|
|
 Re: الأستاذ محمود محمد طه: أركان الجمهوريين: ج (Re: عبدالله عثمان)
|
على صفحته في الفيسبوك كتب الباشمهندس جبريل محمد الحسن وأرفق صورة للعرديبة
بسم الله الرحمن الرحيم
شجرة العرديبة.. جارة القصر الجمهوري
منارة المعرفة وهادية الطريق إلى الرشد
ما ترونه على الصورة أدناه هو جذع شجرة العرديبة .. الشجرة الظليلة الوريفة.. فقد كانت سامقة عالية تمتد ظلالها لتتسع للمئات من روادها ..وتقع في الحديقة المقامة أمام القصر الجمهوري بالقرب من النافورة ..
تحت هذه الشجرة كان يقام ركن نقاش الإخوان الجمهوريين بقيادة الاخ احمد المصطفى دالي في أوائل الثمانينات .. وقد اشتهر هذا الركن بركن دالي او بركن العرديبة ..
الاخ دالي هو أول من افترع أركان النقاش بجامعة الخرطوم ..وكانت بداية الأركان عام 1973 بالتحلق حول جريدة الجمهوريين (الفكر) التي تصدر بقهوة النشاط ..ثم توسع النشاط ليشمل كلية الزراعة وكلية الطب وكلية التربية ..ولكنه أصبح يوميا بالمباني الرئيسية بجامعة الخرطوم في الميدان الغربي بالقرب من قهوة النشاط ..
ولما توسعت حركة الأركان وشملت جميع الجامعات بالعاصمة وكذلك المدن الثلاث بالعاصمة كل مساء في نهاية عام 1980 ، سلم الاخ دالي ركن جامعة الخرطوم للاخ عمر القراي ، وشارك مع القراي في بعض الأحيان القليلة الاخت بتول مختار والاخت اسماء محمود وجبريل محمد الحسن وآخرين ..واختار دالي العرديبة لتكون مقر ركنه الجديد ..
استمر هذا الركن بصورة متواصلة لما يقارب الثلاثة سنوات حتى وقت الاعتقالات الجماعية في يونيو 1983..
كان هذا الركن هو أكبر الأركان الجمهورية على الإطلاق..
اولا :لان من يقوده هو أكفأ الجمهوريين في إدارة أركان النقاش ، وهو أول من ابتكر هذه الأركان..لقد كانت لدالي نكهة خاصة غير متوفرة عند أغلب الجمهوريين ..سرعة البديهة ..طلاقة اللسان ..قوة البيان .. الذكاء الحاد ..المقدرة الفائقة في حفظ الأمثال البلدية ..تقييم المعارضين .. قوة الشخصية وشجاعة المواجهة ..هذا بالإضافة الى فهمه المتكامل للفكرة الجمهورية، والمتابعة الدقيقة لكل ممارسات الاخوان المسلمين في الماضي والحاضر ،وفي الداخل وفي الخارج، وتقديمه للادلة والوثائق والبراهين في كل ما يقول ..
وثانيا لان الموقع متميز ..فهو بالقرب من القصر الجمهوري حيث يتوجب على المعارضة السلوك الامني والحضاري اللائق بالموقع .. وحيث تتمركز أكثر الوزارات والشركات ..وحيث يتجمع عدد كبير من المواطنين لقضاء حوائجهم في ذلك الموقع ..
وثالثا لوجود الرأي العام المستنير القادر على كبح جماح المعارضة الجاهلة ..فالموقع بعيد من مناطق الرججة والدهماء ، الذين تستغلهم المعارضة دائما في إفشال اركان النقاش، باستعمالهم في إثارة الفوضى وعدم النظام ..
ذهبت ومعي الاخ محمد صادق جعفر، قبل أسبوع ، نبحث عن هذه الشجرة العظيمة ..وحددنا الموقع فوجدناه محاطا بحديقة لها سور وباب وتذاكر دخول .. دخلنا ولم نجد تلك الشجرة الوريفة العملاقة ..واستعنا برواد الحديقة من كبار السن ممن شهدوا أيام العرديبة ..ولم نظفر في البداية على شيء ، واخيرا وجدنا من يدلنا على هذا الجذع المقطوع باعتباره بقايا تلك الشجرة ..وفعلا حسب مقاساتنا وتخيلاتنا للموقع قديما، وجدنا كلامه اقرب الى الحقيقة وهو يؤكد لنا صحة ما يقول ..
قطعت شجرة العرديبة ، بنفس الطريقة التي دمرت بها كل رموز الفخر والعز في بلادنا ..ذهبت شجرة العرديبة بنفس الطريقة التي دمرت بها السكة حديد، ومشروع الجزيرة، والمحالج، ومصانع الغزل والنسيج، والنقل النهري، والنقل الميكانيكي، وتمثال كتشنر، وتمثال غردون ...الخ .
تحدثنا الى كل الذين كان يستغربون ويلاحظون اهتمامنا وسؤالنا عن هذه الشجرة ، قلنا لهم انها كانت يوما رمزا للحرية وللديمقراطية وصدق الكلمة ..وانها كانت أكبر منتدى فكري في زمن النميري .. لقد كانت هايد بارك السودان .. وكان يجب ان تبقى صرحا خالدا كتمثال الحرية في امريكا .. ولكن كما قال الروائي الطيب صالح اننا ما وضعنا ايدينا على شيء قيم في بلادنا إلا دمرناه ..فقد كان يؤمها الناس من كل الوزارات المحيطة بها ، والطلبة من كلية الطب والجامعات المجاورة .. وللذين يذكرون قهوة المحطة الوسطى بالخرطوم التي كانت ملتقى كل السودانيين بالعاصمة حتى بداية زمن النميري ..ويومها اذا اردت ان تقابل احد معارفك وهو يسكن بالعاصمة فما عليك إلا أن تأتي إلى المحطة الوسطى وتنتظر فإنه حتما سيأتي وتقابله .. وكان ذلك في زمن ندرة التلفونات وعدم ظهور الجوالات ..فقد كان ركن العرديبة هو كذلك ..هو المحطة الوسطى لكل المفكرين والمهتمين بالشأن السياسيى والديني .. تقابل فيه من تريد ..كنت اقابل السيد محمد محمد طه مدير مؤسسة الحفريات الذي يأتي من مدني للحصول على تصديق مواد بترولية من رئاسة شركة شل ومقرها حتى الان بالقرب من العرديبة فيقول لي انه يحرص على حضور الركن أولا ثم يذهب بعده إلى شركة شل ..وكذلك عاصم عبد الحميد من شركة أخرى وغيرهم من اخوان الصحافة وجبرة ..
تخرج من هذا الركن عديد البروفات وعديد الدكاترة وأساتذة الجامعات ورؤساء المصالح ومدراء المؤسسات وغيرهم ممن نقابلهم ويذكرون لنا كيف انهم كانوا يتركون المحاضرات لحضور هذا الركن رغم الانذارات المتكررة لهم من رؤسائهم ومنهم على سبيل المثال لا الحصر بروفسير عادل خريج كلية الطب ..
كان النقاش في الركن يتواصل بهدوء شديد ،وموضوعية تامة، وعلى درجة عالية من العلم والخلق الرصين .. يحضره كبار المعارضين للفكرة، واذكر منهم شيخ الوهابية ابو زيد محمد حمزة ..
قطعوها، وما كادوا يفعلون ، وحاولوا اخفاء معالمها ببناء سور حولها ومنتجع، حتى يتلهى الناس عنها بالمشروبات والمأكولات وموجبات الكيف ..ولكن الله غالب ..اعثر الله عليها بعد ثلاثين عام من القطع ..كل عام يعادله مائة عام .. ليعلموا ان وعد الله حق ..فقد كانت العرديبة طيلة تلك السنين تسبح بحمد ربها ، (وأن من شيء إلا يسبح بحمده،ولكن لا تفقهون تسبيحهم )..وكانت شاهدة ، والقوم تحت ظلالها ،
على أكبر دعوة في الأرض لإحياء السنة، وعودة الدين بالقسط والعدل ، بعد ان ملئت ظلما وجورا..
قطعوها لأنها تذكرهم بايام فضحهم، وكشف مخازيهم، وانحراف سلوكهم، وقصور فهمهم للدين ..ولا يريدون للشعب السوداني أن يعرف ذلك التاريخ .. وظنوا أنهم بقطعها سوف يمحون من ذاكرته أمجاد تلك الأيام..
ولكنها ،باذن الله وحوله ، سوف تنبت مرة أخرى وتعود إليها سيرتها الاولى ، فروعا واغصانا جميلة ، وظلالا وريفة .. وسوف تشهد يوم البعث الأكبر والنصر المبين ، اكراما لها وتثبيتا لدورها الطليعي والرائد في التوعية والإرشاد .. تماما كما حدث لجزع النخلة في المسجد النبوي الشريف عندما حن للنبي الكريم، وبكي بعدما تم تغييره بالمنبر اليمني .. وسكت عن البكاء حين وعده النبي بأنه سيكون بجوار المصطفى في الجنة..
هذه خواطر جرى بها القلم ، فان الذي حفزها ودفع بها إلى هذه الجرأة هو فداحة المشهد وهول المصاب ..وهي ،بالضرورة، لا تكتب تاريخا ولا تستوفي حدثا، وانما تترك ذلك للباحثين أصحاب التقصي والاسهاب..وتعترف بان لهذا الرحاب مجال له رجاله الأفذاذ ..
رد الله غربة الدكتور الاخ احمد المصطفى دالي ، وامده الله بالصحة والعافية ، واعاده الله إلى وطنه واهله،غانما وسالما ، ومشعلا انوار العرديبة مرة أخرى ، بصورة أكبر واشمل مما كانت عليه في الماضي ..
جبريل محمد الحسن
| |
  
|
|
|
|
عبدالله عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست