|
|
 Re: د. قصي همرور ينعي والده ميرغني خليل ويجيد (Re: عبدالله عثمان)
|
كتب قصي همرور شيخ الدين
ميرغني أحمد خليل:
ما يغشاك شر
ظللتُ أقول: حين كنت في فترة ضعفي، وأنا طفل صغير، لا أعرف أين أذهب وكيف انتمي، منذ انفصال الوالدين، وأنا متوزّع بين هنا وهناك، جعلني هو أشعر بالاستقرار لأنه لم يقم البتة، وهو قادر، بإشعاري أني في مكان غير مكاني، في بيتهما (أمي وهو)، بعد زواجهما، بحسن معاملته، وذلك أمرٌ ليس بالهيّن - حين أنظر من حولي وأرى التجارب المتفاوتة - ولا يقدر عليه إلا بعض من لديهم قسطٌ كبيرٌ من الرحمة والأصالة. وكلما كبرت زاد تقديري لتلك الأيام، لأنها كانت مهمة كملجأ من تشرذم داخلي صعب في الصغر يترك أثره بقية عمر الإنسان. بقيت أحفظ له ذلك الجميل، وأستشعره كثيرا، وأحكي عنه، مع تقلبات الزمان.
ثم كان هنالك الأثر العام، فالطفل يتأثر بمن حوله من ذوي الوصاية عليه في محيطه الصغير، فمجرد الوجود معهم في أنشطة الحياة اليومية، وطرق عملهم وكلامهم وتفكيرهم، وبرامجهم وأساليبهم، يترك أثره على الطفل الذي يقرأ الأشياء ويستطلع المسائل مما يراه ويسمعه ويختبره. أذكر أنه كان إنسانا مطّلعا ومهتما بالتفكير خارج الأطُر التقليدية، ولشغفي بالقراءة استمتعت بمكتبته (مثلما استمتعت بمكتبة أبي ومكتبة جدي). أذكر أيضا أنه كان حريصا على قضاء وقت أسَري كافٍ، وأن تكون هنالك برامج ترويحية للأسرة في الإجازات الأسبوعية، كما تلقّيت منه جرعات أولى جادة في تعلّم اللغة الانكليزية (وهو الأستاذ المقتدر فيها). وطبعا لم تخل حياتي في مسقط من أوقات كثيرة معه، لوحدنا أو مع بقية اخوتي (أبناؤه)، وما أذكره عنها أنها كانت مليئة بالألفة ومناخ الأسرة الواحدة. كل تلك الحياة لا تخلو كذلك من قفشاتها وقصصها اللطيفة، ودروسها وعبرها. في تلك الأيام كنت أنادي رجلين باسم "أبوي".
تجاذبتنا الأقدار لاحقا، وتراخت بيننا حبال الوصل، لظروف وملابسات متعددة (تبدو جميعها الآن ضئيلة وتافهة أمام هول الحدث). أصبحنا نتلاقى ونتكلم لمَماً، ونعرف أخبار بعضنا بعضا عن طريق اخوتي؛ لكن، كما كنت أقول لهم، ما فتئنا نعتقد أن الوقت سيأتي لرأب الصدع وإعادة تقوية الأواصر، فالشيء الثابت هو أنها من النِعَم الكبيرة أن يعرف المرء في حياته - وخاصة في طفولته - إنسانا طيبا، رحيما، زاهدا ومجتهدا، وتقدميّا، ومهموما بالقضايا الأكبر من المحيط الضيق، مثله، وتلك نعمة تتطلب الشكر، وشكر النعمة عمل.
وأثناء ما يظن المرء أن الوقت سيأتي، تحصل الفاجعة. من غفلتنا، لم نضع سيناريو الغياب المفاجئ في الحسبان، فلو كنّا وضعناه لما كان هنالك عذرٌ في الانتظار لوقت "مناسب"، لن يأتي بعد الآن…. (ليس في هذه الحياة على أي حال).
(أبوي) ميرغني خليل: أبقى أراك في اخوتي، وأحبّك فيهم، وأشكرك من خلالهم. هذا وعد.
| |
  
|
|
|
|
عبدالله عثمان
Yasir Elsharif
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست