تعليقًا على خطبة السيد نائب الرئيس العام لجماعة انصار السنة المحمدية بالسودان إلى متى تُستغل المساجد لإثارة الفتن وتكفير الآخرين؟ بسم الله الرحمن الرحيم ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) صدق الله العظيم الخُطبة التي القاها السيد نائب الرئيس العام لجماعة انصار السنة المحمدية بالسودان د.محمد الامين اسماعيل ( سيُشار اليه فيما بعد ب " إمام المسجد" او " الإمام") على مسامع المصلين في صلاة الجمعة بتاريخ الاول من يناير من هذا العام 2021 ، كانت أسوأ إستهلال للعام الجديد ، اذ تكشف هذه الخطبة عن عمق الازمة التي نعيشها كما توضح بجلاء أن هنالك عقبة كأداء لايمكن ان تتحقق معها اهداف ثورة ديسمبر المجيدة ويجب على حكومة الثورة إزالتها وهو من أوجب واجباتها. هذه العقبة الكأداء هي الذهنية التي مازالت تسيطر على عقول العديد من أئمة المساجد الا وهي تكفير الآخرين بسبب اختلاف الرؤى الفكرية. ولسنا معنيين بهذه الذهنية طالما ظلت حبيسة الضمائر ولكننا معنيون بها للغاية متى شرع هؤلاء الأئمة في الجهر بما يدور في أذهانهم واخذوا يستغلون منابر المساجد لإثارة الفتنة واستثارة العواطف الدينية مستغلين في ذلك حب هذا الشعب وغيرته على دينه من ناحية وغياب الوعي الكافي بالمسائل الدينية والدستورية من ناحية اخرى. لا أُريد التوقف كثيرًا عند الزعيق والتشنج الشديدين اللذين اتسم بهما اسلوب امام المسجد وهو امر يدل ، في حد ذاته ، على عدم احترامه لبيوت الله وعدم ايلائه ادنى اعتباره لصلاة الجمعة التي ذهبت بركتها بسبب تلك الخُطبة لما احتوته من سباب وشتائم لا ينبغي ان تصدر من عوام الناس دع عنك ان تصدر من إمام مسجد ينتمي لجماعة دينية وهي جماعة انصار السنة المحمدية التي تدعي إتباع سنة النبي الكريم. لقد اثار امام المسجد عددًا من النقاط التي سأتناولها على النحو التالي : النقطة الاولى : الخلط بين شخصية القراي بصفته مديرا لمركز المناهج وشخصيته كناشط جمهوري شن إمام المسجد هجوما شديدا على د.عمر القراي المدير العام للمركز القومي للمناهج ( سيُشار اليه ب "القراي") وذلك بدعوى ان الاخير له اقوال وآراء هي الكفر والردة بعينها من وجهة نظر امام المسجد. من ضمن تلك الآراء التي نسبها امام المسجد للقراي انه اي القراي قد اساء الى الصحابة ووصف ابي بكر وعمر بالدكتاتورية والتسلط وانكر الحج وقال ان القرآن لايصلح لزماننا هذا ، الى غير ذلك من الاقوال التي ذكرها امام المسجد ونسبها الى القراي. المعروف للكافة ان القراي ينتمي للحزب الجمهوري الذي اسسه الاستاذ محمود محمد طه في اربعينيات القرن الماضي وان القراي قد كان جمّ النشاط في التبشير بأفكاره التي يؤمن بها وهو حق قد كفله له الدستور ، الا انه ومنذ توليه ادارة مركز المناهج لم يُمارس اي نشاط سياسي او فكري يتعلق بالفكر الجمهوري وذلك امتثالا واحتراما لمقتضيات المنصب وانما تفرغ للمهام الجسام التي سعى لتحقيقها في تنقيح المناهج واعداد مناهج جديدة تعكس الروح الجديدة التي انتظمت البلاد بعد الثورة ، وبالتالي فإنه لم تكن هنالك اي ضرورة او مناسبة تتطلب من امام المسجد إستعراض او حتى الاشارة الى الافكار والآراء الشخصية التي يعتنقها القراي والتي ادلى بها القراي بصفته ناشط جمهوري وليس بصفته مديرا للمركز القومي للمناهج. ويلاحظ ان كثيرًا مما تناوله امام المسجد وان كثيرا مما يدور في الوسائط من فيديوهات تتعلق بآراء كان القراي قد عبر عنها قبل توليه ادارة المركز وكل هذه الفيديوهات غير مكتملة اذ يعمد مروجوها الى اقتطاع جزء بسيط من الفيديو بالصورة التي تمكن من تشويه صورة الرجل وهو وضع يُشبه تماما لمن يقول انه تعالى قد قال (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ) .وبكل اسف فان امام المسجد قد سار على طريقة ويل للمصلين وتبعها وقع الحافر على الحافر.اضف الى ما تقدم إن المسجد ليس هو المكان المناسب لنقد افكار الآخرين فهنالك سوح ومنابر مخصصة لهذا الغرض. النقطة الثانية: اللحن في قراءة القرآن ذكر الامام ان القراي يلحن في قراءة القرآن وانه لايستطيع ان يقرأ آية واحدة صحيحة من كتاب الله بل ولايستطيع حتى ان يقرأ البسملة بصورة صحيحة. وعلى افتراض صحة ماقاله امام المسجد فهل يقدح اللحن في قراءة القرآن في شغل المنصب الرسمي؟ فهل من ضمن الشروط لتولي ادارة مركز المناهج عدم اللحن في القرآن ؟ بل هل من ضمن الشروط ان يكون مديرمركز المناهج مسلما ام يكفي ان يكون سودانيا ليكون من الذين يمكنهم تولي هذا المنصب متى ما توفرت فيه المؤهلات الاخرى؟ ويبدو انه وفقا من منظور امام المسجد فان المسلم فقط هو الذي من حقه ان تكفل له الحقوق ويشغل المناصب الرسمية ، وانطلاقا من هذا الفهم فانه يشدد النكير على سونا لان منبرها قد استضاف من يعتبره امام المسجد كافرا ومرتدا بالحديث في منبرها . يقول الامام ذلك على الرغم من ان القراي موظف رسمي يشعل منصبا رفيعا في الدولة ومن البدهي ان يستغل المنبر الرسمي للدولة لتوضيح الامور التي تخص الشأن العام. وهذه النقطة تتجلى في استنكاره ان يرد اسم الراحل جون قرنق في كتاب التأريخ فيقول هذا الامام ناعيا على القراي ورود اسم جون قرنق ( ليته جاء برمز من رموز استقلال البلاد او قيادات الدين او القيادات الوطنية) . والدين في فهمه هو بالضرورة الدين الاسلامي فطالما ان قرنق لايعتنق الدين الاسلامي فلا يجوز إيراد إسمه . إن هذه المفاهيم هي التي ادت الى فقدان جزء عزيز من بلادنا ولاجل ازالتها انتفض الشعب السوداني ضد المخلوع ولكن يريد هذا الامام ان يعيدنا الي حقبة ما قبل الثورة وهيهات. ليس هذا فحسب فاذا تم الاستشهاد باقوال الاستاذ محمود محمد طه لاحتج امام المسجد ايضا بحجة ان الاستاذ محمود كافر مرتد .اما اذا ورد اسم السيد علي الميرغني فمن المتوقع ان يكون ذلك ايضا غير مقبول لانه كان زعيم الطريقة الختمية وهي طريقة صوفية ومن المعلوم ان انصار السنة ( من باب الدقة قل الوهابية) يكفرون الصوفية. فاذا ورد اسم الراحل محمد ابراهيم نقد فان ذلك لايجوز شرعا فهو شيوعي . الشاهد ان امام المسجد والجماعة التي تُطلق على نفسها اسم جماعة انصار السنة المحمدية ومن لف لفهم او من شاكلهم لن يرضيهم ان يرد في المناهج ايراد اسم اي زعيم الا اذا كان ذلك الزعيم مسلما حسب تصورهم هم للاسلام. هذه النقطة تؤكد ما ابتدرنا به هذا المقال من ان احدى العقبات الكؤود التي تواجه ثورة ديسمبر المجيدة هي الذهنية التي لاتزال مسيطرة على العديد من أئمة المساجد ومنهم بل وفي مقدمتهم هذا الامام الذي نحن بصدده. النقطة الثالثة : حديث امام المسجد عن استتابة القراي هو كذبٌ بواح وهُراءٌ صُراح ذكر امام المسجد ان القراي قد تمت استابته امام القضاء السوداني وانه اي القري قد اقرّ على نفسه بانه كافر ومرتد وانه مستتاب ثم استطرد قائلا ( ايؤتمن مستتاب على المناهج). التعليق الوحيد الذي يمكن قوله في هذه الجزئية ان ماقاله الامام في هذا الصدد هو كذب صراح وهراء بواح اذ ان القراي لم يستتاب امام اي محكمة ولم يسبق ان اقرّ على نفسه بالكفر او الردة. ثم يذهب امام المسجد متسائلا : ولكن هل يستتاب مرة اخرى؟ ثم يجيب بقوله: ان العلماء قالوا ان الاستتابة مرة واحدة. اي ان الامام يرى انه يجب اقامة حد الردة على القراي مباشرة دون حاجة الى استتابته مرة اخرى. ان الذهنية ما لبثت ان اطلت برأسها من جديد. الا يعلم امام المسجد انه قد تم الغاء جريمة الردة في القانون السوداني وانه لم يعد بوسع امثاله استغلال ساحات القضاء لتصفية خصومهم كما فعلوا في الماضي القريب. ان عهد استغلال ساحات القضاء لتصفية الخصوم السياسيين قد ولى بغير رجعة ان شاءالله ، بفضل الله ثم بفضل التعديل الذي اُدخل على القانون الجنائي والذي قضى بالغاء جريمة الردة التي كانت تُستغل في الاغراض السياسية الضيقة والتنكيل بالمعارضين السياسيين . النقطة الرابعة : المسجد ليس هو المكان المخصص لمناقشة وتقييم المناهج الدراسية لقد اسرف امام المسجد على نفسه وعلى المصلين عندما ذهب لاستعراض الدروس التي تم حذفها من المنهج. وعلى الرغم من عدم علمي بصدق الرجل من مينه إلا انني اقول ان إمام المسجد لم يكن بحاجة الى الخوض في هذا الامر البتة ، فليس امام المسجد بخبير تربوي وليس له إي معرفة بالكيفية والاُسس العلمية التي ينبغي ان تُعد بها المناهج ، فقوله في هذه الناحية يُرد ولايُؤخذ به. هذه المناهج وكما قال القراي -في غير مرة- ان اعدادها قد تمّ من قبل لجان ضمت خبراء في هذا المجال وقد إطمان لهم كل ذي لب اذ (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ، وقد كان جل رؤساء تلكم اللجان حضورا في المؤتمر الصحفي الاخير الذي عقده القراي ولم يبدِ ولا واحدٍ منهم اي إعتراض على المناهج ، فهل يستقيم عقلا بعد كل ذلك ان نحيد عن الأخذ بآراء هؤلاء الخبراء ونركن لخواطر فجة يلقيها علينا امام المسجد بغير علم؟ وكيف عرف امام المسجد ان المواد التي حُذفت قد تمّ حذفها للاسباب التي اوردها في الخطبة ؟ فهل تسنى لإمام المسجد الحديث مع القراي او مع احد رؤساء اللجان او احد اعضائها واوضح له احدهم اسباب الحذف وبدوره قام الامام بالكشف عن تلك الاسباب لجمهرة المصلين ام انه مجرد الحدس والظن ؟ قال تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا). ومهما يكن من الامر ، فإن المناهج الدراسية تتم مناقشتها بصورة موضوعية من خلال ورش عمل يشارك فيها الخبراء بآراء تستند الى خبرات طويلة اكتسبوها من عملهم في حقل التعليم ولا يتم مناقشتها في المساجد بهذه الطريقة المتشنجة. لقد تقدمت علينا الدول الاخرى وخاصة الغربية منها كثيرًا حتى كدنا ان نكون في مؤخرة الركب البشري وذلك بفضل إتباعهم لمناهج دراسية معدة بعناية من قبل اصحاب الاختصاص عن طريق النقاش العلمي والموضوعي الهاديء لا عن طريق الصراخ والنحيب في دور العبادة. النقطة الخامسة : السب والشتائم ان يوم الجمعة هو بمثابة عيد لنا كمسلمين فقد قال عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ( خيرُ يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خُلق آدم وفيه اُدخل الجنة وفيه اُخرج منها وفيه تقوم الساعة) ، ورغم ذلك الفضل الكبير ليوم الجمعة والذي يشحذ المسلمين للتسابق فيه على الطاعات إلا إن خطبة امام المسجد قد احتشدت بالسب والشتائم بالمخالفة للحديث الشريف ( ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش ولا البذيء) فقد اتهم امام المسجد القراي بالكفر والردة ووصفه بالتفاهة. ولم يكتف بذلك إذ اتهم الاستاذ محمود محمد طه ايضا بالكفر والردة وذكر ان الاستاذ محمود قد انكر الحج وانه قال انه يحج حول نفسه الى غيرها من التُرهات التي لاسند لها ولايستطيع ان يقيم عليها الدليل. إن ما قد قام به إمام المسجد يجعله عُرضة للمساءلة القانونية بموجب واحدة اواكثر من المواد التالية من القانون الجنائي السوداني : (1) الاخلال بالسلام العام ( المادة 169) ، (2) إشانة السمعة ( المادة 159) (3) الإساءة والسباب ( 160) .
لابد من القول ان الهجوم على القراي او على اي مواطن سوداني وإتهامه بالكفر والردة لما يحمله من آراء فكرية او سياسية لهو امر مرفوضٌ تماما . وليعلم امام المسجد ومن هم على شاكلته انه بفضل الله ثم بفضل ثورة ديسمبر المجيدة فقد إفتتح السودان عهدًا جديدًا يرتكز على شعارات الثورة ...حرية سلام وعدالة ووفقا لهذه الشعارات فانه لاحجرَ على احدٍ في التعبير عن آرائه ولا تمييز بين السودانيين في تولي المناصب العامة. إن على اصحاب الذهنية القديمة ان يعلموا كذلك إن الشباب الذين مهروا الثورة بدمائهم الطاهرة لهم قادرون على حمايتها ضد كل ما من شأنه ان يعوق مسيرتها ويحول دون تحقيق تلك الشعارات السامية. إن شمس دولة القانون قد اظلتنا وليس فيها محل للفوضويين الذين يتعدون على حقوق الآخرين. إن ما قام به امام المسجد لاينبغي ان يمر مرور الكرام ، ولاجل تمايز الصفوف فانه لابد من الآتي : (1) طالما ان إمام المسجد يشغل منصب نائب الرئيس العام لجماعة انصار السنة المحمدية بالسودان فعلى جماعة انصار السنة ان توضح رايها في خطبة امام المسجد. (2) يجب ان تصدر الحكومة ممثلة في وزارة التقافة والاعلام بيانا تشجب فيه ما جاء على لسان إمام المسجد لما يمثله تصرفه من تهديد لثورة ديسمبر. (3) يجب على احزاب قوى الحرية والتغيير ان تصدر بيانا تدين فيه سلوك إمام المسجد. (4) يجب الإسراع في تعديل القانون الجنائي بإضافة مادة تجرم تكفير الأخرين او إتهامهم بالردة او الزندقة او الفجور وتفريد عقوبة صارمة تتلاءم مع خطورتها. (5) لابد ان يقوم القراي واستاذة اسماء محمود محمد طه بتحريك الإجراءات القانونية في مواجهة امام المسجد وذلك لاساءته للقراي وللاستاذ محمود محمد طه . فإن فعلوا فسيُسدون خدمة جليلة لاجل المحافظة ليس على حقوقهم فحسب بل على حقوق الغير ويسهمون في حماية مكتسبات الثورة. ختاما فإنه يجب على كل حادبٍ على ثورة ديسمبر وعلى كل من هو حريص على حقوقه الدستورية الوقوف بقوة وفي خندقٍ واحد مع د.عمر القراي سواء بصفته الرسمية كمدير لمركز المناهج او بصفته ناشط جمهوري عبر عن آرائه بطريقة متحضرة دون الاساءة على احد او التعدي على حقوق احد ، فإن لم نفعل سيكون القراي هو الضحية اليوم وساكون انا الضحية غدا ثم تكون انت الضحية بعد غدٍ وعندها ستقول بلسان حالك ومقالك : أُكلتُ يوم أُكل الثورُ الابيض. محمود خيري احمد خيري المحامي
01-04-2021, 02:15 PM
Hasheem Karouri Hasheem Karouri
تاريخ التسجيل: 12-20-2015
مجموع المشاركات: 2703
Quote: ألقت الشرطة القبض على امام مسجد وشيخ خلوة بتهمة التحرش واغتصاب طفل لم يتجاوز الـ(10) أعوام بشرق النيل يدرس في الخلوة وذلك بعد استدراجه للمجني عليه داخل غرفة ملحقة بالمسجد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالله عثمان
Hasheem Karouri
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست