إذا كان للوقاحة عنوان، فإسرائيل كتبت اسمها عليه بدماء الأبرياء. وإذا كان للخيانة لون، فواشنطن رسمت خريطتها بخيانة الصامتين. استهداف إسرائيل لمقرات سكنية في الدوحة — تحت مسمى “ضرب قيادة حماس” — ليس عملاً عسكرياً، بل **إعلان حرب على السيادة، على القانون، وعلى الإنسانية نفسها**.
نعم… ضربت الطائرات الإسرائيلية قلب الخليج. ليس في غزة المحاصرة، ولا في بيروت المقاومة، بل في الدوحة — المدينة التي فتحت أبوابها للوساطة، للتفاوض، للسلام. فجاء الرد الإسرائيلي بقنابل… والعالم يصمت. وأمريكا تُغمض عينيها عمدا.
قطر، التي لم ترفع سلاحاً، ولم تطلق رصاصة، تُدان اليوم لأنها استضافت مفاوضين يناقشون مقترحاً أمريكياً؟! وُقّع باسم ترامب! فهل من المعقول أن تُستهدف هذه المفاوضات — التي تحمل توقيع البيت الأبيض — دون علم واشنطن؟! لا تخدعونا. إسرائيل لا تتحرك في سماء الخليج كطائر مهاجر عابر. كل طلعة جوية، كل صاروخ، كل خرق للسيادة.. يمر عبر ممرات أمريكية مفتوحة. وإن لم تبلغ إسرائيل واشنطن مسبقا فرصا، فهل القواعد الأمريكية في المنطقة لا تعلم ولا ترصد وإلا لا تكون قواعد عسكرية. لكن القناة 12 الإسرائيلية قطعت قول خطيب ونقلت عن مسؤول في حكومة الاحتلال الإسرائيلي قوله أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعطى الضوء الأخضر للهجوم على الدوحة.
هذا ليس استهدافاً لحماس. هذا الهجوم الحاقد رسالة موجهة لكل دولة عربية: “إذا تجرأتم على الوساطة.. فأنتم مستهدفون”. وإذا سمحتم لفصيل فلسطيني بالجلوس على طاولة، فأنتم شركاء في “جريمة احلال السلام”. إسرائيل لا تريد سلاماً، تريد استسلاماً. ولا تريد مفاوضات، تريد إذلالا.
والأخطر من الجريمة… هو التواطؤ الدولي. أين مجلس الأمن؟ أين الأمم المتحدة؟ أين “حقوق الإنسان” التي تُرفع كشعارات في الغرب كل صباح؟ عندما استُهدفت السفارات، صرخوا. عندما اغتيل دبلوماسيون، هاجوا. لكن عندما تقصف إسرائيل منازل في عاصمة عربية مستقلة — تحت ذريعة واهية — يتحول العالم إلى مسرح صامت وكأن الدم العربي لا يُحرّك الضمير.
قطر تُعلن أنها “لن تتهاون”، وحق لها. فمن يسمح باستهداف أراضيه دون رد، يفقد سيادته… وكرامته. لكن السؤال الأكبر: هل سيسمح العرب بأن تُستباح عواصمهم واحدة تلو الأخرى؟ لأنها قد تستضيف مفاوضاً أو تفتح باباً للحوار؟
إسرائيل لم تصل إلى هذه الجرأة وحدها. أمريكا منحتها الترخيص. والغرب منحها الحصانة. والتواطؤ العالمي منحها الجرأة. لو كان الضحايا من الأوروبيين، لرأينا الطائرات الحربية تُقلع من كل قاعدة. لكن لأنهم عرب، لأنهم مسلمون، لأنهم فلسطينيون، فالدم رخيص، والسيادة قابلة للخرق.
يا عرب.. يا أحرار العالم.. كفى صمتاً. كفى خنوعاً. كفى تواطؤاً. إسرائيل لا تخاف من الصواريخ بل تخاف من صرخة الضمير. فلنرفعها معا قبل أن يصبح كل بيت هدفاً وكل عاصمة ساحة اغتيالات دامية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د. ياسر محجوب الحسين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست