بعض الناس – بل أبهى الناس – هم الذين لا يستطيع المرء الكتابة عنهم فور سماع النعي، لأنّ ما يرشحُ عن ذواتهم التي تفيض عافيةً إنسانيةً ووطنية لا يُوحي بأنهم على موعدٍ مع موتٍ قريب.
بروف شاكر زين العابدين هو أحد هؤلاء.. في آخر مرةٍ التقيته كان معنا هَمُّ الوطن، ولم يخطر ببالي أنّ الموت رابعنا وأنّه كان ينسج خيوط المصيدة لإنسانٍ كأنه شامةٌ في الناس.. إنسانٍ مترعٍ بالنُّبْل والنقاء، مسكونٍ بحب الوطن، شديدِ الوفاء لشعبه وصميمِ الالتزام بقضاياه.
كان من الرعيل الأول في حزب المؤتمر السوداني.. الرعيل المُؤسِّس للحزب، القابض على جمر المبادئ والانتماء والاستقامة الصارمة التي تمنع صاحبها من التزحزح عن سواءِ السبيل الوطني.. كان واحداً من أولئك الذين سبقونا وقادونا على الدرب الصعب الجميل.. عاش مُلبياً لنداء الضمير، وله “في خدمة الشعب عَرَق” في ميدان مهنته كطبيبٍ حاذقٍ في غرف العمليات الجراحية وعنابر المشافي، وعالمٍ أجزل العطاء لتلاميذه في قاعات الدراسة الجامعية وخارجها، كما في نشاطه النقابي والسياسي الموسوم بمقاومة الشمولية والاستبداد والنضال الدؤوب من أجل العبور إلى وطنٍ ترفرف فوق رؤوس أهله رايات الحرية والسلام والعدالة.
فرض عليه الواقع الوطني – خلال رحلة عمره – دوام التّأتِّي المُضني لمطلوبات النضال.. وظلّ، حتى وافته المنية، يحمل أثقال السنين ويحمل مع غيره من الشرفاء أعباء السؤال، سؤال الحياة الكريمة لشعبه.. لا سيفه انكسر ولا على عصاهُ اتّكأ، ولم يرفع رايةً بيضاء في الأوقات التي استطالت فيها مخالب الاستبداد لتتصيّد طلاب الحرية والحياة الكريمة.
عليه من المولى سحائب الرحمة والرضوان، والعزاء لأسرته وأصدقائه وتلاميذه ورفاقه في العمل العام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة