|
Re: مجرى النهر ( عكس التيار ) (Re: ابو جهينة)
|
التلاقح : دخلتْ أرضا جديدة،، متوجسة ،، تدور حول نفسها حتى لا يدهمها خطر داهم. وما أن وصلتْ لتخوم البلد الآخر شمالاً ،، هالها منظر نفر طوال القامة يطاولون سامقات الأشجار،، بلونهم الأبنوسي اللامع ،، يقفون متكئين على رماحهم الطويلة التي يضارعونها طولا يحملقون في هذه الزائرة الجديدة ،، كانوا يعرفون أنها بداية جديدة لأرض جديدة .. وأن الوردة أول الغيث تعقبه زخات وزخات.. لم يعيروها كثير إهتمام ،، فالنهر فيه متسع للجميع ولها أن تسرح وتمرح فيه طالما أنه لا ضرر منها.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر ( عكس التيار ) (Re: ابو جهينة)
|
هناك إنقسمتْ الوردة عن طيب خاطر ،، فبقي جزء منها ليسكن هذا الجزء من النهر المبارك ، وانطلقت هي بعد أن رأتْ الترحاب الصامت في بداية رحلتها. بقيت الوردة المنقسمة ،، تتناسل وتتكاثر وهي لا تدري أنه سيأتي يوم يجبرونها فيه لتفْصِل شرايينها المتصلة بالماء لتموت غرقاً بين أحضان مًن نفحها الروح والحياة ،، سيقولون أنها تعرقل مسيرة النهر والحياة فيه ،، هكذا سيقولون لها. وإنطلقتْ الوردة الأخرى تتهادى توزع بذورها على ضفتى النهر ومستنقعاته ،، تتهادى وهي ترى زنابقها تنمو وتترعرع وتتكاثر في سرعة مذهلة ،، لا ينافسها في السباحة شرقاً وغرباً أي منافس ، ففرحتْ التماسيح وأفراس النهر لأنها وجدتْ ما تختبيء تحته لأغراض في نفوسها. ووجدتْ الشمس متسعاً من الوقت لتقوم بتبخير مياه النهر على مهل و روية بين فرجات الورود التي ملأتْ صفحة النهر ،، فتبختر المطر موسمياً ،، وتوالدت أنواع جديدة من الذباب تعلمتْ كيف تجعل النوم ممكناً حتى الموت ،، وغضبتْ إناث البعوض على ذكورها لأن الذكور يتمسكون بالسكنى في المياه الساكنة والبرك الآسنة تاركين النهر الجاري للورود الدخيلة ،، فأقسمتْ أن تملأ البلد بفيح الحمى وأن تعكر صفو الليالي على النائمين في ( الرواكيب ) و ( الحيشان ) إنتقاماً من ذكورها.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر ( عكس التيار ) (Re: ابو جهينة)
|
قال الرب عز وجل في سورة القمر ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر و فجرنا الأرض عيونا فألتقى الماء على أمر قد قُدِر ). هذا في أمر الطوفان ،، ولكن أمر الله يكرره بمشيئته وقتما يشاء وحيث يشاء ولمن يشاء . فالوردة المنتشية بخطواتها الحثيثة شمالاً بعد أن نثرتْ بذورها جنوبا وإطمأنتْ بأن ذريتها ستعيش بسلام وفي أمان ،، فوجئتْ بالمد الصاخب يأتيها من جهة أخرى ،، كله عنفوان وقوة ،، داكن اللون تشوبه حمرة ،، يخالطه لون الطين ،، يجرف بين طياته الهادرة كتلاً من الأخشاب والحيوانات النافقة وأشجاراً بكاملها تتقلب في أتون أمواجه التي تأكل ضفتيه بنهم ،، فتتداعى كتل الطين لتزيد النهر غباشاً وخصوبة. وكأن همهمة الصاخب هذا تؤكد أن هؤلاء الذين صحِبوا النهر إلى مكان لقاء ذراعه اليسرى ،، تؤكد أنهم مثل نهرهم الذي تبعوه ،، معفًرة وجوههم ،، قوية أجسادهم ،، يتلهفون على ملاقاة قدرهم الموعود في هذه الأرض التي تدندن بلحن التمازج و اللقاء الفريد ،،
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر ( عكس التيار ) (Re: ابو جهينة)
|
نساؤهم يشبهن هذا الهادر في الخصوبة واللون ،، أخذْن منه عنفوان المشاعر وصدقها وأرضعنها للأجيال المتلاقحة معها والآتين من شعاب الأرض وفجاجها ،، شعْث غٌبْر، حفاة الأقدام ،، فكانت ثمرة هذا التلاقح مزيج فريد وكأنه ترياق يصعب تركيبه مرة أخرى مهما تفنن الناس في عناصره ومركَباته.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر ( عكس التيار ) (Re: ابو جهينة)
|
صخب الأيمن الممزوج بعصارة التاريخ ،، وهدوء الأيسر كهدوء حكماء القبيلة ،، يجتمعان كنقيضين ،، فتتغلب الحكمة الوقورة على العنفوان الهادر عند دلتا الإلتقاء فيرتفع منسوب الترياق بعناصر أخرى ،، بهار وتوابل وأعشاب ،، فيكمل النقيضان الرحلة وهما يعتلجان إعتلاج النفس البشرية في مسيرة التكوين الأزلية،، فأمتلأتْ ضفتى النهر شرقاً وغرباً بأجيال معتلجة لوناً ومزاجاً ،، يحمل النهر في جريانه هذه الخلطة فيوزعها على الأخضر و اليابس و يسقيها لهم عبر الزرع و الضرع. تناثرتْ الجبال غرباً و تناثرتْ شرقاً ،، لتكون بإذن ربها أوتاداً لخيمة الأرض الممتدة المترامية الأطراف ،، حتى النهر لم تخْلُ جزره من هذه الأوتاد الموصولة بعروق طبقات منسوب الماء كالشرايين و الأوردة في طول البلاد و عرضها .
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر ( عكس التيار ) (Re: ابو جهينة)
|
تهب رياح موسمية جافة مغلفة بمَوجة ( السَموم ) الحارة تحمل في طياتها بذور ( العٌشَر ) و ( الضريسا ) و ( المسكيت ) و ( الحلفا ) و ( التنوم ) و ( الحرجل ) و( المحريب ) و تنثرها هنا وهناك في إنتظار هطول الأمطار لتجد البذور طريقها عبر طبقات الرمل و الطين و من بين الصخور لتعاود نضوجها و تمتليء بقلاتها ببذور يافعة سرعان ما تتطاير في كل إتجاه بإنتظار الخريف التالي ،، لا تبالي أين فروعها وأين جذوعها وأين جذورها ،، تنطلق لتأخذ الحياة طريقها إلى فلقات حباتها ،، هكذا في دورة محسوبة وموقوتة.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر ( عكس التيار ) (Re: ابو جهينة)
|
تغرد ( قٌمرية ورقاء ) على غصن شجرة تقع عند سفح جبل شرقي ،،، كانت تنقل خبراً تنافس به الزواجل من الحمام ،، إنها تبشر أسراب الطيور بأن أنهاراً قد شق الله لها طريقاً وسط البلاد و أن الخير عميمٌ من الحب والنبات ،، فبدأتْ منذئذٍ أسرابٌ الطيور في رحلات منتظمة تجوب ضفاف النهر ،، وتعود إلى أوطانها عندما يبدأ الغمام في التجمع ،، و ( يشيل القبلي ) ،، خبر يحسدها عليه الهدهد سليل هدهد سيدنا سليمان ناقل الأخبار.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر ( عكس التيار ) (Re: ابو جهينة)
|
قايض الرعاة المزارعين بما يحملونه من خيرات جبالهم و أوديتهم و سهولهم ،، و من ثَمً إتجه الرعاة نحو مراعيهم يقودون قطيعاً من الأبقار التي تسر الناظرين بألوانها ،، أبقارا لا ذلولة فتثير الأرض ،، و لا تتشابه عليهم فهي موسومة على ( سناكيتها ) منعاً للتشابه و الإختلاط و الإقتتال تماماً ( كشلوخ ) أصحابها و وسمات قبائلهم ،، أبقاراً تحمل الكَل و تطعم الضيف و تحمل متاعهم يوم ظعنهم و تتحمل مشاق حلهم وترحالهم. وبقيتْ الورود ساكنة ،، في إنتظار مخاض جديد ،، تأمل في رحلة جديدة على مجرى النهر أو عكس التيار
| |
 
|
|
|
|
|
|
|