طلب منى بعض من افراد الأسرة و نفر من الأصحاب المقربين أن أكتب شيئاً فى رثاء منصور. اصابتنى الحيرة فوق الحزن. كيف تكتب بلغة عادية عن إنسان غير عادى؟ ماذا تقول؟ اتنوه عن خصاله الشخصية؟ تذكر محاسنه؟ أم تؤرخ لسيرته الإجتماعية و المهنية و تستعرض إنجازاته؟ هل تتناول مواقفه المبدئية غير المألوفة فى الفكر و السياسة و الدبلوماسية و الادارة؟ هل تحصى مؤلفاته و مقالاته؟ هل تسترق النظر الى مكتبته المطبوعة الممتدة من اليادة هومر إلى جانقو عبدالعزيز بركه ساكن؟ أم تسترق السمع الى مكتبته الصوتيةالتى جمعها معزوفة معزوفة، مدحة إثر مدحة و اغنية فوق اغنية من ريتشارد فاقنر الى بيلى هوليداى مروراً بأولاد حاج الماحى و استير و ابو داود و انتهاءً بالعميرى و خوجلى عثمان؟ ام تتوقف برهة لتتأمل اللوحات التى أتخذت من جدران منزله مستقراً لها: عبدالله كوناتى، الصلحى، حسين شريف، وقيع الله، شبرين. الجدران فاضت بكل ذلك الفوران الإبداعى مما اضطره ليردف طابقاً فوق طابق و يحول المنزل بكامله الى مكتبة و صالة فنون و ينحشر هو وراء طاولة مكتب فى غرفة صغيرة لا تكاد تراه وسط طوفان من المجلدات و الدوريات و القصاصات لا أدرى كيف و متى و من اين جمعها، و كيف يتذكرها واحدة واحدة.. نعم.. لله فى خلقه شؤون. أم تحكى عن معارفه و صحابه الذين ارتبط بهم منذ سنيين الدراسة و الى آخر رمق له فى مستشفى علياء ليلة الأربعاء الحزينة؟ أم تخص بالذكر القلة التى اصطفاها لأنهم قصدوه لشخصه لا لاسمه او مركزه او بريقه. أناس عاديون بسطاء ارتاح لقربهم فغمرهم بعطفه. من هولاء عم سليم و مهدى ود الكرتون و عوض الله و محمد بوش و حاجة بخيته الضو و جيمس. و منهم على المك و عثمان حسن احمد و امين مكى و جون قرنق و ميرغنى سليمان و محجوب عثمان و غيرهم كثر من كل مذهب و ملة و مقام.. صداقات صافية لا مِن فيها لا أذى. أى لغة تستوعب كلماتها إنسانا بهذا المدى؟ و أى وعاء خطابى يسع وزنا بهذا الثقل... و أى عبارات ترثيه؟ ماذا اقول؟ ثم ماذا أقول غير أن اسأل الله له الرحمة و أشكر كل الذين صادقوه و زاملوه و كتبوا عنه حتى من أساء اليه عدواناً، و كل الذين رافقوه فى رحلته الطويلة التى رغم المظاهر لم تخل من لحظات كالحة قاتمة موحشة لا يقدر على تحملها الا ذوى الألباب. فالعزاء لنا و لهم و لوطن أحبه الراحل بتجرد و عفاف و حينما حانت ساعته كانت امدرمان (من دون مدن العالم قاطبة) هى ملاذه و قبره. مضى بهدوء تاركا من ورائه كل ذلك الحب للوطن و للمدينة و كل تلك التركة. و فى ذلك و تلك يكمن العزاء و الرثاء.
04-27-2020, 01:10 PM
Amira Hussien
Amira Hussien
تاريخ التسجيل: 11-26-2016
مجموع المشاركات: 1720
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة