(النموذج الاستشراقي في تدوين تاريخ السودان خلال الفترة المتأخرة لما قبل الاستعمار) لجاي سبولدينق وليدوين كابتينز "ترجمة وتعليق" مقدمة: وجدت هذا المقال في أحد المواقع الاسفيرية، وهو جزء من مقال أطول يوجد عنوانه أدناه في الهامش السفلي. يتناول المقال موضوعا مهما يتعلق بإشكالات تدوين تاريخ السودان، تحديدا منهج التدوين. ولأهمية موضوع المقال رأيت أن أقدم ترجمة تنفيذية للمقال، وأقدِّم من ثَم تعليقاً عليه. عنوان المقال: Spaulding J. and Kapteijns, L. (1991). The Orientalist Paradigm in the Historiography of the Late Precolonial Sudan. معلومة عن المؤلِّفَين: * بروفيسر جاي سبولدينق: مؤرخ أمريكي أستاذ للتاريخ في جامعة كين. تخصص في التاريخ الأفريقي والتاريخ الإسلامي. وله عدة كتب ومقالات عن تاريخ السودان الحديث والمعاصر، بالإضافة لعدد من التراجم عن شخصيات تاريخية. تركزت كتاباته عن فترة سلطنة سنار. من أشهر كتبه عن تلك الفترة، كتاب "عصر البطولة في سنار" الذي يقدم فيه رؤية جديدة حول تاريخ السودان خلال فترة دولة سنار. * بروفيسر ليدوين، كابتيجنز: أستاذة جامعية هولندية. تعمل أستاذة للتاريخ في كلية ويليسلي. كابتيجن لها تاريخ طويل في التدريس والبحث في تاريخ أفريقيا والشرق الأوسط والإسلام. كانت في البداية مهتمة بدراسة الدولة والمجتمع في السودان في فترة ما قبل الاستعمار ثم تحولت لدراسة التاريخ والثقافة في الصومال. لديها كتابات وأبحاث عديدة عن التاريخ والثقافة الشعبية في الصومال. (1) ترجمة المقال: (هذه الدراسة هي نقد لمجموعة من المفاهيم التي عفا عليها الزمن وهي في جوهرها عنصرية حيث هيمنت على التأريخ الأوروبي فيما يخص جانب من ماضي السودان ما قبل الاستعمار. هذا التقليد التأريخي تم تبسيطه من قبل الكُتاب مثل إتش إيه ماكمايكل، جي إس تريمنجهام، وبي إم هولت. وهو لم يشوه فترة مهمة من تاريخ السودان فقط ولكنه قدم أيضا إطارا مفاهيمياً غير ملائم للتفكير الغربي المعاصر حول السودان. إن الصحفيون والموظفون في صناعة التنمية ومتخذي القرار من السياسيين وغير المتخصصين الآخرين نادرا ما يكونون في وضع يسمح لهم بنقد النموذج الجاهز الذي صاغه المتخصصون وبالتالي فهم مدانون لتكريسهم الصور النمطية البائسة لهذا النموذج. أحد مصادر الصور السالبة المنزهة عن الخطأ، هو افتراض المستشرقين بأن كل الشعب السوداني يجب أن يتم تقييمهم وفق المعيار المتنوعة للنصوص المصاغة باللغة العربية (المترجم: غالبا يقصد الكلاسيكية منها). وهي طريقة للاستنتاج/الاستبصار يعتبر من خلالها السودانيون في مرتبة أدني بيولوجيا (مقارنة بالأدبيات الوهمية الخاصة بأشجار الأنساب النبيلة)، وأنهم كذلك أقل مرتبة دينياً (عندما تُستذكر متون القواعد الإسلامية)، وأنهم اكثر افتقارا للثقافة (فيما يتعلق بكل ما يمت لكل مستويات الثراء الثقافي في جميع العصور والأراضي الإسلامية). إن التحليل الاستشراقي النصوصي ظالم بصورة فاضحة لأولئك السودانيين الذين يُلحِقون أنفسهم بالهوية العربية والعقيدة الإسلامية، فإنه يستبعد أولئك تماما من الانتماء لعالم البشر باعتبارهم وفق وصف مكمايكل ِ قِردةً خاسئين monkeydom of nations (كولينز 1983:122). ما يلي ليس مجرد الخلاف نظري بين مؤرخي السودان المتأخر قبل الاستعمار ولكن أيضا دعوة مفتوحة للجميع لإعادة التفكير في الافتراضات الفكرية الغربية السائدة المتعلقة بالعوامل السببية في سلوك المجتمع السوداني الماضي والحاضر. (2) التعليق على المقال: يركز المقال أعلاه في انتقاد ما سماه المفاهيم الاستشرافية لتحليل وتدوين تأريخ السودان للفترة المتأخرة من الاستعمار. وهي المفاهيم التي تعتبر كل المكونات السكانية (من أصول عربية وأصول غير عربية) ضمن هوية عربية وإسلامية موحدة. ينتقد المقال أصحاب المنهج الاستشراقي المشار إليهم في المقال في اعتبارهم أن كل السودانيين ينتمون إلى هوية واحدة هي الهوية العربية الإسلامية. وذلك باعتبار أن هذا المنحى يمثل إجحافا وغمطا لحقوق المكونات الغير عربية، وحجب للتعبير عن هويتهم الخاصة وبأن ذلك يمثل عنصرية وسقم في التفكير. ذهب مؤلفا المقال أكثر من ذلك باتهام المنهج الاستشراقي بتضليل الفكر الغربي طويلا وإبعادا له عن فهم تاريخ السودان للفترة المتأخرة لما قبل الاستعمار. من الواضح أن الفترة التي يشير إليها المقال فيما يتعلق بأصحاب المنهج الاستشرافي هي فترة سلطنة سنار التي تبنت الهوية العربية والإسلامية. فقد رافق تلك الفترة ميل قوي لتبني هويات عربية، ورافقها بالتالي السعي لتأكيد هذا الانتساب المزعوم من خلال تدبيج شهادات تتضمن أشجار نسب مزعومة ومزيفة. لم يكن غريباً تماهي الرعية مع التوجه السلطاني والاقتداء به لتبنِّيها هوية وثقافة عربية إسلامية. بالإضافة لما تقدم كان السعي من قِبل الرعية للانتساب لهوية مستحدثة يهدف لاكتساب مكانة اجتماعية ووضع طبقي أكثر تميزا في الوضع الجديد. تجدر الإشارة هنا إلى أن التوجه لتبنِّي أنسابا عربية في ذلك الوقت لم يكن وقفا على البلاط السناري، كما لم يكن وقفا بالطبع على المجموعات السكانية المحلية. فقد أشارت العديد من المصادر التاريخية بأن التوجه لتدبيج أشجار النسب كان توجها عاما أشبه بالصرعة أو اللوثة في نهاية القرن الخامس عشر خلال فترة التشريقة المشهورة عقب سقوط الأندلس..وكان ذلك الوضع هو حال كثير من القبائل والجماعات في شمال أفريقيا والمغرب العربي وغرب أفريقيا وحتى جنوب مصر التي لجأ إليها كثير من قبائل شمال أفريقيا. من ناحية أخرى أشار المقال في إطار نقده للمنهج الاستشراقي بضعف الثقافة المرتبطة بالهوية الإسلامية. فقد ذخرت المصادر المكتوبة والمرويات ما يعضد هذا القول. فقد حوى كتاب الطبقات وكاتب الشونة قصصا وروايات لأعمال خارقة للعادة من قبل العيد من رجال الدين المشهورين في تلك الفترة. وهي أقرب أعمال أقرب للخيال والأساطير والوثنيات المحلية منها لأصول الشريعة والثقافة الإسلامية. في إطار نقد المنهج الاستشراقي قدم سبولدينق مقاربةً أوردها في كتابه الموسوم (عصر البطولة في سنار) تضمنت رؤيته حول عوامل التغيير في السودان خلال الحكم السناري. يتلخص تحليل سبولدينق في أن الديناميات الاجتماعية والاقتصادية التي قادت للتغيير في الدولة السنارية خلال منتصف القرن السابع عشر والثامن عشر جاءت من خلال تحالف بين رجال الدين وطبقة التجار وبروز رأسمالي مترافق مع مفاهيم دينية مستحدثة. نذكر في هذا السياق أن تحليل سبولدينق هذا يتطابق مع مقاربة "بيتر غران" التي أوردها في كتابه "الأصول الإسلامية للرأسمالية" (أشار إليه سبولدينق في كتابه). فقد ذكر بيتر غران أن حدوث نهوض اقتصادي في مصر في الفترة بين القرن(17-18) كان بسبب تأثير الرأسمالية المحلية المتأثرة بالمفاهيم/التفسيرات الإسلامية المعاصرة. من الملاحظ أنه من خلال المقارنة بين مقاربة سبولدينق ومقاربة غران حول أسباب التغيير في مصر أن التغيير الذي حدث في السودان خلافا لما حدث في مصر، قد نتج عنه تغيير في المجموعة الحاكمة وفي طبيعة الحكم نفسه. بالتالي في اعتقادي أن مقاربة سبولدينق تكتسب وجاهتها من خلال استناده على العديد من المصادر والوثائق لرصد التغيير في الجوانب الاجتماعية، بالإضافة إلى إيراده تفاصيل سير الشخصيات الدينية والتطور في علاقتهم بالبلاط السلطاني. بناء على ذلك فإن النتيجة التي توصل إليها سبولدينق تتوافق مع واقع تثبته المصادر والوثائق ويتوافق مع تطورات الأحداث في أرض الواقع. في الختام هناك حقيقة تستوجب الذكر، بالرغم مما تضمنته رؤية سبولدينق حول فترة مهمة من تاريخ السودان من وجاهة، إلا أنها لم تجد النقد الكافي على حد علمي، حتى الآن. بالتالي فإن مقاربة سبولدينق هذه تعتبر بمثابة دعوة لإعادة النظر هذه الفترة من تاريخ السودان من قبل المهتمين بالتاريخ. د. محمد عبد الله الحسين [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د.محمد عبدالله الحسين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست