خضعت عملية العولمة ومنظمة التجارة العالمية , بوصفها احد اهم ادوات العولمة , لانتقادات لاذعة من قبل العديد من منظمات المجتمع الدولي في السنوات الاخيرة . ورغم وجاهة كثير من هذه الانتقادات الا انها تتجاهل تماما المساهمة الهامة لنظام مجموعة الجات / منظمة التجارة العالمية في التنمية السريعة للتجارة العالمية والاقتصاد العالمي على مدى ما يزيد عن 50 عاما حيث تم انتشال اكثر من مليار شخص من براثن الفقر ، فضلا عن المساهمة في الحفاظ علي الامن والسلام الدوليين . فقد ادت قواعد النظام التجاري المتعدد الاطراف الجديد , بعد سنوات الاضطراب التي تخللت فترة ما بين الحربين الى النهوض بقضية تحرير التجارة وزودت العلاقات التجارية الدولية بقدر كبير مما تحتاجه بصورة ماسة من الاستقرار وقدرة على التنبؤ وشفافية .و نحسب ان العولمة بدون منظمة التجارة العالمية ستكون اشق بكثير. ويفسر النجاح الواضح لنظام مجموعة الجات / منظمة التجارة العالمية مسالة استمرار توسع العضوية في المنظمة وذلك بالرغم من صعوبة عملية الانضمام . وأدركا لاهمية الانضمام لهذه المنظمة قدم السودان طلبه للانضمام منذ عام 1994 وفي هذا السياق نسلط في هذا المقال الضوء علي المعلومات الاساسية حول متطلبات الانضمام لهذه المنظمة.
دائمًا ما توصف عملية الانضمام الي منظمة التجارة العالمية بانها معقدة جدًا وذات جوانب متعددة ومرهقة للدول. وبعد انضمام جمهورية تيمور الشرقية الي المنظمة يوم ٣٠ اغسطس ٢٠٢٤ بلغت العضوية 166 عضوا , وهناك نحو 22 دولة اخرى تنتظر الانضمام اليها . وعلى الرغم من مزايا النظام التجاري المتعدد الاطراف , فان عملية ادماج البلدان النامية فيه لا تسير بشكل مرض. علماً بان غالبية أعضاء المنظمة قد حصلوا على صفة "الأطراف المتعاقدة" قبل إنشاءها في يناير 1995، وخلال فترة انتقالية لأقل من عامين تمكنت بعض الدول من إتمام عضويتها وفقاً المبدأ "التطبيق العملي لاتفاقية الجات بحكم علاقتها السابقة مع أعضاء مؤسسيين في المنظمة" وبذلك بلغ الأعضاء الأصليين 128 عضوا. ومنذ ذلك الحين، ترتبط عضوية أعضاء جدد في المنظمة بما قضت به المادة (12) الفقرة (1) من اتفاقية مراكش المنشاة ال WTO. وتعد هذه المادة من أكثر المواد غموضا، نظرا لأنها لم تحدد طريقًا واضحًا للشروط و المعالم لاكتساب تلك العضوية. ويتضح بأن المعيار الأساسي للعضوية هو التوصل إلى " شروط يتم الاتفاق عليها" مع أعضاء المنظمة، وهو أمر يترك الباب مفتوحاً لبعض الأعضاء لمحاوله الحصول على أفضل الشروط الممكنة من وجهة نظرهم. كما أنه يفتح الباب لأضافه مواضيع لا علاقة لها بالجوانب التجارية التي يفترض أن يحكم عمل المنظمة، وبالتالي عملية الانضمام إليها . وقد جرت محاولات عديدة لتوضيح أو تعديل المادة المذكورة لكن دون جدوى. وعموماً يمر طلب العضوية للمنظمة بثلاث مراحل أساسية هي: المرحلة الأولى: مناقشة السياسة التجارية للدولة الراغبة في العضوية ويتناول الإطـار العام للنموذج المعد لذلك من المنظمة على ما يلي: (1) مقدمة عن الاقتصاد الوطني وخطط التنمية للدولة الراغبة في العضوية. (2) استعراض السياسات الاقتصادية المختلفة والمطبقة بالدولة (المالية والنقدية والتسعير والتعرفة الجمركية والاستثمار والمدفوعات الأجنبية والضرائب والدعم، ... إلخ)، ومدى التوافق أو التعارض الموجود فيها مع بنود الاتفاقية. (3) استعراض موقف التجارة في الخدمات بمجالاتها المختلفة وتوضيح مدى التوافق أو التعارض بينها وبين المنظمة. (4) معلومات عن النظم والهيئات والمؤسسات القائمة على تنفيذ السياسة الاقتصادية وأثرها على التجارة. (5) تفاصيل السياسات المؤثرة على تجارة السلع مثل سياسة التصنيع والدعم والمناطق الحرة وتجارة الترانزيت والمشتريات الحكومية والمواصفات والمقاييس، والشروط الصحية وتراخيص الاستيراد. (6) السياسات الإنتاجية المتعلقة بالقطاع الزراعي وكذلك التجارية المتعلقة بالصادرات والواردات. (7) معلومات عن الإطار القانوني لحماية الملكية الفكرية والأثر على التجارة. (8) الاتفاقات التجارية الثنائية التي ترتبط بها الدولة راغبة العضوية مع الدول الأخرى. المرحلة الثانية: تقديم الدولة الراغبة في العضوية لعروض التزاماتها المحددة في مجالي تجارة السلع والخدمات، وفيها تقدم الدولة العرضين كتابة وهما جدول التثبيت الجمركي وجدول التزامات الخدمات ليتم توزيعهما على كافة الدول الأعضاء للدراسة. كما يقدم كل بلد التزامات خاصة بالمنتجات الزراعية تتعلق بتثبيت الرسوم الجمركية والدعم المحلي وإعانة التصدير وتكون العروض بمثابة تصور مبدئي يتم تعديله بالإضافة أو الحذف، وعلى الدولة أن توازن بين أمرين أساسيين هما المطالب الواردة من الدول الأعضاء بشأن مزيد من التخفيض الجمركي والتثبيت الجمركي وفتح مجالات أوسع أمام موردي السلع والخدمات، وفي المقابل حاجة الدولة لحماية منتجاتها السلعية والخدمية الوطنية بطريقة مقبولة ومشروعة في إطار نصوص الاتفاقات. المرحلة الثالثة: الإعداد لمشروع بروتوكول الانضمام وفيها تتم الموافقة على عضوية الدولة بالمنظمة بعد الانتهاء من الدراسة والمناقشات للعروض المقدمة في المرحلتين الأولى والثانية، وتتم المناقشات من خلال اجتماعات رسـمية ثنائية بين أي من الدول الأعضاء والدولة الراغبة في العضوية، وكذلك من خلال توجيه أسئلة مكتوبة للرد عليها كتابة في الاجتماعات. وبصفة عامة يشترط على الدولة الراغبة في العضوية قبول عدد 24 اتفاقاً من الاتفاقية كحزمة واحدة باســتثناء أربعة اتفاقيات تكـون بصــفة اختياريــة هــي اتفاقية اللحوم - اتفاقية الألبان - اتفاقية المشتريات الحكومية - اتفاقية الطيران المدني، وأنْ تقدم الدولة جداول التثبيت الجمركي للسلع عند الانضمام وتلتزم بها وكذلك جداول التزامات الخدمات بمجالاتها المختلفة التي تفتح أمام موردي الخدمة الأجانب وفقاً للشروط المدونة بالجدول عند النفاذ للسوق الوطني. وعادة يتم تشكيل فريق عمل برئاسة أحد الدول الأعضاء في المنظمة و مفتوح للمشاركة من قبل جميع الدول الراغبة لبحث طلب العضوية وتكون مهمته إجراء المفاوضات نيابة عن المنظمة ثم تعرض النتائج على المجلس العام لإقرار العضوية.
وبالرغم من الشلل الذي يواجه المنظمة حاليا نتيجة التوترات التجارية والسياسية منذ تولي الرئيس الامريكى ترامب السلطة في الولايات المتحدة الامريكيه، الا انها قادرة علي التعامل مع مثل هذه الظروف باعتبار ان دورها أساسًا يتمحور حول قضايا تسوية النزاعات التجارية. ولا شك ان انضمام مزيد من الدول سيعزز موقفها اكثر في ادارة الاقتصاد العالمي بحيث لا تستطيع اي دولة منفردة في التاثير سلبًا علي دورها في وضع نظام تجاري دولي شفاف و متعدد الاطراف. وعليه يبقي التحدي امام الدول الساعية للانضمام مثل السودان الحصول علي تذكرة العضوية بشروط ميسرة تاخذ في الاعتبار الحالة الاستثنائية للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهذا بدوره امر يتطلب من المسؤولين عن هذا الملف ليس فقط الدراية الفنية الكافية بل ايضا التحلي باقصي درجات الوطنية في التعامل معه باعتباره موضوعًا إستراتيجيًا حيث يمكن تسخيره في جهود ارساء دعائم السلام الدائم وفي اعادة الإعمار والبناء فضلا عن كونه يمثل بوابة لاعادة الاندماج في الاقتصاد الدولي وللتواصل مع المجتمع الدولي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة