الفتنة على الهواء: حين يزرع دعاة اللايف شرخاً أعمق من ركام الحرب كتبه الطيب محمد جادة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-05-2025, 02:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-04-2025, 11:41 PM

الطيب محمد جاده
<aالطيب محمد جاده
تاريخ التسجيل: 03-11-2017
مجموع المشاركات: 476

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفتنة على الهواء: حين يزرع دعاة اللايف شرخاً أعمق من ركام الحرب كتبه الطيب محمد جادة

    11:41 PM December, 04 2025

    سودانيز اون لاين
    الطيب محمد جاده-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر





    صحفي مستقل
    في السنوات الأخيرة، تمدّد على المشهد السوداني شكلٌ جديد من التأثير الاجتماعي، يطلّ عبر الشاشات الصغيرة لا عبر المنابر الكبرى. إنّه عالم البثّ الحيّ على المنصّات الرقمية، حيث تحوّل بعض الناشطين أو من يصفون أنفسهم كذلك إلى ما يمكن تسميته “لايفاتية”، أصوات تتدافع بلا ضابط، وتتشابك في فضاء مفتوح يشبه ساحة سوق مضطرب أكثر مما يشبه منبراً عاماً. ورغم أنّ هذه الظاهرة لا تبدو في ظاهرها سوى امتدادٍ لحرية التعبير، إلا أنّها حملت إلى المجتمعات السودانية وجهاً جديداً للانقسام، وأطلقت من داخل البيوت شرارات تُذكّر بأن الحروب لا تُشنّ فقط بالسلاح.
    تغلغل هذا النوع من المحتوى في تفاصيل الحياة اليومية، حتى صار جزءاً من الروتين العام. لكن خلف الضجيج والأحاديث السريعة، يتسرّب شكل من “الأدمار الاجتماعي” الدمار البطيء الذي يطحن العلاقات ونُظم القيم من الداخل. فالخطاب الذي يعتمده بعض هؤلاء يتغذّى على الإثارة والاصطفافات، يلوّن الوقائع بما يخدم اللحظة، ويشحذ الغضب الجمعي كما لو كان وقوداً يجذب المشاهدات. وهنا تكمن الخطورة: حين يتحوّل المجتمع نفسه إلى خشبة عرض، وحين تصبح الانقسامات مادة ترفيهية لا نقاشاً مسؤولاً.
    في خلفية هذا المشهد المعقّد، يقف الفاقد التربوي كالماء الراكد الذي يسهل على أي لغة حادّة أن تعكّره. كثير من الشباب الذين وجدوا أنفسهم خارج مسار التعليم النظامي أو في بيئات ضعيفة التأهيل صاروا أكثر عرضة للخطابات العدوانية التي تملأ اللايفات. فالمنصّات تخاطبهم بلغتهم السهلة، وتقدّم لهم إحساساً سريعاً بالانتماء، حتى لو كان ذلك الانتماء مبنياً على سوء الفهم أو التحيّز. وبسبب غياب بدائل تعليمية جاذبة أو مساحات نقاشية ذات ضوابط، يجد هؤلاء أنفسهم يلتقطون ما ينثره بعض دعاة الفتنة بكل خفّة، دون قدرة على الفرز أو التحليل.
    السودان اليوم يعيش جراح الحرب، لكنّ الأخطر من الحرب نفسها هو ما يزرع في النفوس من عطبٍ طويل الأمد. الحرب تُجبر المجتمعات على إعادة الإعمار المادي، أما الأدمار الاجتماعي الذي ترسّخه هذه الخطابات المتفلّتة، فهو أشبه بتصدّعٍ تحت الأرض يستمر في الاتساع حتى بعد أن تهدأ المدافع. هناك أسر باتت تتنازع بسبب بث مباشر، وقبائل تُشعل حساسياتها القديمة بسبب تعليق متشنّج، وشباب يُعاد تشكيل وعيهم على وقع كلمات تُقال بلا مسؤولية ولا وعي بآثارها المتشابكة.
    يقدّم خطاب اللايفاتية صورة مضخّمة عن الواقع، فيتغذّى على اللحظات الفارقة، وينفخ فيها حتى تغدو حدثاً عاماً. وبدلاً من الإسهام في تهدئة النفوس، يلجأ الكثير منهم إلى اللعب على أوتار الانتماء الضيّق، والحديث عن الهويات الإثنية والجهوية كما لو كانت معاقل محاصرة يجب الدفاع عنها. وفي بلد تعدّدي مثل السودان، فإن مثل هذه اللغة تفتح الباب واسعاً أمام إعادة إنتاج أسباب النزاع، وتغلق النافذة أمام بناء الثقة الذي هو أساس أي تعافٍ وطني.
    ومع غياب الرقابة الفعّالة على كثير من المنصّات، يصبح الجمهور نفسه خط الدفاع الأخير. غير أن هذا الجمهور مثقل بالقلق والضغوط، يبحث عن معنى أو عزاء سريع وسط الانهيارات المتراكمة. وهنا تتكاثر الفراغات التي يملؤها دعاة التوتّر بخطاباتهم، يميلون فيها إلى تبسيط القضايا أو إعادة ترتيب الحقائق بما يتناسب مع أجنداتهم الخاصة. ومع كل لايف يقدّم رواية منقوصة أو لغة مشحونة، يزداد الشرخ الاجتماعي اتساعاً، وتتراجع قدرة المجتمع على التفاهم.
    لكنّ الصورة ليست قاتمة بالكامل. فهناك أيضاً أصوات واعية تُحاول أن تحوّل المنصّات نفسها إلى مساحات للنقاش البنّاء، تُعيد للغة دورها الطبيعي في معالجة الأزمات بدلاً من تأجيجها. وهذه الأصوات تحتاج إلى دعم من مؤسسات المجتمع المدني والإعلام التقليدي، وإلى إشراك التربويين والخبراء في صياغة خطاب بديل قادر على مخاطبة الشباب بلغة العصر دون أن يغرقهم في التشظي.
    إن إعادة توجيه المشهد الرقمي في السودان ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة. تبدأ من الوعي بأن تأثير المنصّات لم يعد ترفاً، وأن البث المباشر صار أحد مصادر تشكيل الرأي العام وشحن المزاج الجمعي. ومن ثمّ، فإن تحصين المجتمع يمر عبر تعزيز الثقافة الرقمية، وإدماج التربية الإعلامية في المدارس، وتمكين الأسر من أدوات فهم ما يتعرّض له أبناؤها. كما يحتاج الأمر إلى جهد جماعي يربط بين الفاعلين: الدولة، والمجتمع المدني، والمحتوى الرصين القادر على المنافسة.
    في بلد أنهكته الحرب وأثقلته سنوات من الصراع والاضطراب، يظل الحفاظ على النسيج الاجتماعي ضرورة وجودية. فالدمار الذي تخلّفه القذائف يمكن ترميمه، أما الجروح التي تُصيب النفوس فتتطلب زمناً طويلاً ووعياً عميقاً كي تُشفى. ومن هنا تأتي أهمية مواجهة الأدمار الاجتماعي بكل أشكاله، وفي مقدّمتها ذلك الذي ينفذ من الشاشات، يلوّن الوعي، ويعيد رسم الخرائط داخل البيوت. إن السودان يحتاج إلى أن يستعيد لغته الهادئة، وإلى أن يدفع أصوات التحريض إلى هامشها الطبيعي، كي يجد طريقه نحو التعافي الشامل.
    بهذا الفهم، لا تصبح محاربة اللايفاتية الداعية للفتنة معركة ضد حرية التعبير، بل دفاعاً عن حق المجتمع في أن يبني سلامه الداخلي، وفي أن ينجو من حربٍ جديدة تُشنّ بلا ذخائر، لكنها لا تقلّ فتكاً.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de