- مما لا يختلف عليه إثنان هو التركيب و التشكيل و التوزيع المتلهف و المرتبك لهياكل السلطة الإنتقالية و التي تفتقد لأبسط درجات الحصافة و التقنين من حيث وضوح الغرض و الأهداف و المهام حيث تم التمهيد لها و تقنينها بناءًا على "وثيقة دستورية" مليئة بالثقوب و غير جيدة الصنعة و ليست ذات جذر ضارب لا في القانون و لا في العرف و لا حتى في السياسة.
- كانت نتيجة هذه الوثيقة "المعيبة" أن تم تفريغ العمل الثوري و التغيير السياسي الذي حدث من محتواه و زخمه الشعبي و تحولت الأحزاب التي ركبت الثورة -على حين غفلة- من دورها الوطني المطلوب كمحفزات و عناصر بناء طليعية لبناء المشروع الوطني إلى ضباع سياسية تلهث حول "جيفة" الوراثة السياسية لنظام الحركة الإسلامية البائد.
- فهم عسكر السودان هذا المشهد جيدآ سواءً كان ذلك عن طريق خلفياتهم التنظيمية أو حتى عن طريق العقلية العسكرية و التي و إن تحررت من العقيدة السياسية فستظل قابعة في محيطها المغلق و أحكامه السرمدية فيما يتعلق برؤيتهم للسياسة و للمدنيين.
و كانت نتيجة ذلك أن تم تقسيم "غنيمة" المناصب السياسية بمبدأ الوراثة و الحيازات و عقلية "باركوها يا جماعة" السودانية المعروفة. و بناءآ على ذلك تم تشكيل المجلس السيادي و الذي كنت و لا زلت لا أرى له أي داعي أو ضرورة و لا أجد فيه سوى تشتيت للجهد و إرباك للقرار و مراكز صنعه بإلإضافة إلى إنهاك الخزينة -الخاوية أصلًا- بالمخصصات و النثريات.
- عقلية التهافت و التقاسم هذه بغض النظر عن كسب و حجم المكونات السياسية في الفعل السياسي بالإضافة لمحاولة إستخدام بعض "مساحيق التجميل" على وجه عملية المحاصصة الكالح من شاكلة تمثيل المرأة و الأقليات....إلخ...إلخ... جعلت المكونات السياسية تدفع بجزء من كوادرها التشريفية و بعض محبي الأضواء و الكاميرات و لأنها تدرك أن هذا المجلس بمكوناته المدنية ليس إلا "خيال مآتة" سياسي فقد زهد فيه "ضباع" الأحزاب و صائدو المناصب المحترفين و بدأوا في التركيز على التسلل للجهاز التنفيذي للدولة سواءً على المستوى الوزاري أو على مستويات المفاصل الحيوية لعصب الدولة.
- لذلك جاء تشكيل المجلس باهتآ و خافتآ حتى أني أجد صعوبة في تذكر أفراده الذين كان معظمهم في قائمة المرشحين البدلاء بعد أن أحسن الكثير من المرشحين الأوائل و الأساسيين قراءة المشهد و رفضوا الترشيح مثل بروفسور فدوى عبدالرحمن التي فضلت جامعة الخرطوم على جاه المجلس السيادي الكذوب.
- من هنا لم يكن مستغربًا أن يتّسم أداء الشق المدني في المجلس إما بالتوهان و الإرتجالية و محاولة إثبات الوجود من خلال البحث عن دورٍ ما كما يفعل صديق تاور و محمد الفكي ب"طبزاتهم" الواضحة للجميع أو الإنزواء و محاولة العمل على شئ ما متفق عليه دون الدخول في لب القضايا الشائكة لأنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنهم مجرد "تشريفة" و أن حسبهم ما نالوه من جاه و ليس لهم في باقي الأمور من شئ.
- و تأتي إستقالة عائشة موسى كنتاج طبيعي لهذا التناقض...فمن المؤكد أنها حين وافقت على الترشيح كانت تعلم أنها مجرد "تشريفة"....لكن يبدو إنها إكتشفت بعد ذلك أن الموضوع أسوأ من ذلك بكثير و أن سوق الدسائس و المؤامرات و "السمسرة" السياسية أكبر و أوسع و أعمق مما تخيلته سواءً من العسكر أو من ضباع التنظيمات السياسية....و أن ما نالته من جاه"زائف" لا يعوضها ما خسرته من مكانة فكرية و سياسية و اجتماعية خصوصًا و أنها تحمل في خلفيتها الأسرية إسم زوجها الراحل محمد عبدالحي أحد قناديل الوعي و التنوير في السودان...و في نفس الوقت لم تحم حولها حتى الآن شبهات تكسّب أو علاقات عامة كالكثيرين من واجهات المرحلة الحالية مما يرجح فرضية قراءتها الأخلاقية للوضع السياسي و محاولة تصحيح موقفها من المشاركة عن طريق الإستقالة لإعادة الإعتبار لذاتها المبدئية و الفكرية.
- قد يقول البعض أن إستقالتها جاءت متأخرة أو أنها ليست إلا قفزة من المركب الغارقة....إلا أن المحصلة النهائية تفيد أنه رغمًا عن قرارها الخاطئ في قبول التكليف ....إلا أنها كانت ذكية في إختيار توقيت إستقالتها و في بيان الأسباب التي دعتها لذلك و التي هي عبارة عن "منفستو" سياسي بإمتياز يجعل من العسير للمتابع أن يصدق أن عائشة موسى بالرغم من قدراتها اللغوية المعروفة قد قامت بكتابته لوحدها دون إسناد و تنسيق مع بعض الأطراف السياسية و هذا ما سوف يكون موضوع الجزء الثاني من هذا المقال....
يتبع....
ود حطب الله
05-23-2021, 07:45 AM
محمد عبدالله حمدنا الله
محمد عبدالله حمدنا الله
تاريخ التسجيل: 11-24-2009
مجموع المشاركات: 616
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة