ضع بصمتك في مجتمعك....

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 04:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-18-2021, 11:11 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ضع بصمتك في مجتمعك....

    10:11 PM February, 18 2021

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    إنَّ مِن الحِرمانِ العظيمِ والخسرانِ المبين أَنْ يكونَ العبدُ في حياتِهِ وبعدَ مماتِهِ مجردَ رقمٍ في قائمةٍ طويلةٍ منَ البشرِ، ليسَ لهُم وزن في قيمِ الأخلاقِ ولا يُشكِلون َثِقلًا في مسيرةِ السلوك، فهيَ البصمةُ الباقية في عمرِكَ واللوحةِ الأخيرةِ من حياتِكَ، فاصنع لنفسِكَ أثرًا يكونُ لك بعدَ مماتك، فكيف سيكونُ رحيلُك؟ وما الذي خلفتَهُ وراءك؟ هل تركتَ ثمرًا يدومُ عطاءُهُ وذكرًا حسنًا أم شوكًا يستمِرُ وخزَهُ وذِكرًا سيئًا؟

    وقبلَ الإجابةِ ينبغي أنْ نعيَ أنَ اللهَ خلقَ الخلقَ متباينين، وكما أنهم مختلفونَ في الألوانِ والأحجامِ، كذلك هم مختلفون في الصفاتِ والطِباعِ والسلوكِ والأخلاق، ولم يجعلْ اللهُ طبعًا جبليًّا أو خُلُقًا فطريًّا فحسب بحيثُ يعجزُ الإنسانُ عن تغييرِ طبعهِ أو تعديلِ سلوكِهِ أو لا يتمكنُ من تزكيةِ نفسهِ، ومنِ الغريبِ أن يغادرَ المرء دنياهُ دون أن يتركَ لهُ بصمةً يُثنى عليها ويُقتدى بها، والأغربُ من ذلك أن يتركَ شرًا محضًا كالسمعةِ السيئةِ كالحاصلِ في السوشل ميديا من سبٍ ولعنٍ والطعنِ في الأعراضِ والسخريةِ والتشهير، فقد يغفرُ اللهُ لعبدهِ لتقصيرِهِ بينهُ وبين ربه ولكن حقوق البشر تبقى معلقةً في رقبةِ العبدِ يوم القيامة، فيجبُ أن يدركَ هؤلاء أن أثارهُم السيئة مدعاةً لبغضِهم والدعاءِ عليهم مّمن اكتوى بنارِ سلوكِهم، ناهيكَ أن منِ الخلقِ سيحييها ويمارسها ويروجُ لها، قال تعالى: (( لِيحمِلوا أوزارَهُم كاملةً يومَ القيامةِ ومن أوزارِ الذينَ يُضِّلّونَهُم بغيرِ علمٍ أَلا ساء ما يزِرون)) [النحلِ:25 ].

    إن السيرةَ الحسنةَ والأثارَ الطيبة هي عمرٌ ثاني ويشكلُ رغبةً لدى الآخرين في محاكاتهِ وحبًا في الاتصاف بهِ والترحمِ عليهِ بعدَ مماتهِ، فهي كنزٌ لا يقتسِمُهُ أهله بل يستفيدُ منهُ القريبُ والبعيد، وتركتُهُ لا يقتَسِمُ أنصبتُها ورثتهُ فقط ، بل يجني أسهمها من انتفعَ بها فأثارَهم لا زالت ترسمُ صورةً ذهنيةً للمجتمع وإن كانت أجسادهم واراها الثرى يذكرونها ويحتذون بها، فهوَ استمرار للعطاءِ وبقاءِ الخير وتدفعُ بالمجتمعِ إلى المحافظةِ على الباقياتِ الصالحات والتمسكِ بمكارم الصفات قال تعالى: ((من عمِلَ صالِحًا من ذكرٍ او أُنثى وهو مؤمنٌ فلنحييَّنهُ حياةً طيبةً ولنجزيَنهُّم أجرَهُم بأحسنِ ما كانوا يعملون)) [النحل:97]، فليس لحياةِ الإنسان قيمة دون أن يترك لهُ أثرًا بعد رحيلِهِ بخلافِ الناجحِ فإنهُ يدرك كيف يصنعُ لهُ مجدًا تليدًا وتاريخًا زاخرًا.
    ومن الشخصياتِ التي برزت في عصرنا الحاضر هو الشيخ عبد الرحمن السميط ولد في الكويتِ عام 1947 ميلادي، وكان ملتزمٌا بالصلاةِ من صغرهِ وكان يحبُ القراءة فكان يقرأُ سيرةَ الرسول وأصحابهِ العظام والسلف الصالح فنشأَ على حبِ هذا الدين الذي يصنعُ من محبيهِ رجالًا عظامًا قلَّ نظيرهم في التاريخ، وفي أثناءِ دراستهِ لمرحلةِ الثانويةِ لاحظَ العمال وهم ينتظرون المواصلاتِ العامةِ تحت لهيبِ شمس الكويت المحرقة، فقررَ هو وزملاءهِ جمع المالِ ليشتروا سيارةِ لنقلِ العمال من العملِ إلى منازلهم بدون أي مقابل ابتغاء وجه اللهِ تعالى، ثم جاءت مرحلة الجامعة فدرس البكالوريوس في الطب في العراق َ والماجستير في بريطانيا والدكتوراه في كندا وقرر العودة للكويتِ ليعملَ بها طبيبًا، إلا أن زوجته الصالحةِ أشارت عليهِ أن يشتغلا في مجالِ الدعوةِ إلى اللهِ في شرقِ آسيا، فشاء اللهُ وقدرَ أن يستقرا في أفريقيا في مدينةِ ملاوي وسبب ذلك طلب أحدى النساء الخيراتِ بناءِ مسجد خارج الكويت وبالفعلِ قام بتلبيةِ رغبتها، فصُعِقَ ممَّا رآهُ فوجدَ الكثير من المسلمين لا يعلمون كيفيةِ الوضوء ولا تعاليم الإسلام في حينِ رأى نشاط المنصرين الأُوربيين وقد نجحوا في تنصيرهم فقررَ السميط هو وزوجته المكوثَ هناك للدعوةِ إلى اللهِ تعالى، فتركا الحياة المترفة واستقرا في إحدى القرى النائية في جزيرةِ مدغشقر في قريةِ مدكارى في بيتٍ متواضع، وشكلَ فريقًا من الدعاةِ والأئمةِ لينشروا الإسلام في دولِ القارةِ السمراء بعدَ أن دربَهم على طرقِ الدعوةِ الحكيمة وأساليب التعامل مع الثقافات المختلفة فانتشرَ تلاميذهُ في أدغالِها وفيافيها فتكونت لهُ شبكةً متكاملة من الشبابِ المخلصين الذين كانوا يتنقلون من قريةٍ إلى قريةٍ مشيٍ على الأقدامِ لنشرِ الإسلام بين شعوبها فقد أسلمَ على يدِهِ أعداد هائلة وساهم في إنشاءِ المساجد ما يقارب 5700 مسجد بالإضافةِ إلى رعايةِ الأيتام وكفالتهم فقد كفلَ 15000 يتيم وحفر أكثر من 9500 بئر ارتوازي وأنشأَ 860 مدرسة وبنى 4 جامعات وأنشأَ 204 مراكز إسلامية ولقد أنشأَ جمعية وأسماها العون المباشر لينتفعَ منها الجميع سواءً كان مسلمين أو نصارى أو وثنيين، رحمكَ اللهُ يا أبا صهيب وأسكنك فسيح جناته . قال تعالى : ((إنا نحنُ نحيِي الموتى ونكتُبُ ما قدَّموا وآثارَهُمْ وكل شيء أحصيناهُ في إِمامٍ مبين)) [يس:12].

    متى تتركُ أثَرَك يامن أنعمَ اللهُ عليكَ بالإسلام؟ وكفى بها نعمة يامن أضاء أجدادُكَ للعالمِ ظلمتِهِ وصنعوا حضارةً سطرها التاريخ أوَما راعك حال أمتك؟ أوَما أفزعك إن كانت الدنيا لغيرِكَ يعبثُ بها؟ ويجعلها سِلاحًا يصوَبُ نحو صدور أُمتك، أَلست الأحق في السبقِ لحرفةِ البناءٍ؟، انهضْ ودعْ عنك أغلال الخمول وتعرف على هويتِك وانظُر إلى ماضي أُمتِك تستلهِمُ منه جذوةً تُضيءُ لك الطريق، فحَّي على العملِ وضع بصمتُكَ في الحياةِ فما هيَ إلا أنفاس تُعدُّ وتحصى لا تدري متى يتوقفُ لها العدُ والإحصاء، حينئذ لن يبقى لك فيها إلا أثرك فإن لم يكنْ لك طوى التاريخُ صفحتَك وإن كان لك وقفوا على أعتابِها.
    ---------------------------
    الحمد لله الذي ألف بين قلوب المؤمنين فأصبحوا بنعمته إخوانا، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن استن بسنته واتبع هداه، وبعد:
    فقد بَنى الإسلام أُسسَه في تنظيم العلاقةِ الاجتماعية بين أبناء المجتمع المسلم على قواعدَ مُثلى وركائزَ فضلى، وجعل من أهم هذه الأسس والركائز رباط الأخوة الإيمانية، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، ونحو قولِه صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا يبِع بعضكم على بيعِ بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا، المسلمُ أخو المسلم، لا يظلِمُه، ولا يحقرُه، ولا يخذُله..."(مسلم). وجعل من علامات كمال الإيمان أن يحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمِن أحدُكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه".(البخاري).
    هذه الرابطة يترتب عليها الحرص على تقديم النفع للمسلمين ومنع كل أشكال أذيتهم؛ لهذا جاءت النّصوص الكثيرة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تؤكد على هذا المعنى، وتضمنت هذه النصوص الوعيد والزجر الشديد لمن تعمد أذية المسلم بأيّ نوع أو شكل من أشكال الأذية القوليّة أو الفعليّة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَـانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب: 58). قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرها: (وإن كانت أذية المؤمنين عظيمة، وإثمها عظيمًا، ولهذا قال فيها: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } أي: بغير جناية منهم موجبة للأذى { فَقَدِ احْتَمَلُوا } على ظهورهم { بُهْتَانًا } حيث آذوهم بغير سبب { وَإِثْمًا مُبِينًا } حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر اللّه باحترامها.
    ولهذا كان سب آحاد المؤمنين، موجبًا للتعزير، بحسب حالته وعلو مرتبته، فتعزير من سب الصحابة أبلغ، وتعزير من سب العلماء، وأهل الدين، أعظم من غيرهم).ا.هـ.
    ويقول الفضيل رحمه الله: "لا يحلّ لك أن تؤذيَ كلبًا أو خنـزيرًا بغير حقّ، فكيف بمن هو أكرم مخلوق؟!"، وقال قتادة رحمه الله: "إيّاكم وأذى المؤمن، فإنّ الله يحوطه ويغضب له".
    وقال ابن رجب رحمه الله: "تضمّنت النّصوص أنّ المسلم لا يحلّ إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حقّ".

    وقد نهى الله تعالى المؤمنين عن أذية المسلم ولو كان محتاجا ولو كنا نتصدق عليه ونعطيه، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ . يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...}(البقرة:262-264).
    قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً}: "قوله: ولا أذى: أي لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان". وقال في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}: "فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى ، فما يفي ثواب الصدقة بخطيئة المن والأذى!".
    ولأن أذيّة المؤمنين سببٌ من أسباب سخط الله تعالى وغضبِه، فقد صعد عليه الصلاة والسلام المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيع فقال: "يا معشرَ من أسلم بلسانِه ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبه، لا تؤذوا المسلِمين، ولا تعيّروهم، ولا تتَّبعوا عوراتِهم، فإنّه من تتبّع عورةَ أخيه المسلم تتبّع الله عورتَه، ومن تتبّع الله عورتَه يفضحه ولو في جوفِ رحله". (الترمذي). ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
    ونبيّنا صلى الله عليه وسلم يحذّر من الأذى في صور كثيرة، حتى في أمور قد يستهين بها الناس، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إيّاكم والجلوسَ في الطرقات"، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدّ في مجالسنا، نتحدّث فيها، فقال: "إذا أبَيتم إلاّ المجلس فأعطُوا الطريقَ حقَّه"، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر".(مسلم).

    ولقد بلغَت عناية الشريعة الربانية في منعِ أذى المؤمنين والتحذير من الإضرار بهم ولو كان القصد حسنًا والهدف نبيلاً، جاء رجلٌ يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال عليه الصلاة والسلام له: "اجلِس فقد آذيت"(أبوداود).
    وفي جانب آخر يراعي صلى الله عليه وسلم المشاعر لدرجة أنه يقول: "لا يتَناجى اثنانِ دونَ الثالثِ ، فإنَّ ذلك يؤذي المؤمنَ واللهُ يَكرَهُ أذى المؤمنِ".
    وإذا كان الأمر كذلك في مثل هذه الأمور فكيف بالأذى المقصود والأذيّة المتعمَّدة لأجل الأغراض الشخصيّة والمنافع الدنيوية؟!.
    وإذا كان الأذى بغير حق محرما في شريعتنا، فإن جُرم الأذى يزداد إثمًا حينما يتّجه إلى أحد مِن الجيران، أو يتوجّه لأحدٍ من الصالحين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره"(البخاري)، ويقول عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنَّةَ من لا يأمن جارُه بوائِقه"(مسلم)، والبوائق هي الشرور.

    دفع الأذى عن المسلمين طاعة وقربة:
    إن دفع الأذى عن المسلم أمرٌ محمود وفعلٌ مرغوب عند رب العالمين تبارك وتعالى، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "عُرِضت عليّ أعمال أمّتي حسنُها وسيّئها، فوجدتُ في محاسن أعمالِها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالِها النخاعة تكون في المسجد لا تُدفَن"(مسلم)، وعند مسلم أيضًا في باب فضل إزالة الأذى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مرّ رجلٌ بغُصن شجرةٍ على ظهرِ طريقٍ فقال: والله، لأنحِّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأُدخِل الجنّة"(مسلم).
    وقد عدها الشرع صدقة من الصدقات، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ"(البخاري).
    وقد كان السلف يعلمون هذه الأدلة ويعملون بمقتضاها ويوصون بها، هذا الرّبيع بن خثيم رحمه الله يقول:"النّاس رجلان: مؤمن فلا تؤذه، وجاهل فلا تجاهله".
    ويقول يحي بن معاذ الرازي: " ليكُن حظّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرحه فلا تغمَّه، وإن لم تمدَحه فلا تذمَّه".

    الأذية ظلم:
    إن إيقاع الأذى بالمسلمين نوع من الظلم، والظلم كله حرام.
    وليتذكّر من أوقع على المسلمين ظلما أنّ معهم سلاحًا بتّارًا، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "واتّق دعوةَ المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب"(مسلم). فيا مَن تجرأت على أذية المسلمين بغير حق تُب وأقلع، كُفَّ عن أذية المسلمين قبل أن يُقضَى بينك وبينهم يومَ لا ينفع مال ولا بنون، فعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس؟"، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إنّ المفلسَ من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وقيام وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مالَ هذا وسفك دمَ هذا أو ضربَ هذا، فيُعطى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فنِيت حسناته قبل أن يَقضيَ ما عليه أخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه فطُرح في النّار"(مسلم).

    احذَروا من أذيّة إخوانِكم بأيّ نوعٍ من أنواع الأذى أو صورةٍ من صوَر الإضرَار، فذلكم وقوعٌ في شرّ عظيم، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: "من آذى المسلمين في طرقِهم وجبت عليه لعنتُهم".، ولما قيل له: يا رسول الله، إنّ فلانة تصلّي الليلَ وتصوم النّهار وتؤذي جيرانَها بلسانها، قال: "لا خيرَ فيها، هي في النّار".
    نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    ---------------------------
    الحمد لله ذي الطول والآلاء، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأتقياء. وبعد:
    فإن كتاب "أدب الدنيا والدين"، كتابٌ قيمٌ، عظيمُ النفع، فريدٌ في بابه ، أفاض مؤلفه رحمه الله في الحض على تهذيب الأخلاق، والحث على تطهير النفوس والقلوب، وتحليتها بالفضائل والآداب، والرُّقي بها إلى معالي الأخلاق والقيم، وفضائل المُثل والشِّيَم، والبعد بها عما يشينها.
    وفي مقالاتنا هنا سنعرض لبعض ما أورده المؤلف رحمه في كتابه من أقوال الصالحين والفقهاء والأدباء مما يحث على تزكية النفوس واكتساب مكارم الأخلاق.

    في فضل العقل وذم الهوى:
    قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ومروءته خلقه".
    قال بعض الحكماء: "العقل أفضل مرجو، والجهل أنكى عدو".
    قال بعض الأدباء: "صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله".

    قال إبراهيم بن حسان:
    يزين الفتى في الناس صحة عقله *** وإن كان محظوراً عليه مكاسبه
    يشين الفتى في الناس قلة عقله *** وإن كرمت أعراقه ومناسبه
    يعيش الفتى بالعقل في الناس إنه *** على العقل يجري علمه وتجاربه
    وأفضل قسم الله للمرء عقله *** فليس من الأشياء شيء يقاربه
    إذا أكمل الرحمن للمرء عقله *** فقد كملت أخلاقه ومآربه

    قال صالح بن عبد القدوس:
    إذا تمَّ عقل المرء تمّت أموره *** وتمّت أمانيه وتمَّ بناؤه.
    قال عامر بن قيس: "إذا عَقَلَكَ عقلُك عما لا ينبغي فأنت عاقل".
    قيل: "عليكم بآراء الشيوخ فإنهم إن فقدوا ذكاء الطبع فقد مرّت على عيونهم وجوه العِبر، وتصدّت لأسماعهم آثار الغير".
    وقيل في منثور الحكم: من طال عمره نقصت قوة بدنه وزادت قوة عقله. وقيل فيه: لا تدع الأيام جاهلا إلا أدبته. وقال بعض البلغاء: التجربة مرآة العقل، والغرة ثمرة الجهل.
    قال بعض الحكماء: "كفى بالتجارب تأدباً، وبتقلب الأيام عظة".
    وقال بعض الأدباء: "كفى مخبرا عما بقي ما مضى، وكفى عبرا لأولي الألباب ما جربوا".

    قال بعض الشعراء:
    ألم تر أن العقل زين لأهله *** ولكن تمام العقل طول التجارب
    قال الأصمعي رحمه الله: "قلت لغلام حدث من أولاد العرب كان يحادثني فأمتعني بفصاحة وملاحة: أيسرّك أن يكون لك مائة ألف درهم، وأنت أحمق؟ قال: لا والله. قال: فقلت: ولمَ؟ قال: أخاف أن يجني عليَّ حمقي جناية تذهب بمالي ويبقى عليَّ حمقي".

    قال بعض الحكماء: "كفاك من عقلك ما دلَّك على سبيل رشدك".
    قيل في منثور الحكم: "كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه إذا كثر غلا".

    أنشد بعض أهل الأدب هذه الأبيات، وذكر أنها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
    إن المكارم أخلاق مطهرة *** فالعقل أولها والدين ثانيها
    والعلم ثالثها والحلم رابعها *** والجود خامسها والعُرف ساديها
    والبِرّ سابعها والصبر ثامنها *** والشكر تاسعها واللين عاشيها
    والنفس تعلم أني لا أُصدِّقها *** ولست أرشد إلا حين أعصيها
    والعين تعلم في عيني محدِّثها *** من كان من حزبها أو من أعاديها
    عيناك قد دلّتا عيني منك على *** أشياء لولاهما ما كنت تبديها

    قال بعض الحكماء: "الحاجة إلى العقل أقبح من الحاجة إلى المال".
    قال أنوشروان لبزرجمهر: "أي الأشياء خير للمرء؟ قال: عقل يعيش به. قال: فإن لم يكن؟ قال: فإخوان يسترون عيبه. قال: فإن لم يكن؟ قال: فمال يتحبب به إلى الناس. قال: فإن لم يكن؟ قال: فعي صامت. قال: فإن لم يكن؟ قال: فموت جارف".
    كانت ملوك الفرس إذا غضبت على عاقل حبسته مع جاهل.

    قال الشاعر: لكل داءٍ دواء يُستطب به *** إلا الحماقة أعيت من يداويها
    قال الماوردي: "أما الهوى فهو عن الخير صاد، وللعقل مضاد؛ لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكاً، ومدخل الشرّ مسلوكاً".
    قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى وطول الأمل. فإن اتباع الهوى يصد عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخرة".
    قال الشعبي: "إنما سُمِّيَ الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه".
    قال أعرابي: الهوى هوان ولكن غلط باسمه، فأخذه الشاعر، وقال: إن الهوان هو الهوى قلب اسمه *** فإذا هويت فقد لقيت هوانا
    قيل في منثور الحكم: "من أطاع هواه، أعطى عدوّه مناه". قال بعض الحكماء: "العقل صديق مقطوع، والهوى عدو متبوع".

    قال هشام بن عبد الملك بن مروان:
    إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى *** إلى كل ما فيه عليك مقال
    قال بعض الحكماء: "الهوى ملك غشوم، ومتسلِّط ظلوم". وقال بعض الأدباء: "الهوى عسوف، والعدل مألوف".
    قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إياكم وتحكيم الشهوات على أنفسكم فإن عاجلها ذميم، وآجلها وخيم، فإن لم ترها تنقاد بالتحذير والإرهاب، فسوفها بالتأميل والإرغاب، فإن الرغبة والرهبة إذا اجتمعا على النفس ذلَّت لهما وانقادت".
    قال ابن السماك: "كن لهواك مسوفاً، ولعقلك مسعفاً، وانظر إلى ما تسوء عاقبته فوطِّن نفسك على مجانبته فإن ترك النفس وما تهوى داؤها، وترك ما تهوى دواؤها، فاصبر على الدواء، كما تخاف من الداء".
    قال الشاعر:
    صبرت على الأيام حتى تولَّت *** وألزمْت نفسي صبرها فاستمرّت
    وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى *** فإن طمعت تاقت وإلا تسلّت

    قال بعض الأدباء: "من أمات شهوته، فقد أحيا مروءته.
    قيل في المثل: "العقل وزير ناصح، والهوى وكيل فاضح".

    قال الشاعر:
    إذا المرء أعطى نفسه كلما اشتهت *** ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
    وساقت إليه الإثم والعار بالذي *** دعته إليه من حلاوة عاجل
    قال بعض الحكماء: "نظر الجاهل بعينه وناظره، ونظر العاقل بقلبه وخاطره".
    قال العباس بن عبد المطلب: "إذا اشتبه عليك أمران فدع أحبهما إليك، وخذ أثقلهما عليك". وعلة هذا القول هو أن الثقيل يبطئ النفس عن التسرُّع إليه فيتضح مع الإبطاء وتطاول الزمان صواب ما استعجم، وظهور ما استبهم.
    وقد قال علي بن أبي طالب: من تفكر أبصر والمحبوب أسهل شيء تسرع النفس إليه، وتعجل بالإقدام عليه، فيقصر الزمان عن تصفحه ويفوت استدراكه لتقصير فعله فلا ينفع التصفح بعد العمل ولا الاستبانة بعد الفوت.
    قال بعض الحكماء: "ما كان عنك معرِضاً، فلا تكن به متعرِّضاً".
    وصف بعض البلغاء حال الهوى وما يقارنه من محن الدنيا، فقال: "الهوى مطية الفتنة، والدنيا دار المحنة، فانزل عن الهوى تسلم، وأعرِض عن الدنيا تغنم، ولا يغرنك هواك بطيب الملاهي ولا تفتنك دنياك بحسن العواري. فمدة اللهو تنقطع وعارية الدهر ترتجع، ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم، وتكتسبه من المآثم".
    وقال علي بن عبد الله الجعفري: سمعتني امرأة بالطواف، وأنا أنشد:
    أهوى هوى الدين واللذات تعجبني ... فكيف لي بهوى اللذات والدين
    فقالت: هما ضرتان فذر أيهما شئت وخذ الأخرى.
    وقال آخر:
    يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلّا لنفسك كان ذا التعليم
    تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كيما يصح به وأنت سقيم
    ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
    فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى *** بالقول منك وينفع التعليم
    لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
    ونحن نسأل الله تعالى أن يكفينا دواعي الهوى، ويصرف عنا سبل الردى، ويجعل التوفيق لنا قائدا، والعقل لنا مرشدا. فقد روي أن الله تعالى أوحى إلى عيسى - عليه السلام -: عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني.
    ---------------------------------------------------------------
    الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره واهتدى بهداه، وبعد:
    فإن الله تعالى قد بين لعباده أن طريق النجاة من النار والفوز بالجنة إنما يكون بمجاهدة النفس ومخالفة هواها وعدم الانجرار وراء الرغبات والشهوات، فقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}(النازعات:40-41). قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (أي: خاف القيام بين يدي الله؛ فلهذا نهى نفسه عن هواها المحرم، أي: نهاها عن المعاصي التي تهواها النفس، وهذا هو الذي له الجنة والكرامة، فإن النفس قد تميل إلى الزنا والخمر والربا، وإلى أشياء أخرى مما حرم الله، وتهوى ذلك لأسباب، فإذا وفق الله المؤمن أو المؤمنة لمحاربة هذا الهوى ومخالفته وعدم الانصياع إليه صار هذا من أسباب دخول الجنة).
    فينبغي على العاقل اللبيب أن يكون لهواه مسوّفا، ولعقله مسعفا، وأن ينظر إلى ما تسوء عاقبته فيوطّن نفسك على مجانبته، فإنّ ترك النّفس وما تهوى داؤها، وترك ما تهوى دواؤها، فيصبر على الدّواء كما يخاف من الدّاء.
    ومما يعين العبد على مخالفة الهوى معرفته بربه وخوفه منه وحذره من عقابه وتفكره فيما هو مقبل عليه من من أهوال عظام من نزول الموت بساحته ولبثه في قبره وبعثه ونشوره ووقوفه بين يدي ربه للحساب وانصرافه إما إلى جنة وإما إلى نار. إن العبد الذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية ربه، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة، فظل في دائرة الطاعة.
    والخوف من الله عزَّ وجلَّ هو الحاجز الصلب أمام عواصف الهوى العنيفة، وهو الذي يكبح جماح النفس إلى المعصية، فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان، وكل معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقل أن يُؤتَى الإنسان إلا من قِبَل الهوى.

    وحقيقة الأمر أنهما طريقان لا ثالث لهما، إما طريق الاستقامة والاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإما السير في طريق الهوى والغفلة، قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الجاثية: 18).
    وقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}(الكهف:28).
    وقال سبحانه: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (ص: 26).
    قال ابن القيم رحمه الله: (مخالفة الهوى تقيم العبد في مقامِ مَن لو أقسم على الله لأبرّه؛ فيقضي له من الحوائج أضعاف أضعاف ما فاته من هواه، فهو كمن رغب عن بَعْرة فأُعطي عوضها دُرّة، ومتبع الهوى يفوته من مصالحه العاجلة والآجلة والعيش الهنيء ما لا نسبة لما ظفر به من هواه ألبتة).
    إن الحياة الحقيقية والسعادة الأبدية في مخالفة الهوى والاستجابة لله ولرسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(الأنفال:24).
    وإذا لم يجاهد العبد نفسه ويخالف هواه، وإذا استجاب لداعي الهوى كلما دعاه فقد اتخذ إلهه هواه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}.(الفرقان:43).

    قال قتادة- رحمه الله تعالى-: (إنّ الرّجل إذا كان كلّما هوي شيئا ركبه، وكلّما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتّخذ إلهه هواه).
    وقال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: الهوى شرّ داء خالط قلبا.

    إذا ما رأيت المرء يقتاده الهوى فقد ثكلته عند ذاك ثواكله
    وقد أشمت الأعداء جهلا بنفسه وقد وجدت فيه مقالا عواذله
    وما يردع النّفس اللّجوج عن الهوى من النّاس إلّا حازم الرّأي كامله

    وأمثال هؤلاء المتبعين لأهوائهم ضرب الله لهم أبشع الأمثلة فشبههم بالحيوانات: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}(الفرقان:44).
    وشبَّه مَن كان هذا حاله بالكلب: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}(الأعراف: 175، 176).
    كما شبههم بالحُمُر في قوله سبحانه: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ . كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ . فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } (المدثر: 49 – 51).
    ولقد عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباع الهوى من المهلكات، فقال: " وأمّا المهلكات: فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه".
    وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أخشى عليكم شهواتِ الغَيِّ في بطونِكم و فروجِكم ، و مُضِلَّاتِ الهوَى".
    وما ذُكر الهوى في كتاب الله إلا مذموما كما قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: (ما ذكر الله- عزّ وجلّ- الهوى في موضع من كتابه إلّا ذمّه).

    ومجامع الهوى خمسة أمور جمعها الله في قوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
    ومن اتبع هواه وسَدَّ على نفسه أبواب الهداية، ولجَّ في دروب الغواية، فإن الله لا يهديه، وما ظلمه الله، ولكن هو ظلم نفسه باتباع هواه فمن يهديه من بعد الله؟.
    {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية: 23).

    خالف هواك:
    قال ابن الجوزيّ رحمه الله : (اعلم أنَّ مطلقَ الهوى يدعو إلى اللَّذَّة الحاضرة، من غير فكر في عاقبة، ويَحُثُّ على نيل الشَّهوات عاجلاً، وإن كانت سببًا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذات في الآجل؛ فأما العاقل فإنه ينهى نفسَه عن لذَّة تُعْقب ألمًا وشهوة تورث ندمًا، وينبغي للعاقل أن يتمرَّن على دفع الهوى المأمون العواقب؛ ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته .
    فإن قال قائلٌ : فكيف يتخلَّص من هذا مَنْ قد وَقَعَ فيه ؟ قيل له : بالعزم القويِّ في هجران ما يؤذي، والتدرج في ترك ما لا يؤمن أذاه؛ وهذا يَفْتقر إلى صبر ومجاهَدة يُهَوِّنهما سبعة أشياء:

    أحدُها : التَّفَكُّرُ في أن الإنسان لم يُخلق للهوى؛ وإنما هُيِّئ للنَّظَر في العواقب والعمل للآجل .
    والثاني : أن يفكر في عواقب الهوى .
    والثالث : أن يتصوَّر العاقل انقضاء غرضه من هواه ثم يتصور الأذى الحاصل عقيب اللَّذَّة .
    والرابع : أن يتصور ذلك في حقِّ غيره، ثم يتلمح عاقبته بفكره؛ فإنَّه سيرى ما يَعْلَم به عيبَه إذا وقف في ذلك المقام .
    والخامس : أن يتفكر فيما يطلبه من اللَّذَّات؛ فإنه سيخبره العقل أنه ليس بشيء؛ وإنما عين الهوى عمياء .
    والسادس : أن يتدبَّر عزَّ الغلبة وذُلَّ القهر؛ فإنَّه ما من أحد غَلَبَ هواه إلا أَحَسَّ بقوة عز .
    والسابع : أن يتفكَّر في فائدة المخالفة للهوى من اكتساب الذِّكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة).
    فحري بالعبد أن يلح في سؤال ربه الهدى ، ويحذر من هوى نفسه: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير}(البقرة: 120).
    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه تبارك وتعالى بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألُك الهُدَى و التُّقَى، والعفافَ والغِنى".

    فاللهم اهدنا وسددنا وجنبنا مضلات الأهواء والفتن ما ظهر منها وما بطن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    ---------------------------------------
    إن النجاة من الظلم والظالمين فضل كبير ومكرمة ومنة من الله تعالى على عباده، ينبغي على العبد أن يستشعر قيمة هذه النعمة وأن يكون دائم اللجوء إلى الله تعالى كثيرالدعاء أن ينجيه الله تعالى من الظالمين وألا يجعل للظالمين سلطانا عليه.
    وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم بها إخبار عن الدعاء بالنجاة من الظالمين، فقد سأل موسى عليه السلام ربه النجاة من فرعون وقومه، فقال: {رَبِّ نني مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}: توسل بربوبية اللَّه عز وجل التي من معانيها التربية والعناية والإصلاح والتدبير، وإجابة الدعاء، فناسب أن يسأل ربه عز وجل في إصلاح أمره، وتدبير حاله، في النجاة من هؤلاء الظلمة، أي: يا رب نجّني، وخلّصني من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك، ووصفهم بالظلم إظهار لشناعة هذا الوصف، ومن كان من أهله.
    فأنجاه الرب الكريم، كما هي عادته مع أنبيائه وأوليائه الذين يفرون إليه في كل أمورهم، وأحوالهم، وعند الشدائد والمهالك، والأخطار كما قال عز وجل: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} (يوسف: 103). ولأنها نعمة عظيمة فإن نبي الله موسى عليه السلام لما أخبر الرجل الصالح في مدين بما كان من أمرالقبطي وفرار موسى من فرعون ووصوله إلى مدين، بشره الرجل الصالح قائلا: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(القصص: 25).

    ومن هذه الآيات التي تدل على ذات المعنى قول الله تعالى: { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ . رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ})(المؤمنون : 93-94)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآيات: (يقول تعالى آمرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو هذا الدعاء عند حلول النقم: { رب إما تريني ما يوعدون} أي : إن عاقبتهم وإني شاهد ذلك فلا تجعلني فيهم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه : "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون").

    ومنها قول الله تعالى في سورة المؤمنون : {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ . فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(المؤمنون: 27-28).

    وهذا نبي الله لوط عليه السلام قد قص الله علينا خبره فقال: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ . وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ . قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ . قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ . رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ . فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ . ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ . وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}(الشعراء:160-173).
    وقوم عاد لما أرسل الله إليهم نبيه هودا عليه السلام فدعاهم إلى الله فكذبوه فدعا عليهم: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ . قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(المؤمنون: 39-41).

    وسؤال اللَّه النجاة من الظالمين، كما هو دأب الأنبياء والمرسلين، كان له نصيب من أدعية المؤمنين، كما قصَّ اللَّه علينا خبر المؤمنة آسية زوج فرعون حين قالت: {وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(التحريم:11)، فسألت النجاة من فرعون الطاغية الظالم الذي زعم أنه رب الناس، ثمّ عمّمت سؤال النجاة من كلّ من يتّصف بهذه الصفة الشنيعة التي حرّمها ذو الجلال والإكرام على نفسه، وعلى عباده.
    وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به جابرٍ رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي"".(رواه البخاري في الأدب المفرد).
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قلّما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: "الّلهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ . . . واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا، وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا".( رواه الترمذي).

    وفي بدر قال صلى الله عليه وسلم وهو يناشد ربه ويدعوه ويستنصره: " اللهمَّ إن تهلك هذه العصابة من أهلِ الإسلامِ لا تُعبدُ في الأرض ".(رواه مسلم).
    وفي الأحزاب ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر! قال: " نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمِن روعاتنا" ، قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالرِّيح، وهزمَهُم الله بالريح).(رواه أحمد).
    إن حديثنا عن الدعاء كسبب من أعظم أسباب النجاة من الظالمين ليس دعوة للتخلي عن بقية الأسباب للنجاة والتي منها عند القدرة مواجهة الظالم والأخذ على يديه، لكنه تذكير بسلاح مهم ربما غفل عنه كثير من الناس مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه الله عز وجل ينصر دعوة المظلوم ولو بعد حين وأن الله تعالى يرفعها فوق الغمام.
    ومن رحمة الله تعالى بالضعفاء المظلومين أنه لا يطالبهم ببذل ما لا يستطيعون، لكنه يطالبهم ببذل أقصى ما في وسعهم، فعندما طلب من الإنسان إعداد القوة لملاقاة عدوه، قال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (الأنفال: 60)، وقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن: 16، فجعل كل أمرٍ مرهون بالاستطاعة، وليس بما فوق الطاقة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
    وحين يعجز العبد ولا تتهيأ له الأسباب للمواجهة تكون النجاة مغنما وفتحا؛ فقد ثبت في غزوة مؤتة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدًا وجعفرًا وابنَ رواحةَ للناسِ قبلَ أن يأتيَهم خبرُهم، فقال: "أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذَ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ ابنُ رواحةَ فأصيبَ. وعيناه تذرِفان: حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ، حتى فتحَ اللهُ عليهم".
    فعدّ النبي صلى الله عليه وسلم انسحاب خالد بن الوليد رضي الله عنه بالجيش ونجاة المسلمين فتحا.
    نسأل الله النجاة والسلامة والعافية في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    -------------------------------------
    إن النجاة من الظلم والظالمين فضل كبير ومكرمة ومنة من الله تعالى على عباده، ينبغي على العبد أن يستشعر قيمة هذه النعمة وأن يكون دائم اللجوء إلى الله تعالى كثيرالدعاء أن ينجيه الله تعالى من الظالمين وألا يجعل للظالمين سلطانا عليه.
    وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم بها إخبار عن الدعاء بالنجاة من الظالمين، فقد سأل موسى عليه السلام ربه النجاة من فرعون وقومه، فقال: {رَبِّ نني مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}: توسل بربوبية اللَّه عز وجل التي من معانيها التربية والعناية والإصلاح والتدبير، وإجابة الدعاء، فناسب أن يسأل ربه عز وجل في إصلاح أمره، وتدبير حاله، في النجاة من هؤلاء الظلمة، أي: يا رب نجّني، وخلّصني من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك، ووصفهم بالظلم إظهار لشناعة هذا الوصف، ومن كان من أهله.
    فأنجاه الرب الكريم، كما هي عادته مع أنبيائه وأوليائه الذين يفرون إليه في كل أمورهم، وأحوالهم، وعند الشدائد والمهالك، والأخطار كما قال عز وجل: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} (يوسف: 103). ولأنها نعمة عظيمة فإن نبي الله موسى عليه السلام لما أخبر الرجل الصالح في مدين بما كان من أمرالقبطي وفرار موسى من فرعون ووصوله إلى مدين، بشره الرجل الصالح قائلا: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(القصص: 25).

    ومن هذه الآيات التي تدل على ذات المعنى قول الله تعالى: { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ . رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ})(المؤمنون : 93-94)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآيات: (يقول تعالى آمرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو هذا الدعاء عند حلول النقم: { رب إما تريني ما يوعدون} أي : إن عاقبتهم وإني شاهد ذلك فلا تجعلني فيهم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه : "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون").

    ومنها قول الله تعالى في سورة المؤمنون : {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ . فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(المؤمنون: 27-28).

    وهذا نبي الله لوط عليه السلام قد قص الله علينا خبره فقال: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ . وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ . قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ . قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ . رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ . فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ . ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ . وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}(الشعراء:160-173).
    وقوم عاد لما أرسل الله إليهم نبيه هودا عليه السلام فدعاهم إلى الله فكذبوه فدعا عليهم: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ . قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(المؤمنون: 39-41).

    وسؤال اللَّه النجاة من الظالمين، كما هو دأب الأنبياء والمرسلين، كان له نصيب من أدعية المؤمنين، كما قصَّ اللَّه علينا خبر المؤمنة آسية زوج فرعون حين قالت: {وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(التحريم:11)، فسألت النجاة من فرعون الطاغية الظالم الذي زعم أنه رب الناس، ثمّ عمّمت سؤال النجاة من كلّ من يتّصف بهذه الصفة الشنيعة التي حرّمها ذو الجلال والإكرام على نفسه، وعلى عباده.
    وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به جابرٍ رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي"".(رواه البخاري في الأدب المفرد).
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قلّما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: "الّلهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ . . . واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا، وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا".( رواه الترمذي).

    وفي بدر قال صلى الله عليه وسلم وهو يناشد ربه ويدعوه ويستنصره: " اللهمَّ إن تهلك هذه العصابة من أهلِ الإسلامِ لا تُعبدُ في الأرض ".(رواه مسلم).
    وفي الأحزاب ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر! قال: " نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمِن روعاتنا" ، قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالرِّيح، وهزمَهُم الله بالريح).(رواه أحمد).
    إن حديثنا عن الدعاء كسبب من أعظم أسباب النجاة من الظالمين ليس دعوة للتخلي عن بقية الأسباب للنجاة والتي منها عند القدرة مواجهة الظالم والأخذ على يديه، لكنه تذكير بسلاح مهم ربما غفل عنه كثير من الناس مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه الله عز وجل ينصر دعوة المظلوم ولو بعد حين وأن الله تعالى يرفعها فوق الغمام.
    ومن رحمة الله تعالى بالضعفاء المظلومين أنه لا يطالبهم ببذل ما لا يستطيعون، لكنه يطالبهم ببذل أقصى ما في وسعهم، فعندما طلب من الإنسان إعداد القوة لملاقاة عدوه، قال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (الأنفال: 60)، وقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن: 16، فجعل كل أمرٍ مرهون بالاستطاعة، وليس بما فوق الطاقة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
    وحين يعجز العبد ولا تتهيأ له الأسباب للمواجهة تكون النجاة مغنما وفتحا؛ فقد ثبت في غزوة مؤتة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدًا وجعفرًا وابنَ رواحةَ للناسِ قبلَ أن يأتيَهم خبرُهم، فقال: "أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذَ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ ابنُ رواحةَ فأصيبَ. وعيناه تذرِفان: حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ، حتى فتحَ اللهُ عليهم".
    فعدّ النبي صلى الله عليه وسلم انسحاب خالد بن الوليد رضي الله عنه بالجيش ونجاة المسلمين فتحا.
    نسأل الله النجاة والسلامة والعافية في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    ---------------------------------
    إن العدل هو ميزان الله الذي وضعه للخلق، ونصبه للحق؛ فهو إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلا به، ولا صلاح فيها إلا معه.
    والعدل يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، به تعمر البلاد وتنمو الأموال، ومعه يكبر النسل، ويأمن السلطان.
    قال الماورديّ في أدب الدنيا والدين: (إنّ ممّا تصلح به حال الدّنيا قاعدة العدل الشّامل، الّذي يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطّاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النّسل، ويأمن به السّلطان.
    وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور؛ لأنّه ليس يقف على حدّ، ولا ينتهي إلى غاية، ولكلّ جزء منه قسط من الفساد حتّى يستكمل).
    ولهذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
    قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم تكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. ومتى لم تقم بعدلٍ لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة).
    وقال: (إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم لا يباح بحال).

    وقد روى الطبراني عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقدس الله أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير مُتَعتَع".
    ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم عدَّ العدل من المنجيات حين قال: " وأما المنجيات: فالعدل في الرضا والغضب.."
    ولما كان العدل بهذه المكانة السامية والمنزلة العالية والمكانة الرفيعة، رأينا الشريعة المطهرة تأمر به وتُعلي من شأنه وتحث عليه.
    قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء:135)، وقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(المائدة:8).
    ونجد هنا أمرًا من الله تعالى للمؤمنين أن يكون العدل خلقًا من أخلاقهم، وسجية من سجاياهم؛ وذلك لأن صيغة (قوَّام) هي صيغة مبالغة، تدل على أن العدل من الأخلاق المتمكنة فيه.
    وفي نصٍ كُلِّي جامع يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90).

    بعض المجالات التي يدخل فيها العدل:
    إننا مطالبون بالعدل في كل شيء، لكننا نشير هنا إلى بعض المجالات التي ينبغي فيها الحرص على تحري العدل والعمل به، ومنها:
    الولاية على الناس وحكمهم:
    فيجب أن نتبع فيها قواعد العدل، ومن العدل فيها: إعطاء المستحقين ومنع غيرهم، وإتاحة الفرص لجميع الأفراد بحسب كفاياتهم.
    ومن العدل فيها: إسناد الأعمال إلى أهلها القادرين على القيام بها.
    ولهذا كان من الذين يظلهم الله في ظله: "إمامٌ عادل". وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من يعدلون في ولايتهم بالمكانة العالية والمنزلة الرفيعة عند الله تعالى حين قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن -عز وجل- وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا". ووعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة دعوتهم إن عدلوا في حكمهم وسياستهم لرعيتهم: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم.".

    العدل في القضاء:
    ويكون بالفصل بين الخصماء على أساس العدل لا على المحاباة، والتسوية بين الخصوم في مجلس القضاء، فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم، يعني على سبيل المساواة بينهما في المجلس، وكذا يكون العدل في القضاء بإقامة الحدود والجزاءات والقصاص.
    يقول الله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}(النساء:58).
    وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حكمتم فاعدلوا..".
    ويقول صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم ، فهو في النار..".
    العدل في الشهادة:
    ويكون العدل فيها بأن يشهد بما رأى أو سمع ولا يكتم الشهادة، {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(البقرة:283).
    ويشهد بالحق فلا يحمله على مخالفة الحق قرابة أو حب أو بغض لقوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا..}(الأنعام:152). ولا يشهد بما يخالف الواقع، فإن شهد بما يخالف ذلك فهو شاهد زور، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}(الفرقان:72). وقد عد النبي شهادة الزور من أكبر الكبائر.

    العدل في معاملة الزوجات:
    بأن يعطي كلاً منهنَّ نصيبها من النفقة والسكن والمبيت، وقد حذر النبي صَلى الله عليه وسلم من ترك العدل بين الزوجات: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهنَّ جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل". وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُفضِّل بعضنا على بعض في القَسْم من مُكثه عندنا". وعنها رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل، ويقول: "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب.

    العدل في معاملة الأولاد:
    وذلك بأن يسوي بينهم في العطية والتربية، وغير ذلك مما يملكه الإنسان. قال صَلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".
    ولما جاء والد النعمان بن بشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهده على عطيته للنعمان من ماله قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فكل بنيك نحلت مثل الذي نحلت النعمان؟" قال: لا، قال: "فأَشْهِد على هذا غيري" قال: "أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذاً".
    إن هذه المجالات التي سبق الإشارة إليها ليست إلا نماذج وأمثلة لما يكون فيه العدل، وإلا فإن المسلم مطالب بالعدل في أموره كلها، بل إنه مطالب بالعدل حتى مع أعدائه: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}(الشورى:15).
    وحين أرسل النبي صَلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، أرادوا رشوته، فقال: "والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض".

    إننا كمسلمين حين نلتزم بالعدل خلقًا وسلوكًا ومنهج حياة، فإننا نشيع الأمن والطمأنينة، ونعمل على رفاهية مجتمعاتنا.
    كما إننا بالعدل نبين للآخرين عظمة الإسلام وسموه، فيرغبون في التعرف على هذا الدين والدخول فيه، كما حدث مع السابقين، فاللهم ارزقنا العدل في الرضا والغضب.
    islamweb






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de