المحافظة على جوهر النظام السابق الذي هو لب مخطط الهبوط الناعم.. لا يلائمه الوضع الديمقراطي.. فالديمقراطية والالتزام بالمؤسسية وبالمواثيق .. وسيادة القانون وعلو الدستور.. ستطيح بهذا البرنامج والمخطط.. يكتشفون كل يوم ذلك وإنه لا يستطاع معها حتى ولو المحافظة على مسحة ديمقراطية..
لا يمكن أن تعمل لديسمبر، وتتحالف في نفس الوقت مع أعداءها والقوى التي ارتضت السير على هدى مخططات الرأسمال العالمي.. والنتيجة انتهاكات وتجاوزات ومؤامرات غرف مظلمة تتراكم.. وتحولت لفوضى تامة.. تهدد بتطورها لما هو أخطر.. __ كلنا نعلم من باع ثورتنا وأشترى لنا بها هذه الفوضى.. واختزن لنفسه عمولة السمسار..
مظاهر الفوضى لا تحصى.. ليست حال شوارع مدن الخرطوم وأطرافها التي اختلطت نفايات أرضها بماء خريفها، وتكومت أطنان عفن مبسوطة بكل الدروب.. شوارع الخرطوم ليست إلا عنوان جانبي تحت عنوان جانبي في سلسلة مظاهر الفشل..
الفوضى، دولة لا يستطيع أفقه فقيه قانون دستوري فيها، أو خبير سياسة، أكاديمي يسبق اسمه بحرف الدال أو بلقب بروفيسور علوم سياسية.. أو أيما ممارس للسياسة تحديد اختصاصات أي جهة حاكمة، على وجه اليقين، فتصدقه الممارسة.. وبالتأكيد يستطيعون الإشارة لوهن نصوص المواد التي يجب أن تحدد هذه الاختصاصات وحدود السلطات.. ويستطيعون رصد النصوص التي لا تسوى ما سطرت به، لقيامها شكلًا قبل بحث موضوعها، على غير دستور.. ولا هي تستمد من الشعب صاحب الدستور شرعية.. ومع ذلك نصوص قائمة -زندية- وعليها تقوم أجسام تحكم.. وتحظى بألاف المبرراتية الذين يملأون الإعلام صخبًا، يتباهون بعورة تجاهلهم عمدًا لكل المبادئ وما نادوا به يومًا، يبيعون مواقفهم ليدعموا وصول ممثل لهم لمنصب غير دستوري ويمثل مظهر من مظاهر فوضى الدولة وأجهزتها..
وفي الفوضى هناك حفل تنصيب أقيم في زمن انعدام الخبز لحاكم إقليم وجود إقليمه ذاته معدوم دستورًا حتى تأريخه.. لم توضع المادة التي تتيح له الوجود.. إلا في نص غير دستوري التزم به من لم يخولوا سلطة ذلك. والغريب أن هذا الحاكم وذات يوم قبل خمسة سنوات، بكى بمداد قلمه شاكيًا الحال، والضغوط الأجنبية التي مورست على مكونات تكتله السياسي، وأجبرتهم على التوقيع على خارطة الطريق المنتهكة لوثيقة نداء السودان وقتها.. فوقعوا بعد تمنع دام عدة أشهر على الخارطة دون تعديل، يُضمِن شروط التفاوض المتفق عليها بين أطراف المعارضة.. فكتب في ذلك مقالين عنونهما (خارطة الطريق وأسلاك الليل)، و(نداء السودان والعودة على متن التوهان)..في {يوليو، وأغسطس 2016}..
وعاد الآن عقب الثورة والحضور الأجنبي غير خافي، وشارك في تفاوض ينتهك ذات الاتفاقيات، وذات ميثاق المعارضة عن كيفية تحقيق السلام وشمولية التفاوض... الخ.. ويتجاهل الثورة.. فقط استبدل فيه البشير وحكومته بأعضاء لجنته الأمنية،، وقَبِل دون بكاء مداد، أن تعلو نتائج و"مخرجات" هذا التفاوض باسم (اتفاقية جوبا) على ميثاق نداء السودان السابق توقيعه كبرنامج وعلى الوثيقة الدستور الذي شاركت كتلته السياسية (الجبهة الثورية) ضمن نداء السودان في وضعها.
ومن الفوضى المتبدية والواضحة للمواطن الساي أنه حتى الجهات الحكومية القائدة/ على مستوى قيادة أجهزة الحكم لا تدرك وتعرف ماهية اختصاصاتها.. وحدودها. أو قل تتعمد تجاهلها.. فتتخبط.. وتتخابط معها القرارات وتتداخل.. واستمرأت جهات ماسكة بالفوضى تحافظ عليها إصدار القرارات بوضع اليد.. أو باتفاقيات في غرف مغلقة مع أحزاب دعاها التوم هجو -الذي لا يختلف عنهم إلا اختلاف مقدار- بعصابة الأربعة...
الفوضى في الدولة، يظهرها أن القانون والدستور فيها شيء لا يأبه به أي طرف من أجهزة الحكم وأحزاب تحالف الحكم .. ولا يظن القانونيين الذين شاركوا في الثورة، وموجودة أجسامهم.. أنه شيء يجب عليهم اتخاذ موقف فيه قوي.. فكل خروقات الدستور والقانون لم تجد وقفة صلبة من أهل القانون وأجسامهم المهنية.. لا إعلان حالات الطوارئ بشكل غير دستوري وغير قانوني، ولا تكوين لجان الطوارئ والصحة وخلافه دون أي سند دستوري ولا انتهاكات القانون وحالات الاعتقال وليس القبض، سواء على منسوبي النظام السابق أو غيرهم... يظل الانتهاك انتهاك يستوجب على الحقوقيين استنكاره واتخاذ موقف مقاوم. لا انتظار الحوادث التي تأتي في سياق التجاوزات من التعرض لإعلامي أو سياسي معروف لإدانة ما حدث له.. أو انتظار أن ينتج عن الانتهاكات سقوط شهيد. ليس ثمة وقفة قانونية لأهل القانون يؤبه بها.. اللهم مقالات متفرقة لأقلام جيدة.. صراخها يُخنق وقتما تنطق وسط فيض صمت الآخرين.
الفوضى أنه وفي هذه الدولة لا السيادي سيادي، وليس حكومة.. فيتنازل لمهامه ويترأس الدولة البرلمانية تشريفا.. ولا مجلس الوزراء.. الذي اسمه الرسمي حكومة هو حكومة بحق.. تتولى مهامها وترفض ما يفرض عليها من قرارات تنفيذية لا ترأس هيئات اتخاذها أو تتخذها هي.. فرأينا أعضاء مجلس سيادة يوقعون أوراقًا باسم الحكومة.. ورأينا رئيس مجلس سيادة يتولى عقد اتفاقيات مع (رئيس حكومة) دولة برلمانية أخرى نظامها كنظامنا لا يقبل فيه أن يتولى هذا الأمر غير رئيس الحكومة.. فدلست علينا حكومتنا الأمور مدعية جهلها، ثم ثبتت الأيام أنها متفقة وتواصل حتى الآن على أساس ما حدث من تجاوز.. ثم ومن جديد تمنح دولة أخرى أراضي في دولتنا باسم واتفاق مع رئيس مجلس سيادتنا وليس اتفاق حكومي.. ومؤخرًا وليس أخيرًا يقوم مجلس الأمن والدفاع الذي يرأسه السيادي بمهام وزارة الخارجية، واختصاصات حكومة بلادي بمنح ضيافة غير واضح لنا حتى الآن طبيعتها لجوء هي أم كالسوريين منح جنسيات.. وهذه المرة للأفغان.. الذين تركهم خلفهم الأمريكان.. الذي يمنح مواطني الدول حق الدخول والإقامة هل وغدًا قد يأمر بنفي مواطنين سودانيين بعيدًا عن الوطن؟!!.. الفوضى أنه قد قيل أن شركات غير تابعة للدولة ولا تشرف عليها الحكومة تصدر اللحوم حية، ليصدرها المستورد باسم دولته مصنعة. وتصدير الماشية الحية هو الأمر الذي قال رئيس حكومة السودان الحالي أيام توليه الأولى للسلطة التنفيذية أنه لن يحدث.
الفوضى مظهرها حكومة بجسم أميبي تتسع ميوعته لدنة لتشتمل داخل هلامها أفرادًا وعسكر وجهات أخرى أجنبية ومحلية.. وتعمل كلها مراكز اتخاذ قرار.. وليست وحدها ففي حواشيها تلوح مخابرات الدول تتجول سافرة.. وتعقد ما تشأ مع من تشأ.. وتصلنا الأخبار تسريبًا أو معلن تجوالها..
ومظهرها أن القوات النظامية التي ليست نظامية على الإطلاق.. بل تتجول متعددة انتماءاتها .. وقياداتها.. ويتجول أفرادها كعنوان للفوضى الضاربة وعدم الانضباط.. بحيث إطلاق الرصاص غدا أسهل من نشر رأي على صفحات الميديا.. وهذا الرصاص لا يصادف عصابات النهب والسلب والسواطير أبدًا.. وسريع إلى صدور المتظاهرين وفض الاعتصامات.. يتفوق عليه في ذلك البمبان والعصي الخشبية والكسين من التي لا تستخدم في فض التجمعات إلا في دولتنا..
ويبدو أن الحال وصل أن أيما جندي يحمل سلاح يُظن من قبل الناس قاضي وجلاد وهو في نفس الوقت الشاكي أيضًا.. فيتوجس المواطنون مرأى العساكر..
الفوضى أن أيما شرطي في أقسام الشرطة قد يفاجئك بدي المدنية الدايرنها .. وتبتئس وأنت تنظر لحظة سؤاله لك زملاء آخرين له يضربون متهم ما، أو مقبوض عليه أوقعه حظه العاثر في أيدي نظاميين قرروا تأديبه داخل قسم شرطة.. ويسألك هو الذي عليه واجب حمايته بدلًا عن ذلك عن المدنية.. وكأنه سياسي ضليع، أو أنه كان وتحت حكم البشير، يُحكم بحكم لا يدعي المدنية.. يا هؤلاء الغافلون عمدًا لقد زور البشير وطغمته كل انتخاباتهم ليدعي شرعية حكم مدني دستوري..
عاجزون... فوضى ضاربة.. في كل زاوية.. عاجزون عن وقفها.. حتى أنهم وهم العاجزين عن الالتزام بجدول قطوعات معلوم، ومحدد للكهرباء بله توفيرها.. أصبحوا غير قادرين أيضًا عن التوقف عن إطلاق الأكاذيب وممارسة الخداع.. شمالًا ويمين.. حول الكهرباء طن خداع.. وحول السياسة الاقتصادية أطنان وعود كاذبة يعقبها مزيد من الافقار والتجويع.
وحول السلام أحاديث .. فتكذبهم وتشهد مأسي دارفور بالدماء.. وتبكي ليلها خوفًا من سواد ليل باكر القادم على صهوة اتفاقيات المحاصصة..
ومع ذلك ينافحون في كل محفل بأنهم يمثلون ديسمبر الثورة وحكومة الثورة.. العجيب أنهم وهم الذين يدعون الثورية وأنهم إنما ينتقلون بنا للديمقراطية.. هم ذات الذين أسقطوا حكومة الانتقال الأولى وأعلنوا تدشين حكومة اتفاقية جوبا غير الدستورية القائمة على المحاصصة بعيدًا عن صوت الشعب.. وهم ذاتهم الذين أوقفوا ولعامين على التوالي تشكيل مجلس التشريع بدعوى التفاوض.. ولم يعيدوا سلطات التحكيم الدستوري لمجلس القضاء العالي والمحكمة العليا.. ولا هم سمحوا بتشكيل المحكمة الدستورية..
وهم ذاتهم المحسوبين علينا والذين بدأوا ومنذ ما قبل الثورة بإنكار معرفتهم بماهية الهبوط الناعم، وقالوا هو مجرد تخوين، وانتهوا للدفاع علنًا عن سياسات الهبوط الناعم باعتبارها الممكن الوحيد.. وأنه سبيل ترسيخ الديمقراطية.. ({انتقلوا من مقال الدقير الناكر معرفته بالمصطلح قبل الثورة وتفسيره أنه مجرد تخوين واتهام بالسعي للمناصب،، إلى دفاع محمد حسن عربي المباشر عن الهبوط الناعم مؤخرًا})..
تسقط لمان تظبط .. يسقط حمدوك.. ويسقط البرهان... ويسقط حكم تحالف الهبوط... وإلى الجحيم كل المليشيات والحركات المسلحة التي باعت قضايا الشعب السوداني على موائد الفرنجة والعرب.. وقبضت المحاصصات .. والآن تعمل بكد مع الآخرين على تفتيت الوطن..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة