصد الخامس : للدلالة على أنَّ الأمة لم تشذ عن قواعد النبوات القديمة :

    - شاء الله أن يوجه الأمة الإسلامية جمعاء إلى قبلة واحدة، ترتبط فيها مساجد القارات الخمس، بأول مسجد ظهر على الأرض..!! وترتبط فيها بأبيها الأول إبراهيم، لتعلن أنها بهذا الارتباط لا تشذ عن قواعد النبوات القديمة . وإنما الذى شذ هو الذى أشرك وأفسد، من المغضوب عليهم، والضالين ..!! (هذا ديننا ، ص: 129).
    - إنَّ الإنسانية واحدة من آدم إلى إبراهيم إلى محمد، شرفها فى معرفتها لله وولائها له وحده، وجهد الشيطان تعكير هذه المعرفة وتقطيع ذلك الولاء، وقد كان إبراهيم نموذجا للنبوات الأولى فى حرب الأوثان ومطاردة الشيطان، وقد بنى فى مكة هذا البيت الخالد شعارا للتوحيد، ومنارا للعبادة المجردة، ثم جاء خاتم المرسلين فأرسى القواعد لألوف مؤلفة من المساجد التى تتبعه فى الوسيلة والهدف، فلا غرابة إذا ارتبطت به وجاء أهلوها فى كل عام يجددون العهود!. (الحق المر: 1/ 109).

    المقصد السادس : التأكيد على شمولية الاسلام وأنَّه كل لا يتجزأ:

    إنَّ إثراء الجانب الروحى هدف ظاهر من أعمال الحج وأقواله حتى تعود وفود الرحمن جياشة العواطف بحب الله وخشيته ، متآخية على تنفيذ وصاياه وإعظام حقوقه.. ولكن الجوانب الأخرى منه لا يمكن إهمالها أبدا، ...من أجل ذلك نزلت سورة براءة، وشاء الله أن تقرع مسامع الحجاج فى السنة التاسعة للهجرة كى يحددوا موقفهم ممن حاربوا الإسلام وظلموا أمته ودنسوا شعائره، ولم يحترموا يوما كتابه وسنته .. نعم لا يجوز أن تترك هذه الحشود الهائلة يوم الحج الأكبر دون توجيه جامع تلقى به خصومها. صحيح أنهم فى محاريب ذكر، وساحات تسبيح وتحميد! وأوقات تبتل إلى الله ونشدان لرضاه! لكن من قال: إن كسر العدو ليس عبادة؟ والسهر على هزيمته ليس تهجدا؟ (علل وأدوية ، ص: 134).

    والخلاصة أنَّ الحج -كما يقول الشيخ- عبادة تقيمها قلوب ساجدة وأيد مجاهدة، فهل نحسن الحج؟ أم نذهب ونعود ونحن لا ندرى؟ ، أسأل الله ان ينفعنا بهذه المقاصد.
    copied






                  

07-01-2022, 02:14 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أ. يوسف علي فرحات

    نعيش في هذه الأيام أشهرَ الحج وهي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة على أرجح الأقوال ، وهي المشار إليها في قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197] .

    والحج ركن ركين في هذا الدين ، وفريضة عظيمة أوجبها الله سبحانه وتعالى على كل مسلم مكلف قادر على تكاليف السفر ويملك النفقة مرةً في العمر للحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :( خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ )

    ففريضة الحج ثابتة بالكتاب والسنة وبإجماع المسلمين قاطبة إجماعاً قطعياً فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر ومن أقر بها وتركها تهاوناً فهو على خطر ، لذا ذهب الجماهير من الفقهاء على أن الحج واجب على الفور وليس على التراخي ، فكيف يتراخى هذا الإنسان الذي يستطيع الحج ويؤخر أداءه وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه . وقد أخرج الإمام البيهقي في سننه بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليمت يهودياً أو نصرانياً – قالها ثلاثاً – رجل مات ولم يحج وجد لذلك سعة وخُليت سبيله ) .

    وهاهو موسم الحج يتكرر كل عام ولا يتقدم المسلمون نحو أي معنى من المعاني التي أرادها الشارع من فريضة الحج بل استمع إلى حديث أي عائد من الحج وستجد أنه لا يحكي إلا عن الذين داسوا على رجله والذين زاحموه حتى انكفأ على وجهه أو عن هذا الذي سرق نقوده أو انتظارهم الطويل على المعابر أو تأخر الحافلات أو عن الحافلات غير المكيفة وهكذا … تسمع حديثاً طويلاً عن السلبيات ، مع أن الذي يَسبُر غورَ هذه العبادة يجد فيها من المعاني العظيمة والحكم الرائعة الجليلة والأسرار البديعة ما يأخذ الألباب ويُدهش العقول ، ومن خلال التأمل في هذه الرحلة الإيمانية والفريضة الربانية يستطيع المرء أن يقف على مجموعة من الدروس والعبر ، والتي على رأسها :

    ( أن الحج مظهر من مظاهر التوحيد وكيف لا وقد بُني البيت من أجل هذا الغرض ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26]

    وإبراهيم عليه السلام قد عرف في التاريخ بأنه رمز توحيد (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران:67]

    فالحاج منذ اللحظة الأولى لدخوله في هذا النسك وارتداءه لملابس الإحرام يعلن توحيده الخالص في أول كلمة يتلفظ بها : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك "

    ( إن الناس يتحولون في هذه الساحة إلى عباد الرحمن … إلى مساواة لا تتحقق في واقع الإنسانية إلا في هذا المكان … بل إن معنى المساواة في الحج أتم وأعمق ، فالحجاج يستبدلون زيهم الوطني بزي الحج الموحد ويصبحون جميعاً بمظهر واحد لا يتميز شرقيهم عن غربيهم ولا عربيهم عن عجميهم ، كلهم لبسوا لباساً واحداً وتوجهوا إلى رب واحد بدعاء واحد ، تراهم قد نسوا كل الهتافات الوطنية وخلفوا وراءهم كل الشعارات القومية ونكسوا كل الرايات العصبية ورفعوا راية واحدة هي راية لا إله إلا الله ، يطوفون حول بيت واحد مختلطة أجناسهم و ألوانهم ولغاتهم يؤدون نسكاً واحداً.

    ( لقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن تكون فريضة الحج جماعية ، إذ لو كانت فريضة فردية لصح لك أن تحج في محرم وصفر وربيع ورجب وشعبان ورمضان ، ولكن أن يُوقتَ الشارعُ يوماً معيناً وتجمعاً معيناً ومكاناً معيناً لكي يحشد هذا الحجيج الضخم ويقيم هذا الموسم العظيم فلا ينبغي أن يغيب عن نظرنا معنى الجماعية ومعنى الأمة ، لقد أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نكون أمة واحدة متعاونة متناصرة متآلفة متكاتفة كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، وليس من المستغرب أن نستدل في هذا المقام على بحديث البخاري عن أُمِّ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام) فمنذ مئات السنين وكلما رأى المسلمون وزغاً سارعوا إلى قتله ، لماذا ؟ أمن أجل أنه دويبة صغيرة ؟ كلا فإن الدواب الصغار كثيرة ولم نؤمر بقتلها ، أم من أجل أنه يلحق بالحشرات الضارة ؟ كلا فإن الحشرات الضارة لا تحصى ، إذاً من أجل ماذا ؟ من أجل أنه كان ينفخ النار على أبينا إبراهيم عليه السلام ، ولأجل أنه عدو إبراهيم ، فهو عدو لكل مسلم وسيبقى المسلمون على ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فلا ود ولا محبة لأعداء الدين ولو كانوا حشرات صغيرة كالأوزاغ.

    ( إن رحلة الحج تذكر الإنسان برحلة اليوم الآخر بدءاً من التجرد من المخيط وارتداء ثياب الإحرام التي تشبه أكفان الموتى وقبل ذلك سفره عن الأوطان ووداعه لأهله وأبنائه وأقاربه ،والذي يذكره بسفره الأخير إلى دار الآخرة ، وكذلك الإنسان ينبغي أن يتذكر بزحمة الطواف والسعي والرمي ذلك الزحام الرهيب يوم الحشر يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، كذلك يتذكر بحرارة الشمس في مكة يوم تدنوا الشمس من العباد قدر ميل و يتذكر بالتعب والضنك والعرق المتصبب من جسده وأجساد الناس من حوله ذلك اليوم الرهيب والموقف المهول يوم يبلغ الناس في العرق مبلغاً عظيماً ، ولذا نرى أن القرآن الكريم قد ختم الحديث عن مناسك الحج في سورة البقرة بالتذكير بحشد الحشر الأكبر والذي يتجلى في أروع صوره يوم عرفه ، قال تعالى : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة:203]


    الحج ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه، فرضه الله على القادرين من مكلفي المسلمين، في العمر مرة واحدة، وهو من مباني الإسلام ودعائمه الكبار، وقد ثبت وجوبه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة:
    قال الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(آل عمران:97).

    وفي صحيح مسلم من حديث عمر المشهور بحديث جبريل أو بحديث الدين، قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: [يا محمد أخبرني عَنْ الإسلام؟ فقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّهِ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"، قَالَ: صدقت].
    وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ]. وفي روايات في غير الصحيحين، [وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا].

    الحج مرة
    وهذا الحج كتبه الله على المسلم المكلف الحر المستطيع في العمر مرة واحدة كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي المسند وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [خطبَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ كتبَ عليكمُ الحجَّ فقامَ الأقرعُ بنُ حابسٍ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ أفي كلِّ عامٍ؟ قال: لَو قلتُها لوجبَت، ولَو وجبَت لم تعملوا بِها ولن تستطيعوا أن تعملوا بِها، الحجُّ مرَّةً، فمَن زادَ فَهوَ تطوُّعٌ](حسنه ابن حجر والألباني، وصححه أحمد شاكر).

    وقد أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة ونقل هذا الإجماع عدد من أئمة المسلمين.

    المبادرة المبادرة
    وإذا كان الحج فريضة وركنا من أركان الإسلام، فينبغي على الإنسان أن يسارع بأدائه لأداء الركن وإسقاط الفرض، خصوصا وقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوبه وتعينه على الفور، واستدلوا بما رواه الإمام أحمد والنسائي عن عبد لله بن عباس رضي الله عنهما قال: صلى الله عليه وسلم: [تعجَّلوا إلى الحجِّ - يعني الفريضةَ - فإنَّ أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له](وقد ضعفه جماعة، وحسنه الألباني في الإرواء وصحيح الجامع).

    وقد بين عليه الصلاة والسلام بعض هذه العوارض التي قد تعرض للعبد فتصرفه عن الحج، وذلك فيما رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر والألباني وأحمد شاكر عن ابن عباس أيضا فقال: [من أراد الحجَّ فليَتَعجَّلْ؛ فإنه قد تَضِلُّ الضَّالةُ، ويَمرضُ المريضُ، وتكونُ الحاجةُ].
    أنت اليوم قوي وعندك الوقت والمال وتستطيع أن تذهب، وأما غدا فلا تدري كيف يكون الحال، ثم إن الموت يأتي بغتة ولا يُدرى له موعد.

    ومما يبعث على المسارعة بالحج ما رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وذلك أن الله يقول: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

    وقد رواه البيهقي من رواية الحارث عن علي أيضا، ورواه أيضاً عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج، فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً].

    قال الحافظ في التلخيص: "هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال العقيلي والدارقطني لا يصح فيه شيء. قلت (القائل ابن حجر): وله طرق. ثم ساق الحافظ طرقه عن أبي أمامة وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم. ثم قال: وله طريق صحيحة إلا أنها موقوفة رواها سعيد بن منصور والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين. لفظ سعيد، ولفظ البيهقي أن عمر قال: ليمت يهودياً أو نصرانياً ـ يقولها ثلاث مرات ـ رجل مات ولم يحج ووجد لذلك سعة وخليت سبيله. قلت (ابن حجر): وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلاً ومحمله على من استحل الترك وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع". انتهى كلام الحافظ..
    هذا وقد حكم الشوكاني على الحديث بأنه حسن لغيره.

    وقد تبين مما سبق أن الحديث حتى وإن لم يصح مرفوعا، فقد صح موقوفا عن عمر رضي الله عنه وهو من هو.

    وعلى العموم فقد ندب القرآن الكريم والسنة المشرفة إلى المسارعة للخيرات، والمسابقة للطاعات، والتعجيل بأسباب دخول الجنات، فقال جل في علاه {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:133)، وقال: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الحديد:21).

    وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: [بادِروا بالأعمالِ سبعًا هل تنتظِرونَ إلا إلى فَقرٍ مُنسٍ، أو غِنًى مُطغٍ، أو مرضٍ مُفسدٍ، أو هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أو موتٍ مُجهِزٍ، أو الدجَّالِ فشَرُّ غائبٍ يُنتَظَرُ، أو الساعةِ فالساعةُ أَدهَى وأمَرُّ](رواه الترمذي وقال حسن غريب).
    نسأل الله أن ييسر للمسلمين حج بيته الكريم، ويجعله لهم عتقا من النار.. آمين.
    من عظيم نعم الله على العبد أن يختاره من بين عباده ليتم عليه أركان دينه وفرائض شريعته بتيسير أسباب الحج أولا، فيجعله من أهل الاستطاعة، ثم بالتوفيق للسير ثانيا من بين من استطاعوا..

    والحج ـ كما تعلمون ـ فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه، أوجبه الله على المستطيع من الأمة، ووجوبه ثابت بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين.

    أمر به الملك سبحانه عباده المؤمنين فقال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، وحذر المتغافلين المتكاسلين المعرضين فقال: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}.. ونادى على الناس به إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: (أيها الناس أن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه)، وكان ذلك استجابة لأمر الله له: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}، وهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأمته: {إن الله كتب عليكم الحج فحجوا] متفق عليه.

    ولعظيم فضل الحج وكبير شأنه رغَّب فيه الشرع ترغيبًا شديدًا، ودعا القادرين إليه دعاءً حثيثًا، ورتب عليه من الأجر والثواب شيئًا كبيرًا، وأجرأ كثيرًا.

    فالحج من أفضل الأعمال:
    ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور.
    وروى ابن حبان عن أبي هريرة أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أفضل الأعمال عند الله تعالى إيمان لا شك فيه، وغزو لا غلول فيه ، وحج مبرور]. (وقد ضعفه الألباني).

    والحج جهاد:
    كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة".

    وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال؛ أفلا نجاهد؟ قال: [لكن أفضل الجهاد حج مبرور]. رواه البخاري

    وجاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: إني جبان وإني ضعيف!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [هَلُمَّ إلى جهاد لا شوكة فيه.. الحج]. [رواه ابن حبان ورجاله ثقات].

    والحج مغفرة للذنوب:
    صغيرها وكبيرها، فهو يهدمها هدما، وينسفها نسفا، ويعيد صحيفة المسلم بيضاء نقية لا ذنب فيها: ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: [من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه].

    ولما أراد عمرو بن العاص أن يسلم اشترط لإسلامه أن يغفر الله له سابق ذنوبه؛ فقال له الرسول الأكرم: [أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟].(رواه مسلم) .. فالإسلام يهدم ما كان قبله من الكبائر والبلايا، والهجرة تهدم ما كان قبلها من المعاصي والرزايا، والحج يهدم ما كان قبله من الذنوب والخطايا.

    والحج جزاؤه الجنة:
    روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة].

    وفضائل الحج ومنافعه كثيرة يعجز الإنسان عن حصرها، ولو أراد الإنسان أن يتتبعها لأعياه ذلك، وأعجب العجب أن يكون هناك أناس أعطاهم الله عافية في أبدانهم وصحة في أجسامهم، ووهبهم سعة في أرزاقهم ثم لا يقصدون بيت الله للحج، ولا يؤمونه ليقضوا فريضة الله عليهم، لا يدري المرء إن كان ذلك خوف فقر، أو جمعا للمال، أو إيثارا لراحة البدن أو عدم شوق لهذه العبادة العظيمة والطاعة الجليلة، رغم أن من هؤلاء من يكثرون السفر إلى بلاد الشرق والغرب كل عام، فسبحان من قلوب العباد بين يديه يصرفها ويقلبها حيث يشاء.

    إن أعظم النفقات نفقة المرء في حجه وهو كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة درهم، والله يضاعف لمن يشاء، وما ينفق في الحج يخلفه الله، فالنفقة على الحج سبيل غنى على عكس ما يظنه البعض، أخبر بذلك الصادق المصدوق في الحديث الصحيح: [تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة]. فمن أراد الغنى فهذا سبيل من سبله وباب من أبوابه.

    يهوديا أو نصرانيا:
    على أن مما يخاف على المتأخرين والمتكاسلين والمعرضين فوات الأعمار وانقطاع الآجال، فيموت المرء عاصيا لربه آثما بإعراضه وتركه، وربما زاد الخوف بما رواه ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال: "من ملك زادا وراحلة ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا".

    وبما رواه سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جـدة ولم يحج؛ فيضربوا عليهم الجزية؛ ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".

    فهل بعد كل هذا الترغيب وذاك الترهيب يجد القادرون على الحج عذرا في عدم الحج أو في التكاسل عنه.

    الخاتمة التعجيل:
    إن خاتمة الكلام هو حديث النبي عليه الصلاة والسلام يدعو كل مسلم قادر على الحج للمسارعة بأداء الفرض لإبراء الذمة، وأداء الواجب، ونفي المساءلة.. وذلك في حديث مسند أحمد عن ابن عباس قال عليه الصلاة والسلام: [تعجلوا الحج (يعني الفريضة) فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له].

    فبادر الحـجَّ؛ فالفُـرَصُ فـوّاتـة، والعمر ينقضي، والأحوال قُلَّب. وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم- قال: [من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة][رواه أحمد وهو صحيح].



    اللهم ارزقنا حج بيتك الكريم، واجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا.. آمين.




                  

07-02-2022, 12:06 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    سمعت أحد الدعاة يقول: إن الله كلفنا بما نعقل فأطعنا، فأراد أن يبلونا بأفعال الحج ليرى: أنطيعه فيما لا نعقل أم نعصيه؟ قلت له: هناك ما هو أحسن من هذا!!، وأفعال الحج ترتبط بحكم لا ينكرها العقل، وقد شرحتها في موضع آخر ولا بأس من إعادتها هنا.

    إن الأمم تغالي بكثير من ذكرياتها، وتقرن بها مشاعر نفسيه واجتماعية بعيدة المدى، وقد رُبط النصارى بقبر المسيح وطريق الآلام، كما يقولون، وربط اليهود أنفسهم بحائط المبكى، وأسسوا عليه حقوقا ما أنزل الله بها من سلطان! فلماذا يستغرب من المسلمين أن يرتبطوا بأماكنهم المقدسة، ارتباطا ـ يبدو ـ عندما يدرس ـ أقرب إلى الرشد، وأبعد عن الوهم؟!

    الكعبة هي البيت الحرام الذي بني لتقام فيه وعنده الصلوات لله وحده، وقد قيل لإبراهيم وهو يؤسسه {لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}.

    وهذا المسجد الحرام ـ أعني الكعبة ـ هو أول مسجد بني في الدنيا لتوحيد الله، ونبذ الشركاء، وتمحيص العبادة لرب العالمين.

    أليست لهذه الأولية حقوق؟ بلى. وطليعة هذه الحقوق ألا يشاد مسجد في العالم إلا اتجه إليه وشاركه غايته في التوحيد الخالص! وكذلك من هذه الحقوق المقررة أن ينبعث كل قادر ليزور هذه المسجد الذي أصبح قبلته حيا وميتا.

    هذه المعاني هي التي ذكرها القرآن الكريم في أثناء الحديث عن هذه الكعبة: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين}، {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، {فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}...

    من أجل ذلك تنبعث الوفود من المشارق والمغارب لترى البيت الذي تصلي إليه، ولتطوف حوله طواف تقدير و احترام.

    ماذا يقول الحجيج وهم يطوفون بهذا البيت؟ يقولون: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"! يقولون: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

    إنهم لا يعبدون البيت وإنما يعبدون رب البيت، والطواف كما قال العلماء ـ صلاة لا بد لها من طهارة البدن، ولا بد فيها من خلوص القلب لله. ومن زعم أن الكعبة كلها أ وبعضها يضر أو ينفع فهو خارج من الإسلام.

    ومن حق رب البيت أن يضع طريقة لزيارة بيته وكيفية تعظيمه، فإذا جعلها طوافا من سبعة أشواط فليس في الأمر ما يستغرب، ففي طول الدنيا وعرضها توضع طرائق شتى للاستقبالات والاستعراضات!!

    حكمة الطواف
    وحكمة أخرى لا تقل جلالا عن سابقتها، تفسر الطواف حول البيت العتيق، إن الأمة الإسلامية التي تبلغ ألف مليون من البشر، بدأت دعوات حارة على ألسنة الرسولين الكريمين اللذين توليا بناء هذا البيت! دعوة ملؤها الاستسلام لله، والرغبة في مد عبادته من الآباء إلى الأبناء إلى الأحفاد إلى قيام الساعة {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}.. كما أن هذين الرسولين الكريمين دعوا الله أن يجعل في هذه الأمة نبيا يعلم ويربي ويتلوا آيات الوحي الصادق، فكانت بعثة النبي الخاتم بعد قرون طوال!

    أهناك ذكريات تاريخية أعز من هذه الذكريات؟ فإذا لم يحج المسلمون البيت الذي بدأ عنده تاريخهم، فأين يحجون؟ وإذا لم يقصدوا البيت الذي كان نبيهم دعوة مخبوءة في ضمير إبراهيم عند بنائه استجابها الله وباركها، فأين يقصدون؟

    إن الكعبة بناء من حجر، ما يغليها أن تكون بناء من ذهب، ولا يرخصها أن تكون من خشب، المهم هو المعنى الذي يحفها!..

    رجل واحد هو في طاقته أمة! أحب الله من أعماق قلبه، وألقى في النار لحرصه على توحيده، وخاصم الملوك والجماهير لإعلاء هذه الحقيقة، وتنقَّل بين أرجاء رحبة من الأرض يدعو ويجادل، طوحت به سياحاته إلى هذا المكان النائي ليشيد على أنقاض الوثنية حصنا للتوحيد، ويسأل ربه وهو يبنى أن يجعل من عقبه أمة تحمي الحق وترفع رايته، أكان للناس عجبا أن تهرع هذه الأمة بعدما تمخض عنها الغيب لتزور المسجد الذي وضع أبوها، وتهتف من حوله بشعار التوحيد؟

    إن الأب الراحل دعا الأجيال لتزور بيت الله ، وتوثق حبالها بالعقيدة التي أنشأته، ووقع في قلوب الألوف المؤلفة صدى هذا النداء، فأتت من كل فج تقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"!

    فهل تتهم هذه الوفود الموحدة بأنها وثنية؟ أليست هذه السفاهة بعينها..؟!!

    إن بعض الناس لا يدري المعاني العظيمة التي تحف مناسك الحج، وقد يكون الحجاج أنفسهم من هذا القبيل!

    نظرة في المسعى
    نظرت إلى "المسعى" وهو يموج بحشود كثيفة تطوف بين الصفاء والمروة، وساءلت نفسي: إن هذا المسعى بين الجبلين الصغيرين شرع لترسيخ عقيدة التوكل على الله، وإن وهت الأسباب المادية، فهل الساعون يعون ذلك؟

    من قرون خلت كانت هذه البقعة يسودها صمت الوحشة والانقطاع، لا أنيس هنالك ولا عمران، جاءها إبراهيم عليه السلام بامرأته وابنه الرضيع، ثم قال: للأم الضعيفة: سأتركك هنا..!

    وتساءلت هاجر دهشة: تتركنا هنا أنا وإسماعيل؟ حيث لا زرع ولا ضرع، ولا دار ولا ديار؟ قال: نعم، قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضعينا!!

    وانصرف الأب لا يدري ماذا سيقع له ولا ما سيقع لأسرته، لقد نفَّذ ما أوحي إليه به وحسب!

    ونفد الزاد والماء من هاجر، وجاءت الساعة الحرجة، وانطلقت الأم بين الربوتين الجاثمتين على صدر الوادي تبحث عن غوث للرضيع الذي يوشك أن يهلك.

    وبعد أمد جاء الملك وفجر بئر زمزم، وحامت الطير حول الماء الدافق، وأحس الناس ما جدّ فأقبلوا على المكان يعمرونه!

    إن ثقة هاجر في الله أثمرت الخير، ولم يخذلها الله بعدما آوت إليه...

    والتوكل على الله ـ مع ضعف الأسباب أو انعدامها ـ زاد يحتاج إليه المجاهدون، والمضطهدون، يعتمدون عليه في اليوم الكالح كي يسلمهم إلى غد رابح.

    وقد خسر المسلمون معارك كثيرة، كانوا جديرين بكسبها لو استندوا إلى الله، ولكنهم خاروا لضعف يقينهم ثم هانوا في أرضهم!

    هل يعي ذلك الساعون بين الصفا والمروة؟ وهل عرفوا عقبى التوكل عندما يمثلون الدور الذي قامت به أم اسماعيل وهي تتحرك جيئة وذهابا بين الربوتين؟

    وفي الرمي دروس:
    قال التاريخ: واعترض الشيطان إبراهيم لما ترك أسرته بالوادي المقفر، يقول له: كيف تنفذ أمرا فيه هلاك أهلك، لأن الله أمرك؟ فقذفه إبراهيم بحصيات التقطها من التراب، فكانت تلك سنة رمي الجمار فيما بعد!

    إن مناسك الحج تنمية لعواطف المسلمين نحو ربهم ودينهم وماضيهم وحاضرهم.

    ويكفي أنها تجمعهم من أطراف الأرض شعثا غبرا لا تفريق بين ملك وسوقة، ولا بين جنس وجنس، ليقفوا في ساحة عرفة في مظاهرة هائلة، الهتاف فيها لله وحده، والرجاء في ذاته والتكبير لاسمه، والضراعة بين يديه، فقر العبودية ظاهر! وغنى الربوبية باهر! ومن قبل الشروق إلى ما بعد الغروب لا ذكر إلا لله ولا طلب إلا منه سبحانه...

    إن الحج من الناحية الروحية إذكاء مشاعر، وتجديد عاطفة. ومن الناحية الاجتماعية فرصة ثمينة للتوجيهات الجامعة التي تكفل مصلحة المسلمين العليا.

    ولكي ندرك ذلك ندرس كيف حج المسلمون في السنة التاسعة والسنة العاشرة للهجرة.

    في السنة التاسعة رجع الحجاج وقد تلقوا تعليمات بقطع علاقاتهم مع العابثين بمعاهداتهم، ومعاملتهم بالشدة بعدما فشل اللطف معهم..

    وفي السنة العاشرة وضعت تقاليد إنسانية وآداب عامة تضمنتها الخطبة الجليلة التي ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع...

    فهل يسمع المسلمون شيئا ذا بال عندما يحجون في هذه الأيام؟
    copied
                  

07-03-2022, 07:16 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    بعد أن أوحى الله لنبيه الخليل إبراهيم، أن يبني له بيتًا، وأعلمه بمكانه ففعل، فلما انتهى من بنائه أمره الله بأن يؤذن في الناس داعيًا لهم إلى حج هذا البيت.. فذُكِر أنه قال: يا رب! كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟! فقال: ناد وعلينا البلاغ. فقام إبراهيم على مكان مرتفع – قيل المقام أو الصفا أو جبل أبي قيس – فنادى: أيها الناس! إن (ربكم) قد اتخذ بيتًا فحجوه.

    فذكر أن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجاب كل شيء سمع من حجر ومدر وشجر، وكل من كتب الله له الحج إلى يوم القيامة.



    لم تبق إلا أيام قلائل وينطلق وفد الله إلى بيت الله، ينطلق من لبَّى دعوة الله، وأجاب نداء الخليل، واستجاب لأمر الرسول الجليل صلى الله عليه وسلم.. كلهم يتوجه إلى مكة شرفها الله؛ ليطوفوا بالبيت العتيق، ويشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات.. أسرع قوم وتباطأ آخرون مع القدرة؛ فأردنا أن نبين بعض فضائل تلك الشعيرة العظيمة؛ عسى أن يكون في الكلام منفعة للسامعين وتسلية للمنفقين، وحث للقادرين المتقاعسين المتكاسلين.



    الحج فريضة
    الحج ـ كما تعلمون ـ فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه، أوجبه الله على المستطيع من الأمة، ووجوبه ثابت بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين. ولعظم فضله وكبير شأنه رغَّب فيه الشرع ترغيبًا شديدًا، ودعا القادرين إليه دعاءً حثيثًا، ورتب عليه من الأجر والثواب شيئًا كبيرًا، وأجرأ كثيرًا.


    والحج أفضل الأعمال عند الله، أو من أفضلها كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله. قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور. (رواه البخاري ومسلم).


    وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الأعمال عند الله تعالى إيمان لا شك فيه وغزو لا غلول فيه وحج مبرور. (وقد ضعفه الألباني).


    وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

    وبر الحج: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، ولين الكلام، وأن يرجع من حجه زاهدًا في الدنيا، راغبًا فيما عند الله تعالى.روي هذا عن الحسن البصري.. وقد جاء في حديث جابر مرفوعا: (إن بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام).وسنده حسن.



    الحج والجهاد
    الجهاد عمل من أحب الأعمال إلى الله ورسوله، ولكن في زمان عطل فيه الجهاد، وغلقت أبوابه، يبحث المسلم عن بديل أو ما يشبهه حتى يأتي الله بالفرج، ومن أبواب الجهاد الحج كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة".


    وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال؛ أفلا نجاهد؟ قال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور".


    وجاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: إني جبان وإني ضعيف!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هَلُمَّ إلى جهاد لا شوكة فيه.. الحج". [رجاله ثقات، رواه ابن حبان].


    الحج يهدم ما قبله
    غاية المؤمن في هذه الحياة وأقصى ما يتمناه: أن يتوب الله عليه، وأن يعفوَ الله عنه، وأن يغفر له خطاياه. والمؤمن الصادق يطرق أبواب التوبة ويتعرض لأسباب المغفرة ويسلك سبل العفو، ومن أعظم هذه السبل سبيل الحج؛ فإن الحج يحط الخطايا حطَّا، ويمحق الذنوب محقًا. وقد روى الإمام مسلم في قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه قال فقبضت يدي فقال ما لك يا عمرو قلت أردت أن أشترط قال تشترط ماذا قلت أن يغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟.


    فالإسلام يهدم ما كان قبله من الكبائر والبلايا، والهجرة تهدم ما كان قبلها من المعاصي والرزايا، والحج يهدم ما كان قبله من الذنوب والخطايا. وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".


    وأجاب من سأله عن فضل الحج بقوله: (أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة ويمحو عنك بها سيئة; وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرًا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبا غسلها الله عنك; وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك; وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك). (رواه الطبراني وحسنه الألباني).

    بشارتان للحجاج والمعتمرين

    وبعد كل هذه الفضائل فلئن كان ثمة عجب فمن أناس يملكون المال والعافية والقدرة ثم يزهدون في الحج وينصرفون عنه، إما حرصًا منهم على المال، أو خوفًا من الفقر، أو زهدًا فيما عند الله من الأجر. والأعجب من ذلك أناس ينفقون أموالهم في الأسفار إلى مختلف الأقطار، ويضن أحدهم على نفسه أن يذهب لقضاء فريضة الحج؛ ليسقط عن نفسه الإثم والمساءلة أمام الله. مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بشَّر المنفقين المال في الحج والعمرة ببشريين عظيمتين:

    الأولى: أن النفقة في الحج ليست ضائعة، بل هي عند الله باقية يضاعفها لصاحبها أضعافًا كثيرة، كما في حديث بريدة: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله؛ الدرهم بسبعمائة ضعف".[رواه الطبراني، وإسناده حسن].



    وأما الثانية: فهي أعظم من الأولى، وأثلج لصدور الموقنين بكلامه عليه الصلاة والسلام، المسلّمين لأخباره، المعتقدين صدقه وأنه لا ينطق عن الهوى؛ فقد أخبرهم أن كثرة النفقات في الحج والعمرة من أعظم أسباب الغنى، فقد روى أحمد والترمذي والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [تابعوا بين الحج وعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة.. وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة].



    فريضة عُمْرية فبادروها
    أجمع العلماء على أن الحج فريضة عمْرية، أي أنه لا يتكرر (يعني وجوبه)، وأنه لا يجب في العمر إلا مرة، إلا أن يوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو غيره، فيجب عليه وفاءً لنذره. ومن كلام النبي عليه الصلاة والسلام، الذي رواه أحمد وغيره: "الحج مرة، فما زاد فهو تطوع".



    فمن توفرت فيه شروط الحج وتيسرت له أسبابه فليبادر بأداء فريضة الله، فإن الحج عند كثير من العلماء واجب على الفور، فمن قدر عليه وأخره فهو (عندهم) آثم؛ وقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: "تعجلوا الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له". وقال: "من أراد الحج فليعجل؛ فقد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتكون الحاجة".

    وقد قال تعالى قبل ذلك: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران:133]، وقال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد:21].


    نسأل الله العظيم أن يمن علينا وعلى كل مسلم بحج بيته الكريم، ولا يحرمنا وكل قارئ من هذا الفضل العميم.. آمين.
                  

07-04-2022, 01:14 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    *عند بيتك العتيق*


    عندما قال إبراهيم عليه السلام، ربنا أرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، كانت تحدوه نفس الأشواق الإيمانية التي تعتري المؤمنين الآن ، وهم يتحرقون للقاء الله في بيته العتيق.

    إنه الشوق للمناسك، وللكعبة، المنبر المادي الوحيد الذي يمثل عِمادا ينتصب في الأرض ويتصل بالسماء، بقعة مباركة قواعدها، ميمونة حوائطها، تثبت عندها القلوب الواجفة، وتهدأ فيها الوجدان الراجفة.

    كان هنا الانبياء حقيقةً وعملا، يتعبدون ويتنسكون في محاريب الله ومنائره، هنا الدلالة الرمزية البائنة، على واحدية الله ووحدانيته في ملكه للكون، ووجوه الناس تتقاطر إليها بوصل رحيم، وتتداخل أصوات التسابيح، وتسمع حنينها لله في إيقاعٍ صادق وبديع .

    إنها مثابة الله لإبراهيم وإسماعيل، إذ يرفعان القواعد من البيت ويؤبان إليه ، (ربنا أرنا مناسكنا وتب علينا إنك انت التواب الرحيم) ، وهي نفس أشواق مريم إذ تسعى بين الصفا والمروة، ترفل بين رحمة الله، وتَرمُل لآجئة إليه، باحثة عن صديق حينما إنعدم عنها الصديق ، ورفيقا حينما عمها الضيق ورباً رحيما ، حينما خابت الارباب وغابت شموسهم.

    إنها أشواق الحجاج والزائرين والعابدين والركع السجود المتواترة الوصال ، من آدم عليه السلام والى اليوم ، رحمة متنزلة ووصال دفيء ، أشواقهم تسبقهم الى عرفات وحجر اسماعيل واستار بيتك الحرام ، وهم يتخلون عن الدنيا ، في حجهم بأرواحهم إليك، وفي سمو أنفسهم، في إِترابهم، في خببهم نحو الله، في توسدهم التراب في منى ، وفي تطلعهم للحق، وضراعاتهم في عرفات، في رميهم الشيطان بجِمار الصراع الأبدي مع عدوهم الأبدي، في تحللهم من ادران الدنيا وأردان أعبائها، في تضحياتهم وأضحياتهم، في فرحهم الغامر بالتقرب الى الله ، وبشريات عفوه ورضاه، في تجردهم من محيط ومخيط الثياب كتجردهم من محيط الدنيا بآثامها، وذنوبها، بإغتسال أنفسهم عن الطمع والغرور، وبشفف الحكايا مع الله الذي يعلم كل شيء، نجفو فيصبر، ونغلو فيغفر ، ويرزق فنكفر، ويعفو ويُبَشِر.

    كان هنا أبو الانبياء، يترك من ذريته بوادٍ غير ذي زرعٍ ، عند بيتك المحرم ، ولا زالت بركات دعواته تتنزل ، ثمرات وأمنا على الذين آمنوا ، ألا يردوا فيه بإلحاد وظلم ، ،و كان هنا الذبيح، يحفر بقدميه زمزما، فتنبع بإذن ربها غدقا ورغدا وبركة، كانت هنا أمه المتصبرة، المنقطعة الى الله حينما جفاها الناس وابتلتها الأيام بالصقيع، تتصعد روحها شوقا لرحمتك وكنفك بين لأبة الصفا، ومنحدر المروة ، كان هنا سيد الأنبياء محمدا ، يرفل ببهائه وإهابه النضير، يرث البيت، ويرسل السماحة والعفو، إذهبوا فأنتم الطلقاء، ثم يبتهل إلى الله مخبتا وباكيا، وكانت هنا ضراعات الصحابة، كان الحب والإلتصاق بأستار الكعبة، كالأطفال يلتصقون بأثواب أمهاتهم، والناس تلتجيء لله كما ألتجأت هاجر، في ثيابهم الوضيئة، يبحثون الأمن والسلام والمغفرة.

    كانت هنا صراعات الحق والباطل، كان الكافرون يتقربون هنا لله زلفى، وهم يجنون الخيبات ويرجعون بالعدم، حدود إيمانهم وتعبدهم حجارة وعٍجى ، وقد ضلتِ النفوس وغفلت العقول وخابت، وكان هنا نهايات الجبارين، كانت خيبة أبرهة والقرامطة، وكانت دعوة ابو طالب، للبيت رب يحميه، توكلاً ولجأ، وتنزلت هنا الآي والنُهى والبصائر من الله، وعّم الضياء أرجاء الكون ، وكان هنا الأمر من الله ، أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود، كانت مهابة الله، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم.

    هنا تتنزل البركات وتتقاطر الرحمة، وتتزود النفوس بالسمو والعفو والقُربى، وهنا تنتهي الوجوه في صلواتها لقبلةٍ ما أزكاها عند الله من قبلة، وهنا تتقلب الوجوه لرب الوجوه ، تتزود بالضياء، وهنا تصعد دعوات الحجيج لله في سماواته العُلا، إنهم يأتونك تنوء جنوبهم بالذنوب، وتتعثر خطاهم بالخطايا، وتتفصد مساماتهم بعرق الرجاء ، ويرجعون من رحاب بيتك كيوم ولدتهم أمهاتهم .

    هنا تسري مياه زمزم بين صخور مكة ، تشهَدُ على صدق المكان والتاريخ، وصدق القرآن والرسالة، وتحتبل زمزم بمياه القدسية والبركات ، وِصالاً سرمديا يشهد على رحمة الله على الآيبين والمتوكلين ، عندما تنقطع الرحمة من البشر ، و عندما تقنت روح هاجر، وعندما يتوكل إبراهيم حد التوكل.

    اللهم يا منزل ، والضحى والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى، تطييبا لخاطر نبيك الكريم وتطمينا، اللهم لا تُودِعنا لذنوبنا فنَزِّل ونُذل، ولا لمنطقنا فنضل، ولا لأنفسنا فنتيه ونتوه، ولا تحاسبنا بما فعل السفهاء منا، اللهم أرحم يتمنا إليك وحاجتنا اليك ، وأكنفنا بهداك ، وآونا في غِطاك ، وأقنِعنا بعطاك ، وردنا عن الضلال والعَمَه، وأهدنا من العمى ، اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، وأبواب حرمك تأوي إليك النفوس وتهوى، ولا تحرمنا من التعبد في محرابك العتيق.

    الرفيع بشير الشفيع
    4 يوليو ٢٠٢٢
                  

07-05-2022, 06:45 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)


    https://www.youtube.com/watch؟v=Oo55qX0WVjIhttps://www.youtube.com/watch؟v=Oo55qX0WVjI
    قصيدة الشيخ. أبوكساوي .المولود في الكلاكلة عام ١٨٤١.أم قحف سابقا.ود العقلي حاليا.
                  

07-06-2022, 02:18 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    تأملات في رحلة الحج


    ها هي أفواج الحجيج أقبلت إلى بيت الله تعالى راغبة فيما عنده ، سالكة إليه كل فج وهاهي أصوات الملبين تملأ الأرض عبقاً جميلاً لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ، فمد نظرك أيها الحاج ترى مظاهر العبودية لله تعالى في كل لحظة تملأ عينك من هؤلاء الحجيج . فيا لله ما أروع اجتماعهم! وما أجمل لباسهم ! وما أحلى صدى أصواتهم وهي تتردد في الآكام والطرقات والجبال .. إنها اللحظات التاريخية في حياة كل إنسان .
    إن الرحلة إلى بيت الله تعالى أعظم من أن يصف أفراحها قلم ! وأكبر من أن يبين عن لحظاتها إنسان ! لكن حسبي أن أعلّق على مقاصدها وأفراحها الحقيقية ولذاتها المنسية بغية أن يكون الحاج في ذكرى منها .
    تأمل أيها الحاج في توفيق الله تعالى لك ، وقد هيأ لك الخروج ، وأعانك على الحج ، ويسّر لك الطريق ، فبا لله عليك أي نعمة هذه التي أعطاك ؟! وأي توفيق هذا الذي وهبك ؟! أما والله حين أعطاك حرم غيرك ، وحين يسّر لك الطريق وأعانك على الرحلة وهبك شيئاً لم يهبه لغيرك .. فتأمل في توفيق الله تعالى ، فما قعد إنسان عن موارد التوفيق إلا بعض خذلان المعاصي ، واقرأ قوله تعالى \" وما بكم من نعمة فمن الله \" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها \" .
    إنك تودع أهلك والدموع شواهد على الفراق ، والذكريات تأخذ منهم كل مأخذ ، وتبين لهم عن كل موقف في لحظات حياتك معهم .. تودعهم كأنما لا تلتقون في ############ات الدنيا مرة أخرى ... تودعهم وأنت بين شوقين شوق يجرك إلى البقاء بين من يذوب قلبه لفراقك ، يتمناك في يوم عيده كما يتمنى العافية لجسده ، وبين شوق إلى رحلة الحج وأصوات الملبين وحادي الحجاج في مكة ومنى ومزدلفة وعرفات .
    وهانت على مشارف ميقات الإحرام .. وأراك تمر به لا تتجاوزه تحقيقاً منك لأمر الله تعالى وشرعه ، وهذه أثمن لحظة في حياة إنسان ، حين يكون وقّافاً عند أمر الله تعالى حابساً نفسه على مراضيه ، متتبعاً لآثار سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
    إن هذا المعنى أيها الحاج عظيم ، ينبغي لك أن تتأمله كثيراً ، إنك توقف سيارتك ، وتنحرف من الطريق إلى الميقات ، وتقف في الحر الشديد تكون بذلك مؤمناً متحرياً أمر الله تعالى ، متتبعاً لآثار سنة نبيك ، مريداً لفضل الله تعالى ، راغباً بصدق فيما عند الله تعالى .. وإنها والله عظيمة عند الله تعالى فتأملها لا حرمك الله التوفيق ، وليتك أيها الحاج تلك اللحظة تقف مع نفسك تسائلها .. كم هي أوامر الله تعالى التي كانت بحاجة منك إلى مثل هذا التحري والاقتداء والوقوف ذهبت في أيام الدنيا وكتبت بعض أنواع العقوق ؟! عد بالذاكرة إلى الوراء وتأمل في حياتك تلك اللحظات التي كانت تحتاج منك إلى مثل هذه اللحظات .. وذهبت في عرض الأيام ..
    ولست أدعوك للتأسف فيها والندم عليها بقدر ما أدعوك فيها إلى بناء مستقبلك بناء على هذه الذكريات ، فإن هذه غايات هذه الرحلة الجميلة في حياتك .
    تأمل في لحظة خلع ملابسك وتجردك من كل لباس كان يستر عورتك ، وتركك لحظوظ النفس رغبة فيما عند الله تعالى .. إنها لحظة مثيرة في حياتك كإنسان .. فإذا انضاف إلى ذلك لبسك لملابس الإحرام إذعاناً لله تعالى ، وتتبعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم
    عَظُمت في حقك القدوة للدرجة التي كتبت عنوان استسلامك لله تعالى في كل معنى من جسدك .
    وأدعوك هنا للتأمل في إحرامك ستجد دون تفكير أنه تذكير بالكفن تماماً ، ليس ثمة فرق في شيء .. كما يخرج الميت من بيت أهله تخرج أنت كذلك .. إنها رحلة تذكّر بالموت ولقاء الله تعالى وتوديع الدنيا والوقوف في ############ات القيامة ..لحظة الإحرام شبيهة إلى حد كبير بلحظة الوداع من الدنيا ، وليس ثمة فرق إلا في أنك تنبض بالحياة مع الإحرام ، ويموت منك كل شيء في لحظات الكفن ... فيا لله كم لهذه المواقف في حياة إنسان من وقفات ؟!

    وتأمل ثالثة في التلبية \" لبيك الله اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك \" إنها سر من أسرار الحج ومعنى كبيراً من معانيه .. إن التلبية إعلان منك ليس على الملأ من الإنس .. كلا ! وإنما إعلان على الحجر والمدر والإنس والجان والشجر والدواب .. إنها رسالة توحيد وولاء لله تعالى ليس للناس فيها مثقال ذرة .. إن التلبية تعني أنك مستجيب لله تعالى في كل شيء ، إنك عبد من عبيده وخلق من خلقه ، وها أنت تعلنها لكل عوالم الأرض والسماء ..!
    إنك تقول بملأ فمك \" لبيك اللهم لبيك \" أجيبك إجابة بعد إجابة ، لست متخيراً في أمرك ولا واقعاً في نهيك .. إنني أشهد عوالم الأرض والسماء كلها أنني عبدك في كل شيء .. لم يعد مكاناً للشرك في قلبك .. أي شرك سواء كان قولياً أو فعلياً أو قلبياً . تأمل أسرار هذه التلبية وحين ترددها على لسانك يجب عليك أن يمتلأ بها قلبك ، وتستكن في جوارحك ، وتعيشها في كل لحظة من حياتك .
    إن هذا المعنى ينبغي الوقوف عنده طويلاً ، قف عند لحظات التلبية ومعناها الكبير وتأمل كم هو نصيبك الحقيقي منها .. ليس بالضرورة الآن ! لكن في كل شيء من حياتك هل ما تقوله وتردده وتشرف به وتعيده على مسمع الناس تتمثله في حياتك ؟ أم ذهبت الكلمة تطوف الأرض وبعض واقعك خلافها ربما تلك التي اللحظة التي تقولها .. إنه موقف بحاجة إلى تأمل ، لا أدعوك هنا أن تقف عن التلبية لعدم مطابقتها لواقعك لكن أدعوك أن تنتظم حياتك كلها فتكون وقفاً صادقاً لله تعالى ، وحينئذ تنتظم التلبية في واقعك ، وتعلن بشرف عن عبوديتك .
    تأمل لحظة دخولك إلى المسجد الحرام ، لتبدأ طوافك بيت الله تعالى ، تأمل سنة الاضطباع تفعلها أول ما تدخل اقتداء بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، وتتبعاً لآثاره ، إنك تكشف بعض جسدك تعبداً لله تعالى ، ولو كانت الشمس حارة قاسية فإن تعظيم السنة في ذهنك أعظم من كل ما يعترضها من مشاق .. ! لقد كانت هذه السنة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً للجلد ورداً على المتشدقين بالضعف من قريش في فترة من الزمن ، ثم كانت سنة ظاهرة تذكيراً برسالة الأمة في مواجهة العداء ، وبياناً للمواقف التي ينبغي أن تتخذ تجاه أي شبهة يثيرها المتشوفون لهزيمة الأمة في وقت ما
    إن الاضطباع يذكرنا أن ثمة وصية من نبينا صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يرفع شأنها ، وتذكرنا أن لنا أعداء متربصون ، ينبغي أن نستعد للقائهم والرد عليهم كل وقت .. فتأملها تلك اللحظة حتى تكون منك على بال .
    تأمل إقبالك على الحجر لحظة دخولك ، إنه حجر لا يضر ولا ينفع ، ومع ذلك صارت له هذه القداسة الكبرى للدرجة التي يُحب ويُقبل ويُقصد لا لذاته ، لكن لأن نبينا صلى الله عليه وسلم استلمه وقبله .. إنه معنى عظيم في الاقتداء يدعونا أن نجل الحجارة وأن نرفع مقامها وأن نعلي شأنها لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قال لنا ذلك ونحن متبعون ! هكذا الحب يحمل أصحابه إلى مثل ذلك وأكبر ، وشيء تنفّس فيه النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة حب أو دعوة أو حتى فعلاً منه دون دعوة تجد المسلم يركض إليه وهو يشرف أنه يقتفي آثار الأنبياء .
    إن مظهر الطواف من أعظم المظاهر في حياة الإنسان ، ذلك لأنه إجلال لبيت الله تعالى أعظم بيت في الأرض ، \" إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين \" إننا حين نطوّف بالبيت نطوف وقلوبنا تمتلأ إجلالاً لبيت الله تعالى وتعظيماً له وبياناً لمنزلته ، ونطوف ونحن نشعر بنبينا صلى الله عليه وسلم في كل حركة أو خطوة خطاها في جنبات هذا الحرم الشريف ، ونطوف ونحن حريصين على تلمّس البركة والهداية والتوفيق في كل شوط .. إن المسألة ليست ركضاً حرصاً على النهاية .. كلا ! وإنما هي استشعاراً لهذه البركة وتملساً لهذه الخيرات ..
    إن الحاج مدعو وهو يطوف أن يلح على الله تعالى في الدعاء وأن يحاول جاهداً في استنزال البركة التي كساها الله تعالى بيته العظيم ، وحين يحاول كل واحد منا وهو يؤدي هذا النسك استشعار هذه القضية ، واستلهام مواطن التوفيق فيها سيجد آثاراً عاجلة تحتف بقلبه وروحه وجسده وهي تعرج به إلى السماء .
    إنك مدعو وأنت تتعبد في جنبات هذا الحرم أن تدرك البركة التي وضعها الله تعالى لعباده فيه ، وقد بلغك عن نبيك صلى الله عليه وسلم مضاعفة الصلاة بمئة ألف صلاة فيما عداه . ومدعو لتلمّس هذه البركة في كل حركة تخطوها في جنباته ليس في الصلاة بذاتها لكن في كل معنى من معاني العبودية ومظاهرها في لحظات الحرم والبيت العظيم
    تأمل ذلك المقام الذي دعاك الله تعالى للصلاة عنده ، \" واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى \" إنه يحكي آثار أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وابنه اسماعيل وهما يبنيان مستقبل الأمة ، ويكتبان تاريخها العريض .. وهكذا ترتفع آثار نبي من الأنبياء ويصبح معلماً لأمم الأرض كلها لأنه كان استجابة لأمر الله تعالى أولاً ، وكان مثالاً على العمل والحرث والتضحية من أجل هذه الرسالة ثانياً .. وقد بلغك أن آثار الناس تعظم في الدنيا بقدر همم أصحابها في العمل ، وهمم قلوبها على الصبر ، وتضحيتها وصبرها على لأواء الطريق ، وإنه مشهد يذكّرنا بأن العمل ينبت الذكر في الأرض كما ينبت الماء جذور الأشجار . وأن أي إنسان يظل ذكره في الأرض بقدر تعبه وحرثه وتضحيته من أجل رسالة الإسلام ، وهاهو إبراهيم سنظل نردد ذكره في لحظات حياتنا ، وأي مخلوق في الأرض ينسى هذا الاسم يقل قدره في التأسي حتى وإن كان في لحظة لا تقاس بزمن .
    تأمل الصفا والمروة ، وتذكّر وأنت تعلو على الصفا أو تجري في بطن الوادي أو تعلو مرة ثانية على المروة أن هذه شعائر الله تعالى ، \" ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب\" .. تذكّر وأنت تؤدي هذه الشعيرة رحلة هاجر وهو تبحث عن الماء وقد بلغ العطش بها وبابنها كل مبلغ ، تذكّر رحلتها وهي تشرف على الصفا ترخي سمعها رب هتاف مغيث وتسعى في الوادي تعجّل بالسير تبحث عن المرتقى على المروة .. إنها رحلة لأواء وتعب وجهاد وعناء ومشقة تكتنف امرأة في حقب التاريخ يجعلها الله تعالى مواطن ذكريات ليس لجيل من المسلمين ، وإنما لكل مسلم يعيش رحلة الحياة ورسالة الإسلام إلى يوم القيامة .
    تأمل وأنت تجري بين العلمين الحال الذي كانت تعانيه المرأة من أجل شربة ماء ، وتذكّر أنك لا تجري اليوم هنا من أجل ماء تروي به العطش وإنما تجري من أجل مغفرة تغسل ذنوبك ، وتمحي خطاياك ، وتجب تاريخاً مظلماً في لحظة من حياتك .. لئن كانت حاجة الإنسان إلى الماء لهذه الدرجة التي مثلتها لنا هاجر ، فإن حاجة الإنسان للمغفرة قل أن يصفها قلم !
    إن القاسم بيننا وبين هاجر قاسم كبير جداً يكفيها شرفاً أنه قاسم الحياة ، كان في لحظات هاجر أمل حياة ، وهو في لحظاتنا أمل حياة كذلك . وهانحن نجري كما جرت ونعلو كما علت ، وإن استشرفت لماء الحياة في تاريخها ، فإننا نستشرف لماء نغسل به قلوبنا من حقدها وسوء ظنها ، ودغلها ، كما نغسل به حياة تدنّست في عرض الدنيا بشيء مما لم تخلق له لكنها تدنست بوحلة سنة الله تعالى في كل مخلوق .

    مشعل عبد العزيز الفلاحي
    [email protected]
                  

07-07-2022, 03:21 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ﺍﻟﺤﺞ....
    ﺑﻘﻠﻢ:- ﺍﻻﺩﻳﺐ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺻﺎﻟﺢ.
    ﺇﻧﻚ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﺗﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺫﺍﺗﻚ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻓﻲ ﺧﻴﺎﻟﻚ .. ﻣﻜﺔ ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻣﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺮﺋﻲ؟
    ﻣﺠﺮﺩ ﻣﻜﺎﻥ ،، ﺑﻄﺤﺎﺀ ﺿﻴﻘﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺨﻨﻘﻬﺎ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺠﺮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺎﺭﺍﺕ ﻭﻃﺮﻕ ﻭﺃﺳﻮﺍﻕ ﻭﺟﻤﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ..
    ﺑﻌﺾ ﻗﻄﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻳﺒﻴﻌﻮﻥ ﻭﻳﺸﺘﺮﻭﻥ ، ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ ﻭﻳﺸﺮﺑﻮﻥ ، ﻭﻳﺮوﺣﻮﻥ ﻭﻳﺠﻴﺌﻮﻥ ، ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻭﺍﺩٍ ﺁﺧﺮ .
    ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ !! ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ، ﻫﺮﻭﻟﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ، ﻭﺑﻜﻰ ﺍﻟﻄﻔﻞ ، ﻭإﻧﺒﺜﻖ ﺍﻟﻨﺒﻊ ،، ﺛﻢ ﺗﻮﺍﻓﺪﺕ ﺃﻓﺌﺪﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭإﺭﺗﻔﻌﺖ أﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ .
    ﺛﻢ ﺗﻔﺠﺮ ﻧﺒﻊ ﺁﺧﺮ ، ﺗﻔﺠﺮ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﻭﻥ .. ﻭﺗﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ
    ﻭﺗﻔﺠﺮ ﻣﻨﺬ ﺍﻷﺯﻝ.. ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ .. ﺇﻣﺮﺃﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻃﻔﻞ ﺁﺧﺮ .. ﻛﺎﻥ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم ، ﻳﺘﻴﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .. ﺃﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ .. ﻛﻔﺖ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ ﻋﻦ ﻣﻄﺎﺭﺩﺓ ﺍﻟﻐﻨﻢ ، ﻭﻟﺒﺪﺕ ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﻓﻲ ﺷﻌﺎﺏ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ، ﻭﺳﻜﻨﺖ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﻓﻲ ﺃﻭﻛﺎﺭﻫﺎ . ﺃﺭﻫﻒ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺳﻤﻌﻪ ﻟﻠﺼﻮﺕ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﻻ ﻣﻜﺎﻥ .. ﻭﻟﻢ ﻳﺪﺭِ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ ، ﺇﻻ ﺍﻟﺴﻌﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻭﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ، ﺃﻥ ﻣﻴﻼﺩ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ، ﻛﺎﻥ ﺑﺸﻴﺮﺍً ﺑﻤﻮﻟﺪ ﻋﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ ، إﻧﻄﻼﻗﺔ ﻓﺮﺡ ﻛﺒﻴﺮ ، ﻟﻪ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ.
    ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻜﺔ، ﻓﺈﻧﻚ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ، ﻓﻲﻣﻜﺎﻥ ﺑﻌﻴﻨﻪ ، ﺗﺠﺊ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ .. ﻭﺃﻧﻰ ﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﺴﻜﻴﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ؟
    ﺗﻌﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺃﻭ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ . ﺗﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ، ﺗﻌﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﻡ ﺩﺭﻣﺎﻥ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺻﻔﻬﺎﻥ ﺃﻭ ﺗﻄﻮﺍﻥ ، ﺗﻌﺎﻝ ﻣﻦ ﺟﺪﺓ .. ﺳﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﺭﺕ ﻓﻴﻪ ﻗﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﻴﻦ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ .. ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺣﺎﺝ ﺍﻟﻤﺎﺣﻲ ، ﻭﺃﻏﻄﺲ ﻓﻲ ﻟﺠﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ، ﻭﺃﻧﻬﻞ ﻣﻦ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻔﺠﺮ ، ﻭﺃﻓﺘﺢ ﻧﻮﺍﻓﺬ ﺭﻭﺣﻚ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ ﻹﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ .
    ﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﺃﻡ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﺗﺮﻯ ﻣﺂﺫﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭ ، ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻬﻴﺄ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ، ﻭﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻫﻼً ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ . ﻻﺗﺘﻌﺠﻞ ، ﺗﺮﻳﺚ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺸﻮﺩ ﺍﻟﺮﺍﻛﻌﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﺎﺟﺪﻳﻦ .. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﻦ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ، ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﺮﻭﻕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ.
    ﺗﺨﻴﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺸﻴﺮ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :-
    ﺭﺏ ﻓﻲ ﺍﻹﺷﺮﺍﻗﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻃﻴﻨﺔ ﺁﺩﻡ
    ﺃﻣﻢ ﺗﺰﺣﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺃﺭﻭﺍﺡ ﺗﺤﺎﻭﻡ
    ﺃﺩﺧﻞ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ .. ﺇﻧﻚ ﻋﺎﺭٍ ﻛﻤﺎ ﻭﻟﺪﺗﻚ ﺃﻣﻚ ﻟﻮ ﺗﺪﺭﻱ ﺭﻏﻢ ﺍﻹﺯﺍﺭ ﺣﻮﻝ ﻭﺳﻄﻚ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻴﻚ .. ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻄﻮﻓﻮﻥ ﻋﺮﺍﺓ ﻓﻲﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻷﻭﻝ ، ﺯﻣﺎﻥ ﺑﻜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻝﺍﻟﺒﺬﺍﺀﺓ ! ﺍﻟﺒﺬﺍﺀﺓ ﺟﺎﺀﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﻮﺍ ﻭﺳﻘﻂ ﻋﻨﻬﻢ ﻟﺒﺎﺱ ﺍﻟﻄﻬﺮ
    ﺍﻟﻔﺮﺩﻭﺱ ﻭﺑﺪﺕ ﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺑﺪﺕ ﻵﺩﻡ ﻭﺣﻮﺍﺀ ﺳﻮﺍﺀﺗﻬﻢ ..
    ﺇﻧﺪﺱ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ ، ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺷﺊ ، ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺜﺎﺭ ﺍﻟﻬﺒﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺕ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﺷﺄنك ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ .. ﻓﻚ ﺍﻷﻏﻼﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺒﻠﺘﻚ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ، ﺗﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﺃﺛﻘﺎﻟﻚ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ .. ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﺟﺎﻩ ﻓﺄﺭﻡ ﻋﻨﻚ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺟﺎﻫﻚ ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺎﻝ ، ﻓﺄﻟﻖ ﺑﺨﺰﺍﺋﻨﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺮ ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐﺇﺳﻢ ﺃﻭ ﺻﻴﺖ ، ﻓﻠﻦ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﺇﺳﻤﻚ ﻭﻻ ﺻﻴﺘﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ .. ﺃﻧﺲ ﺇﻥ إﺳﺘﻄﻌﺖ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ، ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺑﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻚ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ، ﺃﻗﺮﺏ إليك ﻣﻦ ﺣﺒﻞ ﺍﻟﻮﺭﻳﺪ .
    ﺇﻧﻤﺎ ﺣﺎﻭﻝ ﺟﻬﺪﻙ ، ﻓﻮﺷﻴﻜﺎً ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻗﺪ ﺗﻔﻴﻖ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻴﻖ .
    ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﺣﺠﺮﺍ ً، ﻭﺗﻌﻠﻖ ﺑﺄﺫﻳﺎﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ .
    ﻭإﺳﺘﻨﺸﻖ ﺍﻟﻌﻄﺮ ، ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻋﻄﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ . ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺇﺫﺍ ﺟﺮﺕ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻚ ، ﻭﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻚ ﻭﺇﻫﺘﺰﺕ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺫﺍﺗﻚ .
    ﻫﺮﻭﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎ ﻭﺍﻟﻤﺮﻭﺓ ﻛﻤﺎ ﻫﺮﻭﻟﺖ ﺃﻡ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻳﺒﻜﻲ ، ﻭﻻ ﻣﺎﺀ ﻭﻻ ﻗﻮﺕ ﻭﻻ ﺃﻫﻞ ، ﻭﺷﺊ ﺟﻠﻴﻞ ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﻪ ﻃﻌﻢ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ .
    ﺛﻢ ﺃﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ، ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻭﺗﻤﻬﻞ ، ﻭﺗﺰﻭﺩ ﻭﺳﻌﻚ .ﻋﻤﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ، ﺳﻮﻑ ﺗﻄﻤﺮﻙ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﻬﻤﻮﻣﻬﺎ ، ﺃﻫﻮﺍﺋﻬﺎ ﻭ ﺃﻛﺎﺫﻳﺒﻬﺎ .. ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻫﻚ ﻭﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ، ﺇﻟﻲ ﻣﺎﻟﻚ ﻭﺧﺪﻣﻚ ﻭﺣﺸﻤﻚ ، ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻤﻚ ﻭﺻﻴﺘﻚ .. ﻛﻨﺖ ﻣﺘﺴﺮﺑﻼً ﻭﺃﻧﺖ ﻋﺎﺭٍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ .. ﻭﺣﻴﻦ ﺗﺘﻠﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻚ ﻭﺃﻭﻫﺎﻣﻚ ﻭﺷﻬﻮﺍﺗﻚ ، ﺳﻮﻑ ﺗﺮﺗﺪ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﻳﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﺘﻤﻬﻞ ﻭﻻ ﺗﻌﺠل ، ﻭﻗﺪ ﺗﻔﻴﻖ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻴﻖ .
    ----
    تأملات في رحلة الحج....

    ها هي أفواج الحجيج أقبلت إلى بيت الله تعالى راغبة فيما عنده ، سالكة إليه كل فج وهاهي أصوات الملبين تملأ الأرض عبقاً جميلاً لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ، فمد نظرك أيها الحاج ترى مظاهر العبودية لله تعالى في كل لحظة تملأ عينك من هؤلاء الحجيج . فيا لله ما أروع اجتماعهم! وما أجمل لباسهم ! وما أحلى صدى أصواتهم وهي تتردد في الآكام والطرقات والجبال .. إنها اللحظات التاريخية في حياة كل إنسان .
    إن الرحلة إلى بيت الله تعالى أعظم من أن يصف أفراحها قلم ! وأكبر من أن يبين عن لحظاتها إنسان ! لكن حسبي أن أعلّق على مقاصدها وأفراحها الحقيقية ولذاتها المنسية بغية أن يكون الحاج في ذكرى منها .
    تأمل أيها الحاج في توفيق الله تعالى لك ، وقد هيأ لك الخروج ، وأعانك على الحج ، ويسّر لك الطريق ، فبا لله عليك أي نعمة هذه التي أعطاك ؟! وأي توفيق هذا الذي وهبك ؟! أما والله حين أعطاك حرم غيرك ، وحين يسّر لك الطريق وأعانك على الرحلة وهبك شيئاً لم يهبه لغيرك .. فتأمل في توفيق الله تعالى ، فما قعد إنسان عن موارد التوفيق إلا بعض خذلان المعاصي ، واقرأ قوله تعالى \" وما بكم من نعمة فمن الله \" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها \" .
    إنك تودع أهلك والدموع شواهد على الفراق ، والذكريات تأخذ منهم كل مأخذ ، وتبين لهم عن كل موقف في لحظات حياتك معهم .. تودعهم كأنما لا تلتقون في ############ات الدنيا مرة أخرى ... تودعهم وأنت بين شوقين شوق يجرك إلى البقاء بين من يذوب قلبه لفراقك ، يتمناك في يوم عيده كما يتمنى العافية لجسده ، وبين شوق إلى رحلة الحج وأصوات الملبين وحادي الحجاج في مكة ومنى ومزدلفة وعرفات .
    وهانت على مشارف ميقات الإحرام .. وأراك تمر به لا تتجاوزه تحقيقاً منك لأمر الله تعالى وشرعه ، وهذه أثمن لحظة في حياة إنسان ، حين يكون وقّافاً عند أمر الله تعالى حابساً نفسه على مراضيه ، متتبعاً لآثار سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
    إن هذا المعنى أيها الحاج عظيم ، ينبغي لك أن تتأمله كثيراً ، إنك توقف سيارتك ، وتنحرف من الطريق إلى الميقات ، وتقف في الحر الشديد تكون بذلك مؤمناً متحرياً أمر الله تعالى ، متتبعاً لآثار سنة نبيك ، مريداً لفضل الله تعالى ، راغباً بصدق فيما عند الله تعالى .. وإنها والله عظيمة عند الله تعالى فتأملها لا حرمك الله التوفيق ، وليتك أيها الحاج تلك اللحظة تقف مع نفسك تسائلها .. كم هي أوامر الله تعالى التي كانت بحاجة منك إلى مثل هذا التحري والاقتداء والوقوف ذهبت في أيام الدنيا وكتبت بعض أنواع العقوق ؟! عد بالذاكرة إلى الوراء وتأمل في حياتك تلك اللحظات التي كانت تحتاج منك إلى مثل هذه اللحظات .. وذهبت في عرض الأيام ..
    ولست أدعوك للتأسف فيها والندم عليها بقدر ما أدعوك فيها إلى بناء مستقبلك بناء على هذه الذكريات ، فإن هذه غايات هذه الرحلة الجميلة في حياتك .
    تأمل في لحظة خلع ملابسك وتجردك من كل لباس كان يستر عورتك ، وتركك لحظوظ النفس رغبة فيما عند الله تعالى .. إنها لحظة مثيرة في حياتك كإنسان .. فإذا انضاف إلى ذلك لبسك لملابس الإحرام إذعاناً لله تعالى ، وتتبعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم
    عَظُمت في حقك القدوة للدرجة التي كتبت عنوان استسلامك لله تعالى في كل معنى من جسدك .
    وأدعوك هنا للتأمل في إحرامك ستجد دون تفكير أنه تذكير بالكفن تماماً ، ليس ثمة فرق في شيء .. كما يخرج الميت من بيت أهله تخرج أنت كذلك .. إنها رحلة تذكّر بالموت ولقاء الله تعالى وتوديع الدنيا والوقوف في ############ات القيامة ..لحظة الإحرام شبيهة إلى حد كبير بلحظة الوداع من الدنيا ، وليس ثمة فرق إلا في أنك تنبض بالحياة مع الإحرام ، ويموت منك كل شيء في لحظات الكفن ... فيا لله كم لهذه المواقف في حياة إنسان من وقفات ؟!

    وتأمل ثالثة في التلبية \" لبيك الله اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك \" إنها سر من أسرار الحج ومعنى كبيراً من معانيه .. إن التلبية إعلان منك ليس على الملأ من الإنس .. كلا ! وإنما إعلان على الحجر والمدر والإنس والجان والشجر والدواب .. إنها رسالة توحيد وولاء لله تعالى ليس للناس فيها مثقال ذرة .. إن التلبية تعني أنك مستجيب لله تعالى في كل شيء ، إنك عبد من عبيده وخلق من خلقه ، وها أنت تعلنها لكل عوالم الأرض والسماء ..!
    إنك تقول بملأ فمك \" لبيك اللهم لبيك \" أجيبك إجابة بعد إجابة ، لست متخيراً في أمرك ولا واقعاً في نهيك .. إنني أشهد عوالم الأرض والسماء كلها أنني عبدك في كل شيء .. لم يعد مكاناً للشرك في قلبك .. أي شرك سواء كان قولياً أو فعلياً أو قلبياً . تأمل أسرار هذه التلبية وحين ترددها على لسانك يجب عليك أن يمتلأ بها قلبك ، وتستكن في جوارحك ، وتعيشها في كل لحظة من حياتك .
    إن هذا المعنى ينبغي الوقوف عنده طويلاً ، قف عند لحظات التلبية ومعناها الكبير وتأمل كم هو نصيبك الحقيقي منها .. ليس بالضرورة الآن ! لكن في كل شيء من حياتك هل ما تقوله وتردده وتشرف به وتعيده على مسمع الناس تتمثله في حياتك ؟ أم ذهبت الكلمة تطوف الأرض وبعض واقعك خلافها ربما تلك التي اللحظة التي تقولها .. إنه موقف بحاجة إلى تأمل ، لا أدعوك هنا أن تقف عن التلبية لعدم مطابقتها لواقعك لكن أدعوك أن تنتظم حياتك كلها فتكون وقفاً صادقاً لله تعالى ، وحينئذ تنتظم التلبية في واقعك ، وتعلن بشرف عن عبوديتك .
    تأمل لحظة دخولك إلى المسجد الحرام ، لتبدأ طوافك بيت الله تعالى ، تأمل سنة الاضطباع تفعلها أول ما تدخل اقتداء بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، وتتبعاً لآثاره ، إنك تكشف بعض جسدك تعبداً لله تعالى ، ولو كانت الشمس حارة قاسية فإن تعظيم السنة في ذهنك أعظم من كل ما يعترضها من مشاق .. ! لقد كانت هذه السنة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً للجلد ورداً على المتشدقين بالضعف من قريش في فترة من الزمن ، ثم كانت سنة ظاهرة تذكيراً برسالة الأمة في مواجهة العداء ، وبياناً للمواقف التي ينبغي أن تتخذ تجاه أي شبهة يثيرها المتشوفون لهزيمة الأمة في وقت ما
    إن الاضطباع يذكرنا أن ثمة وصية من نبينا صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يرفع شأنها ، وتذكرنا أن لنا أعداء متربصون ، ينبغي أن نستعد للقائهم والرد عليهم كل وقت .. فتأملها تلك اللحظة حتى تكون منك على بال .
    تأمل إقبالك على الحجر لحظة دخولك ، إنه حجر لا يضر ولا ينفع ، ومع ذلك صارت له هذه القداسة الكبرى للدرجة التي يُحب ويُقبل ويُقصد لا لذاته ، لكن لأن نبينا صلى الله عليه وسلم استلمه وقبله .. إنه معنى عظيم في الاقتداء يدعونا أن نجل الحجارة وأن نرفع مقامها وأن نعلي شأنها لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قال لنا ذلك ونحن متبعون ! هكذا الحب يحمل أصحابه إلى مثل ذلك وأكبر ، وشيء تنفّس فيه النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة حب أو دعوة أو حتى فعلاً منه دون دعوة تجد المسلم يركض إليه وهو يشرف أنه يقتفي آثار الأنبياء .
    إن مظهر الطواف من أعظم المظاهر في حياة الإنسان ، ذلك لأنه إجلال لبيت الله تعالى أعظم بيت في الأرض ، \" إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين \" إننا حين نطوّف بالبيت نطوف وقلوبنا تمتلأ إجلالاً لبيت الله تعالى وتعظيماً له وبياناً لمنزلته ، ونطوف ونحن نشعر بنبينا صلى الله عليه وسلم في كل حركة أو خطوة خطاها في جنبات هذا الحرم الشريف ، ونطوف ونحن حريصين على تلمّس البركة والهداية والتوفيق في كل شوط .. إن المسألة ليست ركضاً حرصاً على النهاية .. كلا ! وإنما هي استشعاراً لهذه البركة وتملساً لهذه الخيرات ..
    إن الحاج مدعو وهو يطوف أن يلح على الله تعالى في الدعاء وأن يحاول جاهداً في استنزال البركة التي كساها الله تعالى بيته العظيم ، وحين يحاول كل واحد منا وهو يؤدي هذا النسك استشعار هذه القضية ، واستلهام مواطن التوفيق فيها سيجد آثاراً عاجلة تحتف بقلبه وروحه وجسده وهي تعرج به إلى السماء .
    إنك مدعو وأنت تتعبد في جنبات هذا الحرم أن تدرك البركة التي وضعها الله تعالى لعباده فيه ، وقد بلغك عن نبيك صلى الله عليه وسلم مضاعفة الصلاة بمئة ألف صلاة فيما عداه . ومدعو لتلمّس هذه البركة في كل حركة تخطوها في جنباته ليس في الصلاة بذاتها لكن في كل معنى من معاني العبودية ومظاهرها في لحظات الحرم والبيت العظيم
    تأمل ذلك المقام الذي دعاك الله تعالى للصلاة عنده ، \" واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى \" إنه يحكي آثار أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وابنه اسماعيل وهما يبنيان مستقبل الأمة ، ويكتبان تاريخها العريض .. وهكذا ترتفع آثار نبي من الأنبياء ويصبح معلماً لأمم الأرض كلها لأنه كان استجابة لأمر الله تعالى أولاً ، وكان مثالاً على العمل والحرث والتضحية من أجل هذه الرسالة ثانياً .. وقد بلغك أن آثار الناس تعظم في الدنيا بقدر همم أصحابها في العمل ، وهمم قلوبها على الصبر ، وتضحيتها وصبرها على لأواء الطريق ، وإنه مشهد يذكّرنا بأن العمل ينبت الذكر في الأرض كما ينبت الماء جذور الأشجار . وأن أي إنسان يظل ذكره في الأرض بقدر تعبه وحرثه وتضحيته من أجل رسالة الإسلام ، وهاهو إبراهيم سنظل نردد ذكره في لحظات حياتنا ، وأي مخلوق في الأرض ينسى هذا الاسم يقل قدره في التأسي حتى وإن كان في لحظة لا تقاس بزمن .
    تأمل الصفا والمروة ، وتذكّر وأنت تعلو على الصفا أو تجري في بطن الوادي أو تعلو مرة ثانية على المروة أن هذه شعائر الله تعالى ، \" ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب\" .. تذكّر وأنت تؤدي هذه الشعيرة رحلة هاجر وهو تبحث عن الماء وقد بلغ العطش بها وبابنها كل مبلغ ، تذكّر رحلتها وهي تشرف على الصفا ترخي سمعها رب هتاف مغيث وتسعى في الوادي تعجّل بالسير تبحث عن المرتقى على المروة .. إنها رحلة لأواء وتعب وجهاد وعناء ومشقة تكتنف امرأة في حقب التاريخ يجعلها الله تعالى مواطن ذكريات ليس لجيل من المسلمين ، وإنما لكل مسلم يعيش رحلة الحياة ورسالة الإسلام إلى يوم القيامة .
    تأمل وأنت تجري بين العلمين الحال الذي كانت تعانيه المرأة من أجل شربة ماء ، وتذكّر أنك لا تجري اليوم هنا من أجل ماء تروي به العطش وإنما تجري من أجل مغفرة تغسل ذنوبك ، وتمحي خطاياك ، وتجب تاريخاً مظلماً في لحظة من حياتك .. لئن كانت حاجة الإنسان إلى الماء لهذه الدرجة التي مثلتها لنا هاجر ، فإن حاجة الإنسان للمغفرة قل أن يصفها قلم !
    إن القاسم بيننا وبين هاجر قاسم كبير جداً يكفيها شرفاً أنه قاسم الحياة ، كان في لحظات هاجر أمل حياة ، وهو في لحظاتنا أمل حياة كذلك . وهانحن نجري كما جرت ونعلو كما علت ، وإن استشرفت لماء الحياة في تاريخها ، فإننا نستشرف لماء نغسل به قلوبنا من حقدها وسوء ظنها ، ودغلها ، كما نغسل به حياة تدنّست في عرض الدنيا بشيء مما لم تخلق له لكنها تدنست بوحلة سنة الله تعالى في كل مخلوق .

    عندما قال إبراهيم عليه السلام، ربنا أرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، كانت تحدوه نفس الأشواق الإيمانية التي تعتري المؤمنين الآن ، وهم يتحرقون للقاء الله في بيته العتيق.

    إنه الشوق للمناسك، وللكعبة، المنبر المادي الوحيد الذي يمثل عِمادا ينتصب في الأرض ويتصل بالسماء، بقعة مباركة قواعدها، ميمونة حوائطها، تثبت عندها القلوب الواجفة، وتهدأ فيها الوجدان الراجفة.

    كان هنا الانبياء حقيقةً وعملا، يتعبدون ويتنسكون في محاريب الله ومنائره، هنا الدلالة الرمزية البائنة، على واحدية الله ووحدانيته في ملكه للكون، ووجوه الناس تتقاطر إليها بوصل رحيم، وتتداخل أصوات التسابيح، وتسمع حنينها لله في إيقاعٍ صادق وبديع .

    إنها مثابة الله لإبراهيم وإسماعيل، إذ يرفعان القواعد من البيت ويؤبان إليه ، (ربنا أرنا مناسكنا وتب علينا إنك انت التواب الرحيم) ، وهي نفس أشواق مريم إذ تسعى بين الصفا والمروة، ترفل بين رحمة الله، وتَرمُل لآجئة إليه، باحثة عن صديق حينما إنعدم عنها الصديق ، ورفيقا حينما عمها الضيق ورباً رحيما ، حينما خابت الارباب وغابت شموسهم.

    إنها أشواق الحجاج والزائرين والعابدين والركع السجود المتواترة الوصال ، من آدم عليه السلام والى اليوم ، رحمة متنزلة ووصال دفيء ، أشواقهم تسبقهم الى عرفات وحجر اسماعيل واستار بيتك الحرام ، وهم يتخلون عن الدنيا ، في حجهم بأرواحهم إليك، وفي سمو أنفسهم، في إِترابهم، في خببهم نحو الله، في توسدهم التراب في منى ، وفي تطلعهم للحق، وضراعاتهم في عرفات، في رميهم الشيطان بجِمار الصراع الأبدي مع عدوهم الأبدي، في تحللهم من ادران الدنيا وأردان أعبائها، في تضحياتهم وأضحياتهم، في فرحهم الغامر بالتقرب الى الله ، وبشريات عفوه ورضاه، في تجردهم من محيط ومخيط الثياب كتجردهم من محيط الدنيا بآثامها، وذنوبها، بإغتسال أنفسهم عن الطمع والغرور، وبشفف الحكايا مع الله الذي يعلم كل شيء، نجفو فيصبر، ونغلو فيغفر ، ويرزق فنكفر، ويعفو ويُبَشِر.

    كان هنا أبو الانبياء، يترك من ذريته بوادٍ غير ذي زرعٍ ، عند بيتك المحرم ، ولا زالت بركات دعواته تتنزل ، ثمرات وأمنا على الذين آمنوا ، ألا يردوا فيه بإلحاد وظلم ، ،و كان هنا الذبيح، يحفر بقدميه زمزما، فتنبع بإذن ربها غدقا ورغدا وبركة، كانت هنا أمه المتصبرة، المنقطعة الى الله حينما جفاها الناس وابتلتها الأيام بالصقيع، تتصعد روحها شوقا لرحمتك وكنفك بين لأبة الصفا، ومنحدر المروة ، كان هنا سيد الأنبياء محمدا ، يرفل ببهائه وإهابه النضير، يرث البيت، ويرسل السماحة والعفو، إذهبوا فأنتم الطلقاء، ثم يبتهل إلى الله مخبتا وباكيا، وكانت هنا ضراعات الصحابة، كان الحب والإلتصاق بأستار الكعبة، كالأطفال يلتصقون بأثواب أمهاتهم، والناس تلتجيء لله كما ألتجأت هاجر، في ثيابهم الوضيئة، يبحثون الأمن والسلام والمغفرة.

    كانت هنا صراعات الحق والباطل، كان الكافرون يتقربون هنا لله زلفى، وهم يجنون الخيبات ويرجعون بالعدم، حدود إيمانهم وتعبدهم حجارة وعٍجى ، وقد ضلتِ النفوس وغفلت العقول وخابت، وكان هنا نهايات الجبارين، كانت خيبة أبرهة والقرامطة، وكانت دعوة ابو طالب، للبيت رب يحميه، توكلاً ولجأ، وتنزلت هنا الآي والنُهى والبصائر من الله، وعّم الضياء أرجاء الكون ، وكان هنا الأمر من الله ، أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود، كانت مهابة الله، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم.

    هنا تتنزل البركات وتتقاطر الرحمة، وتتزود النفوس بالسمو والعفو والقُربى، وهنا تنتهي الوجوه في صلواتها لقبلةٍ ما أزكاها عند الله من قبلة، وهنا تتقلب الوجوه لرب الوجوه ، تتزود بالضياء، وهنا تصعد دعوات الحجيج لله في سماواته العُلا، إنهم يأتونك تنوء جنوبهم بالذنوب، وتتعثر خطاهم بالخطايا، وتتفصد مساماتهم بعرق الرجاء ، ويرجعون من رحاب بيتك كيوم ولدتهم أمهاتهم .

    هنا تسري مياه زمزم بين صخور مكة ، تشهَدُ على صدق المكان والتاريخ، وصدق القرآن والرسالة، وتحتبل زمزم بمياه القدسية والبركات ، وِصالاً سرمديا يشهد على رحمة الله على الآيبين والمتوكلين ، عندما تنقطع الرحمة من البشر ، و عندما تقنت روح هاجر، وعندما يتوكل إبراهيم حد التوكل.

    اللهم يا منزل ، والضحى والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى، تطييبا لخاطر نبيك الكريم وتطمينا، اللهم لا تُودِعنا لذنوبنا فنَزِّل ونُذل، ولا لمنطقنا فنضل، ولا لأنفسنا فنتيه ونتوه، ولا تحاسبنا بما فعل السفهاء منا، اللهم أرحم يتمنا إليك وحاجتنا اليك ، وأكنفنا بهداك ، وآونا في غِطاك ، وأقنِعنا بعطاك ، وردنا عن الضلال والعَمَه، وأهدنا من العمى ، اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، وأبواب حرمك تأوي إليك النفوس وتهوى، ولا تحرمنا من التعبد في محرابك العتيق.

    ﺇﻧﻚ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﺗﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺫﺍﺗﻚ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻓﻲ ﺧﻴﺎﻟﻚ .. ﻣﻜﺔ ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻣﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺮﺋﻲ؟
    ﻣﺠﺮﺩ ﻣﻜﺎﻥ ،، ﺑﻄﺤﺎﺀ ﺿﻴﻘﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺨﻨﻘﻬﺎ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺠﺮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺎﺭﺍﺕ ﻭﻃﺮﻕ ﻭﺃﺳﻮﺍﻕ ﻭﺟﻤﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ..
    ﺑﻌﺾ ﻗﻄﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻳﺒﻴﻌﻮﻥ ﻭﻳﺸﺘﺮﻭﻥ ، ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ ﻭﻳﺸﺮﺑﻮﻥ ، ﻭﻳﺮوﺣﻮﻥ ﻭﻳﺠﻴﺌﻮﻥ ، ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻭﺍﺩٍ ﺁﺧﺮ .
    ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ !! ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ، ﻫﺮﻭﻟﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ، ﻭﺑﻜﻰ ﺍﻟﻄﻔﻞ ، ﻭإﻧﺒﺜﻖ ﺍﻟﻨﺒﻊ ،، ﺛﻢ ﺗﻮﺍﻓﺪﺕ ﺃﻓﺌﺪﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭإﺭﺗﻔﻌﺖ أﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ .
    ﺛﻢ ﺗﻔﺠﺮ ﻧﺒﻊ ﺁﺧﺮ ، ﺗﻔﺠﺮ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﻭﻥ .. ﻭﺗﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ
    ﻭﺗﻔﺠﺮ ﻣﻨﺬ ﺍﻷﺯﻝ.. ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ .. ﺇﻣﺮﺃﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻃﻔﻞ ﺁﺧﺮ .. ﻛﺎﻥ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم ، ﻳﺘﻴﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .. ﺃﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ .. ﻛﻔﺖ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ ﻋﻦ ﻣﻄﺎﺭﺩﺓ ﺍﻟﻐﻨﻢ ، ﻭﻟﺒﺪﺕ ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﻓﻲ ﺷﻌﺎﺏ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ، ﻭﺳﻜﻨﺖ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﻓﻲ ﺃﻭﻛﺎﺭﻫﺎ . ﺃﺭﻫﻒ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺳﻤﻌﻪ ﻟﻠﺼﻮﺕ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﻻ ﻣﻜﺎﻥ .. ﻭﻟﻢ ﻳﺪﺭِ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ ، ﺇﻻ ﺍﻟﺴﻌﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻭﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ، ﺃﻥ ﻣﻴﻼﺩ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ، ﻛﺎﻥ ﺑﺸﻴﺮﺍً ﺑﻤﻮﻟﺪ ﻋﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ ، إﻧﻄﻼﻗﺔ ﻓﺮﺡ ﻛﺒﻴﺮ ، ﻟﻪ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ.
    ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻜﺔ، ﻓﺈﻧﻚ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ، ﻓﻲﻣﻜﺎﻥ ﺑﻌﻴﻨﻪ ، ﺗﺠﺊ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ .. ﻭﺃﻧﻰ ﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﺴﻜﻴﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ؟
    ﺗﻌﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺃﻭ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ . ﺗﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ، ﺗﻌﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﻡ ﺩﺭﻣﺎﻥ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺻﻔﻬﺎﻥ ﺃﻭ ﺗﻄﻮﺍﻥ ، ﺗﻌﺎﻝ ﻣﻦ ﺟﺪﺓ .. ﺳﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﺭﺕ ﻓﻴﻪ ﻗﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﻴﻦ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ .. ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺣﺎﺝ ﺍﻟﻤﺎﺣﻲ ، ﻭﺃﻏﻄﺲ ﻓﻲ ﻟﺠﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ، ﻭﺃﻧﻬﻞ ﻣﻦ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻔﺠﺮ ، ﻭﺃﻓﺘﺢ ﻧﻮﺍﻓﺬ ﺭﻭﺣﻚ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ ﻹﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ .
    ﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﺃﻡ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﺗﺮﻯ ﻣﺂﺫﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭ ، ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻬﻴﺄ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ، ﻭﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻫﻼً ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ . ﻻﺗﺘﻌﺠﻞ ، ﺗﺮﻳﺚ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺸﻮﺩ ﺍﻟﺮﺍﻛﻌﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﺎﺟﺪﻳﻦ .. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﻦ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ، ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﺮﻭﻕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ.
    ﺗﺨﻴﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺸﻴﺮ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :-
    ﺭﺏ ﻓﻲ ﺍﻹﺷﺮﺍﻗﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻃﻴﻨﺔ ﺁﺩﻡ
    ﺃﻣﻢ ﺗﺰﺣﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺃﺭﻭﺍﺡ ﺗﺤﺎﻭﻡ
    ﺃﺩﺧﻞ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ .. ﺇﻧﻚ ﻋﺎﺭٍ ﻛﻤﺎ ﻭﻟﺪﺗﻚ ﺃﻣﻚ ﻟﻮ ﺗﺪﺭﻱ ﺭﻏﻢ ﺍﻹﺯﺍﺭ ﺣﻮﻝ ﻭﺳﻄﻚ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻴﻚ .. ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻄﻮﻓﻮﻥ ﻋﺮﺍﺓ ﻓﻲﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻷﻭﻝ ، ﺯﻣﺎﻥ ﺑﻜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻝﺍﻟﺒﺬﺍﺀﺓ ! ﺍﻟﺒﺬﺍﺀﺓ ﺟﺎﺀﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﻮﺍ ﻭﺳﻘﻂ ﻋﻨﻬﻢ ﻟﺒﺎﺱ ﺍﻟﻄﻬﺮ
    ﺍﻟﻔﺮﺩﻭﺱ ﻭﺑﺪﺕ ﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺑﺪﺕ ﻵﺩﻡ ﻭﺣﻮﺍﺀ ﺳﻮﺍﺀﺗﻬﻢ ..
    ﺇﻧﺪﺱ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ ، ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺷﺊ ، ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺜﺎﺭ ﺍﻟﻬﺒﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺕ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﺷﺄنك ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ .. ﻓﻚ ﺍﻷﻏﻼﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺒﻠﺘﻚ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ، ﺗﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﺃﺛﻘﺎﻟﻚ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ .. ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﺟﺎﻩ ﻓﺄﺭﻡ ﻋﻨﻚ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺟﺎﻫﻚ ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺎﻝ ، ﻓﺄﻟﻖ ﺑﺨﺰﺍﺋﻨﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺮ ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐﺇﺳﻢ ﺃﻭ ﺻﻴﺖ ، ﻓﻠﻦ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﺇﺳﻤﻚ ﻭﻻ ﺻﻴﺘﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ .. ﺃﻧﺲ ﺇﻥ إﺳﺘﻄﻌﺖ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ، ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺑﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻚ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ، ﺃﻗﺮﺏ إليك ﻣﻦ ﺣﺒﻞ ﺍﻟﻮﺭﻳﺪ .
    ﺇﻧﻤﺎ ﺣﺎﻭﻝ ﺟﻬﺪﻙ ، ﻓﻮﺷﻴﻜﺎً ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻗﺪ ﺗﻔﻴﻖ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻴﻖ .
    ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﺣﺠﺮﺍ ً، ﻭﺗﻌﻠﻖ ﺑﺄﺫﻳﺎﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ .
    ﻭإﺳﺘﻨﺸﻖ ﺍﻟﻌﻄﺮ ، ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻋﻄﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ . ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺇﺫﺍ ﺟﺮﺕ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻚ ، ﻭﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻚ ﻭﺇﻫﺘﺰﺕ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺫﺍﺗﻚ .
    ﻫﺮﻭﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎ ﻭﺍﻟﻤﺮﻭﺓ ﻛﻤﺎ ﻫﺮﻭﻟﺖ ﺃﻡ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻳﺒﻜﻲ ، ﻭﻻ ﻣﺎﺀ ﻭﻻ ﻗﻮﺕ ﻭﻻ ﺃﻫﻞ ، ﻭﺷﺊ ﺟﻠﻴﻞ ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﻪ ﻃﻌﻢ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ .
    ﺛﻢ ﺃﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ، ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻭﺗﻤﻬﻞ ، ﻭﺗﺰﻭﺩ ﻭﺳﻌﻚ .ﻋﻤﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ، ﺳﻮﻑ ﺗﻄﻤﺮﻙ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﻬﻤﻮﻣﻬﺎ ، ﺃﻫﻮﺍﺋﻬﺎ ﻭ ﺃﻛﺎﺫﻳﺒﻬﺎ .. ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻫﻚ ﻭﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ، ﺇﻟﻲ ﻣﺎﻟﻚ ﻭﺧﺪﻣﻚ ﻭﺣﺸﻤﻚ ، ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻤﻚ ﻭﺻﻴﺘﻚ .. ﻛﻨﺖ ﻣﺘﺴﺮﺑﻼً ﻭﺃﻧﺖ ﻋﺎﺭٍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ .. ﻭﺣﻴﻦ ﺗﺘﻠﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻚ ﻭﺃﻭﻫﺎﻣﻚ ﻭﺷﻬﻮﺍﺗﻚ ، ﺳﻮﻑ ﺗﺮﺗﺪ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﻳﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﺘﻤﻬﻞ ﻭﻻ ﺗﻌﺠل ، ﻭﻗﺪ ﺗﻔﻴﻖ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻴﻖ .
    منقول.......
    --------------------
    الشمس تنحدر إلى المغيب على جبل عرفات .
    الجبل مزروع بالخيام .. مليون و خمسمائة ألف حاج يحطون عليه كالحمام في ثياب الإحرام البيض .. لا تعرف الواحد من الآخر .. لا تعرف من الفقير و من الغني .. و لا تعرف من التركي و من العربي ؟

    اختفت الجنسيات .. و اختفت الأزياء المميزة و اختفت اللغات .. الكل يلهج بلسان واحد .. حتى الجاوي و الصومالي و الأندونيسي و الزنجي و الأذربيجاني الكل يتكلم العربية .. بعضهم ينطقها مكسرة و بعضهم ينطقها بلكنة أجنبية .. و بعضهم يمد بعض الحروف و يأكل بعض الحروف و لكنك تستطيع أن تفهم من الجميع و تستطيع أن تسمع أنهم يهتفون .. لبيك اللهم لبيك .

    و الذين لا يعرفون العربية تراهم قد التفوا حول مطوف يرددون وراءه الدعاء العربي حرفاً حرفا في خشوع و ابتهال .

    في البقعة التي كنت أقف فيها أكثر من خمس عشرة جنسية مختلفة في مكان لا يزيد على أمتار معدودة .. التركستان و الباكستان و كازخستان و غينيا و غانا و نيجيريا و زنجبار و أوغندة و كينيا و السودان و المغرب و اليمن و البرازيل و إسبانيا و الجزائر و سيلان .. كلهم حولي يتصافحون و يتبادلون التحية ، و يهنئ بعضهم بعضا .
    و لولا أن المطوف أخبرني بهذه الجنسيات لما عرفتها ، فالكل كانوا يبدون لعيني و كأنهم عائلة واحدة في مجلس عائلي حميم ..

    على بعد خطوات كان أكثر من ستين هندياً يلتفون حول مطوف هندي ، و هو الآخر فيما يبدو يقرأ لهم الدعاء العربي من كتاب في يده .. و هم يرددون خلفه الدعاء و هم يبكون و قد تخضلت لحاهم الطويلة الكثة بالدموع .

    و هم قطعاً لم يكونوا يعرفون العربية ، و لم يكونوا يدركون معاني ما يرددون من حروف .. و إنما شعروا بها بقلوبهم فبكوا .

    كان كل واحد يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف و أنه في حضرة الله و في ضيافته و في رحابه .. و أنه يقف حيث كان يقف محمد عليه الصلاة و السلام .. النبي العظيم البدوي الفقير الأمي .. و أنه يسجد حيث كان يسجد ، و يركع حيث كان يركع ، و يردد ما كان يردده من دعاء .. بذات اللسان العربي .. و في ذات اليوم .. يوم الجمعة من ذي الحجة .. و لعل ذبذبات صوت النبي و أصوات أصحابه مازالت في الفضاء حوله .. فلا شيء يفنى في الطبيعة و لا شيء يستحدث .

    عرفت أن هؤلاء الستين هم من أفقر طائفة هندية و أنهم جاءوا إلى مكة على الأقدام و على سفن شراعية و على جمال .
    و كان زعيمهم يحمل علماً عبارة عن خرقة ممزقة .
    و بعضهم جاوز الثمانين .. و بعضهم كف بصره .. و بعضهم كان يحمل بعضا .
    و كان الكل يبكون بحرقة و يذوبون خشوعاً .

    كانوا فقراء حقاً .

    و على بعد خطوات كان هناك هندي آخر ، قال لي المطوف إنه مهراجا يملك عدة ملايين .. و كان بذات ملابس الإحرام البيضاء .. و كان يبكي بذات الخشوع .. و كان مشلولاً يحمله أتباعه على محفة .

    كان فقيراً هو الآخر حقاً .

    و من منا ليس فقيراً إلى الله !

    إن الملايين لا تعفي أحداً من الشيخوخة و العمى و المرض و الموت .

    إن السيد و خادمه يمرضان بالأنفلونزا و يمران بنفس الأعراض .. بل نرى السيد يعاني دائماً أكثر من الخادم ، و يستنجد بعشرات الأدوية و العقاقير ، و يجمع حوله الأطباء فلا يفعل له العلم و لا الطب شيئاً .. و كانوا يقولون لنا في كلية الطب على سبيل السخرية .. إن الأنفلونزا تشفى في سبعة أيام بدون علاج .. و في أسبوع إذا استخدمنا العلاج .

    و الأنفلونزا مرض بسيط .. تافه .. هي مثل من ألف مثل لضعف الإنسان و حاجته و فقره الحقيقي مهما كثرت في يده الاموال و تعددت الأسباب .

    من منا ليس فقيراً إلى الله و هو يولد محمولاً و يذهب إلى قبره محمولا و بين الميلاد و الموت يموت كل يوم بالحياة مرات و مرات .
    و أين الأباطرة و الأكاسرة و القياصرة ؟
    هم و إمبراطورياتهم آثار .. حفائر .. خرائب تحت الرمال .
    الظالم و المظلوم كلاهما رقدا معاً .
    و القاتل و القتيل لقيا معاً نفس المصير .
    و المنتصر و المهزوم كلاهما توسدا التراب .

    انتهى الغرور .
    انتهت القوة .. كانت كذبة .
    ذهب الغنى .
    لم يكن غنى .. كان وهماً .
    العروش و التيجان و الطيالس و الخز و الحرير و الديباج .. كل هذا كان ديكوراً من ورق اللعب .. من الخيش المطلي و الدمور المنقوش .

    لا أحد قوي و لا أحد غني .
    إنما هي لحظات من القوة تعقبها لحظات من الضعف يتداولها الناس على اختلاف طبقاتهم .
    لا أحد لم يعرف لحظة الذل ، و لحظة الضعف ، و لحظة الخوف ، و لحظة القلق .
    من لم يعرف ذل الفقر ، عرف ذل المرض ، أو ذل الحب أو تعاسة الوحدة ، أو حزن الفقد ، أو عار الفضيحة أو هوان الفشل أو خوف الهزيمة .
    بل إن خوف الموت ليحلق فوق رءوسنا جميعاً .

    كلنا فقراء إلى الله .. كلنا نعرف هذا .
    و هم يعرفون هذا جيداً .. و يشعرون بهذا تماماً ، و لهذا يبكون .. و يذوبون خشوعاً و دموعاً .

    سألني صديقي و هو رجل كثير الشك :
    - و ما السر في ثياب الإحرام البيضاء و ضرورة لبسها على اللحم و تحريم لبس المخيط .. و ما معنى رجم إبليس و الطواف حول الكعبة .. ألا ترى معي أنها بقايا وثنية ؟

    قلت له : أنت لا تكتفي بأن تحب حبيبك حباً عذرياً أفلاطونياً ، و إنما تريد أن تعبر عن حبك بالفعل .. بالقبلة و العناق و اللقاء .. هل أنت وثني ؟
    و بالمثل من يسعى إلى الله بعقله و قلبه .. يقول له الله : إن هذا لا يكفي .. لابد أن تسعى على قدميك .

    و الحج و الطواف رمز لهذا السعي الذي يكتمل فيه الحب شعوراً و قولاً و فعلاً .
    و هنا معنى التوحيد .
    أن تتوحد جسداً و روحاً بأفعالك و كلماتك .
    و لهذا نركع و نسجد في الصلاة و لا نكتفي بخشوع القلب .. فهذه الوحدة بين القلب و الجسد يتجلى فيها الإيمان بأصدق مما يتجلى في رجل يكتفي بالتأمل .

    أما ثياب الإحرام البيضاء فهي رمز الوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس و يتساوى فيها الفقير و الغني .. المهراجا و أتباعه .

    و نحن نلبسها على اللحم .. كما حدث حينما نزلنا إلى العالم في لحظة الميلاد و كما سوف يحدث حينما نغادره بالموت .. جئنا ملفوفين في لفافة بيضاء على اللحم .. و نخرج من الدنيا بذات اللفة .
    هي رمز للتجرد .. لأن لحظة اللقاء بالله تحتاج إلى التجرد كل التجرد .
    و لهذا قال الله لموسى :
    (( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى )) .
    هو التجرد المناسب لجلال الموقف .

    و هذا هو الفرق بين لقاء لرئيس جمهورية .. و لقاء مع الخالق .
    فنحن نرتدي لباس التشريفة لنقابل رئيس الجمهورية .
    أما أمام الله فنحن لا شيء .. لا نكاد نساوي شيئاً .
    و علينا أن نخلع كل ثياب الغرور و كل الزينة .

    قال صديقي في خبث : و رجم إبليس ؟
    قلت :
    - أنت تضع باقة ورد على نصب تذكاري للجندي المجهول ، و تلقي خطبة لتحيته .. هل أنت وثني ؟

    لماذا تعتبرني وثنياً إذا رشقت النصب التذكاري للشيطان بحجر و لعنته .. إنها نفس الفكرة .
    إنها كلها رمزيات .
    أنت تعلم أن النصب التذكاري مجرد رمز ، و أنه ليس الجندي .
    و أنا أعلم أيضا أن هذا التمثال رمز ، و أنه ليس الشيطان .
    و بالمثل السعي بين الصفا و المروة إلى حيث نبعت عين زمزم التي ارتوى منها إسماعيل و أمه هاجر .. هي إحياء ذكرى عزيزة و يوم لا يُنسى في حياة النبي و الجد اسماعيل و أمه المصرية هاجر .

    و جميع شعائر ديانتنا ليست طقوساً كهنوتية بالمعنى المعروف ، و إنما هي نوع من الأفعال التكاملية التي يتكامل بها الشعور و التي تسترد بها النفس الموزعة وحدتها ..
    إنها وسيلة لخلق إنسان موحد .. قوله هو فعله .. فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحاً شفوياً باللسان ، و إنما لابد أن تمتد اليد إلى الجيب ثم تنبسط في عطاء ليكون الكرم كرماً حقيقياً .. هل هذه الحركة وثنية أو طقساً كهنوتياً .

    و بهذا المعنى ، شعائر الإسلام ليست شعائر ، و إنما تعبيرات شديدة البساطة للإحساس الديني .
    و لهذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي بلا طقوس و بلا كهنوت و بلا كهنة .

    ألا تراهم أمامك أكثر من مليون يكلمون الله مباشرة بلا واسطة و يركعون على الأرض العراء حيث لا محاريب و لا مآذن و لا قباب و لا منابر و لا سجاجيد و لا سقوف منقوشة بالذهب و لا جدران من المرمر و الرخام .
    لا شيء سوى العراء .
    و نحن عراء .
    و نفوسنا تعرت أمام خالقها فهي عراء .
    و نحن نبكي .. كلنا نبكي .

    و سكت صديقي و ارتفعت أصوات التلبية من مليون و خمسمائة ألف حنجرة .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .

    و كنت أعلم أن صديقي مازال بينه و بين الإيمان الحقيقي أشواط و مراحل و معراج من المعاناة.
    مازال عليه أن يصعد فوق خرائب هذا البناء المنطقي الذي اسمه العقل و يستشرف على ينابيع الحقيقة في تدفقها البكر داخل قلبه .. حينئذ سوف يكف عقله عن اللجاجة و التنطع و يلزم حدوده و اختصاصه ، و يدرك أن الدين أكبر من مجرد قضية منطقية ، و أنه هو في ذاته منطق كل شيء .. و أن الله هو البرهان الذي نبرهن به على وجود الموجودات لأنه قيومها ( هو الذي أوجدها من العدم فهي موجودة به و بفضله ) ، فهو برهان عليها أكثر مما هي برهان عليه .. و كيف يكون العدم برهاناً على الوجود .. و كيف يكون المعدوم شاهداً على موجد الوجود .

    إنها لجاجة العقل .. و هي سلسلة من الخرائب المنطقية لابد أن نمر بها في معراجنا للوصول إلى الحقيقة .. و هذا عيب العصر الذي يدّعي فيه العقل أنه كل شيء .

    و عصرنا للأسف عصر العلوم الوضعية و المنطق الوضعي .. هو عصر الألكترونيات و الكهرباء و الكيمياء و الطبيعة .

    و الواحد منا في بداية تلقيه لهذه العلوم الوضعية ، و لفرط انبهاره بها و بمنجزاتها يتصور أنها علوم كلية يمكن أن يناقش بها الأمور الكلية مثل الوجود الإلهي فيقع في خطأ من يحاول أن يقيس السماء بالشبر و يزن الحب بالدرهم .

    و تمضي عليه سنوات من التمزق و المعاناة قبل أن يكتشف أن الطبيعة و الكيمياء علوم جزئية تبحث في المقادير و العلاقات و اختصاصها هو القضايا الجزئية ، و هي لا تصلح بطبيعة معاييرها للحكم على الدين لأنه قضية كلية .

    الدين هو العلم الكلي الذي يحتوي على كل تلك العلوم .. في حين لا يحتوي عليه أي منها .

    و عندنا نور آخر نستدل به على الحقيقة الدينية ، نور القلب و هدى البصيرة و استدلال الفطرة و البداهة .

    هنا نور نستشف به الحقيقة بدون حيثيات .
    هنا منطقة في الإدراك هيأها الله للإدراك المباشر .
    و هي مرتبة أعلى من مراتب الشعور العادي .
    و كما أن العقل أعلى في الرتبة من حاسة مثل الشم و اللمس ، كذك البصيرة أعلى في الرتبة من العقل و من الإدراك بالمنطق العقلي الجدلي .

    و البصيرة هبة متاحة لكل منا ، و لكن صدأ العرف و التقليد و الادعاء العقلي ، و الأحكام الجاهزة الشائعة ، هذا عدا الغرور و ظلمة الشهوات و الرغبات و سعار الأحقاد و المطامع .. كل هذه الغواشي ترين على مرآة البصيرة فتحجب أنوارها الكاشفة .

    و يمضي العمر و الإنسان يصارع هذه الرغبات و يتمزق ، و يعاني و يسأل و يتساءل و يحفر في داخل نفسه حتى تنتهك الأستار ، و تنجلي الغواشي ، و يبدأ يدرك الحقيقة بهذه الرؤية الكلية التي هي هبة بصيرته .

    و هنا يبدأ يعرف ما هو الدين .

    و قد يرى بالبصيرة من لا يحمل الشهادات .
    و قد تعمى بصيرة المتعلم المؤهل في الجامعات .
    و جلاء القلب فضل إلهي قد يوهب و قد يكتسب ، و لا توجد شروط في المعارف الإلهية ، و هذا الهندي المسلم الفقير الحافي العاري الغارق في دموعه قد يعرف عن الله أكثر مما نعرف نحن الذين نكتب في الدين و الله .

    و ربما لو سألته عن شعوره لما استطاع أن يشرحه في عبارات مثل العبارات المنمقة التي نكتبها .. و هو أمر لا يهم .. فالمعارف العالية قد تعلو على العبارة و قد تعجز عنها الإشارة .. فلا يبقى إلا الصمت و الدموع .

    و لهذا هم يبكون على عرفات في لحظة لقاء مع النفس و الله .. تبدو فيها الكلمات مبتذلة .. و اللسان عاطلاً ، و العبارات خرساء ، فلا تبقى إلا الدموع ، و هي دموع فرح و حزن و ندم و توبة و تطهر و ميلاد .

    و هي فجر روحي يعرفه من جربه .

    و قد توحي اللحظة الواحدة و الظرف الواحد بشيئين مختلفين تماماً و ربما متناقضين ، فحينما كنا نطوف بالكعبة في زحام من ألوف مؤلفة ، كان صديقي يلهث مختنقاً و كل ما يخطر له بالمناسبة هو تخيله لو كانت هذه الكعبة في أوروبا في برلين مثلاً ، إذن لاختلف الأمر و لطاف حولها الأوروبيون في طوابير منظمة لا يزحم فيها الواحد الآخر .. بينما كنت أنا أنظر إلى الألوف المؤلفة التي تدور كالذرات البيضاء و أرى فيهم الملايين بلا هوية ممن حجوا و طافوا و عاشوا و ماتوا .. أرى فيهم أبي و أمي .. كانوا هنا يطوفون منذ سنوات في هذا الزحام نفسه .. و من قبلهم جدي الذي جاء إلى هنا على ظهور الإبل .. ثم الأجداد .. و أجداد الأجداد من قبل إلى أيام النبي الذي خرج من مكة مهاجراً و عاد إليها فاتحاً .. كنت أنظر في الجموع الحاشدة من منظور تاريخي و في خناق الزحام نسيت نفسي تماماً ، و فقدت هويتي ، و لم أعد أعرف من أنا .. هأنذا قد مت أنا الآخر .. و هذا ابني يطوف و يذكرني و هو يطوف ، ثم يموت ذات يوم و يصبح هو الآخر ذكرى .. كانت لحظة روحية شديدة التوهج فقدت فيها إحساسي بذاتي تماماً ، و غبت عن نفسي و امتلأت إدراكاً بأنه لا أحد موجود حقاً سوى الله .. و تذكرت السطر الأول من قصة الخلق .

    في البدء كان الله و لا شيء معه .
    و في الختام يكون و لا شيء بعده .
    هو الأول و الآخر .
    هو ..
    نعم هو و لا سواه .

    كانت لحظة من المحو الكامل لكل شيء بما في ذلك نفسي ذاتها ، في مقابل ملء مطلق لموجود واحد مطلق هو الله .

    و بالرغم من الإحساس بالغياب فإنه كان إحساساً في الوقت ذاته بالحضور .. الحضور الشامل المهيمن المالئ لكل ذرة من الشعور .. حضور ماذا .. ؟

    و أحار في وصف تلك اللحظة و لا أجد الألفاظ و لا العبارات و أكتفي بأنها أعمق ما عشت من لحظات .

    إنها أشبه بعدة ستائر تفتح متتالية بعضها من وراء البعض .. تفتح ستارة لتكشف عن مسرح صغير هو الواقع الفردي بتفاصيله ، ثم تفتح ستارة في العمق لتكشف عن واقع آخر خلفي كبير ، هو الواقع التاريخي يبتلع الواقع الأول بما فيه ، ثم تفتح ستارة ثالثة في العمق البعيد تكشف عن حقيقة الحقائق التي يبهت أمامها كل شيء .

    هو إحساس ديني يصعب تصويره في كلمات .
    هو أشبه بموقف مقاتل على الجبهة .
    إنه في تلك اللحظة ينسى همومه الصغيرة .
    هموم وطنه تبتلع همومه .
    و جراح وطنه تبتلع جراحه فينسى مشكلات بيته الصغير و يذوب في مشكلات مجتمعه الكبير .

    هناك حضور أكبر ابتلع الحضور الأصغر .
    و بالمثل لحظة الوقوف في حضرة الله .
    هنا الحضرة العظمى .. حضرة الحق .
    و هي حضرة هائلة تذوب أمامها الحواس تماماً .
    يفنى الواقع الصغير .. واقع النفس و مشكلاتها اليومية .. ثم الواقع الزمني المحيط بتفاصيله .. ثم الواقع التاريخي كله .
    ثم يكون فناء النفس ذاتها في لحظة احتواء كامل من ذات عظمى مهيمنة .
    هي لحظة حب صوفية نعرفها في الحب .. و يرويها لنا المحبون .

    و الحب البشري لا شيء بالنسبة للحب الإلهي .
    و جمال امرأة لا شيء بالنسبة للجمال المطلق الكلي .
    أين كان صديقي من هذا كله ؟
    ما أبعد كل منا عن الآخر مع أن ذراعي في ذراعه .. كان يفكر و يمنطق و يرتب الحيثيات .
    و كنت أذوب حباً و قد قفزت بي اللحظة فوق حاجز العقل و جاوزت بي الحدود و التفاصيل لتضعني على ذروة أرى منها رؤية كلية ، و أدرك منها إدراكاً كلياً .

    هو الحب .
    و الدين في جوهره حب .. و الحج هجرة إلى بيت الحبيب و الطواف للعشاق .
    هؤلاء لا يجدون فيه كلفة و لا تكليفاً .
    و إنما يجدون حواراً مؤنساً .. و مكالمة من تلك المكالمات السرية التي تضيء مجاهيل القلب .
    و ما أكثر ما شعرت به في الكعبة مما لا أجد له كلمات .

    قد يسأل سائل : لماذا نتكبد المشاق لنذهب إلى الله في رحلة الحج .. و لماذا هذه الهجرة المضنية .. و الله معنا في كل مكان .. بل هو أقرب إلينا من حبل الوريد ، و هو القائل إنه (( قريب مجيب الدعوات )) .. بل إن قربه لنا هو منتهى القرب .. فما الداعي إلى سفر و ارتحال لنقف فوق عرفة ندعوه منها .. و هو القريب منا قرب الدم من أجسادنا .

    و السؤال وجيه .
    و الحقيقة أن الله قريب منا بالفعل و أقرب إلينا من الدم في أجسادنا ، و لكننا مشغولون على الدوام بغيره .

    إنه لا يقيم دوننا الحجب و لكننا نحن الذين نقيم هذه الحجب .. نفوسنا بشواغلها و همومها و أهوائها تلفنا في غلالات مكثفة من الرغبات .. و عقولنا تضرب حولنا نطاقاً من الغرور .. و كبرياؤنا يصيبنا بنوع من قصر النظر ، ثم العمى .. فلا نعود نرى أو نحس بشيء سوى نفوسنا .. و هذا هو البعد برغم القرب ..

    و الهجرة على القدمين و تكبد المشقات و النفقات هي وسيلة مادية للخلوص من هذه الشواغل و تفريغ القلب لذكر خالقه ، و لإيقاظ الحواس على حقيقة هذا القرب القريب لله .

    و من هنا كانت كلمة (( عرفة )) .. فبعد رحلة من ألوف الأميال يتيقظ القلب على (( معرفة )) .. فهو (( يتعرف )) على ربه و يكتشف قربه (( و يتعرف )) على نفسه و يكتشف بعدها ..
    و يقول النبي عليه الصلاة و السلام في هذا اليوم :
    (( نعم اليوم يوم عرفة لأن أهل الأرض يعرفهم أهل السماء ))
    هي إذن معرفة شاملة من كل الوجوه .

    و حينما يفد الحاج بجسده إلى البيت يكون عقله قد أشرق على معرفة .. و إذا عرف الإنسان ربه حق المعرفة فإنه سوف يدع الخلاف معه ، سوف يدع الذنوب ظاهرة و باطنة و سوف يكف عن منازعته في أمر قدره و قضائه لأنه اكتشف كامل عدله و حكمته ..
    و سوف يدع الخلاف بينه و بين الخلق فيكف عنهم أذاه و يحتمل أذاهم و يترفق بهم و يشفق عليهم .
    و سوف يدع الخلاف بينه و بين نفسه و يصل إلى حالة من الوحدة فيقول ما يبطن ، و يفعل ما يقول فيصبح ظاهره باطنه و قوله فعله .
    و هذا هو الانسجام مع النفس و الكون و الله ..
    و انعقاد الصلة بين الروح و خالقها .
    و بلوغ السكينة التي لا تزلزلها الجبال .
    و السعادة الروحية بالقرب .

    يصف لنا معروف الكرخي رجلاً بلغ هذه الحال فيقول :
    (( رأيت رجلا بالبادية يمشي بلا زاد .. فقلت له .. إلى أين تريد .. قال لا أدري .. قلت هل رأيت رجلاً يريد مكانا لا يدريه .. قال أنا هو .. قلت فأين تنوي .. قال مكة .. قلت تنوي مكة و لا تدري أين تذهب .. قال نعم و ذاك لأني كم مرة أردت أن أذهب إلى مكة فيردني إلى طرسوس ، و كم مرة أردت طرسوس فيردني إلى مكة .. قلت من أين المعاش .. قال من حيث يريد .. يجوعني مرة و الطعام حاضر و يشبعني مرة و الطعام غائب )) .

    و حال صاحبنا هو حال من انعقدت صلته بالله ..
    فهو لا يعرف لنفسه إرادة إلا ما يريد به خالقه و لا يتزود إلا بالتقوى و ليفعل به الله ما يشاء .. فهو قد علم أنه لا عبرة بالطعام .. فقد يوجد الطعام بوفرة و يوجد معه المرض الذي يصد عنه .. و قد يوجد الكفاف و يوجد الشبع .. و قد يوجد الصوم و معه الاكتفاء المشبع بصحبة الخالق و الائتناس به .

    و لا يفهم من هذا تواكل .. لأن الرجل يصف ما بينه و بين الله و ليس ما بينه و بين الناس .. و لو أنه وجد بين الناس شراً لقومه بالسيف .. فهذا الرجل نفسه هو المقاتل أبو ذر و أمثاله .. و هو نفسه الذي يثور على الحاكم الظالم .. فالامتثال لله شيء غير الامتثال لعباد الله ، بل هو عكسه و نقيضه ، فخادم الله هو أول من يثور على عباد الله دون خوف ..
    و الخائف من الله لا تساوي عنده الدنيا شيئاً فهو أول من يضحي بها و بنفسه تحت ظلال السيوف في سبيل كلمة حق .. لأن الله عنده هو الحق .. و عشق الله هو الموت في سبيله .

    و هذا هو توكل الإسلام و هو غير تواكل الكسالى و الشحاذين من مفترشي الأرصفة .. و هؤلاء ليسوا مسلمين أصلاً .
    و ليس كل من يتمتم :
    (( قل هو الله أحد )) بمسلم موحد .
    و المهم ماذا تقول أعماله ..
    إذا كان يعتقد حقاً أن الله أحد لا سواه ، هو الضار النافع ، فلماذا يمد اليد إلى غيره و لماذا يتزلف و لماذا يتملق ، و لماذا يكدس المال و العقار و هو يعلم أن الله هو المالك الوحيد للأرض و ما عليها و هو الوارث للكل ؟ و لماذا يكذب و الله سميع ؟ و لماذا يسرق و الله بصير ؟ و لماذا ينافق و الله حسيب ؟ و لماذا يخون و الله رقيب ؟ و لماذا يهرب و الله شهيد ؟

    و التوحيد أعمال و ليس تمتمة و حمحمة .
    و الشكر أعمال و ليس (( الحمدلله )) على اللسان ..
    يقول الله لآل داود ..
    (( اعملوا آل داود شكراً و قليل من عبادي الشكور ))
    لأن المقصود بالشكر الأعمال الدالة على الشكر و ليس التمتمة .. اعملوا آل داود شكراً .. اعملوا ..
    و القرآن سياق متصل مستمر .. لكلمة اعملوا .. يبدأ بكلمة (( اقرأ )) للعلم ..
    و بعد العلم يكون العمل على مقتضى التوحيد .
    و هذا هو الدين ..
    قل : لا إله إلا الله و استقم على معناها .
    و هذه هي رحلة الهجرة إلى الله .. و الحج و الصلاة و الصيام صورتها البدنية .

    و الحج في معناه خروج .
    خروج من أسمائنا إلى أسماء الله .
    و خروج من اعتدادنا بأنفسنا إلى الاعتداد به ، و خروج من العبودية للأسباب ( المال و الولد و الأرض و العقار و المنصب و السلطة و النفوذ و الجاه ) إلى عبودية له وحده باعتباره مسبب الأسباب .
    و خروج من حولنا و قوتنا إلى حوله و قوته .
    و خروج من إرادتنا إلى إرادته ، و من رغبتنا إلى رغبته يقول نبينا محمد عليه الصلاة و السلام :
    (( اللهم بك انتشرت ، و بك آمنت ، و بك اعتصمت . اللهم بك أصول و بك أجول ))
    (( اللهم بك أصبحت و بك أمسيت و لا فخر لي ))

    و يقول عن الحج :
    (( من خرج يريد الطواف خاض في الرحمة ))
    و تفسير الرحمة إن الله يجذب همة عبده إليه و يعصمها من التفرقة .

    و يقول عن الركوب للسفر :
    (( فإذا ركب الحاج الراحلة في الظاهر يشهد في السر أن الله هو الذي يحمله )) و هي ذروة في التوحيد ، فهو لا يعود يرى الناقة أو القطار أو الطائرة ، و إنما الله هو الذي يحمل المسافر على أسبابه و قوانينه .. تختفي الأسباب ليظهر المسبب ، و يختفي الخلق ليظهر الخالق .

    و هكذا تكون كل خطوة بالقدم ترافقها خطوة بالقلب إلى مزيد من التوحيد .. و يكون مع طي الأبعاد طي داخلي للصفات ، فيقترب العبد بصفاته من صفات ربه ، فيكون الرحيم الكريم الحليم الودود الرءوف الصبور الشكور ما استطاع .. و هو صعود و معراج لا نهاية له .. لأن كمال الله لا نهاية له .

    و هكذا يقطع المهاجر إلى الله مرحلة بعد مرحلة حتى يصل إلى الميقات ، فيفنى عن نفسه و يموت عن صفاته و يصبح حاله في الظاهر و الباطن حال من يحيا بالله ، و حينئذ يحق عليه الغسل و لبس ثوب الإحرام على العرى فهذا هو ثوب الميت المولود .. و هو ثوب من قطعتين رمزا لستر العورة الظاهرة و ستر العورة الباطنة .. و الحياء هنا على وجهين حياء من الخلق و حياء من الحق .. حياء من سوء الخلق الظاهر الذي تعرفه الناس ، و حياء من العورة الباطنة التي لا يراها إلا الله .. و من هنا كانت الخرقتين الرمزيتين .

    أما النحر و الذبح فهو في حقيقته ذبح للنفس و رغباتها و شهواتها و أهوائها .. و قد افتدى الله النفس بذبح الضحية .. فتضحي ببعض مالك رمزاً لقتل شهواتك و هوى نفسك .
    أما تقبيل الحجر الأسود فهو تزود من غائب ، فأنت تضع شفتيك حيث وضع النبي شفتيه صلوات الله و سلامه عليه .

    و الحكايات عن أصل الحجر الأسود و الكعبة كثيرة .. فهي بيت العبادة الأول اتخذه آدم - عليه السلام - و أرشده جبريل - عليه السلام - إلى مكانه .. و حينما غرقت الكعبة في الطوفان استودع الله الحجر في جبل أبي قبيس .. و ظل الأنبياء يطوفون بمكان الكعبة حتى جاء إبراهيم - عليه السلام - فأقام قواعدها و أعاد جبريل الحجر إلى مكانه .

    و في عام مولد النبي - عليه الصلاة و السلام – كانت غزوة الفيل المعروفة و هدم الكعبة كما أنه في عام 317 هجرية هجم أبو طاهر القرمطي على مكة و قتل و سبى ثم اقتلع الحجر الأسود و حمله معه إلى الأحساء .. و قد تبرأ عبدالله المهدي من فعل أبي طاهر و من أخذه الحجر الأسود و قتله الحجيج ، فبعث إليه برد الحجر الأسود ، و لكنه لم يستجب و بقي الحجر 22 سنة ثم نقل إلى الكوفة عام 393 هجرية ، و منها أعيد إلى مكانه في البيت .

    و يرد بعض المؤرخين اقتلاع القرامطة للحجر الأسود إلى محاولتهم إبطال الحج و هدم الإسلام ، و إظهار عبادة النار و يرى آخرون أن الصراع كان سياسيا بحتا ، و كان المقصود منه محاربة عقيدة أهل السنة .

    فالكعبة لم تسلم إذن من التخريب و الهدم و السلب و النهب .. و عبر التاريخ لم يبق فيها حجر على حجر .. لم يبق فيها إلا مكانها .
    فهي رمز
    و لا يصح تقديسها إلا رمزاً
    و شأنها شأن القرآن حينما يقول عنه الله :
    (( لا يمسه إلا المطهرون ))
    فالمراد هنا المعنى العميق .. (( لا يمسه إلا المطهرون )) .. أي لا يمس معاني القرآن و لا يفهم أسراره إلا النفوس المطهرة من أهوائها .

    و بالمثل تقوم الكعبة كرمز .. لا كحجارة .
    و الحج و الطواف و الذبح و الرجم و عرفة رموز .
    فإذا تجاوز تقديس البقعة إلى تقديس الحجر ، خرج المؤمن عن إيمانه و سقط إلى حضيض الشرك و الوثنية ، و ما هكذا مراد الله بالكعبة .

    و الذي يسأل لماذا يكون الطواف سبعة أشواط و الرجم سبع حصوات .. نقول له و لماذا لا يكمل نمو الجنين إلا في الشهر السابع ؟ و لماذا يولد ميتاً إذا نزل قبل السابع ؟ و لماذا تكتمل النوتة الموسيقية بالدرجة السابعة فلا تكون النوتة الأعلى بعد ذلك إلا جواباً للنوتة الأولى ؟
    إنه سر في بناء الكون المادي و الروحي إنه سباعي التكوين ، و إن السبعة هي درجة الاستواء و التمام .

    و النفس البشرية بالمثل سبع درجات .. أسفلها النفس الأمارة ، ثم تليها النفس اللوامة ، ثم النفس الملهمة ، ثم النفس المطمئنة ، ثم النفس الراضية ، ثم النفس المرضية ، ثم النفس الكاملة .
    و لهذا يكون الطواف سبعة أشواط ، و الرجم سبع حصيات ، و السعي سبع مرات عن الأنفس السبع .

    و السعي بين الصفا و المروة هو رمز لتاريخ الوجود بين المحو و الإثبات .

    في البداية كان الصفا .
    كان الله و لا شيء معه .. الخواء و المحو المطلق .
    كان الأزل و ما سبق لنا في علم الله قبل أن نوجد و قبل أن يخلق الزمان .

    ثم كانت المروة .. حينما نبع الماء .. و خلق الزمان و تدفق الوجود و قامت الحياة .
    و كان فضل الله في الأبد ، كما سبق فضله من قبل في الأزل .

    و السعي بين الصفا و المروة هو شهود الفضل في الحالين .
    و هو الانتقال من الحقيقة إلى الشريعة للجمع بينهما في القلب .
    من الكلمة التي سبقت في الأزل .
    إلى التكليف القائم في الزمان .
    و السعي رمز لإجابة الأمر و التلبية .

    و الصوفي فيما يرمي من حصيات على إبليس .. يرمي عيوب نفسه و يرمي الدنيا .. و يرمي الأسباب ..
    و هو حينما يذبح الضحية يذبح نفسه الموافقة للشيطان .
    و حينما يحلق رأسه يحلق الكبرياء عن عقله .
    فهو يعلم أن الكنز الحقيقي الذي يستحق أن يجهد في حصيله هو كنز البراءة .. البراءة من الحول و الطول و القوة و الغرور و الكبرياء .. لا حول و لا قوة إلا بالله .. هي الكنز ..

    لا وجود حق سواه ..
    و الكل هالك ..
    فيلزم التواضع بل الفناء في الحضرة الإلهية .

    و أذكر فيما أذكر الآن ما كانوا يحكون لي عن جدي و أنا صغير و كيف أنه حج سبع حجات ، و كان الحج في ذلك الزمان البعيد منذ مائة سنة على الأقدام و على الإبل و بالبحر في سفن شراعية بدائية و في الحجة السابعة يروي الجد أهوالا .. عاصفة هبت على الحجيج و هم في عرض البحر و اقتلعت الشراع و حطمت الدفة ، و الكل يصرخ و يتضرع و يستنجد ، و المركب تدور في الدوامة كالفلك و الدوار ، و الموج المتلاطم يلف الجميع .

    ثم يروي كيف تفسخت المركب إلى ألواح ابتلعتها اللجة في لحظات ، و كيف أفاق ليجد نفسه سابحا على طوف خشبي و أمامه جراب الزاد ، و كانوا يسمونه في تلك الأيام (( الذهاب )) .. كل حاج كان يطلع إلى الحج و معه ذهابه الخاص و به ما يلزم من المئونة و الأدوات و الثياب .
    و كان أمرا عجيبا أن يهدأ البحر و تقلع الرياح و تنتهي العاصفة ، و ينجو وحده و معه ذهابه بهذه الطريقة التي تبدو كالمعجزة .

    و تدمع عينا الجد و يومض بصره الكليل ، و كأنما يرى شريطا سريعا من اللقطات الرهيبة .. و يروي كيف قضى ليلتين في البحر ثم انتشله مركب شراعي آخر قاصدا إلى الحج .. و كيف أتم حجته السابعة ثم عاد بسلام .

    و يروي كيف كان الموت يترصد الحاج في كل خطوة في البحر و في البر و في الصحارى .. و بين الحر المحرق و الرمال و العطش إذا ضل طريقه أو ماتت راحلته .. و على أيدي قطاع الطرق إذا ألقى به سوء حظه إلى عصبة من عصاباتهم .. أو بمرض معدٍ في زمان لم يكن يعرف شيئا اسمه طب وقائي أو يسمع عن لقاح للكوليرا أو التيفود .. و كانت الرحلة تطول إلى ستة شهور و سبعة شهور و سنة ، و كان الخارج إليها مفقودا و العائد مولودا .

    و كان يختم قصته مبتسما بفمه الخالي من الأسنان ..
    و برغم كل هذه الأهوال فقد حجيت سبع مرات و هاأناذا أموت بينكم في الفراش كما يموت الكسالى من العجائز ، لتعلموا يا أولادي أن كل شيء بأمر الله .. و أنه لا البحر يغرق و لا المرض يهلك و لا نار الصحارى تحرق ، و إنما هو الله وحده الذي يصرف الآجال كيف يشاء .

    و أذكر الآن قصة هذا الجد الطيب و تطوف بذهني تلك الصور و أنا أضع قدمي في الطائرة لأصل جدة في ساعتين ، و في ساعة ثالثة أكون في الحرم أطوف بالكعبة ثم في الساعة التالية أكون صاعد إلى عرفات ، و بعد غروب الشمس أكون نازلا إلى منى لرمي الجمرات ثم طواف الإفاضة ثم تنتهي كل المناسك في أمان .

    و أتذكر السرب الطويل من خمسين ألف عربة تحمل نصف مليون حاج و تصعد كلها في وقت واحد في عدة طرق دائرية حديثة الرصف .. و كل شيء يتم في سرعة و نظام و دون حادث و قد تناثرت وحدات الكشافة لتنظيم المرور .. و على الجبل تراصت مستشفيات كاملة التجهيز لعلاج و عزل أي حالة اشتباه .. و طوال ساعات الليل و النهار تطوف الرشاشات لقتل الذباب و البعوض في أماكن توالده ، و تطوف فرق أخرى لجمع القمامة و حرقها .

    و بين مكة و المدينة يمتد أوتوستراد أملس كالحرير تنزلق عليه العربات في نعومة ، و ينام الراكب في حضن كرسيه في استرخاء لذيذ .

    ما أبعد اليوم من الأمس .
    و ما أكثر ما نتقلب فيه من النعم .
    و كلما أحاطتنا النعمة ازددنا لله هجرانا .

    أين إيمان اليوم .. من إيمان النبي العظيم منذ ألف و أربعمائة سنة و هو خارج في غزوة تبوك على رأس اثنى عشر ألفا من المسلمين في شهور القيظ المحرق ، ليخوض في رياح السموم و الحرور القاتلة سبع ليال يتهدده العطش في كل خطوة .. و قد ترك من خلفه الأمان و الظل الظليل و الراحة في خيام زوجاته .. ليلقى الله و ليبلغ الرسالة .. و ليحارب من ؟! .. الروم .. الذين احتشدوا على الحدود بمئات الألوف .

    و اليوم ترتفع حرارة الجو بضع درجات فندير جهاز التكييف و نغلق أبواب غرفنا لا نبرحها لأن الخروج إلى الشارع مجازفة غير مأمونة .
    و ما أبعد اليوم من الأمس حقاً .
    و ما أفدح ما خسرنا حينما خسرنا الإيمان

    ...

    مقال : الحج للــ د. مصطفى محمود رحمه الله ....
                  

07-09-2022, 10:43 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اللهمّ يا ذا الجلالِ والإكرام، يا ذا الفضل والإنعام، يا حيُّ يا قيّوم، لا إلهَ إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كلّ شيء قدير..
    اللهمّ إنا نسألك يا ملاذَ السائلين، يا أمانَ الخائفين، يا جوّادُ يا كريم، يا ذا العطايا والهِبات، يا ماحيَ السيئات، ومانحَ الحسنات، ورافعَ الدرجات، نسألك في هذه الساعات المباركة من يوم الجمعة، وفي هذا اليوم العظيم، والمشهدِ الكريم، يومِ عرفات، يومِ الرحماتِ والمكرماتِ، يومِ العفو والغفران، والعتق من النيران، نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، وباسمك العظيم، ووجهك الكريم..
    •أنْ تعتقَ رقابنا ورقابَ آبائنا وأمّهاتنا وأزواجِنا وأبنائنا وذريّاتنا وأهلينا وإخوانِنا وأخواتنا وأرحامِنا وجيرانِنا ومشايخنا ومن له فضلٌ علينا من النار..
    •وأن تشملنا في هذه الساعات الغاليات برحمتك ومغفرتك وعفوك وكرمك وجودك وإحسانك وفضلك ورزقك ورعايتك وعنايتك ومرضاتك..
    •وأن تختم بالباقيات الصالحات وبالطيبات أعمارنا وآجالنا وأعمالنا يا كريم..
    • وأن تحشرنا تحت لواء سيّد الخلق والمرسلين وفي زُمْرته، وتسقيَنا شَربة ماءٍ هنيئةً لا نظمأ بعدها أبداً من يده..
    •وأن تظلَّنا يوم العرض والحساب تحت ظلّ عرشك، يومَ لا ظلّ إلاّ ظلُّك..
    •وأن تُدخلَنا وكلَّ أحبابنا الجنةَ بغير حسابٍ ولا سابقة عذاب..
    •وألّا تحرمَنا لذّة النظر إلى وجهك الكريم، في غير ضرّاءَ مُضِرّةٍ، ولا فتنةٍ مُضِلّة، يا أكرم الأكرمين..
    •ونسألك -اللهمّ في هذا المقام العظيم- أن ترحم والدينا وأمواتنا برحمتك، وأن تجعلهم في حِرْزك وكنَفك، ومغفرتك وعفوك، وأن توسّعَ مُدخلهم، وتنوّرَ مرقدهم، وتؤانس وحدتهم ووحشتهم، وتعطّرَ مشهدهم، وتطيّبَ مرقدهم، وألاّ تحرمَنا أجْرَهم ولا تفتنّا بعدهم..
    •ونسألك -اللهمّ- أن تتقبّلَ -في هذا اليوم العظيم- أعمالنا وصيامنا ودعاءنا ورجاءنا، وأن تختم بالصالحات الطيبات آجالنا، وأن ترزقَنا إيماناً خالصاً، ويقيناً صادقاً، ورزقاً حلالاً طيّباً واسعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وخيراً جامعاً، وولداً صالحاً، وبيتاً هانئاً، ووطناً آمناً، وبدَناً سالماً معافى يا كريم..
    •وندعوك -يا ربّنا- أن تجعلنا وأولادنا وذريّاتنا وأزواجَنا في حفظك ورعايتك وعنايتك وعافيتك وسترك وحرزك وغوثك وحصنك الحصين وحبلك المتين وفي عينك الحانية التي لا تغفلُ ولا تنام..
    •ونسألك -اللهمّ- أن تشافيَ -بفضلك وكرمك- مرضانا، وتعافِيَ مبتلانا، وأن تُذهبَ آلامهم، وتطردَ أحزانهم، وتردّهمْ لنا ولأهليهم ولأحبابهم سالمين طيّبين غانمين.. اللهمّ شافهم شفاءً لا يغادر سقماً، عاجلاً غيرَ آجلٍ، قريباً غير بعيد يا كريم..
    •ونبتهلُ إليك -يا رحيم- أن ترحمَ منّا كلَّ ضعيف، وترزقَ كلَّ فقير، وتجبرَ كلَّ كسير، وتنصرَ كلَّ مظلوم، وتُسعدَ كلَّ مغموم، وتبهجَ كلَّ مهموم، وتُؤوي كلَّ مشرَّد، وتُسعدَ كلَّ بائس، وتَهدي إليك كلَّ ضالّ..
    •ونسألك -يا منّان- أن تكتبَ الزوجَ الصالحَ الطيّبَ لكلّ أعزبٍ وعزباء، وأن تُسعدَ حياتهم، وتُبهجَ عيشهم، وأن ترزقهم حياةً مطمئنّة، وعيشةً هانئةً رضيّةً يا كريم..
    •ونسألك -اللهمّ- أن ترزقَ -بفضلك- كلّ محرومٍ ومحرومةٍ من الولد، ذريةً صالحةً طيبةً مباركةً سالمةً سويّة، عاجلاً غير بعيد يا كريمُ يا عظيم..
    •ونسألك -يا مجيبَ الدعوات- أن تفكّ قيد إخوانِنا وأسرانا المظلومين الصابرين في فلسطين وفي بلاد المسلمين، وأن تردّهم لأهليهم ولنا سالمين غانمين، معزَّزين مكرّمين، قريباً غيرَ بعيدٍ يا رحمنُ يا رحيم..
    •ونسألك -اللهمّ- أن تكون مع إخواننا المضطهَدين المستضعفين في فلسطين وفي غزّة وفي بلاد الهند والسِّند وفي كلِّ أرضٍ مسلمةٍ وتحت كلِّ سماء، وأن تنصرهم، وتثبّتَ أقدامهم، وتُعليَ رايتهم، وتوحّدَ كلمتهم، وتسدّدَ رميهم، وتجمع على الخير والصلاح قلوبهم، وأن ترحمَ شهداءهم، وتفتحَ معابرهم، وتسترَ أعراضهم ونساءهم، وترحمَ شيوخهم وأطفالهم، وتجعلَ لهم من أمرهم فرَجاً، ومن ضيقهم مخرجاً، وأن تجعلَهم سالمين آمنين مطمئنين في بلادهم وأوطانهم يا أرحم الراحمين..
    •ونسألك -اللهمّ- أن تحرر أوطاننا وأراضينا وفلسطيننا وقدسنا وأقصانا ومسرانا، وأن تدْحرَ عدوّنا، وتأخذَ كلَّ مَن ظلمنا وآذانا وطغى وبغى علينا أخْذَ عزيزٍ مقتدرٍ يا منتقمُ يا عظيم..
    •وندعوك -يا لطيف- أن تلطفَ بنا فيما جرتْ به المقادير، وأن تُبعدَ عنا كلَّ ما أصابنا من بلاء ووباء، وضُرّ وشرّ، ومرضٍ وسقم، وحاجةٍ وفقرٍ، وظلمٍ وقهْر، وجائحةٍ ونازلة،
    وغلاءٍ وقلّة بركة، وأن تصرفَه عنّا بما تشاء وكيف تشاء، فإنك تشاء ولا نشاء، وتقدرُ ولا نقدرُ، وأنت على كلّ شيء قدير..
    •وندعوك -ربّنا- أن توفّقَ أبناءنا وبناتنا في امتحانات الثانوية العامة، وأن تشرحَ صدورهم، وتيسّرَ أمورهم، وتنوّرَ أبصارهم، وتُفتّحَ مداركهم، وتسهّلَ عليهم كلَّ صعب، وتنفّسَ عنهم كلَّ كَرْب، وأن تُذكّرَهم إذا نسُوا، وتُفهّمَهم إذا جهلوا، وأن توفّقَهمْ إلى أصحِّ الإجابات، وأدقِّ الاختيارات، وتنجّحَهم بأعلى الدرجات، يا أكرمَ الأكرمين..
    •ونسألُك -الّلهمّ-خشيتَك في الغيبِ والشهادةِ، وكلمةَ الإخلاصِ في الرضا والغضبِ، والقصدَ في الفقرِ والغنى، ونسألُك نعيماً لا ينفدُ، وقرّةَ عينٍ لا تنقطعُ، ونسألُك الرضا بالقضاءِ، وبَرْدَ العيْشِ بعدَ الموتِ، ونسألُك لذَّةَ النظرِ إلى وجهِك، والشوقَ إلى لقائِك، في غيرِ ضرَّاءَ مُضرّةٍ، ولا فتنةٍ مُضلَّةٍ، وأن تُزيِّنَنا بزينةِ الإيمانِ، وأن تجعلَنا هداةً مُهتدينَ..
    •وندعوك -يا ذا الجلال والإكرام- أن تعطيَنا في هذا الموقف العظيم من الخير فوق ما نرجو، وتصرفَ عنا من السوء فوق ما نَحْذر..وأن تعطِيَ كلَّ محتاجٍ منّا حاجته، وكلّ سائلٍ مسألته، وأن تجِيبَ لكلّ داعٍ دعوته، وأن تجودَ علينا جميعاً بفضلك وكرمك وإحسانك يا كريم..
    •اللهمّ إنّا نسألك من الخير كلِّه، عاجلِه وآجلِه، ما عِلمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشرّ كلِّه، عاجِله وآجلِه، ما علمنا منه وما لم نعلم..اللهمّ إنّا نسألك من خير ما سألك عبدُك ونبيُّك، ونعوذ بك من شرّ ما عاذ به عبدُك ونبيُّك، اللهمّ إنّا نسألك الجنة وما قرّبَ إليها من قولٍ أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرّبَ إليها من قولٍ أو عمل، ونسألك أن تجعل كلَّ قضاءٍ قضيته لنا خيراً..
    •اللهمّ اجعلِ القرآن العظيمَ ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهابَ همومنا، وزوالَ غمومنا، واجعله حُجّة لنا لا علينا.. اللهمّ اجعلنا ممّن يقرؤه فيرقَى، ولا تجعلنا ممّن يقرؤه فيذِلَّ ويشقى، اللهمّ اجعله نوراً لنا في قبورنا، وشفيعاً لنا يوم الحساب يا كريم..
    وندعوك -ربّنا- أن تجعل جمعياتِ المحافظة على القرآنِ الكريمِ في حفظك وفي صوْنك وفي رعايتك وفي منَعتِك وفي عينك الحانية التي لا تغفلُ ولا تنام..
    • اللهمّ إنّا نسألك واقيةً باقيةً من عندك، تقينا بها شرَّ الأشرار، وكيد الفجّار، وكفر الكفار، وحسدَ الحاسدين، ومكر الماكرين، وهمزات الشياطين، برحمتك يا أرحمَ الراحمين..
    •اللهمّ آتِنا في الدنيا حَسَنَة، وفي الآخِرَةِ حَسَنَة، وقِنَا عَذَابَ النار، يا عزيزُ يا غفّار..
    •اللهمّ إنّا نسألُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنى.. •ونسألك -اللهمّ- موجباتِ رحمتك، وعزائمَ مغفرتك، والسلامةَ من كلّ إثم، والغنيمةَ من كلِّ برّ، والفوز بالجنة، والنجاة من النار..
    •اللهمّ يا مقلِّبَ القلوبِ والأبصارِ ثبِّتْ قلوبنا على دينك، اللهمّ يا مُصرِّفَ القلوبِ والأبصار، صرِّفْ قلوبنا على طاعتك، واجعلنا هداةً مهتدين..
    •اللهمّ اغفرْ لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياءِ منهم والأموات، إنك قريبٌ مجيبُ الدّعوات..
    •اللهمّ إنك عفُوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عنّا..
    اللهمّ إنك عفُوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عنّا يا كريم..
    •لا إلهَ إلا أنت سبحانك إنا كنّا من الظالمين..
    •حسبنا اللهُ لا إله إلا هو عليه توكلنا وهو ربُّ العرش العظيم..
    •اللهمّ واجمعني بإخوتي وأحبّتي وصحبتي على منابرَ من نورٍ، يغبطنا عليها النبيّون والشهداءُ على قُربِ مقعدنا منك يا أكرمَ الأكرمين..
    **اللهمّ آمين**
    اللهمّ هذا الدعاء، ومنك الاجابة، وهذا الجهد، وعليك التُّكْلان، ولا حول ولا قوة إلاّ بك...
    وصلّ اللهمّ وسلّمْ وباركْ على نبيّنا وحبيبنا وشفيعنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه الطاهرين أجمعين..
                  

07-10-2022, 08:21 AM

عثمان حسن عبد الله الحاج
<aعثمان حسن عبد الله الحاج
تاريخ التسجيل: 05-18-2013
مجموع المشاركات: 216

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    مشكور أخونا سيف على المعلومات القيمة والمفيدة
    وفي ميزان حسناتك إن شاء الله
                  

07-11-2022, 02:19 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: *اعظم وأفضل ايام الدنيا*عشر ذي الحجة... (Re: عثمان حسن عبد الله الحاج)

    مقاصد العيد.. وآدابه
    جعل الله التغيير والتنويع سنة في الخلق وفطرة فطر عليها الحياة والأحياء، والرتابة في كل شيء قاتلة ومميتة للهمة، ومن حكمة الله تعالى أنه نوع لعباده في شرائعه وشرع لهم ما يكسر هذه الرتابة، ويجدد النشاط، ويبعث الهمة؛ ولذا كان من تمام حكمته أن شرع لهم الأعياد ليلبي حاجات العباد، ويتجاوب مع فطرهم، من حب للترويح والتغيير، ونزوع إلى التجديد والتنويع، فشرع لهم عيد الفطر عقب ما فرض عليهم من الصيام، وشرع لهم عيد الأضحى بعد ما أوجب عليهم من فريضة الحج.

    والأعياد وإن كانت من الشعائر التي توجد لدى جميع الأمم والشعوب وفي كل الشرائع، إلاَّ أن الأعياد في الإسلام تختلف في مقاصدها ومعانيها، فعندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، قال: ما هذان اليومان؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: (إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر) رواه أبو داود وغيره.

    من مقاصد العيد
    وكان من المقاصد العظيمة التي شرعت لأجلها الأعياد في الإسلام، تعميق التلاحم بين أفراد الأمة الواحدة، وتوثيق الرابطة الإيمانية، وترسيخ الأخوة الدينية بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، مصداقاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً](البخاري).

    فالعيد في الإسلام لا يختص به بلد دون آخر، ولا أناس في مكان ما دون غيرهم، بل يشترك فيه المسلمون جميعهم في شتى البقاع والأماكن حيثما كانوا وحيثما وجدوا، طالما انتسبوا لهذا الدين، وكانوا في عداد المؤمنين.

    و لهذا شرع في يوم العيد الخروج إلى المصلى، وألا يترك أحد من أهل البيت صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، حتى المرأة الحائض، ليلتقي الجميع، مهللين مكبرين ذاكرين لله، تحقيقاً لهذه الغاية.

    من مقاصد العيد
    ومن مقاصد العيد في الإسلام، تغيير نمط الحياة المعتادة، وكسر رتابتها الثابتة، ذلك أن من طبيعة النفس البشرية حبها وتطلعها إلى تغيير ما اعتادته من أعمال، فكان العيد مناسبة للتغيير، وفرصة للترويح، لتستريح بعد التعب، وتفرح بعد الجد والنصب، وتأخذ حظها من الاستجمام وما أباح الله، فتعود أكثر عملاً ونشاطاً، ولهذا - والله أعلم - جاء النهي عن صيام يوم العيد الفطر والأضحى.

    ومن مقاصد العيد مباسطة الأهل ومداعبتهم، خصوصاً بعد أن باعدت تكاليف الحياة ومشاغلها بين الأب وأبنائه، وبين الزوج وزوجته، وبين الإنسان وأرحامه، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله؟ فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (دعهما فإنه يوم عيد)، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب الأحباش بالحراب، فإما سألتُ رسول الله ، وإما قال: (تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه، ورأسي على منكبه وخدي على خده، حتى إذا مللت قال: حسبك؟ قلت:نعم].
    قال الحافظ ابن حجر: "وفي هذا الحديث من الفوائد: مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس، وترويح البدن من كُلَفِ العبادة، وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين".

    ويجب التأكيد على أن هذا الانبساط واللهو المباح، لا يعني أبداً الانفلات من القيود، والتحلل من الآداب، وإطلاق العنان للشهوات، لتسرسل النفوس في الآثام واللذات، وتنساق مع دواعي الهوى والشيطان، دون رادع من دين أو حياء بدعوى التبسط والترويح.

    ومن مقاصد العيد الأساسية التذكير بحق الضعفاء والعاجزين، ومواساة أهل الفاقة والمحتاجين، وإغناؤهم عن ذل السؤال في هذا اليوم، حتى تشمل الفرحةُ كلَّ بيتٍ، وتعمَّ كل أسرة، ولذلك شُرِعت الأضحية وصدقة الفطر.

    والعيد فرصة لتتصافى النفوس، وتتآلف القلوب، وتتوطد الصلات والعلاقات، وتدفن الضغائن والأحقاد، فتوصل الأرحام بعد القطيعة، ويجتمع الأحباب بعد طول غياب، وتتصافح الأفئدة والقلوب قبل الأيدي.

    آداب وأحكام
    وهناك جملة من الأحكام والسنن والآداب المتعلقة بالعيد، ينبغي للمسلم أن يراعيها ويحرص عليها، وكلها تنطلق من المقاصد والغايات التي شرعت لأجلها الأعياد في الإسلام، ولا تخرج عن دائرة التعبد لله رب العالمين، في كل وقت وحين.

    عدم الصيام
    فمن هذه الأحكام حرمة صوم يوم العيد، لما ثبت عن عمر رضي الله عنه، أنه صلَّى قبل الخطبة، ثم خطب الناس فقال: "يا أيها الناس، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهاكم عن صيام هذين العيدين، أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نُسُكَكَم". رواه البخاري.

    التكبير
    ويستحب في العيد الإكثار من التكبير، فيكبر في عيد الفطر من غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويستمر حتى صلاة العيد لقوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم}(البقرة:185)، ويتأكَّد عند الخروج إلى المصلى، وانتظار الصلاة. وصفة التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، وإن كبَّر ثلاثاً فهو حسن ، والأمر في ذلك واسع .

    الاغتسال والتطيب والتجمل
    ومن الآداب المستحبة في يوم العيد الاغتسال والتجمل، والتطيب ولبس أحسن الثياب، لأنه يوم يجتمع فيه الناس، فينبغي للمسلم أن يكون في هذا اليوم على أحسن مظهر، وأتم هيئة، وذلك إظهاراً لنعمة الله عليه، وشكراً له على ما تفضل به، فإن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.

    والسنة في عيد الفطر أن يأكل قبل الصلاة، وأن يأكل تمرات وتراً، ثلاثاً أو سبعاً أو تسعاً.... ، وأما في الأضحى فلا يأكل حتى يذبح أضحيته فيأكل منها، فعن بريدة رضي الله عنه قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته" رواه أحمد .

    التهنئة عادة حسنة
    والتهنئة بالعيد من العادات الحسنة التي تعارف عليها الناس، مع ما فيها من تأليف القلوب، وجلب للمودة والألفة، وعليه فلا حرج في التهنئة بأي لفظ من الألفاظ المباحة كأن يقال: "عيد مبارك"، أو "أعاده الله عليك، أو "كل عام وأنتم بخير" أو نحو ذلك من العبارات، وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: "تقبل الله منا ومنك".

    وإظهار السرور والفرح في الأعياد من شعائر الدين، فلا بأس من اللعب واللهو المباح، وفعل كل ما يُدخل البهجة في النفوس، مع مراعاة الحدود الشرعية، من غير إفراط ولا تفريط.

    وليحذر المسلم مما يُرتَكَب في أيام الأعياد من تبذير وإسراف، وتبديد للأموال والأوقات، وجرأة على محارم الله، ونحو ذلك من الأمور التي تنافي التعبد لله الواحد الأحد في الأعياد وغيرها، وتعود بالضرر والخسران على أصحابها في الدنيا والآخرة.

    نسأل الله أن يتقبل منا صالح الأعمال ، وأن يعيد علينا هذه الأيام باليُمن والخير والبركة .
    copied
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de