|
|
 Re: معتصم الصغير ضحية الهوس الديني: بقلم د. عم� (Re: عبدالله عثمان)
|
معتصم الصغير .. ضحية الهوس الديني!!
(مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) صدق الله العظيم
د. عمر القراي
في سابقة خطيرة، تنذر بتمدد الهوس الديني، وانتشار آراء الاخوان المسلمين والوهابية في التعليم، بعد أن اسقطت الثورة نظامهم المباد، جاءت حادثة فصل الطفل معتصم احمد محمد علي، وعمره 6 سنوات، من المدرسة لأنه اثار نقاشات، ذكرت وسائل التواصل الاجتماعي عنها أنه قال إنه لا يقبل ان يقال له إذا أكل بيده الشمال فإن الشيطان سيأكل معه!! كما تساءل كيف يكون الله في السماء والكواكب في السماء هل الله مثل الكواكب؟!
والمدرسة التي فصلت معتصم تسمى "أكاديمية فيشن الانجليزية" English Vision Academy وهو اسم لا ينطبق عليها، لأنه ينم عن سعة الأفق والإنفتاح الفكري، على الثقافات العالمية. وهي فيما يبدو، بؤرة لجماعة الهوس الديني والتطرف العقائدي، التي ما اختارت هذا الاسم، الذي لا يتفق مع توجهاتها، إلا لجلب أعداد كبيرة من التلاميذ، والاستفادة من رسوم إلتحاقهم.
أما خطاب الفصل العجيب، الذي ارسلته هذه الإدارة المتطرفة المهووسة، لاسرة معتصم فقد جاء كالآتي:
(الموضوع فصل تلميذ
السيد ابراهيم خليفة المحترم
ممثل ولي أمر التلميذ معتصم احمد محمد علي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بالإشارة إلى الموضوع أعلاه وبناء على ما بدر من التلميذ من سلوك وفشل كل محاولات معالجة سلوك التلميذ واصرار والدته على صحة ودعم سلوكه المنافي للعقيدة والدين وقامت بسحبه من المدرسة وحتى لا يتأثر بقية التلاميذ بهذا السلوك وبعد التشاور نحيطكم علماً بالآتي:
1-فصل التلميذ
2-اخطار والدة التلميذ بالقرار
ولكم جزيل الشكر –ادارة الأكاديمية) (الجريدة العدد 3636 بتاريخ 16 ديسمبر 2021م).
أول ما تجدر الإشارة إليه، هو أن الخطاب لم يذكر لولي الامر السلوك الذي بدر من التلميذ، ويقتضي الفصل، حسب المادة كذا من لوائح المدرسة. كما أنه لم يذكر (كل محاولات معالجة سلوك التلميذ) التي باءت بالفشل، مما اضطر ادارة المدرسة لاتخاذ أقصى عقوبة وهي الفصل. وكل هذا خطأ مهني وإداري، يستحق مساءلة هذه المدرسة، بواسطة إدارة التعليم الخاص ووزارة التربية والتعليم بالاقليم الأوسط.
ثم أن القضية لا تتعلق أصلاً بالسلوك، فمعتصم لم يعض جاره، أو يشتم مدرسه، أو يسرق فطور صاحبه، وإنما هي عبارات أو قل آراء صرح بها معتصم. وهذه الآراء عندما يقول بها طفل في السادسة من عمره، لا يمكن أن توصف ديناً بأنها منافية للعقيدة وضد الدين، لأن الإسلام قد حدد ان الطفل غير مسؤول دينياً عما يقول أو يفعل، فقد جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل)(رواه أبو داؤود وصححه الألباني) فإذا كان الله تبارك وتعالى لا يحاسب معتصم حتى يصل إلى سن البلوغ، فلماذا تحاسبه هذه الإدارة الجاهلة بالدين، وتحرمه من حقه الطبيعي في التعليم، وحقه الديني في طلب العلم لعبارات قالها؟! وكيف ابعد معتصم بحجة أنه لو ترك لاثر على زملائه؟! فهل لدى معتصم حجة أقوى من حجة استاذ التربية الإسلامية حتى يقنع التلاميذ بعكس ما يقول لهم الاستاذ؟!
ونحن نصف هذه الإدارة بالجهل بالدين، الذي يشاركها فيه كافة مدعي الإسلام من المهووسين والمتطرفين، لأنها لم تشرح لمعتصم الصغير كيف يكون الله في السماء؟ وكيف يختلف وجوده فيها عن وجود الكواكب؟ كما لم تشرح له لماذا يأكل الشيطان معه إذا أكل بيده الشمال، ولا يأكل معه إذا أكل باليمين؟ فإذا كان المعلمون لا يعرفون الإجابة على هذه التساؤلات، فإنهم مثل معتصم وله عليهم فضيلة الشجاعة والتساؤل. وإذا كانا يعرفون الاجابة، لكنهم يظنون أنهم لو شرحوها لمعتصم لن يفهمها لصغر سنه، فكيف يعاقب على ما لا يمكنه استيعابه؟!
كما أن ما قامت به إدارة المدرسة، مخالف لحقوق الإنسان، وحقوق الطفل، وكافة المواثيق الدولية التي ترفض مصادرة حق الطفل في التعليم، بسبب اختلاف معتقده عن الآخرين. وتصرف إدارة المدرسة يشبه نظام الاخوان المسلمين، وحكومته البائدة، ولا يشبه الثورة التي قامت على الحرية والسلام والعدالة. ولقد حاولت ادارة المدرسة أن تبرر فعلتها الشوهاء، بقولها أن والدة معتصم قالت أنها تريد لإبنها أن يكون ملحداً. وهذا لا يدعم موقف المدرسة، فلو كان معتصم طفل سوداني من اسرة مسيحية، وذكر لزملائه أن عيسى بن مريم ابن الله، أو كان من أسرة وثنية، وذكر لهم أنه يعبد الشمس أو الحربة، فهل هذا يحرمه الحق في التعليم في وطنه، في مدرسة ليست مدرسة إسلامية أو خلوة لتدريس القرآن، وإنما هي أكاديمية انجليزية؟!
ورغم صغر سن معتصم إلا أن القضية التي أثارها، قد كانت مثار خلاف وجدل بين علماء المسلمين، عبر العصور، ولم يتفقوا عليها، ولم يكفروا بعضهم بسببها، إلا المتطرفين منهم والذين نعتقد أن من بقاياهم، بكل أسف، من يوجهون مسار التعليم في البلاد رغم سقوط نظامهم.
فمعلوم أنه بعد انتشار الإسلام، ودخول أمم ذات ثقافات متباينة وفلسفات عميقة، بدأت تظهر التساؤلات، التي أوجدت علماء الكلام وظهور الفرق المختلفة. ومن أول الإشكالات التي واجهتهم الصفات التي وصف بها القرآن الكريم الله تبارك وتعالى، كقوله أن له يد، ووصفه كذلك بيدين اثنتين قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) وقال أيضاً (وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآء)ُ. كما ذكر أن يده بها اصابع، فقد جاء في الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن قلوب بني آدم كلها بين اصبعين من اصابيع الرحمن كقلب واحديصرفه حيث شاء)(صحيح مسلم كتاب القدر حديث رقم 2654 كما رواه الإمام احمد في مسنده الجزء الثاني كما وصف بأنه تعالى له قدم، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وعزتك ويزوي بعضها الى بعض ولا يزال في الجنة فضل حى ينشئ الله خلقاً فيسكنه فضول الجنة) )فتح الباري في شرح صحيح البخاري الجزء 11 ص 545 وصحيح مسلم حديث رقم 2848) .وأنه سبحانه وتعالى له وجه (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) إلى غير ذلك من صفات المجئ والدنو والاستواء والسمع والبصر وغيرها من الصفات التي تفيد الحركة في المكان والزمان.
ولقد انقسم علماء المسلمين، وفرقهم الكثيرة، حول موضوع الصفات إلى ثلاثة رؤى أساسية.
جماعة إعتمدوا على ظاهر هذه النصوص، واثبتوا بها الشبه بين الله والانسان. واعتمدوا على حديث نبوي شهير يقول ( خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً)(رواه البخاري في صحيحه في باب الانبياء حديث رقم 3326). (وقالوا ان الله على العرش ويحمله الملائكة وان كان هو أقوى منهم كما ان الكركي –طائر- تحمله رجلاه وهو اقوى من رجليه) ومنهم من قال عن الله (إنه جسم ذو ابعاض ولذلك يكون في السماء وفي الجنة ويراه المؤمنون ويمكن ان يعانقونه). وقد سمي هؤلاء بالمشبهة.
على النقيض من هؤلاء وقف المعتزلة، وبعض علماء الكلام (فنفوا الجسمية عن الله ونفوا كل ما يتضمنها وجنحوا للتأويل فقالوا أن الاستواء يعني الاستيلاء ووجه الله يعني قبلته أو ثوابه ويد الله يعني قدرته أو نعمته. وقالوا أن الله منزه عن عوارض المادة وخواصها ولا يحيط به المكان ولا الزمان وهو ليس بجسم ولا يكون في السماء ولا الأرض إلا بمعنى قدرته وارادته).
أما الموقف الثالث والذي عليه من سموا أنفسهم أهل السنة والجماعة فإنه يدين كلا المشبهة والمعتزلة فهو (يقر بكل الصفات التي وردت لله في القرآن دون تأويل فيقول أن له يد وقدم واصابع وأنه استوى على العرش ولكن كل ذلك بصورة لا نعرفها وكيفية لا ندركها وعلينا الإيمان بها وأنها لا تشبه الإنسان لأن علينا أن نقر بما ورد في القرآن وأن نعترف بأننا لا نعرف كيفيته)( راجع كتاب الملل والنحل للشهرستاني ومقالات الاسلاميين للاشعري والفرق بين الفرق للبغدادي)
وأنا لم أورد هذه الآراء لأخطئها أو أصححها هنا، ولسوف أكتب عنها وأبين حقها من باطلها في مكان آخر. ولكن أوردتها هنا لأوضح أن الخلاف الفكري والعقائدي، قديم بين المسلمين، وأن المجتمع المسلم قبل ظهور التطرف والهوس، كان يستمع لكل الآراء ولا يحرم الإنسان حقوقه لأنه فكر، ورفض قبول المنقول من المعتقدات دون تفكير.
إن على إدارة التعليم في الجزيرة التدخل في هذا الأمر، وارجاع معتصم الشجاع إلى فصله، والنظر في حماة الهوس الديني، الذين مكنهم النظام البائد، وابعادهم عن مدارسنا العامة والخاصة، فيكفي أنهم حطموا التعليم على مدى ثلاثين عاماً، بمثل هذه الأفكار الخاطئة البالية.
16 ديسمبر 2021م
| |
  
|
|
|
|
عبدالله عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست