الإمام والمنصورة يهتدون الى امارات محمد بن زايد والهبرو ملو

Quote: عاجل: ملخص المحاضرة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي بالإمارات اليوم (نص المحاضرة الكامل في الموقع الرسمي للإمام الصادق المهدي والرابط بأول تعليق) بسم الله الرحمن الرحيم المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة محاضرة بعنوان: القدوة المحمدية ابو ظبي في 29 يوليو 2020م الاعتقاد الديني فطرة بشرية ظهرت في كل ثقافات البشر. المعرفة المؤسسة على العقل والتجربة والتجارب فوق الشعورية وجدت في كل ثقافات البشر. المشكلة الأزلية للإنسانية هي كيف لا يتناقض الاعتقاد الديني مع المعارف. والمشكلة في أمتنا ذات الموروث الديني الضخم كيف يكون الانفتاح على العصر دون تناقض معه. القراءة الصحيحة للقدوة المحمدية تسعف الإنسانية في حل هذه الإشكالية كما تسعف أمتنا. فهي منجاة للإنسانية عامة ولأمتنا خاصة. وهذا ما سوف أقدمه في هذه المحاضرة في مقدمة وسبع نقاط وهي بين يديكم كاملة، ألخصها فيما يلي: المقدمة: كتبت مئات الكتب في السيرة المحمدية وقعت في كثير منها انحرافات، إما بالتأثر بسيرة بني إسرائيل القتالية وذلك بتصويرها كمغازٍ وحسب، بينما القتال في القرآن دفاعي، وأهم فتوحات النبوة مدنية. أو بالتأثر بسيرة عيسى عليه السلام الخارقية مع أن كتاب الله يؤكد: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ). حيثيات السيرة المحمدية المعقولة والبشرية هي التي تجعل قدوتها خالدة. منذ أحداث سبتمبر 2001م لفت أنظار العالم للغلو والعنف في عالمنا، وهو ظاهرة ليست دينية برغم استخدامها غطاء إسلامياً. إنها احتجاجات سياسية على مظالم داخلية وخارجية تتطلب تشخيصاً لأن المظالم تعطي الغلاة حجة وتمكنهم من تجنيد الشباب، بينما تركزت مواجهة الغلو على إجراءات أمنية تخاطب الأعراض لا الأسباب. وهي ظاهرة لعبت السياسات الدولية دوراً مهماً في غرسها وتوظيفها. والمؤسف أن روادها يلحقونها بالجهاد، ويتخذون صورة مشوهة لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم كرائد لهم، عكساً لحقيقة دوره الإرشادي التنويري الحضاري العظيم مثلما سوف نوضح. إن للإيمان وظائف لتحديد معنى الوجود ومآلاته، وللحتميات العملية التي لا تدركها الحواس، ولشحذ الهمم، ولتحصين الأخلاق، وللوعد بجزاء العمل الصالح، ولإشباع الحاجة للانتماء. العالم اليوم بفضل تقدم التكنولوجيا، وثورة المعلومات، والاتصالات، والسوق التبادلي العالمي الواحد، متجه نحو اندماج، ولكن ثقافة العولمة استفزت الانتماءات الدينية والثقافية فانبعثت، وازدادت فجوة الثروة بين الناس، مما يلقي بأسئلة حول دور الأديان في عالمنا هل ستتجه لإشعال المواجهات وحروب الإبادة، أم تواكب اتجاه العالم نحو الاندماج بمنحه بعداً خلقياً وروحياً. وما هو دور سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؟ أعتقد أن الإسلام وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقراءة واعية تجعله كأنما بعث لتلبية متطلبات الإنسانية المعاصرة. وأثبت ذلك بما يلي: 1- مراحل الأديان حتى الإسلام للدين في المرجعية الإبراهيمية سبع مراحل: تبدأ الأولى بآدم وحواء، ثم نوح، ثم إبراهيم والعهد معه وابنيه إسماعيل وإسحق، ثم يعقوب (إسرائيل)، ثم يهودية موسى، ثم مسيحية عيسى عليهم السلام أجمعين، وأخيراً تحقق العهد مع إسماعيل بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وقد أحدثت رسالته ثورة في سبعة جوانب: التوحيد لله رب العالمين، ووحدة الجنس البشري، ووحدة الدين الإلهي، وأنها للناس كافة، وأن النبي من بني إسماعيل، وأن رسالته تخاطب البشرية الراشدة بالبرهان لا المعجزات. الدين وحاجات الإنسان وتحدياته شاركت في يوليو 1976م في مؤتمر الأديان العالمية بكانتربري ببريطانيا، وقدمت ورقة عن الإسلام، حددت فيها حاجات الإنسان وهي: الحاجة الروحية، والمادية، والحاجة للعدالة الاجتماعية، ولحرية العقل، وللتعايش الديني، ولسلامة البيئة، ولقيام العلاقات الدولية على السلام والتعاون. وفصّلت استجابة نصوص الإسلام لهذه الحاجات. فقبل رئيس الجلسة وهو قس مسيحي المرافعة وطالب المشاركين بأن يقدم كل منهم مرافعة عن دينه وفقاً لتشخيص حاجات الإنسان المذكورة. فلم يستطيعوا الاستجابة لطلبه. وفي نوفمبر 2012م قدمت لاتحاد طلاب جامعة أكسفورد محاضرة عن حوار الأديان وحوار الحضارات. فقلت إن حوار الأديان الثنائي يتعذر، والحضارات لا ممثل لها، واقترحت بدلاً عن ذلك مطالبة الأديان والحضارات التصالح مع منظومة حقوق الإنسان الدولية المتفرعة من خمسة أصول هي: الكرامة، الحرية، العدالة، المساواة، والسلام. وقدمت مرافعة تثبت استجابة الإسلام لهذه الأصول. وفي نهاية عام 2012م ألفتُ كتابا بعنوان (أيها الجيل) ذكرت أن الإنسان تلح عليه عشر ضرورات: روحية، ومادية، وعقلية، وأخلاقية، وعاطفية، وجمالية، واجتماعية، ورياضية، وترفيهية، وبيئية. ودللت على أن الإسلام يكفل تحقيقها. هناك مشاكل تحول دون الإندماج الإنساني كالحاجة للاعتراف بكرامة للإنسان بصرف النظر عن إنتمائه. والجوع الروحي، والمظالم الاجتماعية، والجوع العاطفي، وأسلحة الدمار الشامل وازدواجية المعايير حولها، والتمدد في الإرهاب. وفي منطقتنا تقاطعات توشك أن تفككها أهمها المفاصلات الإسلامية العلمانية، والسنية الشيعية، والمفاصلة داخل الجسم الإسلامي الحركي بين الأخوان والسلفيين والجهاديين، والمفاصلة الاجتماعية بين قلة ثرية وأكثرية فقيرة وعاطلة عن العمل، والمفاصلة القومية بين العروبة والقوميات الأخرى. فإلى أي مدى تستطيع الأديان العالمية والمنظومات الفكرية إسعاف الإنسانية بعوامل تنقذ البشرية من مواجهات حتمية وتمهد لها الطريق لتعايش بناء؟ 3- الفكرويات الوضعية والأديان ومطالب الاندماج أولا: الفكرويات الوضعية: العلمانية: هناك مراجعات من بعض روادها تقول إن شرط الديمقراطية هو التعددية وليس العلمانية. وإن قبول التعددية يعني قبول أن الدين لا يحصر في المجال الخاص فحسب. اللبرالية: تنتصر لحرمة المسائل الشخصية، والملكية الفردية، وحرية السوق ولكن حريته المطلقة تضر وتهدد النسيج الاجتماعي ما يوجب ضبط اللبرالية. الشيوعية: النظام الرأسمالي تطور بصورة مكنت الطبقات العاملة، والديمقراطية لم تصر كما وصفها ماركس آلية للقهر الطبقي، والدين لم يكن دائماً أفيون الشعوب فهناك حركات دينية تقدمية اجتماعياً (لاهوت التحرير)، والولاء الطبقي لم يستبدل الولاء الوطني. القومية: علة القومية العربية وجود قوميات أخرى تتطلع للمساواة في حقوق المواطنة، والتطبيق الديكتاتوري النافي للآخر الديني، والفكري، والقومي. ثانياً: الأديان الإبراهيمية اليهودية: اليهودية لا تعترف بالمسيحية ولا بالإسلام وتطرح الربوبية بصورة انتقائية، كأن الله ربهم وحدهم، وتعاليمها عنصرية تؤسس لدونية المرأة ولدونية الأجناس غير السامية. المسيحية: الإنسان في نظرها ملوث بالخطيئة الأولى، إلا إذا سلم بفداء السيد المسيح عليه السلام، ولا تعترف بالأديان الأخرى لا سيما الإسلام. 4- الإسلام واستحقاقات الاندماج الإنساني استحقاقات الاندماج الإنساني الأساسية هي: الاعتراف بالإنسان كإنسان دون تمييز، الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان الخمسة المذكورة، توافر أساس موضوعي للأخلاق، إقرار وسائل المعرفة، كفالة التعايش السلمي للأديان والثقافات، تحقيق التنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، ضمان سلامة البيئة، وتحقيق الأمن والسلام الدوليين بما في ذلك معالجة ملفي أسلحة الدمار الشامل والإرهاب. الإسلام يستجيب لكل هذه الاستحقاقات: للكرامة الإنسانية (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ). ولكفالة حقوق الإنسان ومبادئها الخمسة كما بينا في كتاب: (الإنسان بنيان الله). ويقر أساساً موضوعياً للأخلاق: الإيثار- والمعروف والمنكر – والمماثلة. ووسائل المعرفة الأربع: الوحي- الإلهام- العقل- والتجربة. ويعترف بالتعددية الدينية والثقافية، ويكفل الملكية الخاصة ويحث على الاستثمار. ويحث على العدالة الاجتماعية. ويحرص على سلامة البيئة الطبيعية، ويرى أن أسلحة الدمار الشامل أسلحة لا أخلاقية لأنه في حالة الحرب يستثني غير المحاربين والعمران، بينما هي تدمر بلا تمييز، ومنعها واجب إسلامي وواجب إنساني. أما الإرهاب فإنه ليس ظاهرة إسلامية، فقد ظهر لدى شعوب غير إسلامية كتعبير بوسائل العنف العشوائي عن احتجاجات سياسية. الإرهاب الذي يمارس حالياً ويرفع شعارات إسلامية احتجاج على مظالم داخلية وخارجية، والنهج الصحيح للتخلص منه يوجب إزالة أسبابه الحقيقية وهي: دعم القوى الدولية للطغاة، وتغريب الثروة، وغرس إسرائيل على حساب أهل الأرض. وداخلياً الاستبداد والفساد والعطالة وسوء قسمة موارد الدولة ما أدى لإفقار الغالبية الساحقة لصالح قلة محظية. الغلو في الدين الذي يعتبر الاختلاف في العقيدة علة للقتال، ويبرر استباحة دماءهم وأموالهم، مخالف لتعاليم الإسلام، والقتال في الإسلام مقيد بضوابط تحرم قتل غير المحاربين. إذن مقاصد الإسلام أسس واضحة للاندماج الإنساني. النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء برسالة الحق وطبقها في أرض الواقع بالصورة التي بهرت كثيرين من غير المسلمين فأبدوا إعجابهم بسيرته. وقد جعلت محورية شخصيته في التاريخ غربيين يجعلون همهم اغتيال شخصيته مركزين على أربعة معانٍ: أنه غير عقلاني، وأنه شهواني، وأنه دموي، وأن عقوبات شريعته قاسية. وباستعراضنا للسيرة النبوية سوف نجد أن كل ما شوهت به السيرة مستمد من تفاصيل ذكرها كتاب السيرة والأحاديث النبوية، وكثيراً ما تتناقض مع نصوص القرآن، والسنة العملية. كتب السيرة النبوية في القديم كثيرون مثل ابن اسحق، والواقدي، والطبري، وابن كثير، وآخرون وفي العصر الحديث بلغت الكتب عن السيرة مئات من المؤلفات. هنالك نهجان لتناول السيرة: نهج خارقي، ونهج عقلاني، النهج الخارقي ينتزع الإعجاب بصاحب السيرة كحدث وقع مرة واحدة في التاريخ، والنهج العقلاني يجعل من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مدرسة لجيله ولسائر الأجيال بعد ذلك. 5- السيرة النبوية بوصلة للنجاة سوف أتناول عشرين محطة في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأحدد القراءة الصحيحة التي تجعلها بوصلة لنجاة الإنسانية وطوق نجاة للأمة الإسلامية في محنتها: إن نسبة الخوارق للنبي صلى الله عليه وسلم في مولده وطفولته وصباه تتعارض مع القرآن، فقد كان عادياً مع الاستقامة وكان محل ثقة الناس وأمانتهم فسمي الأمين. وعندما فاجأه الوحي عزته السيدة خديجة لصفاته البشرية الفاضلة، لا للخوارق وإرادة الله له أن يكون شخصاً عادياً تتغير شخصيته بعد أن يأتيه الوحي. بعد أن ضيق المشركون على النبي وصحابته بمكة نصحهم بالهجرة إلى الحبشة. فخرج بعضهم إلى الحبشة، وعندما سمعوا أن أمر الاضطهاد قد خف عادوا لمكة ولكن وجدوا الحال أسوأ فهاجروا للحبشة للمرة الثانية. الهجرة اتقاء بطش الأعداء فيها درس لدعاة الحق بالصمود في وجه البطش، وأن من يأتي بجديد يواجه بمعارضة في المجتمع. حينما ضاقت الأرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة لجأ إلى الطائف فواجه إعراضاً أكبر، وإهانة فشكا لله بأقوى عبارات الضراعة حال الإحباط. عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد أن طلب من المطعم بن عدي وكان مشركاً أن يجيره فأجاره، مما يدل على مشروعية الاستعانة بشخص مخالف في عقيدته لأداء واجب، وهذا أساس قاعدة شرعية: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الفهم التجسيدي الخارقي لقصة الإسراء والمعراج أن النبي بجسده وعلى ظهر دابة أسرى به إلى المسجد الأقصى ثم عرج على نفس الدابة للعرش. ولكن من الصحابة من قال إن الإسراء والمعراج كان بالروح وفي المنام، وأن جسد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يفقد، ورؤيا الأنبياء وحي. قالت ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها والحسن البصري، وابن اسحق وغيرهم. وهو فهم تؤيده نصوص القرآن. وهي إحدى التجارب الروحية الكثيرة في تجارب الإنسانية كالرؤية الصالحة، والمبشرات، والمحدثين، تجارب معروفة والنبوءة على نهجها وزيادة. فتح المدينة بالقرآن كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها دليل على جدوى القوة الناعمة التي مورست بصورة كبيرة في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وحققت أهم منجزات السيرة: بعض الصحابة استنكر صلح الحديبية لكنه فتح للإسلام فرصة تعبئة غير مسبوقة، فدخل في الإسلام أثناء عامي صلح الحديبية أضعاف من كانوا مسلمين، أي استميلت قبائل الجزيرة العربية بالتعبئة السلمية. وبعد خرق قريش للصلح فتح المسلمون مكة بصورة موكب أشبه ما يكون بمظاهرة مسلحة دون قتال، فتحت مكة بالهيبة. والهجرة للمدينة كانت من دلائل العبقرية العسكرية. رواها بعض كتاب السيرة على النمط الخارقي والحقيقة أنها كانت عملية تدبير متقن: نام علي بن أبي طالب في فراشه، وخرج من خلف الدار، وذهب لدار أبي بكر متقنعاً، وخرجا من خوخة في الدار، واختفيا في غار مؤقتاً، ثم صحبهما خبير بطريق غير معتاد للمدينة. والعبرة هي ضرورة الأخذ بالأسباب. ثم التوكل بعد ذلك. اشتد العداء بين مكة والمدينة، ووقعت الحروب الباردة والساخنة بينهما، ولكن الحرب لم تكن هي الحاسمة بل كانت سجالاً إذ انتصر المسلمون في بدر الكبرى وانهزموا في أحد، وكان من أسباب النصر في بدر أنهم أخذوا بالأسباب فنزلوا منزلاً جعل مورد المياه تحت سيطرة المسلمين وحرم منه المشركين. وقبل واقعة أحد تشاور المسلمون هل يبقوا في المدينة أم يخرجوا لمنازلة العدو؟ وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة، ولكن رأى الآخرون الخروج إلى أحد، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم رأي الجماعة، وفي المعركة خالف الرماة الأخذ بالأسباب فكانت الهزيمة. الدرس المستفاد من هذه الحادثة هي أن الشورى ملزمة وأن الأخذ بالأسباب مفتاح النجاح. وأثناء الإقامة في المدينة تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لمؤامرة من يهود خيبر إذ أطعموه ذراع شاة مسموم. الرواية الخارقية قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا الذراع يخبرني أنه مسموم، ولكن قالت السيدة عائشة كما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته: "يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمّ". كثير من أحكام الإسلام مرتبطة بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهي أحكام ما كانت لتنزل إذا كان النبي مستغنياً عن الأخذ بالأسباب كسائر البشر. وشعر المشركون بخطورة المدينة وأقاموا تحالفاً قبلياً كبيراً لغزو المدينة، وفي مرحلة هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرق كلمتهم بإعطاء هوازن نصف ثمار المدينة، ولكن الأنصار أي أهل المدينة رأوا غير ذلك فوافقهم واقترح الصحابي سلمان خطة لم تعرفها العرب من قبل، وحفر خندق حول المدينة يحصنها من الغزاة، هذا الخندق مع المناوشة فوقه استنزف الغزاة فتفرقوا. ما يؤكد شرعية استصحاب التجارب النافعة وشرعية الأخذ بالأسباب لمواجهة الظروف. وفي قصة تأبير النخيل دليل على أنه في عالم الشهادة توجد قوانين هي سنة الله في الكون واتباعها هو آلية تسخيرها للإنسان. كانت تصرفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم عقلانية في كل الأمور التي يدركها العقل وتكتشف سننها التجربة فكل النصائح المعقولة التي قدمت له تقبلها بلا تردد، لذلك قال الشاطبي مؤكداً هذه العقلانية: كل ما أمر به الشرع أمر به العقل. مجاراة لما روت التوراة من فتوحات بني إسرائيل بتوجيه رب الجنود حرص بعض كتاب السيرة أن يظهروا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره غازياً مستمراً حتى سمى الواقدي كتابه عن السيرة "المغازي". وتأسيساً على هذه النزعة قال مسلمون إن الإسلام قد انتشر بحد السيف، حتى أن عالماً مسلماً – علي العلواني- قال من قال إن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كافر لأنه ينكر فضيلة الجهاد. الجهاد في الإسلام يعني بذل الجهد لإعلاء كلمة الله، ويبدأ بجهاد النفس الذي وصفه النبي محمد بأنه الجهاد الأكبر، ويتناول كل وسائل الدعوة بالمال والفكر ولا يصير قتالاً إلا دفاعاً عن النفس أو حماية لحرية العقيدة. وحتى بعض المنصفين من المستشرقين أكدوا أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما قال الأستاذ توماس ارنولد في كتابه: "الدعوة للإسلام". من أسوأ العقائد الرائجة في التوراة الترتيب العرقي للبشر لإعلاء شأن الساميين. تعاليم الإسلام نقضت هذا الفهم، وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أظهرت كيف أنه شجب أباذر الغفاري عندما تفوه بعبارة عنصرية. وشجب العنصرية. ومن أروع ما جاء في السيرة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حرر العروبة من أية مفاهيم عرقية وربطها باللسان وهو مكتسب فقال: "لَيْسَتِ الْعَرَبِيَّةُ بِأَحَدِكُمْ مِنْ أَبٍ وَلا أُمٍّ وَإِنَّمَا هِيَ لِسَانٌ، فَمَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ". دونية المرأة مسجلة في التراث التوراتي وأنها أغوت آدم لإخراجه من الجنة، وهي مخلوقة من ضلعه الأعوج. في الإسلام لا توجد هذه المفاهيم بنص القرآن. ومن أسوأ حملات الإساءة للنبي أنه شهواني، وبعض رواة الأحاديث، رووا أنه تزوج بطفلة عمرها تسع سنوات (السيدة عائشة) وأنه كان يطوف على نساءه في ليلة واحدة وله تسع نساء. بينما كانت حسب تقدير قمنا به في سن 18 سنة، وقد أمضى زهرة عمره من (25-50 سنة) وهو زوج لسيدة واحدة كانت تكبره سناً هي السيدة خديجة. وكل زيجاته اللاحقة كانت زيجات سياسية. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخدم في منزله، وكان فكهاً مع أهله، وكان يداعب الأطفال ويصادق بعضهم. وكان يحمل حفيدته أمامة وهو يصلي، كان يعامل الأطفال بصورة غير معهودة في ذلك الزمان. وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على سلامة البيئة وأصدر توجيهاً عاماً: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ". وكان رحيماً بالحيوان. وكان صلى الله عليه وسلم يلتزم الرفق في معاملاته. وقيل إنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم. 6- الاستقطابات الإسلامية اليوم إننا ندرس اندماج الإنسانية على هدى السيرة المحمدية، وأمته اليوم مشتبكة في جبهات كثيرة حتى كسر العظام. امتنا أولى باستلهام السيرة النبوية للخلاص من مواجهاتها الحالية: بين التوجه الإسلامي والتوجه العلماني، والسنة والشيعة، والاختلافات الحركية بين الأخوان والسلفيين والجهادويين، واختلاف القوميات، الاصطفاف الاجتماعي بين الثراء والفقر، والتعامل مع المحيط الدولي. هذه الاستقطابات لا يمكن أن تحسم خلافاتها بالقوة، بل سوف تزيدها اشتعالاً وتجعلها منافذ لتدخلات أجنبية تخدم مصالحهم على حساب سلامتنا. نحن أولى بالاسترشاد بالسيرة النبوية والتراضي على ميثاق جامع لأهل القبلة حتى لا نكون كتاركة بيضها بالعراء وحاضنة بيض أخرى سفاهاً. 7- سيرة المصطفى بوصلة للإدماج القراءة المبصرة للسيرة تبرزها كأنها موجهة لزماننا لتعطيه بوصلة للإدماج وتجعل له أساساً أخلاقياً وروحياً، ليكون الإسلام ملاذ الإنسانية ويكون نبيه ربان سفينتها. أخطر ما يواجه الإنسانية اليوم أن كثيراً من بلدانها مزودة بأسلحة دمار شامل إذا استخدمت دمر الكوكب. وأسوأ ما في الفكر الديني أن الأديان الإبراهيمية الثلاثة تتطلع لمستقبل انتصار طائفي يبيد المنتصرون فيه الآخرين على يد مخلص منتظر. مداخل إزالة أسباب التنافر بين الأديان هي: نحن المسلمين نقول بتحريف التوراة والإنجيل، وأظهرت الدارسات أن نصوصها سجلها كتاب ما أدخل فيها تناقضات، ولكن مع ذلك فإن فيها حقائق مهمة، فالوصايا العشر الموسوية صحيحة تقابلها نصوص مماثلة في القرآن. وفي الأناجيل كذلك نصوص صحيحة، يشهد عليها تطابق المعاني بين أم الكتاب وموعظة الجبل. وفي نص التوراة الحالي بشارة بمحمد، جاء في سفر التثنية، مثلاً: أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم مثلك- أي مثل موسى- وأجعل كلامي في فمه، وسط أخوتهم أي من أبناء إسماعيل. والتوراة تحدد الجهة التي يأتي منها هذا الشخص المنتظر وهي فاران: أي غفار مكة. وفي سفر التكوين (17: 20) "وأمَّا إسماعيلُ فسَمِعْتُ لكَ، وها أنا أبارِكُه وأُنمِّيه وأكثِّرُهُ جدُا، ويَلِدُ اَثني عشَرَ رئيسًا وأجعَلُ نَسلَه أُمَّةً عظيمةً". وفي أنجيل يوحنا (14:15-17) و(يوحنا 13:16). نصوص تبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم. ولولا نبوته لا يكون للوعد الإلهي لإبراهيم حول إسماعيل أي معنى. اليهود يتوقعون مسيحاً لأنهم لا يؤمنون بمسيحية عيسى عليه السلام. والمسيحيون يتوقعون عودة ثانية لعيسى عليه السلام. وكثير من المسلمين يتنظرون عودة عيسى على أنه سوف يلتزم بتعاليم الرسالة المحمدية. الإنسانية المعاصرة لن تجمع على أية شخصية معينة طوعاً ولن تخضع لأية شخصية كرهاً. ولكنها يمكن أن تطور إجماعها على حقوق الإنسان العالمية ليصير إجماعاً على مشروع كامل لإدماج البشرية في نظام عالمي جديد. وفي سيبل ذلك فإن السيرة بقراءة صحيحة وغير طائفية يمكن أن تكون خير بوصلة للفجر الإنساني الجديد. كثير من أتباع الأديان الإبراهيمية يتوقعون مخلصاً بأجندة حربية، الأجندة الحربية في عالم اليوم تعني فناء الإنسانية. التوجه الصحيح أن نلغي المخلص الشخص لنتجه للخلاص الوظيفة التي تتخذ القوة الناعمة طريقها للخلاص فالإكراه منعه الله من نفسه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ). و(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ومنعه من أنبيائه: (فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) و(أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)؟ نعم لفائدة المعرفة، ونعم لجدوى السيرة النبوية في المصير الوئامي، ولكن الأمر يتطلب إضافة لذلك الإيمان بالفجر الجديد وتوافر الإرادة القوية لتحقيقه، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).