كنا قد تحدثنا في المقال السابق عن الهدف الاستراتيجي للثورة والذي يسعى لاحداث تغير اجتماعي شامل لخصته الثورة السودانية في مطلوبها الأعلى دولة مدنية وللحقيقة ان مفهوم دولة مدنية لا وجود له كمصطلحا مجردا في العلوم السياسية ولا في مراجع ومصطلحات السوسيولوجيا بل أن ما جاء كمفهوم سوسيولوجي هو مصطلح مجتمع مدني وليس دولة مدنية ولنبدأ بتعريف مفهوم المجتمع المدني إذ ظهر بداية لدى الرومان إلى أن اختفى ثم عاد أكثر وضوحا في القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين وقد تناوله العديد من العلماء والفلاسفة أمثال هيغل وروسو الذي ارتبط به لاحقا مفهوم المجتمع المدني حيث عرف ذلك المصطلح خلال الفترة التي انتقلت فيها اوربا من مرحلة الظلام والبؤس التي تشابه واقعنا الآن إلى مرحلة الدولة الحديثة مرورا بتطور الفهم السوسيولوجي لما عليه نشاط المجتمع وميكانيزماته المعقدة والمتلاطمة بين ما هو تقليدي وما هو حديث وبين التفكير واللاتفكير ثم عاد مفهوم مجتمع مدني للظهور مجددا مع تحول اوربا الشرقية في بولندا عام ١٩٨٢م ويشير تعريف مجتمع مدني civil society بأنه إحدى او مجموع المؤسسات المستقلة التي تظهر داخل المجتمعات وتؤدي دورا في تنظيم المجتمع وتكون العلاقة بين تلك المؤسسات قائمة على التطوع وتتمثل في الأحزاب والنقابات والمنظمات الخاصة بحقوق الإنسان ومنظمات المناصرة لأهداف فئات او نوع اجتماعي حيث تقوم على حرية الأفراد وارادتهم الخاصة واختياراتهم الشخصية لممارسة حقهم في إطار مبادئ التنظيم والضبط للعقل الجمعي، ولك عزيزي القارئ ان تلاحظ اهمية التحول الاجتماعي لمجتمع مدني ينتج تطورا ما يعرف بالدولة المدنية وساقوم لاحقا بإجراء تقيم وتحليل لهذا المفهوم وارتباطه بالعمليات السوسيولوجية الكبرى ودور الهندسة الاجتماعية في الوصول لدولة مدنية. والجدير بالتوضيح أن كلمة المجتمع تشتق من الفعل اجتمع والمصدر اجتماعا ومن اسم المفعول مجتمع به اما كلمة المدني فهو اسم ينسب إلى كلمة المدينة وتكون المدنية مخصصة للمواطنين بشكل عام على العكس من مفهوم العسكرية، ويعرف البنك الدولي المجتمع المدني بأنه عدد من المنظمات غير الربحية وغير الحكومية والتي تعتمد على النهوض بالاهتمامات والقيم الخاصة بالأشخاص الاعضاء بها وتكون معتمدة على أسس أخلاقية او خيرية او دينية أو علمية أو ثقافية. ونجد أن ابن خلدون في مقدمته قد جعل المجتمع الحضري مقابلا للمجتمع البدوي، حيث يختلف عنده الدور الاجتماعي في المجتمع الحضري الذي ينطلق من قدرات الفرد وكفاءته واختياره الذاتي في إطار منظومة ضابطة من القواعد والقوانين عن المجتمع البدوي او التقليدي والذي يحدد مكانة الفرد استنادا على نسبه وأسرته او قبيلته، وهذا ما لا نجده في المجتمع المدني لأنه يقوم على تنظيمات ذات طابع اجتماعي تساعد على رعاية الأفراد ودعمهم من أجل المشاركة في الحياة العامة وتتميز بأنها غير موروثة وغير حكومية حيث يعرف مصطلح المجتمع المدني بعدد من الأسماء الأخرى منها المجتمع الأهلي او المنظمات التطوعية او القطاع المستقل او القطاع الثالث ومن أهمية المجتمع المدني انه يساعد الأفراد على معرفة حقوقهم وحرياتهم والدفاع عنها بما يعرف برفع الوعي الاجتماعي يمكننا أن نقيس على حالة الأشخاص ذوي الإعاقة والتي كانت في عصور مضت غير مقبول استمرارهم في الحياة وكيف هي الان، كما للمجتمع المدني القدرة على تنظيم مشاركة الأفراد بحيث تكون مبنية على التسامح والارادة والحوار والمبادرة وتستخدم في ذلك أدوات كتجميع مؤسسات مجتمع مدني متشابهة الأهداف او ما يعرف بالشبكات او التحالفات بين الأحزاب لتجسير العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني. القارئ الكريم تلاحظ الآن أن هناك ارتباطا كبيرا بين مفهوم الدولة المدنية ومفهوم المجتمع المدني وذلك لأن الدولة لا تتكون من الاساس ما لم تتأسس على مجتمع مدني فحيث يوجد مجتمع مدني توجد دولة مدنية. غدا نتناول مفهوم الدولة المدنية ودور الهندسة الاجتماعية يتبع
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Yasir Musa
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست