قال ترامب بأنه سيسترد بترول امريكا من المكسيك بعد أن تم طرد الشركات الأمريكية في سبعينات القرن الماضي، فرد ما دورو بأن هذا يوضح بدون شك نوايا أمريكا الاستعمارية ودعا كولومبيا للتحالف معه ضد أمريكا.. هذا ملخص لما حدث، وهو يعكس بأن مادورو لا زال يعيش في عزلة عن العالم ولا يريد تصديق انتصار الرأسمالية التاريخي، فما ستفعله الشركات الامريكية هو بالفعل استرداد لحقوقها كقوى عابرة للقارات، تتجاور الى القوى المالية الأخرى التي تحكم معها العالم. لم يكن ذلك بجديد، في الواقع كانت القوى التي تمتلك المال هي المنتصرة دائماً، لأنها هي التي تخلق الحروب وهي التي تحدد المنتصر والمنهزم في الحروب التي لا تخوضها هي مباشرة، وأتذكر أنني كنت أقرأ في كتاب صيني مترجم بالعربية قبل عشر سنوات تقريباً، كان الكتاب يحكي عن تاريخ الصين، ويبدو أنه في حقبة ما، قامت ثورة الفلاحين ضد أحد الأباطرة، ووجد أحد الفلاحين البسطاء نفسه قائداً بطلاً، وبالفعل قاد الفلاحين لينتصروا على الامبراطور، وحين اصبح هو (امبراطور الصدفة) بدأ بعمليات اصلاح زراعي ضخمة لدعم الفلاحين.. وهنا تحديداً أصبت بالدهشة، فأنا متأكد تماماً أن الثورات وهذه الخزعبلات إنما تصنعها القوى المالية عندما تصل إلى نقطة صراع مع السلطة لا رجعة فيها، ولذلك سألت نفسي، كيف يمكن لهذا الفلاح أن يقوم بعمليات اصلاح زراعي ضد مصالح الطبقة الاقطاعية، لذلك نزلت بقراءة سريعة الى السطر الذي يليه، ثم تنفست الصعداء، ذلك أن توقعاتي قد صدقت، فالفلاح المسكين الذي انخدع وانطلت عليه الخديعة، وجد فجأة أن نفس الفلاحين الذين قام بإصلاحاته من أجلهم قد انتفضوا ضده دون تبرير واضح (الأيادي الخفية) ثم قاموا بالقبض عليه وشنقه في ميدان عام. وبعدها عادت القوى الاقطاعية لتتخذ مكانها الصحيح كسيدة على السلطة والثروة، بعد أن استخدمت الفلاحين لإسقاط الامبراطور الأول، ثم الفلاح المخدوع من بعده. لذلك فمادورو يعيش خارج الواقع الانساني. قال احد علماء الاقتصاد، بأننا لو جمعنا ثروات العالم ووزعناها بالتساوي على البشر، فإنها خلال بضعة أشهر ستعود للأغنياء من جديد، وهذه حقيقة لا مراء فيها، وهذا بالضبط ما انطلقت منه الليبرالية، لذلك قال الليبراليون الأوائل: إذا وجدت رجلا نائماً في بالوعة صرف صحي وهو سكران والمطر يغمره، فلا تحاول إنهاضه، لأن هذا هو المكان الصحيح الذي يناسبه. فتفاوت القدرات والمهارات، هو ما يصنع الفرق بين الفقراء والأغنياء، وليس المال نفسه. إن رجلاً كدونالد ترامب كان مصيره أن يكون مليارديراً، لأن عقليته عقلية ملياردير ولذلك حين خسر أمواله نهض وعاد من جديد، وهناك من سيعيشون في الفقر لأن عقليتهم كذلك، وهناك من سيعيشون في مستويات البرجوازية الحزينة التي لا هي من البرجوازية العليا ولا البروليتاريا وهؤلاء هم أصحاب عقلية الموظف. فلو أعطيتهم مليون دولار ستجدهم خسروها خلال بضع سنين أو ربما أشهر، أما أصحاب عقليات المليارديرات فأعطهم مائة دولار وسيتمكنون من تضخيمها إلى ملايين خلال بضع سنين أو ربما أشهر، لذلك فإن مادورو يعيش في عالم مثالي جداً، ولا زال يحيا بعقلية الثوري الذي يريد أن يتحالف مع كولومبيا وهي دولة تعاني أكثر من فنزويلا من الفقر والمخدرات والعصابات، لا زال مادورو يفكر بعقلية جيفارا وفديل كاسترو وماو تسي تونغ وغيرهم من رجال حصروا تفكيرهم في الفنتازيا السياسية نتيجة استماعهم لقصص الجدات أيام الطفولة. فنزويلا يجب ان تنهض، ولن تنهض بالفكر القديم، بل بالفكر الذي يؤمن أولاً بالواقع ثم يحاول الاستفادة منه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست