♧ سأذهبُ لِأبصقَ على قبوركم £

♧ لمِّا سبق و تطرقنا إلى عبقرية الإبداع في «قلة» أدب أديبنا الراحل المقيم/
الطيب الصالح ، لم يصادف طرحنا هوًى أو استحساناً لدى بعض الذواقة . و ربما
كان لديهم بعض العذر ، نظراً إلى (حموضة) العبارة و غرابة الفكرة . و لكن لعلَّ ذلك
هو عين ما سبقنا و ذهب إليه دهاقنة النقد ، من أن كلَّ نفسٍ تظل رهينةً بما كسبت
من عملٍ إبداعيٍّ إما يكون مستساغاً و إما رديئاً ؛ و ليس بطباعٍ قد تتحكم بها عواملُ
ربما جينية وراثية خارجةٍ أصلاً عن مراد صاحبها". لقول أبي العلاء المعري « هذا ما
جناه أبي و ما جنيتُ على أحدٍ » . هكذا تُوزَن الأمور بمعيار أعراف محكمة الآداب .

● «الأدب ليس بريئاً؛ إذ ما أن يبتعد عن الشر حتى يصبح مملاً» هكذا كتب
جورج باتاي في مؤلفه «الأدب و الشر» المتمثل في سلسلة مقالات و دراسات
حول بعضىالكُتَّاب من أمثال أبولينير ، ساد ، جويس و ميلر . تناول في كتابه
مدى أهمية ارتباط الأدب بروح الشر و ما يعتريه من نزعةٍ الجنوح للخروج
على سياق النص ، و إلى أي حد تمكَّن هؤلاء الأدباء من المجازفة بخوض
غِمار الممنوع الخادش للحياء و المنافي للأخلاق و المصنَّف تحت طائلة
قانون حماية الذوق العام ضد ما هو إباحيٌّ فاحشٌ و جنسيٌّ صارخٌ .

سمعن و طاعتن لصديقي الوفي الخليل و حاضرين نوجز لأهل
الخلق النبيل.بس يا ريت هم يتفضلو يبقو لا جوة . علا ياكا بس
زولي المهيتني و مسوي لي شندوق و راس. تاني يات من يمد راسو
يتاوق هنا يقول لي: "بالله دي ريحتك و لا عملت (بوركينا فاسو)

الله أكرم امتثال و تصومو تفطرو على بشريات زوال
كرونة إلى غير رجعة. رغم إني سمعت طبيب محبط قال
موعدنا القادم سنة 2027 على إيقاع موجة طفرة جديدة.
و كمان صاحبنا اللدود الودود ود مهدي برضو ماهو مقصر
قال الدنيا دي ظاطو مو فاضل فيها إلا شوية كراويش .
يعنيكلما《 تجي الحزينة تفرح ما تلقاش مطرح》

●على طاري Albert Camu (كاتب : الطاعون و
أسطورة سيزيف) و André Gide(صاحب: المزيَّفون) ،
قاسمهما النشترك أنَّ كليهما باريسي المولد و شمال-أفريقي
الهوى و النشأة . ممن كان يطلق عليهم لقب الأقدام السوداء
(Les Pieds Noir) ربما نسبة لميلهما إلى فن الكوميديا
السوداء . و سبق و تطرقنا لسيرتهما ضمن بوست مجاور
هنا بعنوان : "لغة الضفادع و نخنخة البعاعيت ".

● ضمن كتاب نقده البناء استطاع باتاي أن يرمي عرض الحائط
بكل تلكم الممنوعات المسكوت و متغاضى عنها . حيث أشاد بكتّابٍ
و أدباء و رفع أسهمهم ؛ ممن سبق و منعت مقصات الرقابة أعمالهم
مما اضطرهم إلى طباعة مؤلفاتهم سراً و تحت أسماءٍ مستعارةٍ .

● يحق لنا أن نتساءل عن مدى إمكانية أن الإصدارات السرية لتلك
المؤلفات ستحمي بشكل ما ، المجتمع من الانزلاق نحو ما يسمى بأدب
الرذيلة؟! ألا يعلم من أقدموا على سن تلك القوانين الجائرة أن كل ممنوعٍ
مرغوبٌ بالضرورة؟! و أن قرين التجلي حينما يتلبس صاحبه كالشيطان من
المس يكون أشبه بنوبة عطاسٍ تعتريه في زحام سوقٍ ( صابرين ) لتشاشة
التوابل؟! خاصةً إذا تناول الأدب قضايا تخاطب غرائز الجسد من تحت
(حبل السُّرة) ، و أن ما جرت إدانته في عهدٍ ما يصير الآن أدباً رفيعاً؟!! .

أنت بي صحك يا ود وهدي ، شن دخلك كيفن و أنت سيد الجلد والراس
ظاطو ثم تعال هنا أتا قايل دخول الزول في متل بوستاتنا دي زي خرجو؟!
كدي خلي مشاهدة التلفزين كهلا كرونا فوبيا ( Corono- PHobia)

على واحد من صعاليك الأدب و أشهرهم خروجاً على نص المألوف.
* ففي سنة 1946 صدرت للكاتب الفرنسي بوريس فيان رواية بعنوان «سوف
أبصق على قبوركم»، رواية كتبت بلغة الشر لتنقل واقعا تطغى عليه فكرة الانتقام
كغاية بحد ذاتها لكي تبررها الوسيلة. تم منع هذه الرواية عند صدورها لكن في فترة
ما عد الحرب العالمية الثانية تغيرت النظم الأخلاقية فأصبحت أكثر ليونة وانفتاحا، فلم
يعد من الضروري الاختباء وراء أسماء مستعارة أو النشر بشكل سري، فتحولت إباحية
الأمس إلى أدب اليوم. خاض وليد أحمد الفرشيشي غمار ترجمة هذه الرواية لدار مسكيلياني
تحت عنوان «على قبوركم».يقول فرويد «الإنسان كائن يختزن قدرا كبيرا من العنف في
تكوينه النفسي وفي كوامنه الغريزية. فكل إنسان ميال إلى استغلال الآخر والتفوق عليه
والاعتداء عليه، لإشباع حاجته العضوية والنفسية، فالإنسان مدفوع عضويا إلى
إشباع حاجته من الجنس». لم يحد بوريس فيان عن مقولة فرويد فبنى
نصه السردي على ثلاثة؛ الجنس، العنصرية والشر.

هل يمكن للجنس أن يُسَخَّرَ في خدمة الأدب
*منذ الوهلة الأولى تصدمك اللغة التي استعملها بوريس فيان، لغة فاحشة تضرب
عَرض الحائط بكل ما هو سائد،حتى توشك تتوارى تلكم اللغة الشاعرية الحانية
لينتزع مكانها معجم فج تطغى عليه مخالب الإباحية. حيثاختار أندرسون لبطل
روايته أن ينتقل للعيش في بلدة لا يعرفه فيها أحد وذلك لسبب اختار الكاتب أن يخفيه
إلى حين، خلال الأسابيع الأولى له تعرف إلى مجموعة من الشباب والشابات انطلق
معهم في مغامراتهم وعربدتهم اليومية. تطورت العلاقة بين البطل وإحدى الفتيات .

* الشيء الذي غير نمط الكتابة فاتخذت منحى جديدا ألا وهو الإيغال في
وصف المشاهد الحسية التي تجمع البطل بالفتيات اللاتي يلتقي بهن. ومع تواتر
الأحداث تساقطت الشخصيات الثانوية من حوله لتترك المكان للأختين أسكيث
ومعهما تبدأ مغامرة الرغبة والجسد لتبلغ أقساها عند النهاية. لم تكن المشاهد
الإباحيةمسقطة في الرواية ، بل كانت وسيلة ً ليُبرر بها أفعال البطل بالأخير.

♧ £
《 العنصرية: لعنة اللون الأسود》

كيف يمكن أن تحمل جيناتٍ زنجيةً و أنت بلونٍ أشقر و عينبن خضراوين!¿
لم تكن ملامح أندرسون الزنجية واضحة عليه فقد كان أشقر بشعرٍ ذهبي إقرب
إلى ينابل الحنطة. شيء لا يمكن أن يحدث لزنجيٍّ مُدجنٍ حتى، اللهم إلا إذا شاءت
المقادير شيئاً من حاجة في نفس بعقوب بىاد قارها من اللون الأسود في السلسلة
الجينية للبطل. مكَّن هذا الخلل الجيني لأندرسون الاندماج في مجتمع البيض بسهولة
«فبفضل الشعر الأشقر، و تلك البشرة البيضاء القمحية، كنت في مأمن». حيثاستغل
أندرسون هذه الهبة ليتمكن من بلوغ غايته، و هي الاقتراب زلفى من الأختيت
إسكيث ومن ثم إقامة علاقة مع جين في انتظار الإيقاع بالأخت الصغرى ،

● هنا يتساءل القارئ عن سبب هذا الإصرار على التواصل مع عائلة
برجوازية (صغيرة). لن يتنسنى الكشف عن أساس لعلة إلاباكتمال البناء
الدرامي،
. أين واجهت لو أسكيث أندرسون بحقيقة أنها تعلم بأصوله الزنجية،
وأن صديقهما ديكستر باح لها بذلك. هكذا يسقط القناع الاشقر الذي كان يندس
وراءه البطل تاركا المجال لبروز الحقد و الازدراء المتبادل من كلا الطرفين.

هل الشر وسيلة كافيةٍ لتبريرغاياتنا نحو الانتقام:
من أين يأتي الشر؟ من الغرائز أم من اللاوعي؟ أم أنه فعلٌ أرادي
بدوافع انتقامية؟حتى نتمكن من الإجابة على هذا السؤال علينا أن نبدأ
الرواية منالأخير، ففي النهاية فقط يكشف البطل عن سر العلاقة التي
سعى إلى إقامتها مع الأختين أسكيث.طوال الرواية ومنذ البداية كان لي
يتحدث باختصار شديد عن «طفلٍ» مغدورٍ ، من هو هذا الطفل و ما
علاقة لي به؟! وبالأخير اعترف لجين وهو بصدد قتلها أن ذلك الطفل
هو أخوه، إذ قتل لأنه سقط في حبائل غرام فتاة ليست من بني جلدته.

كان تيار الشر تصاعدياً في الرواية، فمنذ البداية كان الإحساس بالعنصرية طاغياً، ما جعل لي
يقف في صف الزنوج مدافعاً عنهم، مشيداً أحيانا بأفعالهم، تتضاعف أفعال الشر عندما يقوم لي
بمضاجعة جين وهي ثملة تماماً، فكان الأمر بشعاً لدرجة أنه عمد إلى اتيانها أمام صديقتهما التي
تعمد أيضاً وضعها في موقفٍ لا تُحسدُ ع ليه كمتواطئةٍ في مشهد أباحيٍّ ساديٍّ وفاحشٍ.

• أوغل بوريس فيان في تصوير المشاهد السادية عند بلوغه نهاية الرواية،
فمشاهد القتل التي قام بها البطل لم تخلُ من الفظاعة، فقد اقترن فعل القتل مع فعل
الاغتصاب، فأي متعة يجدها قاتل في اغتصاب جثةٍ هامدةٍ وقد فارقت الحياة للتو، أن
يمزق جسدها بأسنانه و يشرب من فرثها و دمها لبناً خالصاً سائغاً للشاربين المتوحشين
و يستمتع بصراخها فقط من أجل الانتقام لأخيه. بعد فراره ومحاصرة الشرطة لمخبئه يتم
قتله وشنقه من قبل الأهالي ليس انتقاماً لكونه مجرماً ، لا، بل، لا لشيء إلا لأنه زنجي.

*ظلت أعمال بوريس فيان منبوذة لسنوات طويلة وذلك بسبب غرابتها من ناحية المضمون
والشكل الذي اتخذته. ففي روايته هذه تناول موضوعين في غاية الحساسية، الأول متمثلاً في
علاقة الجسد بالجسد، والمشاهد الموحشة والسادية الطاغية، وثانياً التمييز العنصري للبيض على
السود، ومن هنا نرى المغزى الإنساني الذي انفرد فتميز بتناوله فيان في هذا النص الجريء.
فليس من السهل أن ينقل لنا كاتب أبيض أحاسيس و مشاعر زُنجيٍّ أسود عانى الأمرين من
الشعور بالدونية. إذن يمكننا أن نطرح سؤالاً حول مدى نجاعة و نزاهة و صدق الكتّاب \
البيض في نبش و أثار الغبار كثيفاً حول قضايا ذوي السنحات القاتمة اللون على أن
( Black Lives Matter) خاصة إذا لم يكن هناك احتكاك مباشر بهم أو ببيئتهم؟

كسرةً و حاشية لا بد منها بعد شهقة لون و تكية خط:

يا ُترى ماذا سوف يكون موقف هذا العالم الخرِف المشتعل اليوم بنيران
الفتنة في ظل ما يدور في كافة أرجائه على إثر مقتل ذلك الزنجي الأمريكي /
جورج فلويد خنقاً حتى شهق أنفاسه الأخيرة تحت ركبتي شرطي عنصري أبيضَ
من قوا ت الدرك ولم يتتم إدانته بسوى نحة القتل غيرالمتعمد من الدرجة الثالثة .

* نتسائل : أ بعد كل هذا سوف يظل العالم تيفرج على روايةٌ "سأذهب لأبصق على قبوركم"
و أخواتها وهي حبيسة أرفف المكتبات العامة أم أنه آن الأنون ليُنفض عنها غبار السنين، ليقرأها
القاصيو الداني ، ليعرف إلى أي مدى هو بشعٌ ذاك الوجه الآخر لعملة ما يسمونه الديمغراطية
الليبرالية السائدة في الغرب. علماً بأن مؤلفها بوريس فيان هذا الذي وضع بذلك مبضعه على جُرح
غائر سوف لن يندمل مثلما لن يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدمُ" و قرع
ناقوس ال إنذار المبكر من قنبلةٍ إنسانية موقوتةٍ ، هو مولودٌ منذعام 1920 في باريس وعاش طفولته
في كنف عائلة مثقفة ما جعله يلتهم كلاسيكيات الأدب الفرنسي في سن مبكرة خاصة وأن صحته الهشة بعد
اصابته بداء في القلب جعلته طفلا ومراهقا يحب العزلة والعيش في عوالم الخيال. سطع نجم فيون عندما
صدرت روايته التي نشرها باسم مستعار، فرنون سوليفان، تحت عنوان "سأذهب لأبصق على قبوركم"
وخلقت ضجة كبيرة بسبب عنوانها المستفز وعوالمها المبتكرة التي تميل إلى أجواء الأدب البوليسي
الأمريكي. وترسخت سمعته ككاتب مذهل برواية "زبد الأيام" وهي تسرد بأسلوب مبتكر قصة
رجل يدعى كولان يعيش في عالم غرائبي موازٍ يتزوج بامرأة اسمها كلووي تصاب بمرض
غريب لا يمكن علاجه سوى بإحاطتها بالورود. و من بين السمات الأساسية التي
تميز بها فيون ويلح عليها دائما النقاد و المتخصصون في أعماله هي
لغة الكتابة المبتكرة سواء في الروايات أو القصص أو الأشعار.

* عاش فيون بقوة محمومة وبشغف فائق في المرحلة الذهبية في باريس، مرحلة
الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حيث كانت باريس تعبق بالإبداع في كل
المجالات وكان يخالط كبار الكتاب والفنانين مثل جان بول سارتر ورفيقته سيمون
دوبوفوار. ومن غرائب الصدف أنه توفي في قاعة سينما أثناء العرض الأول
لفيلم مقتبس عن روايته "سأذهب للبصق على قبوركم" وهكذا حتى
في موته ظل فيون مجسدا لعبث المفارقات وساخرا كبيرا.
وكل كتاب وأنتم بخير...

وقفات على شا هد قبر الفرنسيّ بوريس فيان(Boris Vian،1920-1959)
كانفنّاناً شاملاً متعدّد المواهب.فقد كان روائيّا، وشاعراً، ورسّاما، ونحّاتا، وموسيقيّا،
ولاعب شطرنج ماهراً، بل ومترجماً قديراً من اللغة الانجليزية. وفي عام 2009، صدرت
أعماله ضمن سلسلة "البلياد" المرموقة المتخصّصة في اصدار أعمال المشاهير من الكتاب،
والشعراء، والفلاسفة من مختلف الثقافات، والعصور.. ولكل هذا أكثر من بعدٍ إنسانيٍّ. وأوّل
هذه الأبعاد هو الاعتراف بموهبته الكبيرة ، و بأهمية أعماله خصوصاً وأنه لم ينل قسطاً كافياً
من بريق الشهرة و النجومية التي يستحقها عندما كان على قيد الحياة. و المعزى الثاني هو أن
سلسلة "البلياد" بدأت تهتمّ بمن كانوا مهمشين، ليس فقط بسبب غرائبية و حشونةالأساليب
التي طبعت طرحهم للقضايا، أو بسبب وعورة المواضيع التي تطرّقوا إليها، والتي
اعتبرت حينها "نشازاً" من قبل النقاد، وإنما أيضا بسبب نمط الحياة الذي
اختاروها لأنفسهم، والذي كان يمثل برمته خروجاً عن المألوف".

* وكان واحداً من كتابٍ قلائلَ أبدعوا أعمالاً غرائببة شكلًا، ومحتوىً، لذلك ظلّت
"منبوذة" ولم يستسغ النقاد والقرّاء عسرة هضمها للأسف إلاّ بعد رحيل صاحبها بسنين
عدةٍ،. كما أنه عاش حياةً صاخبةً في "حيّ السان-جارمان دي بريه" في باريس. وكانت
سهراته مع الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر وتلميذته سيمون دي بوفوار ومع
المدمنين على صنف من .العقاقير المنشطة للغدد الإبداعية و الفكرية الطلائعيّة.

ألفين سلام سعادتو/ منتصر. يمكن ما نقشتك كويس الزمهرير
بدأ يهبش في أنكل ااخبل الشوكي. و لكن لو قاصد الزواحق،
(البزاغ) زاتو يقرف و يتأفف و يربأ بتفسه عن و جوههم

● 》مثلما كان واحد زي بوريس فيان رغم حياة الهلس و الهملة و الانطلاقة ،
كان يعامل الإيديولوجيات بسائر مشاربها و بخاصة منها المتمسحة بشعارات الدين ،
بسخريةٍ لاذعةٍ لم يكن يخفيها. و هي سخرية لازمته من البداية إلى النهاية . و كانت
سلاحَه ضدّ كلّ ما يخنق حريته ، و أسلوبه في الحياة. عنه كتب فرانسوا بوسنال يقول :
” لقد كان بوريس فيان كاتباً متعدّد المواهب، غزير الإنتاج ، محموماً وقادراً بطريقة
عجيبة على أن ينتقل من الرواية إلى الأوبرا، و من المقال المتعلّق بالموسيقى إلى حكم
الأقوال المأثورة. إنّ فيان هو ساحر البيان و هو نساج المعاني و مبتكر محسنات
البديع اللغوية لتبقى على حداثتها إلى قيام الساعة. و هو المتمرد الذي يضع
الديناميت في القوالب لتفجير علم عروض الشعر في شكله المتجلمد.

●》ولد بوريس فيان في باريس عام 1920 بصمامٍ معتلٍ ومهددٍ بدنو أجله باكّراً ،
كشأن عباقرةٍ كُثْرٍ. وَ ريما لإحساسه بأن قاطر عمره سيمر سريعاً ، ظلّ ينهل من الحياة  كنهش جائعٍ ملهوفٍ و يشرب منها شرابَ مودِّعٍ ،  قانعاً بأن "دقات قلب المرء قائلةٌ له إن
الحياة دقائقٌ وثوانٍ فارفع لنفسك بعد موتك ذِكرَها فالذِّكرُ للإنسان عُمرٌ ثانٍ. و مبكراً قرأ الكلاسيكيين الكبار أمثال راسين، وكورناي، وموليير، وهو دون سنّ العاشرة. كما قرأ رامبو، وبودلير، وفلوبير، وفرلين. إلى جانب الأدب، عشق بوريس فيان الموسيقى أيضاً.. مثل والده كان مغرماً بهيا الكلاسيكياً، و حداثياً. و لاحقاً صار بوريس فيان واحدًا من ألمع عازفي الجاز القادم من وراء المحيط الأطلسي. وبعد الحرب الكونية الثانية، أصبح يلقّب ب"أمير السان جارمان-دي بريه"الذي كانت مقاهيه تستقبل المشاهير ، وفي مقدمتهم جان بول سارتر، و أيضا أصحاب التقليعات الجديدة في مجال الفن والأدب والفلسفة والرسم.

●》وخلال سنوات "السان جارمان-دي بريه" الصاخبة، والمحمومة، تعرّف بوريس فيان على ميشال لوغليز لتصير حبه و زوجته الأولى و التي كتب لها لاحقاً روايته :”زبد الأيام.
{L'Écume des jours }. و كأنما كان ينعي روحه سلفاً حين كتب عن هذه الرواية يقول: ”هناك سعادةٌ غامرةٌ في “زبد الأيام”.ثمّ هناك هاجسٌ مؤرقٌ يزل يقض مضجع الإنسان لأن علةً ما تنتصب داخلَ صدره. شيئاً غامضاً ينخر في وجدانه”. و لم يكن هذا الشيء الذي يعذبه من الداخل سوى هادم الملذات و مفرتق الجماعات الذي كان يعلم جيّداً أنه إن يمهله فلن يهمله طويلًا!! و كانت ميشال تساعده كثيراً في أعماله الأدبيّة، و الفنيّة. و هي صاحبة في تعرّفه على كبار الأدباء الأمريكيين، والبريطانيين الذي سيفتحون أمامه آفاقاً جديدة في مجال الكتابة. وهي التي كانت تقدّم له نصائح ثمينة في الترجمة من لغة شكسبير إلى لغة موليير. و كان مفتوناً بالروايات البوليسية ألأمريكية، إذ رغب  في كتابة روايات مثلها مختاراً لنفسه اسم"فارنون سيلفان". و بهذا الإسم، كتب العديد من الروايات ذات
المنحى البوليسي مثل "سأذهب لأبصق على قبوركم"، التي صدرت عام 1947.

●》وقد أثارت هذه الرواية التي تسيطر عليها نوازع العنف و الجنس ، ضجّة
هائلة في الأوساط الأدبية الفرنسية. و كان غرض بوريس فيان الأساسي من هذه
الروايات، هو إثبات قدرته الفائقة على "اللعب" على كل  الحبال الإبداعية، و على
اختراق الحدود الفاصلة بين مختلف الأشكال الفنية و الوسائط التعبيرية.

●》في البداية اتسمت علاقة بوريس فيان بجان بول سارتر بالودّ والمحبّة.
لكن عندما ارتبط هذا الأخير بعلاقة غرامية بزوجته ميشال ، كفّ فيان عن
الكتابة في مجلة "الأزمنة الحديثة"، وتزوّج من الراقصة اورسولا عام 1954
ليعيش معها سنوات صعبة تخلّلتها أزمات ماديّة ونفسيّة حادة.

●》وخلال الحرب التحريرية الجزائرية، كتب بوريس فيان قصيدة
بعنوان "الفارّ من الجنديّة". وقد منعت هذه القصيدة من قبل الرقابة،
مثيرة غضب الجنرالات الفرنسيين. وفيها يقول بوريس فيان:

سيّدي الرئيس أبعث إليكم بهذه الرسالة:

ربما ستقرؤونها إن سمح لكم الوقت

لقد تلقّيت للتّوّ أوراق الجنديّة

وعليّ أن أنطلق إلى الحرب

قبل الإربعاء مساء

وأنا لا أريد أن أفعل ذلك

لأني لست على وجه الأرض

لكي أقتل أناسا أبرياء

ولست أقصد إغاضتكم

لكن عليّ أن أقول لكم

بإن قراري اتخذ

وأني فارّ من الجنديّة

ومنذ أن ولدت

رأيت والدي يموت

ورأيت إخوتي ينطلقون إلى جبهات القتال

وأطفالي يبكون

وأمي كم تألّمت بسبب ذلك

هي التي في قبرها تسخر من القنابل

وتسخر من الدّود

وعندما كنت سجينا

سرقوا زوجتي

وسرقوا روحي

وكلّ ماضيّ العزيز عليّ

غداً باكراً في الصباح

سأغلق الباب في وجه السنوات الميّتة

و سأنطلق في الطرقات...

●》و مثلما ذكرنا، لم يهتم بوريس فيان خلال مسيرته الأدبية والفنية
بالإيديولوجيّات التي كانت سائدة آنذلك، بل ظلّ محافظا على استقلاليته
حتى النهاية. وفي السنوات الأخيرة من حياته، عاش فترات مرّة من اليأس
و الإحباط بسبب عدم حصوله على الإعتراف بموهبته العالية، وبأعماله من
قبل المتحكمين في الحياة الثقافية الفرنسية في ذلك الوقت..ولعلّ ذلك كان
أحد العوامل التي عجلت بوفاته وهو في التاسعة والثلاثين من عمره!!

♧قصيدة بوريس فيان هذه أعادتني بالذاكرة إلى فكرة قديمة
كنت كتبتها و رميتها بعنوان/اعترافات مؤلمة لشهيد رغم أنفهπ√.

[} وجد جندي مقتولاً (فطيساً) و في جيبه قصاصةً كتب فيها:
إذا مُتّ، فلا تصدقوا كل شيء. فإن قالت لكم أمي في برنامجٍ
تلفزيونيٍّ هايف: "حمداً لله، فلقد تحقق لابني ما كان يتمناه من
شرف الشهادة و كان يقول لي: الوطن غال و علينا بذل الدم و
الروح رخيصة ذوداً عن حياضه " ؛ فلا تصدقوها . فأنا لم أقل
شيئاً من ذلك و أنا مثلكم أحب زهرة الحياة الدنيا و أمقت
الموت سدى ، لكنّ تلك المذيعة ذاتَ الحُمرةِ الفاقعة والشعر
الغجري المجنون، لابد أنها من أقنعت أمي لتقول عني ذلك.

[} أما رفيق سلاحي ذاك الذي حمّل صورة لي على صفحته
في الصوشيال ميديا و كتبَ شِعراً رگيكاً يتغنى بِـبسالتي حداداً
علي روحي ، لا تصدقوه ، فهو منافقٌ كبيرٌ و كممرة طلبت منه أن
يساعدني للنفاد بجلدي من ساحات الوغى لكنه كان يتهرّب مني.
[} أما صاحب الفخامة ذاك الراقص فلا تصدقوه أبدا و هو يتغنّى
بِـروحي القتالية العالية و حبي للوطن في( عرسو) تأبيني، أترونَ
طقمه الأنيقَ ذاك؟ لقد اشتراه من اختلاسه للمعونات المخصصة
لنا نحن أبناء الفقراء بهذا البلد وقوداً للحروب التي يشعلن فتيلها.

[} أما ابناء صاحب السيادة و السمو فهم إما خارج البلد
مترفين أو يتسكعون سگارى في الملاهي و العلب الليلية.

[} و أما سيّدي المقدّم فربما كانَ حزنه منطقياً نوعاً ما، فقد
خسر بِـرحيلي مبلغاً معتبىا كنت أرشوه به على شكل هدايا
عينية أو ( رصيد شحن موبايل) كي أسترد بعضا من حقوقي.

[}> و هؤلاء الذين يطلقون الرصاص في الهواء بتشييع جثماني ، ترى
من هؤلاء؟! لم أرهم أبداً يخرجون معنا في أية سرية أو يقسمون بيننا
بالسوية. كما أني لم أكنْ بطلاً كما يدعون و لا أعرف شيئاً عن البسالة
أو شعارات حب الوطن و القائد الملهم ، و لكن للبندقيةِ إغواءً كما للنساء
تستفزُّ الرجولةَ الحمقاء.إن مُتّ برصاصٍ ، او بقذيفةٍ طائشة تگون فد
سقطت مصادفةً بقربي قدرا، أو إنْ مُتّ قهراً ، فالموت واحد.

[} فلا تصدقوا سوى لحظات انكسارَ أبي و غصةً عنيدةً تغالب حلقومه
حزنا لفراقي ، أو تنهيدةَ نبيلةً تخرج من جوف أمي الحبيبةٍ ، و قطرة دمعٍ
عصيةٍ سخينة تترحلق بجسدها المائيالحلزوني على وجنتيها ، وأنا لطالما
طمأنتُها گذبا بأنْ أكونَ بخير و لكني خذلتها حينما التحقت (مرتزقاً) خارج
أسوار الوطن، ليس للجهاد للأسف و لكن لِـمكافحة ثالوث العدم و للبحث
لتأمين لقمة العيش النضيفة الممغربة بالتراب لأمي و لبقية من أعول .

[} و هذه حقيقة كل واحد منا بمعسكر لجيوش التحالف العبثي.
فلا نامت أعين الجبناء و من يتشدقون بِـنضالنا. و لطالما سألت نفسي
لماذا فقط أبناء الفقراء هم الشهداء؟!و هم المدافعون ؟! و هم لا يملكون
شبراً على هذا التراب؟! وتباع عليهم قبورهم؟! لماذا لم نسمع قط باستشهاد
مسؤول؟!أو ابن مسؤول في سبيل الوطن؟! فهل وجدت الجواب بعد موتي؟!
أنا آسف لكم أبناء وطني ، إذ لم أمت لأجلكم ولم احبكم يوماً و لكني إنما مت
فطيساً لأجل لقمة العيش بوطنٍ فسل بتأمين أبجديات متطلبات حياتي!

<< مذگرات / شهيد أوانطة>>
ود ال ح ي ش ا ن ال ت ل ا ت ة
مؤذنٌ محجورٌ منزلياً بجزيرة مالطا