تعالت الأصوات في الفترة الأخيرة تنادي ببسط هيبة الدولة في الشارع و تقول بأن هيبة الدولة سقطت و أن الناس أصبحوا لا يحترمون رجل الشرطة و لا رجل الجيش و لا القوات النظامية بصفة عامة. هذه الدعوات جلها سياسي له غرض لا يخفى على كل ذو عينين و قليل منها مهني ينطلق من باب الرغبة في بناء مؤسسات الدولة . كلنا يعلم أن المؤتمر الوطني كان قد إستباح الوطن طيلة الثلاثون عاما الماضية التي حكم فيها البلاد بالحديد و النار و التسلط على رقاب العباد مستعملا أدوات الدولة و مؤسساتها من شرطة و أمن و قوات مسلحه و دعم سريع لتحقيق مآربه و مصالحه الخاصة و ليس مصالح الدولة السودانية و المواطن السوداني الذي أنشأت كل هذه المؤسسات أصلا لخدمته و ليس للتسلط عليه و يدفع مستحقات منسوبيها من دم قلبه . فالجيش و الشرطة و غيرها من القوات النظامية ما هي إلا واحدة من أدوات الدولة مثلها مثل وزارة المالية و وزارة الشباب و الرياضة و غيرها من المؤسسات الحكومية الأخرى و لكل مؤسسة دورها المهم و المطلوب و جميع هذه المؤسات تؤدي أدوارا تكمل بعضها البعض و أهميتها متساوية و هدفها هو خدمة المواطن السوداني و جميع من ينتسبون إليها هم (خدم للمواطن السوداني) . لذا يجب على جميع من ينتسبون إلى هذه المؤسسات أن يعوا هذه الحقيقة و يعملوا بها و أن لا يشعروا في أي لحظة من اللحظات أن لهم حق السيطرة على المواطن السوداني أو أنهم قيمين عليه بحكم ما بيدهم من سلطة مدنية كانت أو عسكرية. و لعله من المفيد أن نذكر هنا أن الشرطة البريطانية على سبيل المثال ليست مسلحة و لكن بالرغم من ذلك تجد الإحترام اللازم من المواطنين و هي لا تعتدي على المواطنين و لا حتى المجرمين منهم بدنيا و لا لفظيا . و هذا بسبب أن الشرطة تعي دورها تماما و تحترم المواطن الذي أنشأت من أجله و من أجل حمايته و ليس للتسلط عليه و يوجد قانون صارم ينظم عملها و يسمح بمحاسبة منسوبيها في حالة أي تجاوزات . واقع الأمر أن سياسات المؤتمر الوطني في الثلاثون عاما الماضية سواء من ناحية التدريب و التوجيه المعنوي أو من ناحية القوانين أنتجت قوات نظامية متسلطة و كل ذلك كان الغرض منه إستمالة هذه القوات و إستمالة منسوبيها و أكبر مثال على ذلك من ناحية السياسات هو أن حكومة المؤتمر الوطني كانت تغمض عينها عن بلايين الجنيهات التي تجنبها هذه القوات و تستعملها في مصارف لا يعلم أحد عنها شيئا و هذا لعمري أوضح نوع من أنواع الرشوة . و لكن و لله الحمد دائما يوجد أناس لا يمكن بيعهم و شرائهم في سوق النخاسة. عليه فإننا نحتاج الآن لإعادة تأهيل هذه القوات بصورة علمية لكي تكون جاهزة للمساهمة في بسط الحريات و خدمة المواطن في المرحلة القادمة و ليس العكس و لكي تستطيع أن تتأقلم مع أجواء الحريات و بالتالي تكون هي خادم للشعب و ليست مسيطرة عليه و كذلك نحتاج لتعديل قوانينها بما يعكس واقع الحريات الجديد و بما يتيح محاسبة منسوبيها في حالة التجاوزات فإن من أمن العقوبة أساء الأدب . و لكن إعادة التأهيل تحتاج عمل علمي مدروس و ليس مسألة عشوائية . و لعله من حسن الطالع أن عدد من المجموعات التي تكونت بعد ثورة ديسمبر المجيدة كانت قد عقدت ورش عمل في عدة مجالات مثل التعليم و الصحة و البنية التحتية بعد توقيع الوثيقة الدستورية و لكن لم ينتبه أحد إلى تطوير و تأهيل القوات النظامية. عليه فإني أقترح أن تتبنى قوى الحرية و التغيير أو أي فصيل سياسي بالتعاون مع الحكومة القائمة و مع الخبراء السودانيين و الأجانب في هذا المجال و مع قدامي منسوبي هذه القوات المعروفين بالمهنية العالية أن تتبنى ورش عمل و سمنارات يشارك فيها من هم على راس الخدمة في هذه القوات و تقدم فيها أوراق عمل تتقدم بمقترحات واضحة و علمية تسمح بإعادة بناء جميع هذه القوات من جميع النواحي على أسس جديدة تعمق مفاهيم المؤسسية و خدمة المواطن و بناء جسور الثقة التي إهتزت و إحترام الحريات و الإعتراف بالدور التكاملي لهذه القوات مع مؤسسات الدولة الأخرى بما يؤدي إلى بسط هيبة الدولة(مافي حاجة إسمها ملكي و عسكري) . فإن هيبة الدولة لا تبنى و لا تفرض بالحديد و النار و إنما بالإحترام المتبادل و بان تقوم هذه القوات بالدور المطلوب منها بالمهنية اللازمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة