الطيب كاتب وباحث في قضايا القيادة والإصلاح المؤسسي
قراءة في الخوف من العدالة الانتقالية وإجهاض الثورة السودانية. منذ انقلاب الجبهة القومية الإسلامية على النظام الديمقراطي في 30.6.1989 ظل السودان رهينا لحكم عسكري أمني قائم على القمع والتمكين وتصفية الخصوم. وعلى مدار ثلاثة عقود تراكمت جرائم ضد الإنسانية في دارفور. وجبال النوبة والنيل الأزرق. وتعذيب للمناضلين في بيوت الأشباح. لكن ثورة ديسمبر 2018 كسرت حاجز الخوف وفتحت أفقا جديدا للعدالة العدالة الانتقالية ليست انتقاما بل عملية قانونية وأخلاقية تهدف إلى كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة وإنصاف الضحايا. وهي تتطلب مؤسسات مستقلة وأرشفة للانتهاكات ومساءلة ومحاكمات علنية للجناة. هذا المسار كان سيؤدي حتما إلى محاكمة رموز النظام القديم وعلى رأسهم الطاغية عمر البشير وحاشيته الفاسدة. علي عثمان محمد طه. نافع علي نافع. صلاح قوش. علي كرتي. وبقية المافيا المجرمة. وقادة الجيش والأمن الذين تورطوا في القتل والتعذيب والنهب البرهان ومن معه من القتلة الأشرار يدركون أن أي تحول ديمقراطي حقيقي سيضعهم أمام القضاء. لذلك كان انقلاب 25.10.2021 محاولة استباقية لإجهاض هذا المسار وإعادة إنتاج السلطة العسكرية تحت غطاء زائف من الاستقرار حرب 15.4.2023 كانت جريمة منظمة لمنع العدالة. حين فشل الانقلاب في فرض السيطرة الكاملة وحين بدأت الأصوات تتعالى من أجل تفكيك المنظومة الأمنية ومحاسبة المتورطين اختار البرهان الحرب. لم تكن الحرب ضد الدعم السريع فقط بل ضد الشعب وضد الثورة وضد العدالة. لقد تم تدمير الخرطوم وتهجير الملايين وقتل الآلاف. ليس دفاعا عن الوطن بل هروبا من المحاكمة. الحرب كانت وسيلة لإغراق البلاد في الفوضى حتى لا يفتح ملف الجرائم ولا يسأل أحد عن دارفور أو عن فض الاعتصام أو عن بيوت الأشباح الديمقراطية والاعتراف. ما يخيفهم حقا. كما يقول الفيلسوف هونيث العدالة ليست توزيعا ماديا فقط بل اعترافا متبادلا بالكرامة والحقوق. والديمقراطية الحقيقية تعني أن يعترف بالمواطن كذات حرة متساوية مقدرة. هذا الاعتراف يهدد بنية السلطة العسكرية التي تأسست على نفي الآخر وعلى احتقار الهامش وعلى تهميش النساء والشباب. البرهان يخاف من التحول المدني لأنه يضع حدا للعبث والفوضى ويؤسس لدولة المواطنة والعدالة التي تحاسبه هو ومن معه من اللصوص وتجرّدهم من الامتيازات التي بنوها على جماجم الأبرياء مهما فعل القتلة الأشرار الثورة مستمرة. لأن العدالة لا تموت. رغم الحرب ورغم التهجير ورغم الألم فإن جذوة الثورة لم تنطفئ. لأن الشعب السوداني لا يطالب بالخبز فقط بل بالكرامة. لا يطالب بالسلام فقط بل بالعدالة. وكل صراع اليوم هو صراع من أجل الاعتراف. من أجل أن يقال للضحايا. نعم لقد ظلمتم وسنحاسب من ظلمكم في إطار دولة القانون القانون والمؤسسات. *الدولة المدنية قادمة شاء من شاء وأبى من أبى* .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الطيب الزين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست