رغم التحذير الشائع في الثقافة السِنَّارية من خطورة سفك الدماء – خاصة دماء الأولياء - فقد كان بين أهل السُلطَة من يفاخر بجز رؤوسهم.. أخبر بذلك قائد جيش الفُونْج سلمان ود التمامي أمام الشّيخ حمد وَدْ التُّرَابي قائلاً: (أنا قبلك قتلت الحسوبابي، وقتلت ولد الهندي، ما بقتلك إنت في مال الملك؟)، وكان جزاء هذا التطاول أن عطبه الشّيخ حمد، فعمِيَّ معاونوه وحاضت عساكره كما تحيض النساء، ومِن جراء ذلك وقعوا تحت قدم الشّيخ يطلبون الصفح... وقد عفا عنهم الشّيخ حمد – بحسب رواية ود ضيف الله - لكنه قطَعَ رأس قائدهم سلمان وَدْ التمامي، إذ (وُجد رأسه مقطوع وبرْيان، وكذا إيدو).
ويُفهم قطع اليد هنا كإشارة إلى أن ذاك القائد كان سارقاً لأموال النّاس، فجاء العَطَب قصاصاً وفي سياق العقوبة النَّصية، كما تعني (حالة القطع والبُرء) لرأسه ويَده، أن نصرة الولي مسطورة في الأزل لا تصدها محاولات قلب الأداة الرُّوحِية إلى أداة شريرة كما تطلَّع القائد عند تحصُّنه بأحجبة وحروز آخرين.. ويقول الراوي في سياق آخر، أن لعنة أهل الولاية أصابت سلطان المسبعات (جُنقُل) بعد قتله الفقيه مختار بن محمَّد بن جودت الله، وأنه و(ببركة هذا الفقيه قُتل جنقل وصارت داره مأوى للكلاب). وعلى حد عبارة وَدْ ضيْف الله، أن جنقل ( ترك خمسين ولداً هذا يقتل هذا، إلى يومنا هذا)... وهكذا،، فقد تعارف العامة والخاصة على عقَدية أن قتل الولي للحاكم كأنّه البشارة، أما قتل الحاكِم للولي فإنه نذارة بخراب المُلك، لهذا كانت بِطانة سلطان سِنَّار تحذره من سفك دم الشّيخ إسماعيل صاحب الرَّبَابَة وتنصحه بالصبر على جرأته عليه. وحين هَمَّ بقتله قالوا له: (تقتل ولد شيخنا؟ ولداً غرقان سكران وبطران، دمّه يخرِّبنا).
مثل هذه النَّصيحة التي ثبّتها وَد ضيف الله في طبقاته، لم يكترث لها السُّلْطان بادي أبوشلوخ، السلطان الذى أطبقَ على الشّيخ حجازي حفيد وَدْ الأرباب حتى هلِك جوعاً وعطشاً في قاع السجن الظليم، كما تورط أبو شلوخ في دَم الشّيخ الخطيب بن عمار فكان بذلك على شبهٍ بمحنة جعفر النميري بعد اغتيال الأُستاذ محمود محمَّد طه.. التشابه بين النميري وأبوشلوخ في أن (الشلوخ) ميزت وجهيهما، وكلاهما جُرِّدَ من السلطة مطارداً بغضب الجماهير.. وتتشابه سيرة الرجلين في أن أبوشلوخ مهّد الطريق أمام الهمج للاستيلاء على السلطة، وكذا فعل النميري الذى مهد الطريق للأخوان المسلمين كي يسيطروا على المال والاقتصاد ومن ثم على السلطة.. وكان أبوشلوخ قَد (أخذَ من أهل الأصول أصولهم)، أي كأنه (صادرَ وأمَّمَ) الممتلكات مثلما فعل النميري في بداية سبعينيات القرن العشرين..
والغريب في هذه المقارنة أن النميري غادر البلاد والسلطة في (27 مارس)1985 وبقي خارج السودان بعد اغتيال زعيم الجمهوريين، وكذا طُرد أبوشلوخ إلى خارج السودان في 27 مارس 1672م بعد قتله للخطيب بن عمار.. فهل هي مصادفة، أم أن وجه التاريخ ظل منذ عهد قديم مشلوخاً ومُضرّجاً بالدماء؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة