صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (12) رادعٌ وحسمٌ مثالان في غزة على الحسم والأمن بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي إلى جانب الحرب القاسية الضروس التي شنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة على مدى عامين كاملين، لم يتوقف خلالهما إلا لأيامٍ قليلةٍ يجدد فيها بنك أهدافه، ويحدث معلوماته، ويتوثق من إحداثياته، ويحدد أهدافه الجديدة، ويستبدل قواته، ويحرك قطاعاته، ويبدل مناطقه، ويحصن ثكناته ويحمي تجمعاته، قبل أن يستأنف حربه الهمجية، وغاراته الوحشية، وعدوانه المدمر، على مدى عامين طويلين قاسيين مضنيين مؤلمين متعبين، مارس خلالهما كل أشكال القتل والإبادة، وارتكب أفظع المجازر وأسوأ المذابح التي شهدها التاريخ الحديث، وبطش إلى أبعد مدى بالبشر والحجر والشجر، في محاولةٍ منه مقصودة لإبادة سكان قطاع غزة، أو طردهم وتهجيرهم وإخراجهم من قطاعهم الحبيب إلى شتات الأرض البعيد.
إلى جانب ذلك كانت هناك أنواعٌ أخرى من الحروب والفتن، والأدواء والأمراض، والظواهر السلبية والسلوكيات السيئة، والمجموعات المريضة والنفوس الخبيثة، التي حرص العدو على زراعتها وتنشئتها، ورعايتها ومتابعتها، وتعميقها والتأكيد عليها، ليضمن تفكك المجتمع الفلسطيني وتفسخه، واضطرابه وانقلابه على أخلاقه وقيمه، وخلق الفتنة بين صفوفه، ونشر الرذيلة بين أبنائه، وحرمانهم من الأمن والأمان، والطمأنينة والسلام المجتمعي، الذي كان يميزهم بتضامنهم وتكافلهم، وتعاونهم واجتماعهم، وتوافقهم واتحادهم.
من هذه المفاسد التي رعاها العدو وما زال في قطاع غزة، وحرص على تكريسها وتعميق جذورها، إلى جانب المجموعات المسلحة العميلة، التي تعمل عنده أجيرة، وتنفذ له مهام قذرة وضيعة، كان هناك جشع بعض التجار الذين رفعوا الأسعار واحتكروا المواد التموينية والسلع الغذائية، ومكاتب تحويل الأموال التي نشطت في كل مناطق القطاع، وخلقت جيشاً من السماسرة والعاملين، الذين يسرقون أموال المواطنين بالعمولات الكبيرة التي يفرضونها، والأموال البالية التي يسلمونها، والرديئة التي يفرضونها على المستفيدين من التحويلات بعد خصم نسبٍ كبيرةٍ منها.
إلى جانب عصابات السرقة والنهب، العامة والمنظمة، الذين يسرقون البيوت والأثاث، ويعتدون على الحقوق والممتلكات، وينهبون المؤن والمساعدات، ويعتدون على القوافل والشاحنات، ويسرقون ما فيها ويحرمون المواطنين وأصحاب الحقوق منها، ثم يقومون بعرضها في الأسواق بالأسعار التي يريدون، والشروط التي يفرضون، فيجبون من جيوب الفقراء والمعدمين آخر ما تبقى فيها، وما فيها قليل جداً مما يصلهم من حوالاتٍ منقوصةٍ، ومساعداتٍ منهوبةٍ.
لهذا وأمام هذه الظواهر السلبية التي باتت تهدد أمن وسلامة المجتمع الغزي المكلوم، والتي يرفضها بكليته، ويعارضها بأغلبيته، ويستغرب وجودها في مجتمعه وفي بيئته، وبين أهله وأبنائه، إذ تتناقض مع قيمه وأخلاقه، وتتصادم مع مفاهيمه وموروثاته، ولا تتفق مع دينه وإيمانه.
كان لابد للحكومة في قطاع غزة، وأجهزتها الأمنية والشرطية والبلدية، وكل المسؤولين والغيورين، أن تضرب بيدٍ من حديدٍ على المارقين والمخالفين، والمسيئين والمفسدين، والمعتدين والمخربين، وكل من تسول له نفسه الإساءة إلى شعبه، واستغلال الحرب ومحنته في الاغتناء السريع، والاستغلال الوضيع، والجشع المقيت، ومحاولة التغول على الضعفاء وأكل مال الفقراء، والاستفادة من غياب السلطات في الكسب غير المشروع، وممارسة أعمال البلطجة والاستقواء بالعدو والعائلة والعشيرة.
لهذا تحركت المقاومة الفلسطينية والحكومة في قطاع غزة، وشكلت قوى ضاربة وأجهزة أمنية ضابطة، كوحدة "السهم"، التي لاحقت التجار الجشعين والمحتكرين الفاسدين، وأصحاب مكاتب التحويل وغيرهم ممن استغلوا غياب السلطة وتعطل القوانين، فعاثوا في الأرض فساداً وبين الناس خراباً، ونهبوا وسرقوا وقطعوا الطريق وقتلوا أحياناً، فكان قرار الحكومة الحاسم وتحركها السريع، وفرض الأمن والنظام بالقوة، مما كان له أبلغ الأثر في ضبط الشارع، وتنظيم المناطق، وعودة الحياة تدريجياً إلى المناطق المدمرة.
وإلى جانب وحدة سهم السرية الحركة، والنافذة القوة، والحاسمة القرار، والسريعة الوصول، والواسعة الانتشار، كانت وحدة "رادع" التي لاحقت العملاء والمندسين، والخونة والمتعاملين، والجواسيس وعناصر المجموعات العسكرية المتعاونة مع العدو الإسرائيلي، وتعاملت معهم بكل قوةٍ وشدة، وضيقت عليهم وحاصرتهم، وعرفت أماكنهم ومقراتهم، وأماكن اجتماعاتهم ولقاءاتهم، فداهمتهم على عجل، ودخلت إلى أوكارهم بسرعة، واشتبكت معهم وأطلقت النار عليهم، واعتقلت بعضهم وأودعتهم السجون للتحقيق معهم ومحاكتهم، وفي الوقت نفسه قتلت مسؤوليهم وقضت على رؤوسهم الكبيرة، واستطاعت خلال أيامٍ أن تقضي عليهم في المنطقة المصنفة خلف الخط الأصفر، وهو المصير نفسه الذي ينتظر الهاربين منهم إلى مناطق الخط الأصفر.
رحب المواطنون الفلسطينيون بجهود وإنجازات الأجهزة الأمنية والشرطة وعناصر البلديات، ولاقت جهود الحكومة في غزة ترحيب واحترام المواطنين، الذين اكتووا كثيراً بسياط هؤلاء المارقين الفاسدين المندسين، وبدأ الغزِّيون يشعرون ببعض الأمان الذي فقدوه، والطمأنينة التي يبحثون عنها، وحصلوا على المؤن والمساعدات التي كانت تنهب، وأصبح باستطاعتهم الذهاب إلى الأسواق، وشراء بعض الحاجيات، واستلام حوالاتهم المالية دون اقتطاعٍ كبيرٍ منها، وغدوا جميعاً عيوناً للسلطة، وحراساً للوطن، وأمناء على الحقوق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة