ليس ذلك تقليلا من جائحة الكرونا التي اجتاحت كرتنا الأرضية, ما من عاقل على وجه البسيطة يستطيع ان يُرجِع أولية مكافحة هذا الوباء للمرتبة الثانية. الا أن الوضع في السودان مختلف جدا.
السمة الأساسية للدولة العميقة بكيزانها وأمنها وطفيلياتها وضياء بلالها وحتى آخر كويز من (الارزقيه وناس مو يا), سمتها الأساسية هي الهدم .. هم لا يملكون أدوات البناء ولكنهم يجيدون الهدم ويمتلكون أدواتهم وذلك بما فاءت عليهم الثورة من حريات واسعة لا من فيها ولا أذى. والأذى مهنتهم التي يمنتهون والخراب (كما الفساد) ديدنهم.
مكافحة كورونا مسألة بالغة التعقيد حتى بالنسبة الدول التي تبعد عنا بسنوات ضوئية في الانظمة الصحية والاقتصاد والأمن والاستقرار وجميع مناحي الحياة وكل البنى التحتية (والفوقية كذلك)
تبرز أهمية وجود الدولة القوية والقادرة على المبادرة والصرف والتنسيق و التطبيق الفاعل لكل الخطط المتفق عليها من خلال قيادة راشدة وحازمة وحاسمة لكل ما يعترض طريقها في سبيل توفير الحماية القصوى لشعبها. ولا مساومات في ذلك.
وعلى ذلك نقول, كل مما شأنه اضعاف هذه الدولة سيضعف بالضرورة قدرتها (ايا كانت هذه القدرة) على مكافحة هذا الوباء. من يضعف أمن واستقرار الدولة يفعل ذلك, ومن ينخر في عظم اقتصادها يفعل ذلك, ومن يمشي بين الناس بالفتنة ونفث الأحقاد الشخصية (والسياسية) وصرف اهتمام الناس عن غاياتهم القصوى من مكافحة هذا الوباء وتوجيه الراي العام لقضايا أقل بكثير من وصفها بالهامشية في بداية معركة ستكون أكثر من ملحمية لشعب كامل يرزح تحت معاناة وجودية نادرة الوجود قل نظيرها تحت شمس هذا العالم.
معركتنا مع (كورونا) معركة وعي وتنوير وتركيز في الاهداف العليا وخلق حالة عالية جدا من الوحدة الوطنية والتماسك والعمل المشترك اللازم لصناعة ملحمة انسانية جديدة يسطرها, من جديد, الشعب السوداني العظيم. وفي خضم كل ذلك لا مجال لممارسات (صغار النفوس) وهم كثر ..
لا مجال لمن يضاعف سعر "الكمامة" .. لا مجال لمن ينشر "الشائعة" .. لا مجال لمن يحول "كورونا" لمحبرة يغمس فيها اقلامه الصدئة والتي لم تنال في مناسبة واحدة وزيرا واحدا من وزراء الفساد الحكومي العظيم طوال جائحة الكيزان السابقة لجائحة كورونا المستجدة ؟؟
اولم يروا في البشير وصحبه وآله الفساد الأكبر أم كانت على الاقلام اقفالها؟! اولم ينظروا كيف اثرى حميدة ثراء لا اول له ولا آخر من ضروع وزارة الصحة اليابسة والتي لم يجد احد وزراءها المتأخرين بدا من ملامة مرضى السرطان على كونهم ما زالوا على قيد الحياة قبل أن يموتوا؟!
من المشاهد الراسخة في ذاكرتي مشهد ذلك الشيخ الستيني في احدى الحافلات اواخر التسعينات, وكان شرطي المرور الشاب المستهتر قد اوقف الحافلة وأمر الركاب بالنزول لمسألة تتعلق بخطوط السير او ما شابه مما اثار حفيظة الركاب فدخلوا في مشادات طويلة مع الشرطي عدا ذلك الشيخ الذي التزم الصمت طويلا ... فلما اصر الشرطي على انزال كل الركاب في نصف المسافة لوجهتهم خاطبه ذلك الشيخ بصوت عميق قائلا:
تعرف يا ابني مشكلتنا في البلد دي شنو؟! لا يا حاج؟! مشكلتنا نحنا ما جبنا رئيس واحد تكيناهو وضبحناهو جخخخخ
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد حيدر المشرف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست