عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 11:50 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-03-2020, 08:52 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة!

    08:52 PM October, 03 2020

    سودانيز اون لاين
    عبد الحميد البرنس-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    كالعادة، لم يكن جمال جعفر في ذلك المساء يحتسي أياً من كؤوسه. كان باختصار يتجرعها. لا يتبادر إلى ذهنك أن جمال هذا قد يكون أحد أصحاب الضمائر الحيّة في العالم والخمر مقصلة التأنيب. ذلك أن حياة مها الخاتم لم تكن تعني له سوى "موضوع نزوة". لقد وطأ الوغد على حياة كاملة ومضى لا يلوي على أي أسى خلّفه هناك باسم الحبّ وراءه.

    ...

    كان يتناول كأساً.

    ...

    يقذف بمحتوى الكأس وعيناه مغمضتان في فمه. يُبقيه هناك لحظة. يهز بشدة رأسه ذاك حسن التكوين. ما يلبث أن ينفث آهة تنفرج معها عضلات وجهه المتقلّصة قليلاً. يفتح عينيه باحثاً عن سيجارته المشتعلة دوماً قبل أن يواصل ما انقطع من حبل الكلام بلذة. نادراً ما كان جمال هذا يصغي. شأن أولئك الأوغاد في كل زمان ومكان. إن فعل فيبدو كمن يتزود مكرهاً بوقود لا بدَ منه لمواصلة الكلام عن أمر آخر. حاسة الاستقبال لديه ضعيفة. ضعيفة جداً. جداً جداً. قال إن تناول الخمر على ذلك النحو بمثابة عادة لازمته منذ أن بدأ يتعرّف على الخمر لأول مرة عبر طعم العرقي المُر وهو في سنّ السابعة عشرة. لم يستطع الإقلاع عنها حتى بعد قدومه إلى كندا وحتى خلال بعض أمسيات القاهرة، حين كان بعض المسافرين يجلب معه "خمر الأسواق الحرة الراقية". متهكماً على ذاته، قال: "ما قد رماه الله لا يرفعه أحد"!

    ...

    "ثمة أساطير، لا حصر لها هناك، تُحكى، يا حامد والصيني، عن حبيبنا العرقي هذا"، قال جمال في هذه المرة ببهجة مغال فيها نوعا ما. وقال كذلك على طريقته الاستعراضية تلك عند بداية ذلك المساء: "خذا مثلا آخر هنا، يا الصيني وحامد"!

    ...

    كان الرفيق منتصر جيفارا يبرهن في القاهرة على جبروت "حبيبنا العرقي هذا" بحركة ساحرة تصحبها في العادة صيحات سخط الجالسين من حوله على إهدار "نعمة المنفى المسماة العرقي". كان جيفارا يسكب جرعة كبيرة من زجاجة العرقي على البلاط. يشعلها فترى ألسنة اللهب زرقاء خضراء صفراء ترتفع من البقعة المراقة للتو. لا تملك لحظتها سوى أن تردد في نفسك قائلاً: "رحم الله هذه السيدة التي تدعى في القواميس الطبية باسم المعدة". كما لو أن معجزة سماوية تحدث أمامي. أخذ الصيني بغتة يشارك في الحوار، متخلياً عن تلك القواعد التدريبية الصارمة التي تتطلبها وظيفة ساق محترف في كندا. بدا صوته ربما لطول الصمت والإصغاء أشبه بمسار خطى طفل شرع للتو في المشي. قال إن العرقي في بعض مناطق السودان يتم استخدامه في حالة الطواريء كوقود للسيارة. لم ينتبه جمال لمعجزة كون الصينيّ شرع يتكلم. قطع عليه حبل الحديث، قائلاً "قد لا تصدقني يا رجل هنا! أنا لا أسكر إذا لم أتخيل طعم العرقي المرّ في فمي"!

    أتصور أحياناً أن وظيفة مذيع نشرات أخبار وظيفة ملائمة لجمال جعفر هذا. من سوء تقدير كندا أن يكون جمال غاسلَ أطباق في مطعم سويس شاليه. مهنة قد لا تهب شيئاً من سعادة. إلا إلى أولئك الأشخاص من ذوي الحوارات الداخلية الصامتة الطويلة الممتدة. الصيني بدا لي بمثابة خيار موفّق لجمال كرفيق سكنَى. كان أشبه بصندوق ما ملائم لاستقبال خواطر رفيقه المختزنة طوال ساعات تلك الورديات الشاقّة. لعل ما يُبقي الصيني على صبره أن جمال ظلّ معظم الأحيان يدبج كلامه كخطيب سياسي سابق بالكثير من قصص مشاهير السياسة والثقافة، في ذلك الوطن البعيد النائي.

    ما ظلّ يسمع عنه الصيني في الماضي بكثير من الرصانة في سياق إذاعة نشرات "هنا أمدرمان إذاعة جمهورية السودان الديمقراطية" إذا به يتحول في حكايات جمال عن القاهرة إلى شخص من لحم ودم. يركب الترماي كوزير سابق مع جمال في طريقهما إلى ميدان العتبة لشراء ما يسميه جمال "لوازم إنسانية"، كتلك الملابس الداخلية بنسيجها القطني من ماركة رويال. ظلّ يسعدني بدوري أن أنصت إلى تلك القصص ذات "اللوازم الإنسانية" الأكثر فرادة من نوعها. خاصّة أن ملابسات منفاي تلك في القاهرة كانت غير ملابسات منفى كادر الخطابة الجماهيري جمال جعفر هذا، تلك الملابسات المترفة بمنحة التفرغ للعمل الحزبي وإعانة شقيقه رئيس الخدم وقتها بقصر الأميرة جواهر آل عبد العزيز في جدة.

    ...

    كان في حديثِ الزمان يا ما كان.

    كان هناك وزير "ديمقراطي سابق"، "لا أريد ذكر اسمه"، "يعشق الرقص على الإيقاعات الغربية الصاخبة حد العبادة"، يقول جمال، لكن هذا الوزير ظلّ يخاف على صورته العامة أن تهتز أمام الجماهير، كان يفعل ذلك سرا أثناء تقلّده للوزارة، يقول لسكرتيرته العجوز المعينة من قبل الحزب الحاكم إن عليه أن يعمل في بعض الأوراق المتعلقة بأمن الوطن والمواطن قبل انعقاد مجلس الوزراء القادم، "لا زيارات اليوم". كان يعطي أوامره لها بصوتِ مَن يهم بفتح ملف حدودي ما عالق مع دولة مجاورة. لتواضعه الجم، كان الوزير يتأكد بنفسه من إغلاق باب المكتب السميك المبطن بالقطيفة الخضراء، بعد أن يلتفت نحوها عبر الباب الموارب مشدداً على لهجته "تؤجل كل المواعيد المتعلقة بخصوص اليوم، يا أستاذة". كان الوزير الراقص ينفق في الداخل ساعات طيبة من الطرب. المزاج معتدل، الهواية مشبعة، الصورة العامة مصانة. ما إن يغادر المكتب، وفي داخله رغبة في النوم بأسرع ما يمكن، حتى تبتدره السكرتيرة كما تفعل في أعقاب كل مرة يأخذه خلالها مزاج الرقص قائلة له بوجه جاد ونبرة رصينة متفهمة: "حفظكم الله يا سيادة الوزير لخدمة المواطن والوطن".






                  

10-04-2020, 04:16 AM

سيف النصر محي الدين
<aسيف النصر محي الدين
تاريخ التسجيل: 04-12-2011
مجموع المشاركات: 8995

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: عبد الحميد البرنس)

    ما عارف القاهرة حتطلع منك متين يا برنس؟
    كانت تجربة سريالية خالص، انا غايتو باقية لي زي حلم حلم كده
    متذكر لما جيت شلت معاك شنطك من شقتكم بتاعت المطرية؟
    وديناها وين ما متذكر.. لكن متذكر تفاصيل اليوم داك كله ما عدا
    اللحظة الاخيرة دي.
    مشتاقين يا برنس والله.
                  

10-04-2020, 08:00 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: سيف النصر محي الدين)

    يا للأيام، يا سيف!
    أما الشوق فكميات كميات.
    على أن القاهرة التي لما أكتب عنها أبدو كما لو أنني أراها وهي قابعة هناك في كف يدي فمن أكثر تجارب المنفى قابلية للإلهام.
    أرجو أن تكونوا بخير جميعا
                  

10-04-2020, 01:09 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: عبد الحميد البرنس)

    سلام اخي البرنس***
    كان يتناول كأساً....يقذف بمحتوى الكأس وعيناه مغمضتان في فمه. يُبقيه هناك لحظة. يهز بشدة رأسه ذاك حسن التكوين. ما يلبث أن ينفث آهة تنفرج معها عضلات وجهه المتقلّصة قليلاً. يفتح عينيه باحثاً عن سيجارته المشتعلة دوماً قبل أن يواصل ما انقطع من حبل الكلام بلذة. نادراً ما كان جمال هذا يصغي. شأن أولئك الأوغاد في كل زمان ومكان. إن فعل فيبدو كمن يتزود مكرهاً بوقود لا بدَ منه لمواصلة الكلام عن أمر آخر. حاسة الاستقبال لديه ضعيفة. ضعيفة جداً. جداً جداً. قال إن تناول الخمر على ذلك النحو بمثابة عادة لازمته منذ أن بدأ يتعرّف على الخمر لأول مرة عبر طعم العرقي المُر وهو في سنّ السابعة عشرة. لم يستطع الإقلاع عنها حتى بعد قدومه إلى كندا وحتى خلال بعض أمسيات القاهرة، حين كان بعض المسافرين يجلب معه "خمر الأسواق الحرة الراقية". متهكماً على ذاته، قال: "ما قد رماه الله لا يرفعه أحد"!
    ***
    سافرت بنا حكاوي ( العرقي ) لايامي متنقلا بين مدن وامصار وقرى السودان عندما كنت معلما بين اقصى الشمال وعطبرة وشرق السودان.
    أستأذنك لاضافة هذي المقتطفات:

    العرقي يخترق تجاويف المخ تماما كالصفعة على القفا ثم يتمركز في كورية المخيخ و يجوط كل الهاردديسك، لذا فإن الذي يبدأ بشراب العرقي وسط الشلة، تجده حتى الكأس الثالثة في حالة محاولة للتعايش مع الطعم والحرقة التي جوة الجوف، ثم تبدأ الخطرفة بعد الكأس الرابعة، و تبدأ الشلة في الانقسام كالخلايا ، كل أتنين أو تلاتة في حديث خاص بحيث لا تسمع كل وحدة منفصلة كلام الوحدة الأخرى بالرغم من ارتفاع وتيرة الصوت ،
    كما أن هناك أنواع من العرقي، و أخطر نوع هو ( العرقي السرّاق ) حيث تشرب منه عدة كاسات ولكنك تبقى في نفس حالتك واعيا ومفنجلا عيونك وأعصاب وجهك تتشد قليلا قليلا ( ككرّاب العنقريب المرشوش موية ثم صار جافا ) ، ولكن ، ما أن تذهب إلى الحفلة ، حتى ترى اللمبات تتراقص بحيث لا تعرف إن كانت لمبات نيون أم لمبات جاز ، و تحاول أن تمشي وتوهم نفسك بأنك ماشي ، و لكنك في الحقيقة تقفز كالكنجارو التي تحمل وليدها في مخلايتها البطنية..
    ويقول ذلك المتبحر ، أن الشراب الإفرنجي بأنواعه الحمراء والبيضاء والتي بلون عين الديك وعين الأسد، بأنه شراب يتغلغل في المخ بانسيابية وكأنه يستأذنك بكل ظرف وأدب وذوق، حتى أنك تستغرب كيف تتغير أساليبك في المفاهمة مع خلق الله التي تود أن تضربهم بلا غبينة لو كنت واعيا، وما أن يحدث السُكْر، حتى تجده قد اختفى قليلا وكأنه يستأذنك في أخذ استراحة قليلة ، ثم يعاود مرجحة المخ مرة أخرى ، تماما كموزع الهواء في مكيف مركزي ( يمشي ويجيك).

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 10-04-2020, 05:53 PM)

                  

10-04-2020, 09:38 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: ابو جهينة)

    عن لقاء الغريمين الأول!



    أذكر أول يوم رأيت فيه جمال جعفر بُعيد وصولي إلى وينبيك. لم يتعرّف هو عليّ. وإن خاطبني بعد أن قدّمني إليه عمر الخزين، قائلاً: "اسمك أليف". سرعان ما حوّل تركيز بصره ذاك عني. وانزلق يكمل حكايته. كنت أنا الرفيق حامد عثمان ملك العادة السريّة السابق أعيش على أيام تواجده في القاهرة في قاع لا يصل إليه ذلك الخيال المترف لأمثاله. هل أكل جمال جعفر خلسة من بقايا طعام يضعها جار مثل الحاج إبراهيم العربي في كيس أمام باب الشقة في إنتظار الزبّال؟

    هكذا، ما إن وقعت عليه عيناي، بدا على الفور كما لو أن الأيام الرحيمة تقتصّ منه على ما قد فعل بحلم حياتي ذاك المسمّى:

    "مها الخاتم، أو حبي"!!

    لم يتبقَ هناك على رأس الوغد من شعر سوى القليل. غدا أكثر نحافة. ثمة رعشة خفيفة وفدت إلى أصابع يديه اللتين كان يحرّك بهما الكلمات في الهواء بينما يعتلي منابر تلك الندوات السياسيّة الجامعة. الشيء الوحيد الذي تبقى منه من أيام القاهرة كان "براعة الحديث، في كل شيء، عدا السياسة". لقد بدا في منفاه الكنديّ هذا أقرب إلى شخصية نديم في مجالس "بني أميّة".

    أجل، قدّمني إليه عمر.

    وتوارى تالياً في صمته.

    يتحدث عمر بالكاد في مجلس يضمّ معه أكثر من فرد. مع أنّه أستاذ سابق. لماذا عليَّ أن أهتم بأدق ما يحدث؟ كأن تخاطب جمهوراً وتنطوي على نفسك في مجلس خاصّ. الحياة تحدث الأغلب دون الحاجة إلى ما يبررها. قال: "هذا أنت إذن"؟ قلت: "نعم". قال: "لم نكن نلتقي في القاهرة". قلت: "كنت أراك معتلياً المنابر بينما أتابعك من على المقاعد الخلفية".

    ...

    كان جمال يجلس لحظة تعارفنا بُعيد منتصف ذلك النهار إلى مائدة من موائد المجمع التجاريّ الذي يدعى "بورتيج بليس"، صحبة آخرين. بدا أمامه كوب من القهوة الإنجليزية شأن موضة المنفيين تلك في وينبيك. بدا كما لو أن حضورنا أنا وعمر قطع عليه حبل الحديث. كنت أفكر في صورته القديمة، حين رأيته يومها خارجاً رفقة مها الخاتم سعيد من مطعم لبناني ناحية الميرلاند بضاحية مصر الجديدة في القاهرة؛ عندما سأله أحد المتحلّقين من حوله، قائلاً: "بعدين ماذا حدث يا جمال"؟ قال مستعيداً براعته القديمة كمتحدث: "طبعا كان الرجل متناقضاً هنا تماماً". أخذ يتبين لي شيئاً من بعد شيء أن جمال جعفر يتحدث عن رجل ما باكستاني يجيد اللغة العربية نوعاً ما. قال جمال مواصلاً "كلما رآني أتناول شيئا من دجاج سويس شاليه، يستنكر عليَّ ذلك، قائلاً: هذا هرام، ولا يجوز شرعاً، يا أخ الإسلام جمال".

    "لا عزاء للضحايا"، فكرتُ خطفاً، بينما أتابع حديث جمال جعفر ذاك، والأريحية تشع من كيانه كله، كما لو أنّه لم يطبع حياة مها الخاتم على الجانب الآخر من المحيط بالأسى حتى الممات. كان الباكستاني يعمل (يا رفاق) في توصيل الطلبات من مطعم سويس شاليه بسيارته الخاصَّة إلى المنازل. بدا أن حجج جمال جعفر الفقهيّة لم تقنع الباكستاني وقتها في شيء. قال جمال موضحاً بالبراعة المعتادة نفسها في شد انتباه الناس "قلت لهذا الباكستاني، يا هذا، لحم الدجاج وغيره، يا هداك الله، يصير حلالاً، حتى لو ذُبح على غير الشريعة، بمجرد أن تمد يدك إليه قائلاً بسم الله الرحمن الرحيم. لم يتزحزح الباكستاني عن موقفه المتشدد شبراً واحداً. إلى أن صادف أول رمضان لي مع الباكستاني ورأيت إبن الزانية يشعل سيجارة داخل سيارته بينما يغادر المطعم حاملاً بعض الطلبات، في منتصف النهار". قال جمال جعفر في نهاية ذلك المجلس، مخاطباً عمر الخزين: "أيها الكينيّ، دع لي هذا المصريّ الآن". كان يقصدني. بدأنا المشي تالياً أنا وغريمي هذا. قال متسائلاً خارج بورتيج بليس "كيف حال القاهرة، الآن، يا حامد". كنت متأكداً أن سكة السؤال الأكثر عمومية عن القاهرة لا بد أن تنتهي في نهاية المطاف إلى زقاق معتم صغير يدعى "مها الخاتم". أليس جميعنا يهفو إلى متابعة ما غرس من بذور في تربة الماضي؟ قلت بخبث مباغت أدهشني بدءا "هل تسأل هنا عن القاهرة، أم عن مها الخاتم"؟ أقسم بالله العظيم ثلاثاً توقف قلبه أثناء السير. قال بعد مرور دقائق بدت كدهر:

    "دعنا نجلس هناك قليلا، يا حامد".

    كان يشير إلى كنبة خالية داخل محطة زجاجية صغيرة لسيارات النقل العام قبالة بورتيج بليس. هناك، قال بما بدا الحيرة "ماذا قلت للتو، يا حامد"؟ قلت "أسمع الناس يرددون عنك ذلك، في القاهرة". قال "هل أخبرت أحداً ما من الرفاق السودانيين هنا"؟ كان يحاول لا بدّ امتصاص أثر الصدمة. لا أحد هناك أسرع من جمال في إفشاء سرّ جمال. مع ذلك، وجدتني أقول: "هذه مسألة تعتمد يا جمال على طبيعة علاقتنا أنا وأنت مستقبلاً هنا". أخيراً، رفع الوغد رأسه. أخذ يتمعن في وجهي هذه المرة برويّة. كما لو أنه يعيد تقييميّ. لم يطرف لي جفن. قال بما بدا الحيرة التامّة: "لماذا تواصل الكلام معي، يا رفيق حامد عثمان، بمثل هذا العداء، ولم نجلس معا أنا وأنت على نحو خاصّ سوى الآن"؟ لا يزال الوغد يلقي بنظرته الصامتة المتمعنة تلك على وجهي. هززت كتفي، قائلاً بلا معنى "لا أدري، لكنك تدري". كنّا لا نزال نطالع بعضنا البعض بوقاحةِ بدويين اختلفا على ثمن ديّة، حين ابتسم، قائلاً بمخزون خبرته العتيق كوغد لا كسياسي سابق:

    "وراءك سر ما! هل ضاجعتَ مها بدورك"؟

    كان المنفى أكسبني مناعة ضد المفاجآت. ببرود: "هل مها قحبة كما ظلّ يُردد هناك، في القاهرة، نقلا عنك، يا جمال"؟ أطرق الوغد. كان لا يزال غارقاً في الصمت المطبق نفسه، لما قلت رافعاً وتيرة التحديّ: "ماذا حدث بالضبط بينكما، في القاهرة"؟ نهض. غادرني. لم يُلقِ عليَّ حتى مجرد نظرة أخرى خاطفة. لا أدري لِمَ سألته ذلك السؤال وأنا أعلم بدقة من مها نفسها بما حدث بينه وبينها. مها الخاتم سعيد. حلم حياتي المؤود على سرير جمال الملوكي.. السرير المجرّد عن أي مجد، أو شرف الإبقاء على وعد. إلا أنني أخذت أشعر بعد أن ألقيت عليه السؤال كما لو أن جبلاً من سلسلة جبال حقدي عليه قد بدأ ينزح مبتعداً عن صدري. لم نعد تالياً نتحدث كغريمين لدودين عنها مطلقاً. مع ذلك، كانت مها الخاتم دائماً ماثلة بيننا هناك، حتى في قلب الصمت، كما رائحة ذكرى مشينة. إلى أن عاد جمال جعفر بنفسه مجدداً وطرح في أثناء ذلك الاحتفال بعيد ميلادي الخامس والثلاثين من دون مناسبة ذلك السؤال "هل تعرف مها الخاتم"؟

    ألقى سؤاله هكذا، علناً.

    لم يزد عليه، أو يضف.

    لعله قد وقع ببصره وقتها على هيئتي المتأهبة تلك فامتنع عن بثّ المزيد من الهراء عنها. لا لم يمتنع تماماً. وقد أضاف الوغد شيئا آخر عنها. لقد أضاف وصفاً شاعريّاً متسماً بالدقة لجمالها الخارجيّ القديم، الذي طالعني لحظة أن قابلتها لأول مرة، في مكتب الأمم المتحدة، فضلاً عن عبارة بدت هزيلة أخذت تبث وسط أولئك السكارى موجات أخرى من الضحك: "مها الخاتم مناضلة عظيمة حقا"! رفع كأسه تلك تحيةً لها في الهواء. ثم تبعه آخرون وهم يرددون وراءه: "مها الخاتم مناضلة عظيمة حقا"! كما لو أن الحياة وهم على مسرح. كما لو أن الوهم حياة على مسرح. وهل توجد هناك أصلاً فتاة تدعى "مها الخاتم"؟ ظللتُ طوال ما تبقى من الليلة أقاوم رغبة ملحة لا تقاوم في اقتحام غرفته مجدداً ثم العودة بصورتهما تلك معاً هو ومها الخاتم أمام قلعة صلاح الدين في القاهرة من داخل دولاب ملابسه. كان السُّكر يدفعني مع مرور الوقت في اتجاه. وكان الأمل في لقاء الغد مع عمر وزائرتيه الثملتين يدفعني في اتجاه. ولا أدري كيف وجدتني بعدها واقفاً مع جمال على البلكونة بينما تتناهى إلينا ضجة المحتفلين بعيد ميلادي من داخل الصالة. ما أذكره أن جمال ارتعب، وجحظت عيناه، وبدا كتمثال مُجْسِّدٍ للخوف والهلع؛ حين قلت له بجدية "يمكن أن أقذف بك الآن إلى فروع هذه الشجرة القريبة وأنت وحظّك". هاتفني قبيل حضور عمر وجيسكا وأماندا إلى شقتي في مساء اليوم التالي، متسائلاً ما بين شك ويقين، قائلاً: "بالمناسبة، يا رفيق حامد عثمان، ماذا حدث أمبارح في البلكونة بيننا". أجبته ضاحكاً:

    "إنها تخاريف الويسكي يا رفيق"!

                  

10-05-2020, 01:41 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: عبد الحميد البرنس)

    الله أبا جهينة! راقتني هذه الإضافة كثيراً إلى ما يمكن تسميته "أدبيات العرقي". وهي إضافة لا تقل روعة عن إضافتك المحذوفة تلك المتعلقة بست العرقي في مواجهة السلطة. هذا الشراب كان هناك دوماً ضمن نسيج مكونات منفى القاهرة. كان منتشراً في التسعينيات مع تزايد أعداد الهاربين من جحيم الحكم في الخرطوم ما ظل يعرف باسم بيوت العرقي. كتبت عن هذا في سياق غرفة التقدمي الأخير من خلال شخصيتي أم خميس وأشوك على وجه الخصوص.
                  

11-14-2021, 11:50 AM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: عبد الحميد البرنس)





    UP


    عشان الناس تبرد طمام بطنها بقراءة هذا التي ترد الروح


    شكرا للبرنس
                  

11-14-2021, 01:13 PM

Ahmed Yassin
<aAhmed Yassin
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 5507

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: HAIDER ALZAIN)

    البرنس
    بتطلع انت من غابات وبتسكن في اعماقنا
    وخليك عارف يا عبدالحميد انك بتجمل للفرح وللمتعة ..ممشى
                  

11-14-2021, 02:01 PM

الزبير بشير
<aالزبير بشير
تاريخ التسجيل: 08-11-2009
مجموع المشاركات: 1770

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: عبد الحميد البرنس)


    تحياتي البرنس و المتداخلين

    ده قصه جد جد و له نجر روائي
                  

11-14-2021, 03:44 PM

Ahmed Yassin
<aAhmed Yassin
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 5507

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الفارس المزيف الذي سرق عذرية الفتاة! (Re: الزبير بشير)

    Quote: ده قصه جد جد و له نجر روائي

    (شيخ زبير) ياخ دكتور سيف قال شال معاه شنطتو من المطرية لى احمد حلمي
    تجي تقول نجر ولا جد جد؟؟!!
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de