وصف الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأعظم الأوصاف التي تدل على رحمته بأمته وحرصه عليها، ومن ذلك قوله سبحانه: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(التوبة: 128). قال ابن كثير: "وقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي: على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم". والناظر والمتأمل في وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ـ في حياته عامة وقبل وفاته خاصة ـ، يرى فيها حرصه الشديد عليها، ورحمته وشفقته بها، وقد حملت الأيام الأخيرة من حياته صلى الله عليه وسلم وقبل وفاته الكثير من هذه الوصايا، ومنها :
وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالأنصار :
بلغ حب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار مبْلغاً أن تمنى أن كان واحداً منهم، حتى أن البخاري جعل باباً في صحيحه بعنوان: "باب حب الأنصار من الإيمان". وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام أوصى أصحابه وأمته بالأنصار، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (.. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي (بطانتي وخاصتي)، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) رواه البخاري.
إحسان الظن بالله :
قبيل موت النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام أكد على إحسان الظن بالله وأوصى به، فعن جابر رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم. ولذلك يُستحب لمن حضر أحداً في مرضه قبيل موته أن يكثر له من آيات وأحاديث الرجاء في الله وسعة رحمته، قال ابن حجر: "وأما عند الإشراف على الموت (الاقتراب من الموت) فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء، لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى، ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر، فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته، ويؤيده حديث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)".
الصلاة، الصلاة :
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وكانت قُرَّة عين النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ومع ما كان به صلى الله عليه وسلم من ألم ووجع من شدة مرضه قبيل وفاته، فقد أوصى بالصلاة كثيراً، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كانت عامَّة وصيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة، وما ملكتْ أيمانُكم، حتى جعل يُغرغِر بها في صدره وما يُفيض بها لسانه) رواه أحمد. وعن علي رضي الله عنه قال: (كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم) رواه أبو داود. قال السندي: "قوله: (آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: في الأحكام، وإلا فقد جاء أن آخر كلامه على الإطلاق: الرفيق الأعلى .. (الصلاة): أي الزموها واهتموا بشأنها ولا تغفلوا عنها، (وما ملكت أيمانكم): من الأموال أي أدوا زكاتها .. ويحتمل أن يكون وصية بالعبيد والإماء، أي: أدوا حقوقهم وحسن ملكتهم. .قوله: (حتى ما يفيض بها لسانه) أي ما يجري ولا يسيل بهذه الكلمة لسانه". وقال ابن الأثير: (كان آخر كلامه: الصلاة وما ملكت أيمانكم) يريد الإحسان إلى الرقيق، والتخفيف عنهم، وقيل: أراد حقوق الزكاة وإخراجها من الأموال التي تملكها الأيدي".
إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإكرام الوفود :
قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام قليلة أراد أن يكتب للصحابة كتاباً مفصلاً ليجتمعوا عليه ولا يتنازعوا، فلما اختلفوا عنده، تراجع عن كتابة ذلك الكتاب وأوصاهم بأمور ثلاثة: إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإكرام الوفود، ونسي راوي الحديث واحدة منها، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (لما حُضِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو، والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: قوموا (عنِّي)، قال عبيد الله (راوي الحديث عن ابن عباس، وهو ابنه): فكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: إن الرزية (المصيبة) كل الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم) رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: "قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أَوَاخِر كتابه دلائل النبوة: إِنَّما قصد عمر التَّخْفيف على رسول الله صلى الله عليه سلم حِين غَلَبَهُ الوجع". وقال ابن حجر: "قال القرطبي وغيره: ائْتُوني بكِتاب (رواية أخرى): أمر، وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}(الأنعام:38)،وقوله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}(النحل:89)، ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله، وظهر لطائفة أخرى أن الأوْلى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح، ودلَّ أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياماً ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم امتثلوا". وقال ابن حجر في الوصية الثالثة التي نسيها راوي الحديث: "قال الداودي الثالثة: الوصية بالقرآن وبه جزم ابن التين، وقال المهلب: بل هو تجهيز جيش أسامة وقواه ابن بطال.. وقال عياض: يحتمل أن تكون هي قوله: (ولا تتخذوا قبري وثنا) .. ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله: (الصلاة وما ملكت أيمانكم)".
التحذير من بناء المساجد على القبور :
عن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: (لما نُزِلَ (مرض الموت) برسول الله صلى الله عليه وسلم طفِق (جعل) يطرح خميصة (ثوب) له على وجهه، فإذا اغتم (احتبس نفسه) كشفها عن وجهه وهو كذلك يقول:لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر مثل ما صنعوا) رواه البخاري. وعن جندب رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد, ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها أنهم تذاكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فذكرت أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) رواه البخاري. قال ابن حجر: "وكأنه صلى الله عليه وسلم علِم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يُعَظَّم قبره كما فعل منْ مضى، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم". وقال ابن رجب: "هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين، وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى". وقال القرطبي: "وكل ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة مَنْ فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام".
وصايا النبي صلى الله عليه وسلم عامة، ووصاياه في أيامه الأخيرة قبل وفاته خاصة، تبين مدى حرصه على أمته، وشفقته ورحمته بها. ولا شك أن من أعظم ما تقرب به المتقربون لله عز وجل، هو طاعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب نواهيه والعمل بوصاياه، قال الله تعالى: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر: 7)، قال ابن كثير: "أي مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير وإنما ينهى عن شر". وقال السعدي: "وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نَصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على حُكم الشيء كَنصِّ الله تعالى، لا رخصة لأحدٍ ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحَد على قوله صلى الله عليه وسلم". ------------------------ يحكى أن مجاعة حدثت بقرية فطلب الوالي من أهل القرية طلباً غريباً لمواجهة خطر القحط والجوع .. أخبرهم الوالي أنه سيضع قدرا كبيرا في وسط القرية، وعلى كل رجل وامرأة أن يضع في القدر كوبا من اللبن .. واشترط الوالي أن يضع كل شخص الكوب وحده دون أن يراه أحد .. هرع الناس لتلبية طلب الوالي .. تخفى كل منهم بالليل وسكب ما في كوبه، وفي الصباح فتح الوالي القدر .. ماذا رأى؟ أين اللبن؟ ولماذا وضع كل فرد من الرعية ماء بدلا من اللبن؟! .. لقد قال كل منهم في نفسه: إن كوبا واحدا من الماء لن تؤثر على كمية اللبن الكبيرة التي سيضعها أهل القرية .. كل منهم اعتمد على غيره ..كل منهم فكر بالطريقة نفسها التي فكر بها الشخص الآخر .. ظن كل منهم أنه الوحيد الذي سكب ماء بدلا من اللبن.
ما أكثر من يملئ منا الأكواب ماء لا لبنا، عندما لا يتقن أي عمل بحجة أنه لن يظهر وسط الأعمال الكثيرة والإنجازات المتراكمة .. إن أول طريق النجاح في الحياة هو نجاحك في إدارة ذاتك والتعامل مع نفسك بفعالية، فالفشل في إدارة النفس يؤدي غالباً إلى الفشل في الحياة عموماً، وربما إلى الفشل في الآخرة والعياذ بالله قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
وقد يظهر لنا أن بعض الناس نجح في حياته وإن فشل في إدارة ذاته. والحقيقة أن ذلك وهم خادع وطلاء ظاهر يخفي تحته الشقاء والتعاسة التي ستنكشف عند أول هزة, وبئس النجاح البراق الذي في داخل صاحبه غياهب من الشقاء وأكداس من التعاسة، وإن مرحت بصاحبه المراكب الفارهة وتبوأ في نظر الناس المناصب العالية أو امتلك الثروات الطائلة. ولكي يصل الإنسان إلى إدارة جيدة لذاته عليه أن يتحاشى عبادة ذاته وانسحاقها .. أما عبادة الذات فهي عقدة نفسية تعزل الفرد عن بيئته، وأما انسحاقها فيؤدي إلى فقدان المرء هويته وشخصيته، نتيجة انصياعه الكلي لمعايير مجتمعه وتقاليده بصرف النظر عن موافقتها أو مخالفتها لمعايير الصواب.
وبداية لا بد أن نحدد أهدافا منطقية ومعقولة لحياتنا, فإذا قمنا ـ مثلا- بتحديد أهداف صعبة جدا فإن احتمالات الفشل ستكون كبيرة مما ينعكس على نفسيتنا بجو من الإحباط والعجز, أما تحديد أهدف ممكنة فسيجعلنا كلما حققنا هدفا زاد ذلك من تفاؤلنا واستمرارنا. وليس هنا المقصود أن لا نتطلع لإنجازات كبيرة بل أن نقوم بتقسيم أهدافنا على مراحل بحيث يصبح تحقيقها يبدو ممكنا.
كما ينبغي أن نفكِّر في البناء دائماً وأبداً، لأن التفكير الطموح يعشق الإنجازات ويعني أنه كلما نجحنا في عمل تولدت لدينا الرغبة لنتبعه بأعمال أخرى فيزداد رصيد إنجازاتنا تدريجيا .. وعندها نشعر بالارتياح والسّعادة.
وهذه طبيعة وضعها الله في كلِّ إنسان، فهو يحبّ أن يرى نفسه قد حقّق شيئاً لنفسه وللآخرين لتكون لحياته معنىً وقيمةً وعطاء. ولا يفوتنا أن نؤكد على وجود علاقة قوية بين الثقة بالنفس وبين الأفكار الايجابية، وفي المقابل بين الأفكار السلبية وبين الضعف والخور في الشخصية، فكلما قويت ثقة الإنسان بنفسه وكملت ثقته في قدراته وما يتحلى به من سمات وصفات ومواهب، كلما كانت شخصيته أكثر إيجابية وكانت كذلك أفكاره ايجابية عن نفسه وعن واقعه المحيط والآخرين, والعكس صحيح فكلما كانت ثقة الإنسان بنفسه ضعيفة مهزوزة كلما كانت أفكاره سلبية تشاؤمية.
إن الطريقة التي نعيش بها الحياة هي عبارة عن انعكاس لتصورنا عنها، وسلوكياتنا فيها وتعاملنا معها. لذلك فبإمكاننا أن نتعلم بعض الأساليب التي من شأنها أن تغير الطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا ومع الواقع, ولهذا يجب أن نبحث دائماً عن المفيد في كلِّ شيء وسنجده بين أيدينا بعد التدقيق والملاحظة والسّعي. مؤمنين دائما بأنّ النجاح مرهون بالعمل والصّبر والكفاح وتوفيق الله العلي القدير.
وربما يعتري النفس البشرية بعض من السلبية وعوامل الهزيمة، ولكن اللبيب القادر على أن يسيطر على نفسه يستطيع أن يحول عوامل الهزيمة والانكسار والسلبية إلى عوامل إيجابية، بل وتصبح هذه العوامل منشطات للدفع والتقدم، فعلينا أن نتحكم في سلوكياتنا، وأن لا نكون حبيسي أعمال قليلة الجدوى نكررها كل يوم.
أما السلوكيات الجيدة فيمكن التعود عليها بل وإدمانها لتصبح لا إرادية بالتكرار، كما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (تعودوا الخير، فإن الخير بالعادة) وخصوصا إذا أمعنا النظر في الجوانب الإيجابية في ذواتنا وأشخاصنا، وعملنا بشكل جاد على بناء الإيجابية في مجتمعنا، وقللنا من جرعة السلبية بدواخلنا وذوات الآخرين، وأن لا نستسلم للجانب السلبي، بل نجيد فنون التعامل معها من خلال الاستخدام الأفضل والاستفادة القصوى من طاقة النفس الإيجابية. ----------------------------- كان الموقف مثيرا للشفقة!!
صرخة سمعها الواقفون على محطة الباص في إحدى مدن انجلترا ينتظرون الحافلة، وامرأة أربعينية تسرع إلى شابة تقف عشرينية فتأخذها في أحضانها وتقبلها وهي تبكي وتقول: ـ ـ منذ كم وأنت هنا في المدينة؟
ـ منذ قرابة الثلاثة أشهر.
ـ تعلمين أني أعيش هنا، ولم أرك منذ خمس سنوات، ومع ذلك ثلاثة أشهر ولا تفكرين في زيارتي؟
ـ قالت: كنت مشغولة!!
ـ مشغولة عن زيارة أمك؟!!
وجاءت سيارة فاستأذنت البنت بسرعة وقالت: عندي موعد، أنا مشغولة أراك لاحقا.. ثم تركت الأم في لهفتها وحسرتها وحرقتها وذهبت.
كان الموقف يثير الشفقة في أوله على الأم الملهوفة التي اشتاقت لرؤية ابتنها وفرحت كثيرا بلقياها.. فتحول بعد لحظة إلى موقف يثير الاشمئزاز من تصرف البنت وقسوة قلبها وعقوقها لأمها.. بل يثير الاشمئزاز من حضارة بلغت بأصحابها هذا المبلغ من الجفاء والعقوق وقطيعة الرحم.
تماما كما يثير اشمئزازك قصة هذه العجوز وما فعلته تلك الحضارة فيها: كانت العجوز تعيش في مسكن في أحد شوارع بلاد الغرب، كان بائع الحليب يأتي بالزجاجات الملآى كل يوم ويأخذ الزجاجات الفارغة التي وضعتها العجوز أمام الباب.. في يوم مر ولم يجد الزجاجات الفارغة وبالتالي لم يضع الزجاجات الممتلئة ولم يسأل، وفي اليوم الثاني كذلك، وتكرر الحال في اليوم الثالث.. ولم يفعل شيئا إذ ليس هذا من شأنه.. ولم يتحرك أحد ليعرف ما حدث للعجوز إلا بعد أن انتشرت رائحة العفن والنتن من الشقة فعند ذلك أبلغ الجيران الشرطة.
جاءت الشرطة، دخلت الشقة فوجدت العجوز قد تعفنت وقد أُكِلت مواضع من جثتها.. أكلها القطط والكلاب التي كانت تربيهم معها ليؤنسوا وحشتها بعد أن هجرها كل أبنائها وأقاربها، فلم تجد سلوتها إلا في الحيوانات بعد أن حولت تلك الحضارة نفوسهم إلى أحط من الحيوانات.
العجيب أن الشرطة لما تقصت وجدت أن لهذه المرأة ابنا يعيش في نفس الشارع على بعد أمتار من بيت أمه!! ولما سألوه عنها أجاب بأنه لا يعرف عنها شيئا لأنه لم يزرها منذ ستة أشهر..
ليست هذه مواقف شاذة في حياة صحيحة سليمة، وإنما هي طبيعة حياة فرضتها حضارة تعظم الجسد والمادة على حساب الروح والدين، وتقدم المصالح على حساب الأخلاق والمروءات، فلا مكان للعلاقات الاجتماعية، أو بر الوالدين، أو صلة الأرحام، أو الإحسان إلى الجيران.
في مثل هذه الحضارة (وعند من يعيشونها في غير بلادها) يمكن (بل لابد) أن يخترع يوم يسمى عيد الأم أو يوم الأم يزورونها فيه بعد أن قاطعوها طيلة العام، ويقدمون إليها فيه هدية لعلها تنسيها هم السنة، ويحسنون إليها فيه بعد أن أساءوا إليها عاما كاملا.
في مثل هذه الحضارة يمكن أن يستحدث يوم يسمى أيضا يوم الأب يبحث فيه كل ابن عن أبيه من هو ومن جاء به، فنصفهم لا يعرفون لهم أبا، ناهيك عن الذين أتوا من طرق غير شرعية. وليكن مسمى هذا اليوم عيد الأب أو يوم البحث عن أب. لايهم.
كما يمكن أن نخترع يوما نسميه عيد الأسرة تجتمع فيه الأسرة ولو لمرة واحدة وهي التي لم تجتمع طوال شهور.. حتى يرى الأخ أخته وأخاه والابن أمه وأباه.
هذه حضارة تحتاج إلى أيام كثيرة ترتق رقعا كثيرة في ثوبها الممزق اجتماعيا وأخلاقيا وروحيا.
أما في دين الإسلام فهذه كلها أعياد (وأيام) بدعية، وضلالات وهمية، وخرافات جاهلية، واختراعات لسد خلل هو بحمد الله غير موجود في شريعة الله، فلا مكان لهذا في الدين لأن الدين عظم حق الأم، وحق الأب وأمر بصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران.
عندنا في الإسلام لا يعتبر مؤمنا حقا من لا يأمن جاره بوائقه، وليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم.
عندنا في الإسلام صلة الرحم ديانة وحق يجب القيام به، ومن قطع رحمه التي أمر الله بوصلها فهو ملعون {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (سورة محمد:22ـ24 )
فمن قرأ القرآن علم حق الأرحام وحق الجيران ومن باب أولى حق الوالدين عموما والأمهات خصوصا.. فالأم عندنا كل يوم لها عيد، وجعل يوم واحد تحترم فيه وتوقر وتبر ويهدى إليها الهدايا إنما هو إساءة تربوية ومخالفة دينية وفوضى أخلاقية فضلا عن أن يكون بدعة مخترعة في دين الله كما قرره علماء المسلمين.
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)[الإسراء:23، 24]. ------------------------------------------ "غفلة الصالحين"مصطلح تواضع عليه علماء الحديث قديما، ويقصدون به بعض العبـّاد من الصالحين، الذين غلب عليهم جانب العبادة فشغلهم عن حفظ الحديث وضبط حروفه وألفاظه، ومع ذلك لم يصبروا عن التحديث فوقع منهم الخطأ والوهم.
ومن تتبع هذه اللفظة بهذا المعنى علم أنها ليست للمدح قطعا، وإنما هي من القوادح التي تنزل من مقام صاحبها في الرواية والتحديث، وأشهر من وصفه العلماء بذلك هو "رشدين بن سعد" رحمه الله تعالى.. قال ابن حجر في تقريب التهذيب: ضعيف.. ونقل في التهذيب عن ابن يونس قوله فيه: "كان صالحا في دينه، فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث".
وممن وصف بهذا أيضا سعد بن سعيد الملقب بسعدويه الجرجاني كما جاء في لسان الميزان1425 : "وقال ابن عدي دخلته غفلة الصالحين".. ومنهم أيضا عباد بن عباد أبو عتبة الخواص كما جاء في المجروحين 1217: "كان ممن غلب عليه التقشف، حتى أغضى عن تعهد الحديث فأخذ يهم إذا روى، ويخطئ إذا حدّث".
وللتنبيه فإن هذا الوصف لا ينقص من دين الإنسان ولا يطعن فيه من جهة الصيانة والعبادة، بل هو أقرب للمدح في هذه الجهة، وإنما ينصب القدح في جهة عدم الحفظ والرواية.. قال الذهبي في الميزان عن رشدين نفسه: "كان صالحا عابدا سيئ الحفظ غير معتمد".. وروى الميموني عن الإمام أحمد أنه قال عنه: "رشدين بن سعد ليس يبالي عن من روى لكنه رجل صالح".
وقد أراد بعض الأكابر أن يقيد اللفظ فيقال: (غفلة بعض الصالحين) حتى لا يكون ذما لجميع الصالحين، ورُد عليه بأن هذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح، وبأن المقصود بيان الحال في جهة معينة.
عموما.. كان هذا الوصف قديما في جانب الحديث، وفي زماننا فتح باب الغفلة فشمل جوانب أخرى كثيرة حتى اتسع الخرق على الراقع.. والمستعان الله.
لقد أصابت غفلة الصالحين الكثيرين؛ فوقعوا في فخاخ أعدت لهم مسبقا، بعضها واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وتكلم البعض بكلام أشبه ما يكون بالهذيان، وصرح البعض بما حقه في هذا الوقت تمام الكتمان، واسترسل البعض فيما جر إليه جرا، وسقط في فخ نصب إليه قصدا.. وكانت هناك مواقف لا يدرى كيف وصفها، غير أننا إذا أردنا التأدب وحسن الظن لن نجد أحسن من وصفها بـ "غفلة الصالحين".
ذكاء الدعاة إن العالم المسلم والداعية المتحرك بدعوته ينبغي أن يكون أذكى الناس وأبصرهم بالعواقب ومآلات الأمور، وهو فن وعلم يجب أن يكون أفضل من يتقنه أهل الله؛ فصناعة الورطات للناس أصبحت فنا، ونصب الفخاخ صار شيئا أشبه بالعلم والتخصص، كما أن الخروج منها أيضا فن وعلم وذكاء.. وبالطبع قبل كل هذا توفيق من رب الأرض والسماء.
وفي زماننا أصبحت الأضواء مسلطة على المنتسبين ـ حقا أو ظاهرا ـ للإسلام أو من يسمون في مصطلح أهل زماننا "بالملتزمين"، وكلما كان الإنسان بالإسلام ألصق وأكثر التزاما زاد تسليط الضوء عليه، والتمست له الأخطاء، وعدت عليه الهفوات، وضخمت الزلات.. وللمتصدرين للدعوة والفتوى الحظ الأوفر والنصيب الأكبر من كل هذا. ولما كان الأمر كذلك وجب أن ينتبه هؤلاء ـ كل بحسبه ـ وأن يلزموا اليقظة، وأن يكونوا أبعد شيء عن الغفلة.
لا للاتهام ومشيا مع اصطلاح المحدثين فإن جميع هؤلاء لا يتهمون في دينهم وإخلاصهم وولائهم لله ولدينه، بل يمدحون على جهدهم، ويشكرون على سعيهم، ويشهر بين الناس فضلهم, إنما يخشى عليهم الوقوع في بعض الفخاخ المنصوبة، والانزلاق في بعض الحفر المصنوعة، والتساهل في بعض الأقوال، والتبسط في بعض الأعمال من باب حسن الظن، أو سلامة الصدر أو عدم توقع أن يبلغ الأمر ما بلغ.. وهو ما يطلق عليه "غفلة الصالحين".
وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن "المؤمن كيس فطن"، لبيب ذكي، أبعد ما يكون عن الغفلة والسذاجة، وأخبر أن "الحرب خدعة".. ونحن نعيش حربا حقيقية لا يصلح فيها الغفلة، ولا مكان لها فيها، فإن من غفل في المعركة لحظة فقد عمره، أو ربما فقد المعركة برمتها.
المسلم صادق مؤتمن، نعم.. لا يخادِع ولا يخون، ولكنه أيضا لا يخادَع ولا يتلعب به.. كما قال عمر رضي الله عنه: "لست بالخب، والخب لا يخدعني". والمواقف التي تحتاج احتياط النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، وانتباه عمر الدائم، كثيرة خصوصا لمن يتعرضون للظهور أمام الجمهور ويسمعهم الحاضرون والمشاهدون.
الربط والضبط
إن كثيرا من الألسنة في زماننا تحتاج إلى ربط، وما كان السكوت في زمن أعز ولا أغلا منه في هذا الزمن، ومن أراد النجاة فليمسك لسانه فإن من صمت نجا.. فإذا لم يكن من الكلام بد لزم أن يُنظـَر إلى مواقعه، ويـُتـفكـَّر في عواقبه.. فليس كل ما يعرف يقال، وليس كل حق ينبغي قوله في كل وقت، وليس كل حق يصلح أن يقال لكل أحد، واختيار وقت الكلام لا يقل أهمية عن اختيار الكلام نفسه.
وكما أن كثيرا من الألسنة تحتاج إلى ربط، فإن كثيرا من الفتاوى تحتاج إلى ضبط، وحسن اختيار وقت، خصوصا وقد صدَّرت وسائل الإعلام من لا يستحق التصدر، ومن لا يحسن اختيار ما يقول، ولا استشراف مقصد السائل والمستفتي، فظهرت فتاوى ليس هذا زمانها، وعنتريات قادت إلى ورطات، مع تفصيل في موطن الإجمال، وتشقيق الكلام في مواطن الاختزال، دون نظر إلى تربص المتربصين، ومكر الماكرين.
والمواقف في معظمها تحتاج إلى استحضار قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: [ياعائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا، فبلغت به أساس إبراهيم](متفق عليه ).. وكذلك قوله لمن طلب منه قتل رأس المنافقين ابن سلول لما بلغ أذاه مداه: [لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه].
وقد وعى الإمام ابن الجوزي رحمه الله الدرس حين نصب له أحد المغرضين فخا وهو يحدث الناس في جموع غفيرة، وربما أراد الوقيعة بينه وبين أمير متشيع؛ فسأله على الملأ: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أبو بكر أم علي؟ فرد ابن الجوزي على البديهة: أحبهم إليه من كانت ابنته تحته.. وقام.. فما درى الناس هل أراد أبا بكر لأن ابنته عائشة تحت النبي صلى الله عليه وسلم، أم قصد عليا لأن فاطمة بنت رسول الله كانت تحته وزوجة له. وخرج ابن الجوزي سالما غانما.
إن فقه الواقع يستوجب فقها في وقت الكلام ونوعه، وإجابة أسئلة بعينها من عدمه، وإشهار فتاوى في وقت أو السكوت عنها، أو ردود مجملة لا تهيج عدوا ولا تؤذي صديقا، وقبل هذا لا تعيب دينا ولا تنقص شرعا. أبعد ما تكون عن المداهنة، ولكنها ليست من المدارة ببعيد. ولكنها أيضا أبعد ما تكون عن "غفلة الصالحين". --------------------------------- ما كنت في سنوات الدراسة مر علينا شيء كثير من تاريخ الاستعمار على مستوى العالم عموما ـ وعلى مستوى الوطن العربي خصوصا، وعلى مستوى بلدي مصر على أخص الخصوص. ولفت انتباهي أن كل استعمار على أي مستوى كان، كان أهم مطلب له وأول تغيير يفعله هو محاربة لغة البلد المستعمَر ومحاولة تقزيمها على حساب لغة المستعمر التي تصبح هي اللغة الرسمية للبلاد.
والمطلب الثاني: هو التحكم في وسائل التربية والتعليم ومصادرها، مع تحويل لغة التعليم إلى لغة المستعمر في الغالب، بحيث تكون في يده مفاتيح هذا الباب كلها، وبالطبع والضرورة ستتغير المناهج، والمقومات، والأدوات، والعملية التربوية، والتعليمية كلها لتخدم الأهداف الجديدة والتي هي أ هداف المستعمر الحقيقية لتحقيق مآربه ولخدمه مصالحه.
لا أحتاج أكثر من هذه الحقيقة لأبين أهمية العملية التعليمية والتربوية في أي بلد، وأن هذا هو الجانب الاستراتيجي الأعظم لكل أمة لتدلف منه إلى الرقي والتحضر والتقدم والتحرر، أو الخروج من التاريخ كله ومن أوسع أبوابه، كما أنه من خلاله تصنع عقول أبناء الأمة، وتقاد صياغتها، وتبنى هويتها على حسب هوى من يتحكم في هذه المنظومة.
من أدرك هذا المعنى استوعب لماذا تكون ميزانية التعليم في الدول المتحضرة هي أعلى ميزانيات الدولة حتى تضاهي الإنفاق العسكري في بعضها أو تفوقه، كما أن الاستعمار الحقيقي هو استعمار البلاد علميا وثقافيا بعد أن كان قديما الاستعمار الثقافي تابعا للاستعمار العسكري، وهذا النوع من الاستعمار الجديد هو أقوى من الاستعمار العسكري بمراحل.
لن تعجب إذاً عندما تقرأ عن سعي بعض الدول الكبرى لهذا النوع من الاستعمار، ومحاولة استئثارها ببلادِ سقطِ المتاع – التي تدرك أو لا تدرك ولكنها تعجز عن المقاومة ـ ولا تفتأ الدول الكبرى تبسط هيمنتها وتستخدم كل نفوذها لتنفذ إلى قلب المنظومة التعليمية للبلاد المستهدفة.
وكمثال صارخ لتوضيح ما خفي في هذا الجانب استعمال أمريكا للمنح المالية للبلدان "كمصر مثلا" للتأثير على العملية التعليمية فيها، وهي المؤامرة "وهذا أقل وصف لها" التي كانت تحيكها أمريكا عن طريق المنحة المشروطة تحت عنوان "اتفاقية منحة الأهداف الاستراتيجية لتحسين التعليم الأساسي بين الولايات المتحدة ومصر".
كانت هذه المنحة في سنة 2003م وكانت المنحة بقيمة 33 مليون دولار، وكان من شروطها: تدريس اللغة الانجليزية إجباريا على طلبة الصف الثاني الابتدائي بدلا من الصف الرابع، وإقامة كليات لتدريس الانجليزية، وكانت الاتفاقية تمكن بعض المنظمات الأمريكية من المشاركة في إدارة العملية التعليمية في مصر. ومن التدخل السافر أيضا وجود شرط لتعليم الفتيات الريفيات الموضوعات الصحية الحرجة!!؛
وكان المفروض أن تمرر هذه الاتفاقية لولا أن بعض النواب في مجلس الشعب، في ذلك الوقت، انتبهوا لبنودها وفضحوا أمرها. وأنها تعد سافر على المنظومة التعليمية في مصر، وتمثل خطورة فادحة على مستقبل هويتها الإسلامية والعربية، وتنفيذا لخطة أمريكا لنشر لغتها في التعليم بدعوى محاربة التطرف والإرهاب.
ومع هذا فالتعليم في أكثر بلادنا مخترق، والمناهج تصاغ بطريقة لا تخدم هويتنا وثقافتنا وعقيدتنا، بل هي في الغالب عكس ذلك تماما.
وعلى الجانب الآخر تبدوا إسرائيل كمثال للدولة التي تحمي هويتها وتحفظ ديانتها وتحمي حريم تعليمها، وتقوم سياستها على بناء جيل ينتمي لدينه وعنصريته من خلال مناهج مدروسة وإمكانات هائلة لا ينكر أحد أنها آتت أكلها وأينعت ثمارها التي خطط لها المسئولون فحصدوا ثمار ما زرعوا.
وقد صرح القيادي اليهودي "إلياهو كوهين" في المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرين 1951م أن مصير إسرائيل يرتبط بإيجاد جهاز حقيقي لتنفيذ التعليم والتربية حسب المبادئ الصهيونية.
وصرح بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل في المؤتمر التالي 1956م أنه لن يكون للحركة الصهيونية مستقبل بدون تربية وثقافة عبرية لكل يهودي بوصفه واجبا ذاتيا.
ويحدد وزير المعارف والثقافة الإسرائيلي السابق "ازبولون هامر" أهمية التربية في المجتمع اليهودي فيقول: "إن صمودنا أمام التحدي الكبير الذي يواجهنا يتمثل في مقدرتنا على تربية قومية مرتبطة بالتعاليم الروحية اليهودية".
وقد كان وما يزال من أعظم أهداف العملية التعليمية والتربوية هناك : التربية على قيم القومية اليهودية الصهيونية، والاهتمام العظيم باللغة العبرية، وتعليق القلوب بالتراث والتاريخ اليهود، وتعميق الوعي اليهودي الصهيوني.. مع اهتمام خاص بالتعاليم الدينية والدعوة للتعليم الديني والقيم التوراتية والتلمودية.. يعين على كل ذلك اتجاه رسمي ورعاية رسمية.
وقد آتت هذه الدعوات ـ كما قلت ـ أكلها وأينعت ثمارها. حتى إن عدد الملتحقين بالمدارس ومؤسسات التعليم الديني زاد في العقد الأخير بنسبة 13% وبلغت الأرقام كما نشرتها جريدة "يديعوت احرونوت" ارتفع العدد من 48 ألف عام 1990م إلى 111 ألف عام 2000م وهي نسبة قابلة للازدياد. ويعزو المسئولون السبب في هذه الزيادة الهائلة إلى حملات الدعاية المكثفة، وتخفيض الرسوم وعناية الدولة ورعايتها الفائقة.
هذا مثال لمن يهتم بتعليمه وهويته، ونتيجة أيضا مباشرة ومثمرة ونتائج مبهرة لها أثرها على الدولة في كل نواحيها، فالعملية التعليمية في الحقيقة رسم لمستقبل الأمة أي أمة.. ولا عزاء للغافلين. islamweb
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة