عبر البحث الذي اشتغل عليه منذ عدة سنوات (سكان السودان عبر القرون) لاحظت اليوم شيئاً أدهشني ولم أتوقعه من قبل.. ذلك أن جل في الحقيقة كل الجماعات العرقية والقبلية في دارفور قالت (أو قيل عنها في الحاضر أو التاريخ) بإنتماء إلى جد عربي مهاجر من الجزيرة العربية أو المغرب العربي إضافة إلى أصل آخر أصيل أي غير مهاجر من البعيد.
بما في ذلك البرتي ( تونس) والقمر والتاما (من تميم) والزغاوة (من حمير) والفور (سليمان/صولون العربي) مجرد أمثلة.. وأيضاً الجماعات الأخرى إما أنتمت إلى مرجعية عربية صريحة أو بعضها "أخيراً" قال بأصول نوبية تجد مرجعيتها في شمال السودان كالميدوب و البرقد وهو شيء محتمل. وأما التنجر وكبنقه والميما والمراريت والعورة وسينار والمساليت والجبلاويين وابودرق وجوجة واسنقور والبيقو والداجو ورنقا في لحظة تاريخية ما كلهم قالوا أو قيل عنهم بأصل عربي. أي أن هذه الجماعات ربما لها روايتان عن نفسها.
وأما الجماعات التي لها رواية واحدة عربية خالصة، فأهمهم: الهبانية والرزيقات والمسيرية والتعايشة وبني هلبة والمعاليا والحمر والمهرية والمهادي والسلامات وبنو حسين.
كذلك في الوسط النيلي وشمال السودان عدداً كبير من الجماعات القديمة في الوجود قالت بأصل عربي. إضافة إلى الجماعات العربية التي وصلت بالفعل في أزمان مختلفة وأندمجت في المجتمعات المحلية بعد توهان في الصحاري والقليل منها ظل حتى تاريخ اليوم يهيم في الصحراء.
ما الحقيقة إذن؟.. أو بالأحرى ما الأسباب التي جعلت تلك الإنتماءات تحدث أو مكسب لأصحابها؟.. إن كانت الحقيقة العلمية شبه مستحيلة في الوقت الراهن، أعني ما الأسباب التي جعلت الناس في الماضي تتوجه نحو المرجعيات العربية، إذ حتى المسح الجيني لن يحسمها نسبة لإختلاط الجماعات عبر القرون.
الأسباب يمكن تقصيها لأن هذه الحالة ليست خاصة بدارفور ولا مجمل السودان. بل جماعات واسعة من الكرد والأشوريين وبخارستان وباكستان وأقباط (سكان مصر الأصيلين) وليبيا ودول المغرب العربي الأمازيغي .. والفينقيين في لبنان والاراميين في سوريا وهكذا.. وهضبة الاناضول في تركيا.. والكثير من مثل ذلك.. نفس حالة السودان التاريخية بشكل او اخر.. وحتى المماليك (الشركس والألبان والأرناؤوط) تبنوا خلفية عربية.
والأسباب، أثنان لا غيرهما: الأول التنافس على السلطة (الأئمة من قريش/عرب) وفق الحديث المتداول في التاريخ بكثافة.
والسبب الثاني هو أن الإسلام مرتبط باللغة العربية (لغة الكتاب) ومرتبط بالعروبة كعرق كون نبي الإسلام عربي (النبي العربي الأمي الأمين). مرة ثانية يكون ذلك سبيلاً ممهداً للسلطة.
وكانت الناس في الماضي لا تفصل بين الملامح العربية ولون البشرة.. كون ألوان العرب في الجزيرة العربية متعددة وتتمدد بين الفاتح والأحمر والأصفر والأسمر.. فالوان العرب البيضاء في هذه الازمان ناتجة عن خليط كثيف مع كل امم الارض وعبر القرون.
فأنت على اي حال تستطيع أن تكون من بخارست وتزعم بأنك من آل البيت أو تكون من غانا وتزعم ذات الزعم ولا يهم أن صح أو بطل فإنك ستجد حتماً من يقبل لك يدك ويكون جندياً مخلصاً في جيشك ما دمت تمتلك المال (المال يصنع الجند والجند يصنعون السلطان “إبن خلدون”) لكن إستمرارية السلطة تحتاج مبررات أخلاقية ونظرية.
وبعد أن إنهارت النظم القديمة (وثنية للتوضيح) في دارفور بقيادة التنجر (آخر جماعة حاكمة قبل مجئ اسرة الكيرا المسلمين) .. وبعد إنهيار علوة المسيحية ومجيء سنار التي تبنت الدين الإسلامي واللغة العربية رسمياً، كان لا بد أن تحدث تحولات في نظم الحكم والطبقات الحاكمة التي تبنت أعراق عربية في دارفور صولون أولا (1445م) ثم سنار ثانيا "أمويين/مثال" (1504م).
فبعد إنهيار الحضارة العربية الإسلامية في نسختها المزدهرة عام 1258م على يد التتار كان لا بد من تقسيم التركة العظيمة المادية والرمزية على الجماعات الكثيرة المنتشرة فوق الرقعة الجغرافية.. ويشمل تقسيم الورثة: السلطة والثروة والعرق الشريف والمذاهب الدينية والمجد الرمزي وآل البيت وآل أمية وآل العباس وكل آل الصحابة. ولكن لا أحد جاء جده أبو لهب أو وليد بن المغيرة أو مسيلمة الكذاب او بلال الحبشي (على سبيل المثال) مع أن هؤلاء الإخيرين أولادهم كثر في التاريخ لكن لا أحد قال أنا منهم لأن ذلك ضد السلطة والثروة والمجد الرمزي.
ولا ادانة للتاريخ كما هي القاعدة.. ما كان لقد كان وليس في الامكان احسن مما كان والا لكان.. اليس كذلك!.
والآن يحدث العكس في أرجاء كثيرة من العالم الذي أعتنق العروبة يوماً ما في كل مكان خارج النطاق التاريخي للجزيرة العربية، كون الأسباب الاولى شبه إنتفت، وأصبح الطريق إلى السلطة قد يمر في الإتجاه العكسي.
لكن لا يجب ان ننسى اننا في زمان دولة المواطنة وليس دولة الهوية التاريخية المنقرضة.
الأسرار والخفايا العشرة في تاريخ السودان الوسيط والحديث أو إكتشافات وفرضيات جديدة! https://m.facebook.com/story.php؟story_fbid=10225469532388947andid=1344875921https://m.facebook.com/story.php؟story_fbid=10225469532388947andid=1344875921
سكان مملكة علوة/سوبا.. العنج؟.. من هم واين هم الان؟!... فيديو: https://m.facebook.com/story.php؟story_fbid=10225154451752128andid=1344875921https://m.facebook.com/story.php؟story_fbid=10225154451752128andid=1344875921
لحظة سنار.. كيفية التحول من المسيحية الاسلام .. لايف https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin/videos/10225417049956919/https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin/videos/10225417049956919/
رسالة إلى السلفيين الجدد الكوشيين.. حوار حول دولة المواطنة.. سلسلة حلقات!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة