من واقع متابعتي اللصيقة للحراك الثوري و مشاركتي في المواكب من يوم 19 ديسمبر في في الخرطو و ام درمان و مدني ارجو أن يتسع صدر الفاعلين الثوريين لهذه الملاحظات السريعة:
أولا، هذه بلا مواربة ثورة السودانيات قبل السودانيين و هي ايضا ثورة السودانيين من كل الفئات العمرية من كهول الرجال و قواعد النساء و ليست ثورة الشباب، هذا لا يعني بأي حال انكار الدور الفاعل للشباب من أعمار ما دون الاربعين في هذا الحراك و هو أمر طبيعي في كل الحراكات العظمي في تاريخ كل الشعوب. هذه الشريحة هي الشريحة التي بامكانها التحرك بمرونة لاسباب عدة يمكن تفصيلها في مقام آخر.
ثانيا، في تقديري يجب أن نكف عن تمجيد الفعل الثوري الذي يقوم به الشباب و كأنما هم أصحاب قدرات خارقة تفوق قدرات الانسان العادي، فهؤلاء بشر من دم و لحم، يصابون و يجرحون و يقتلون، و أخشي ما اخشي أن الخطاب التمجيدي من شاكلة أن هؤلاء شباب من نوع آخر و جيل مختلف تدفع بهم الي القيام بأعمال تبدو بطولية في ظاهرها نتيجة للشحن العاطفي الزائد لكنها غير محمودة العواقب وايضا تقلل من قدرة المنظمين في ضبط حركة المواكب و الشارع بشكل عام. ربما عدم تكرار مثل هذه الاقوال قد يساعد في تقليل التهور الثوري الغير مرغوب فيه.
ثالثا، كل يشارك في هذه الثورة حسب قدرته و عطاءه و الطريقة التي صعد بها البعض للقيادة في مواجهة الانقاذ بتكرار ذكر عدد مرات الاعتقال كاستشهاد لنضالاتهم أمر غير مفيد و لا علاقة له بتأكيد الجدارة للقيادة او الأحقية الثورية. في السابق كان التلويح بعدد مرات الاعتقال و حاليا الحديث عن الخروج في المواكب و من ثم المزايدة في التواجد في الصفوف الأمامية و اخيرا التنافس في صد البمبان و جمع علب الفارغ منه. القيادة يجب أن لا تكتسب بمجرد المزايدة علي الفعل الثوري أو بالتمسح بمسوح الأحقية الثورية بل بالقدرات. هنالك الملايين من السودانيين الثائرين الذين قد لا يجدون سبيلا للمواكب و الي صد البمبان، مثل خطابات المزايدة في الاصالة الثورية و الاحقية الثورية ستضيق من ماعون المشاركة الثورية وليس توسيعه. نحن في معسكر الثورة في أشد الحاجة الي توسيع قاعدة المشاركة الثورية، لذا من الاجدي التمتع بشيء من الحساسية في فهم و تقدير ظروف الناس و طرق مشاركتهم كل حسب طاقته و قدرته.
رابعا، لابد من فعل كل ما هو ممكن من وقف مشاركة الاطفال القصر من دون سن 18 في هذا الحراك ما استطعنا و اذا استعصي الأمر فالنبدأ بتنظيم خطوط للمواكب تحصر القصر و الأطفال في مؤخرة المواكب، فموت طفل في سن السادسة عشرة ليس بالأمر الذي يجب أن يمضي هكذا دون أن يهز كيان كل انسان سليم الحس و الوجدان.
خامسا، كما قلت من قبل لا يوجد حرق مراحل في التطور السيوسيولجي مثلما يحدث في التطور التكنولوجي و التقني، الغالبية من الجيل الثائر من الشباب يحمل كل مشاكل المجتمع من عنصرية و ذكورية و نرجسية و تعالي حتي و ان كانوا اعضاء في لجان المقاومة، فعضوية لجان المقاومة لا تعطي حلا سحريا لتطوير وعي بين عشية و ضحاها. تجلت هذه الظاهرة في احدي المواجهات بين قوات الشرطة وبعض الثوار في محيط منطقة شروني في احدي معارك الكر و الفر في نهايات موكبي يوم 2 و 4 يناير اذ بدأ الثوار في اطلاق لفظ يا " عبيد" في تحقير وشتيمة افراد الشرطة. نحن في معسكر الثورة علينا القيام بواجبنا في تحليل البنية الاجتماعية للقوات الشرطية و قوات الاحتياطي المركزي وحتي قوات الدعم السريع و القوات المسلحة التي هي في اساسها من الريف أو من الأحزمة المهمشة في المدن ذات الاصول غير العربية. التركيبة النفسية لهذه المجموعات تجعل منها لقمة سائقة للبحث عن سلطة لتحقيق معاوضة نفسية في مجتمع قاهر اجتماعيا و يذكرك بأن بموقعك الاجتماعي العرقي و الاثني و الجغرافي علي الدوام. فهم و تحليل هذه البنية حتما سيساعدنا في توجيه خطاب منهجي و يعيد تعريف المصلحة لهؤلاء الجنود الذين هم في حقيقة الأمر يجب أن يكونوا في مقدمة الثوار اذا فهموا غايات الحراك الثوري الكلية. اذا تيسر الوقت ربما سأعود للكتابة عن هذه الظاهر بشكل اكثر توسعا و منهجية.
سادسا، في التعاطي مع مبادرة السيد بيرتس فولكر، ممثل الامين العام لبعثة دعم التحول الديمقراطي في السودان، اري أن لا ننجر الي جعل المبادرة موضوع لتشتيت الجهد الثوري و حصاد كل الاوكسجين في الفضاء العام. بأمكان القوي السياسية الفاعلة تقديم مقترح دبلوماسي حول تحديد شروط و أطر المبادرة من شاكلة تهيئة المناخ كوقف قتل المدنيين و اطلاق سراح المعتقلين و انهاء حالة الطواريء والغاء القوانين المقيدة للحريات، و تحديد الأهداف و الغايات المرجوة من المبادرة بدلا من اما الرفض التام او القبول غير المشروط للجلوس للتشاور. فالرفض و ان كان موقفا مبدئيا الا انه يجب أن يتضمن ما هو اكثر من الرفض ليشمل موقف متكامل من العملية السياسية برمتها، و القبول يجب أن لا يكون مجانا لاعطاء شرعية لعملية تشابه حوارات نظام البشير التي تطاولت منذ عام 1994 و حتي سقوطه في 11 ابريل 2019.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة