من الواضح أن المعارضة السودانية لم تهتم بتدريب كوادرها وتأهيلهم للاضطلاع بمهام الدولة كما ينبغي بعد سقوط الإنقاذ، ودونكم بيان النيابة العامة عمَّا أُعلِن أنها محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك.
جنَّ جنون الموالين لحكومة حمدوك وثاروا على من شككوا في وقوع الحادث بقولهم إنها مجرد تمثيلية. طالبوهم بألا يتسرعوا في حكمهم والانتظار ريثما تنتهي التحقيقات في الحادث وتظهر نتائجها.
هذا تحليل لبيان النيابة العامة السودانية لتعرفوا من الذي يصدر الأحكام قبل الانتهاء من التحقيقات، ولتتبينوا مدى الافتقار إلى المهنية الذي تُدار به هذه المؤسسة الحكومية الحساسة. سأتناول مقتطفات من البيان وأعلّق عليها من حيث الصياغة والتحيز الواضح، ولكم الحكم.
1. "إن إستهداف موكب رئيس الوزراء هو إستهداف لكل النظام الإنتقالي الدستوري القائم بالبلاد وترى النيابة العامة أن ذلك العمل قد تم التخطيط له بصورة إحترافية سواء من حيث الزمان أو من حيث المكان وهو بذلك يشكل جريمة ضد الدولة مكتملة الأركان بموجب نص المواد (50 و 51) من القانون الجنائي لسنة 1991م وقانون الإرهاب لسنة 2001م وقانون الأسلحة والذخيرة لسنة 1986م."
* استهلت النيابة البيان بوصف الحادث بأنه "استهداف لكل النظام الانتقالي" وغيرها من الاستنتاجات التي افترضتها حتى قبل الإعلان عن بدء التحقيقات. أما من حيث الصياغة، فمثل هذه البيانات تُستَهل في العادة "بفعل" يؤكد بدء عملية التحقيق، لا بكلام على غرار بيانات الناشطين والمعارضين. يبدو أن"قحت" لم تتخلص حتى الآن من لغة البيانات المؤطرة للأفكار. كان الأحرى بمن صاغ البيان أن يبدأ بالفقرة الثانية التي تعلن "البدء في التحقيق".
2. "لقد بدأت النيابة العامة التحقيقات وكان النائب العام حضوراً في مسرح الأحداث وتواصل إدارة الأدلة الجنائية بالشرطة وكل أجهزة الدولة المعنية إجراءات التحقيق والبحث الجنائي للقبض على الجناه."
* السلطات تلقي القبض على من (يُشتبه في ارتكابهم) الجريمة، ولا يصبح هؤلاء (جناة) إلا بعد محاكمتهم وصدور أحكام قضائية عليهم بالإدانة. كان الأحرى بمن أعدَّ البيان أن يكتفي بالقول إن النيابة ستجمع الأدلة وتقدم من يُشتبه فيهم للمحاكمة، إذ إن دور النيابة ينحصر في توجيه الاتهام ولا يتعداه إلى إصدار أحكام قضائية. لماذا تفترض النيابة أن باستطاعتها القبض على "جناة"؟ ألا يمكن أن تقيَّد القضية ضد مجهول؟ أعلم أن هناك من سيقول إن النيابة تتحدث عما سيكون أو يريده الرأي العام، لكنني أرى أن تحري الدقة في مثل هذه البيانات الحساسة أسلم، على الأقل لإبعاد الشبهة عن الحكومة، خاصة أن هناك شكوكًا بأنها اختلقت الحادث.
3. "وتشير هنا أنه ومنذ 18 ديسمبر 2018م وحتى سقوط النظام السابق كانت كل المسيرات سلمية ولم تشهد البلاد خلال ثلاثين عاماً أية أعمال تفجيرات ولأول مره تبدأ هذه الظاهرة بعد سقوط النظام السابق."
* هنا يتبدَّى استغلال الحادث للكسب السياسي الرخيص. وكأني بمن صاغ البيان يستشهد بالحاج وراق. هذا الجزء المعيب من البيان الصادر عن مؤسسة قانونية يفترض فيها أن تتحلى بالحياد يربط ربطًا لا تخطئه العين بين الحادث والنظام السابق ويتهمه اتهامًا مبطنًا بتدبير الحادث. وهذا لعمري خلل مهني لا يغتفر.
4. "إن أجهزة الدولة المختلفة ستواصل التحقيقات والرصد ومواجهة أي عمل أرهابي بالحزم اللازم وفق أحكام القانون وستواصل النيابة العامة بشجاعة ومهنية عالية التحقيقات في كل قضايا رموز النظام السابق وخاصة قضايا العنف والقتل خارج نطاق القضاء والجرائم ضد الإنسانية وممارسة عمليات القتل والسجن والإرهاب التي وقعت في مواجهة المتظاهرين السلميين".
* ما علاقة الجرائم الأخرى بهذا الحادث، ومن ذلك "قضايا رموز النظام السابق والجرائم ضد الإنسانية وممارسة القتل والسجن والإرهاب التي وقعت في مواجهة المتظاهرين السلميين"؟
يجب أن تكون مثل هذه البيانات مقتضبة، وأن تتقيَّد بالحادث المعني ولا تتجاوزه إلى قضايا أخرى. لماذا يذكر البيان "النظام السابق" في حادث لم تفرغ النيابة من التحقيق فيه بعد؟ أم أن النيابة تفترض مسبقًا أن النظام السابق هو المسؤول وترسل إيحاءات بذلك؟ الموالون للحكومة يطلبون من غيرهم التريث، لكن الحكومة خذلتهم بهذا البيان الذي يفتقر إلى المهنية بإقحام النظام السابق في بيان يفترض أنه مخصص لإعلان "بدء التحقيق" فحسب، ما يثير الشكوك بأن الحكومة تبيِّت النية لتجريم النظام السابق؟
5. "إن الارهابين لا اخلاق لهم ولا قيم لهم فهم شرائح مرفوضة انسانياً واخلاقياً واجتماعياً. إن تفكيك التنظيمات الإرهابية والخلايا التابعة لها هي من أولويات الأجهزة الشرطية والأمنية وكل أجهزة الدولة ذات الصلة".
* هذا كلام إنشائي هتافي لا قيمة له ولا يتناسب مع بيان صادر عن مؤسسة قانونية خليق بها أن تتحرى المهنية في صياغة مثل هذه البيانات، التي يجب أن تكون محددة وكل كلمة فيها بقدر.
نص التصريح الصحفي، بحسب وكالة الانباء “سونا”:- النيابة العامة إن إستهداف موكب رئيس الوزراء هو إستهداف لكل النظام الإنتقالي الدستوري القائم بالبلاد وترى النيابة العامة أن ذلك العمل قد تم التخطيط له بصورة إحترافية سواء من حيث الزمان أو من حيث المكان وهو بذلك يشكل جريمة ضد الدولة مكتملة الأركان بموجب نص المواد (50 و 51) من القانون الجنائي لسنة 1991م وقانون الإرهاب لسنة 2001م وقانون الأسلحة والذخيرة لسنة 1986م. لقد بدأت النيابة العامة التحقيقات وكان النائب العام حضوراً في مسرح الأحداث وتواصل إدارة الأدلة الجنائية بالشرطة وكل أجهزة الدولة المعنية إجراءات التحقيق والبحث الجنائي للقبض على الجناه وتشير هنا أنه ومنذ 18 ديسمبر 2018م وحتى سقوط النظام السابق كانت كل المسيرات سلمية ولم تشهد البلاد خلال ثلاثين عاماً أية أعمال تفجيرات ولأول مره تبدأ هذه الظاهرة بعد سقوط النظام السابق . إن أجهزة الدولة المختلفة ستواصل التحقيقات والرصد ومواجهة أي عمل أرهابي بالحزم اللازم وفق أحكام القانون وستواصل النيابة العامة بشجاعة ومهنية عالية التحقيقات في كل قضايا رموز النظام السابق وخاصة قضايا العنف والقتل خارج نطاق القضاء والجرائم ضد الإنسانية وممارسة عمليات القتل والسجن والإرهاب التي وقعت في مواجهة المتظاهرين السلميين . من هنا تناشد النيابة العامة جميع المواطنين التحلي بالوعي اللازم والابلاغ عن أي تحركات مشبوهة . إن الارهابين لا اخلاق لهم ولا قيم لهم فهم شرائح مرفوضة انسانياً واخلاقياً واجتماعياً . إن تفكيك التنظيمات الإرهابية والخلايا التابعة لها هي من أولويات الأجهزة الشرطية والأمنية وكل أجهزة الدولة ذات الصلة. نسال الله أن يحفظ بلادنا من هذه الظواهر الدخيلة على بلادنا . وبالله التوفيق ،،،،،،،،،، تاج السر علي الحبر علي النائب العام لجمهورية السودان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة