ليس من المستغرب أن تكون حركة القوى السياسية في السودان في تراجع للوراء، و تفقد دورها الريادي في العملية السياسية، و تصبح بعض القوى السياسية على هامش الأحداث، هل ذلك التراجع بسبب أن المكون العسكري يريد إضعاف القوى السياسية؟ أم لآن الإسلاميين لا يريدون لعملية التغيير أن تأخذ أبعادها في عملية التحول الديمقراطي؟ و السؤال الأخير لماذا جاءت القوى السياسية جاءت بعد الثورة تعاني من لضعف؟ و ما هو سبب هذا الضعف و أثره على العملية السياسيةفي البلاد؟ اسئلة كان يجب أن تجاوب عليها القوى السياسية أو مدارس الدراسات و الأكاديميات.. في عام 1992م في المانيا كان قد وقع الدكتور على الحاج مندوبا لنظام الإنقاذ اتفاقية مع الدكتورين ريك مشار و لام كوم، و اللذان كانا قياديان في الحركة الشعبية، و كانت الاتفاقية تتضمن " حق تقيرير المصير" و في ذات السنة ذهبت الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق إلي مركز واشنطن للأبحاث و الدراسات الذي كان قد نظم جلسة حوار عن السودان، و هناك أعلنت الحركة موافقتها على مبدأ " حق تقرير المصير" و احتجت القوى السياسية، على هذا التحول السياسي في الحركة الشعبية، و كان القطب الاتحادي أحمد السيد حمد أكثر الناس احتجاجا و الاستنكار، و اعتبره خروجا على المباديء التي تحكم تحالف " التجمع الوطني الديمقراطي".. و قالت الحركة أنها اقرت بحق تقرير المصير، لأنها تريد ان تسحب البساط من الذين وقعوا حق تقرير المصير في برلين.. و لكن الحركة كانت تتعامل وفق قناعتها الإستراتيجية، لذلك أثبتت الأحداث بعد نيفاشا أن اتفاق برلين نفسه كان مناورة سياسية من قبل الحركة الشعبية.. الحركة الشعبية استطاعت أن تجعل كل القوى السياسية التي كانت رافضة لتوقع على تقرير المصير أحزابا أو فرادة أن يتراجعوا عن مواقفهم.. حيث وقع الدكتور عمر نور الدائم عن حزب الأمة على تقرير المصير في اتفاقية " شقدوم" و وقع الدكتور أحمد السيد حمد على تقرير المصير في أتفاقية " القاهرة" و أصدر الحزب الشيوعي بيانا يؤكد فيه موقفه غير الرافض لعملية تقرير المصير.. كان موقف المصريين رافضا لتوقيع القوى السياسية على تقرير المصير، خاصة و هي بعيدة عن قواعدها، و أيضا كان المصريون رافضين أن تتحول القوى السياسية إلي قوى مسلحة .. في عام 1994م عقد اجتماع في اسمرا تحت أسم " القوى الرئيس" هو الذي تم فيه الإعلان عن قوى عسكرية جديدة " قوات التحالف السودانية" و هي قوى تتكون من مجموعة من قيادات المؤتمر الوطني الذي كان حزب عبد المجيد إمام" إَضافة إلي " منظمة العمل الإشتراكي و أيضا هناك مجموعة من الإشتراكيين كانوا ينتمون لحشود، و قيادات نقابية كانت تنتمي للتجمع النقابي، و هناك مجموعات كانت تنتمي إلي حركة الطلاب المستقلين منهم بكري الجاك و فائز السليك.. هؤلاء جميعا ذهبوا إلي مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية 1995م و وقعوا جميعا على " حق تقرير المصير" و الحركة طبقت كل هذه الاتفاقيات و وضعتها في جيبها، و ذهبت إلي "محادثات أبوجا" مع الإنقاذ و أخيرا إلي " نيفاشا" و في كل هذه المحادثات التي جرت لم تطرح الحركة أية قضية كانت قد أتفقت عليها مع " التجمع الوطني الديمقراطي" و جاء الاستفتاء و حدث الانفصال...! هل قرأ أية شخص نقدا أو حتى لفت نظر من قبل كل القوى السياسية مجتمعة، أو منفردة، على سياسة الحركة التي ذهبت للإنفصال دون الوحدة؟.. هل القوى السياسية قامت بأية عملية نقدية لتلك الفترة لكي تعرف اسباب إخفاقاتها و سلبياتها؟ في تلك الفترة كتبت في جريدة الخرطوم أكثر من عشرين مقالا عن سلوك الحركة الشعبية، و عدم التزامها بالاتفاقيات التي يتم توقيعها مع القوى السياسية، و أصدرت تلك المقالات في كتاب بعنوان " الحركة الشعبية و الجيش الشعبي قراءة في الفكر و الخطاب السياسي" كانت القوى السياسية تعامل الحركة الشعبية كالطفل السياسي المدلل ، و كانت القوى السياسية أيضا عاجزة حتى عن النقد، لأنها فشلت حقيقة أن تستقطب عضويتها لحمل السلاح رغم موافقتها على المعارضة المسلحة.. و أيضا فشلت أن تحرك الشارع ضد النظام.. بعد اتفاقية نيفاشا و أنفصال الحركة التي كانت تقود بالفعل العمل السياسي و العسكري المعارض، وجدت القوى السياسية نفسها ضعيفة، ليس كقوى يجب أن تصنع الأحداث.. حتى في الوسط الطلابي كان دورها قد تراجع حيث أصبح الطلاب المستقلين و المحايدين يقودون العمل في الجامعات و المؤسسات التعليمية، كل ذلك كانت له انعكاساته السالبة على العمل السياسي.. عندما قامت ثورة ديسمبر 2018م كانت القوى السياسية تعاني حالة من الضعف و الوهن.. و أن القيادات التي وصلت إلي قيادة الأحزاب هي قيادات تنفيذية، لم يكن للأغلبية منهم عمل وسط الجماهير، هؤلاء أرادوا فقط الاحتفاظ بمواقعهم، و بعض الأحزاب وافقت أن تشارك في الإنقاذ دون أن يكون لها مشاركة في صناعة القرارات.. و هي هربت من انتخابات 2010م ليس خوفا من التلاعب في صناديق الاقتراع، لكن القيادات كانت تعرف حالة الضعف التي تضرب هذه القوى السياسية.. أن القوى السياسي جاءت للفترة الانتقالية و هي في حالة من الضعف و الوهن، و عدم الاتفاق حتى على مسودة مشروع سياسي، كان الذي يفرقها أكثر من الذي يجمعها.. و كل المحاولات التي تريد أن تبرر بها هذا الضعف يفضحها، و يبين أن رصيدها مع الجماهير كان ضعيفا.. و بدلا أن تقف و تبحث عن اٍسباب هذا الضعف تحاول أن ترمي سبب الفشل على الآخرين.. الضعف السياسي هو الذي فشل مشروع الثورة.. أن المصالح الذاتية و الأهواء هي واحدة من أكبر العوائق في نجاح المشاريع الوطنية.. مثالا الدكتور بكري الجاك و فائز السليك حملوا السلاح مع قوات التحالف و كانوا مؤمنين أن السلاح هو أداة التغيير الناجحة، و التي تخلق وعيا سياسيا، و ألان يدينون حمل السلاحدفاعا عن الوطن.. لم يبينوا ماهية اسباب التغيير، لكنهم يطالوننا أن نصفق لهم أينما كانوا يقفون.. تغيير المواقف حسب المصالح و الأهواء.. هل عرف الناس لماذا ضعفت القوى السياسية... نسأل الله حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة