يعد عبد الخالق محجوب السكرتير الأسبق للحزب الشيوعي السوداني أحد مؤسسي تنظيم " حستو" الذي تكون من مجموعة من الطلاب السودانيين الذين كانوا يدرسون في مصر، و حستو تعتبر النواة الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي، مرورا بالجبهة الوطنية المعادية للاستعمار، ثم الحزب الشيوعي.. خاض عبد الخالق محجوب معارك عديدة داخل الجبهة المعادية للاستعمار مع أمينها العام عبد الوهاب زين العابدين، ثم في الحزب الشيوعي مع عوض عبد الرزق و اتهم الأثنين بأنهم عناصر يمينية.. لا أريد أن أدخل في اسباب الصراع و وجهات التنظر التي فجرت الصراع.. و أيضا خاض عبد الخالق محجوب صراعا فكريا ثقافيا على صفحات الصحف مع كل من أحمد سليمان و عمر مصطفى المكي بعد حل الحزب الشيوعي 1965م حيث بدأ كل من سليمان و المكي في النصف الثاني من عقد الستينيات في القرن الماضي تقديم فكرتيهما الانقلابية على السلطة عندما جاء الإثنان بمصطلح " الديمقراطيون الثوريون" و هي كانت رؤية مغايرة لما ورد على رؤية الحزب الشيوعي التي قال فيها في مؤتمراته ( يرفض العمل الانقلابي بديلا للنضال الجماهيري اليومي) و لكن بعد الانقلاب و في اجتماع اللجنة المركزية التي عقد في ذات يوم الانقلاب قال عبد الخالق مبررا قبولهم بالانقلاب ( أن ما حدث صباح اليوم كان انقلابا عسكريا لا عملا شعبيا مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح).. الغريب في الأمر أن عبد الخالق في مناظرت الفكرية مع أحمد سليمان و عمر مصطفي المكي كان يفند دعوتيهما، و يعتقد أن التمسك بجانب النضال الشعبي من أجل الوصول إلي الديمقراطية هو الخيار الأفضل.. لكن غابت رؤية عبد الخالق بعد وقوع الانقلاب، و استطاع الحزب أن يفعل مصطلح " الديمقراطيون الثوريون" بدييلا عن النضال الجماهير للوصول للتحول الديمقراطي.. و تصبح قضية النضال الجماهيري و الثوري هي مسألة تكتيكية تتغير وفقا للتغيرات التي تحدث في مسار العملية السياسية في البلاد.. هذه القراءة التاريخية للصراع الفكري داخل الحزب الشيوعي، كان عبد الخالق أحد أعمدتها الأساسية، و هو الذي كان يتصدى لما اسماه التوجهات اليمينة في الحزب، كان يعرف الحزب الشيوعي بعبد الخالق و كان يعرف عبد الخالق بالحزب الشيوعي هذا التماهي بين الأثنين لدور الرجل الفكري، و تقديم مبادراته السياسية التي يستطيع من خلالها أن يخلق حالة من التوازن الفعلي لايجاد مخرج للمعضلات و التحديات السياسية... غاب عبد الخالق و حدث انشقاقا طوليا في الحزب جعل أغلبية قياداته تنزل تحت الأرض، في هذه الفترة أيضا جاء محمد إبراهيم نقد لقيادة الحزب و استطاع أن يذهب في ذات المسار باعتباره أيضا مفكرا.. و أتذكر هنا كان مدير الهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون أجرى مع نقد حوارا عام 2011م و قال نقد أن التغيير ربما يأتي عبر انقلاب عسكري.. سأل مدير الهيئة متعجبا هل تعتقد سوف يحدث انقلابا مرة أخرى.. قال نقد طبعا مادام هناك تضييق في العمل السياسي لابد أن يحدث التغيير و الانقلاب أداة تغيير.. كان الأثنان يتخذان من الفكر أداة للتغيير، و و كانا قادران على التواصل مع القوى السياسية الأخرى، و يرجع ذلك للقراءة الصحيحة للواقع و الأحداث و تعرف على ميكانزمات المؤثرة في الواقع... إذا رحلنا إلي محطة أخرى في نوفمبر 2019م في ندوة أقيمت في جامعة الزعيم الأزهرى، تحدث فيها الدكتور الشفيع خضر، حاول أن يكون طرحه السياسي مغايرا عن الآخرين قال في حديثه (أن ﻋﺒﻮﺭ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻟﻠﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺑـﺎﺟـﺮﺍء ﻣﺴﺎﻭﻣﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﻠﺒﻲ ﻁﻤﻮﺣﺎﺕ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻭﺃﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ﻭﻧﻮﻩ ﺍﻟﻰ ﺍﻥ ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﻟﻦ ﻳﺘﻢ ﺍﻻ ﻋﺒﺮ ﻣﺴﺎﻭﻣﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ.) و أضاف قائلا ( أن استمرار ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ يعود لفشل ﺍﻟﻨﺨﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻭﻟﻐﻴﺎﺏ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﻭﻁﻨﻲ ﻳﺨﺎﻁﺐ ﻣﻬﺎﻡ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺃﺳﺎﺱ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻧﻘﺎﻁ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺘﻀﻤﻦ: ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮن، ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻭﻣﺴﺎﻭﺍﺓ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻨﻴﻦ ﺃﻣـﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺑﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋـﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻨﺲ) أن حديث الشفيع أغضب القيادات الاستالينية في الحزب التي ثارت عليه، و اعتبرته أيضا انحرافا نحو اليمينينا.. أتذكر كتبت مقالا بعنوان " العقل و المساومة التاريخية بهدف التغيير" قلت في أحدى فقراته (هناك فارق كبير و نوعي بين السياسي و بين المفكر السياسي. الأول يتعامل مع الأحداث من خلال تأثيرها السلبي و الإيجابي علي المصالح التي يدافع عنها، أو يتعامل معها تعاملا سطحيا لا يسبر غورها، و لا يبحث في الظاهرة لمعرفة ما هي مسبباتها و العوامل المؤثرة فيها، و الثاني يسبر غورها و يبحث عن مسبباتها،و التعرف علي طرق علاجها، و أيضا قدرة المفكر أن ينقل التفكير من القضايا الهامشية إلي قضايا أكثر جدية تشكل العمود الفقري للظاهرة، إلي جانب تجاوز الشعارات السياسية كأداة للتعامل مع الظاهرة إلي الفكر) الشفيع تتفق معه أو تختلف هو رجل يتعامل في السياسية بفكر، خلاف القيادات الاستالينية القابضة اليوم على مفاصل الحزب و هي قيادات جاءت بمعادلات الشللية و التكلية و ليس فرضها صراعا فكريا.. أيضا كان كمال الجزولي أحد القيادات التي تتعامل من خلال محوري الفكر و الثقافة، و كمال الجزولي عبر عن موقفه من القيادة الاستالينية بتقديم استقالته من اللجنة المركزية و المكتب السياسي، و اكتفى بالعضوية، لأنه من الصعب التعامل مع عقلية تراعي النصوص أكثر من مراعاتها للواقيع في المجتمع، و التغييرات التي تحدث فيه.. كان موقف كمال الجزولي متسقا تماما مع رؤيته الفكرية، أنه يستطيع أن يكون مؤاثرا في الرأي العام أكثر من تأثيره إذا كان مقيدا بمسميات وظيفية داخل الحزب.. لأن كمال كان رمزا في دائرة الإنتاج الثقافي تفرض عليه التعامل مع القضايا بالواقيع و ليس بأخذ الأذن و التقييد بالنصوص مثل القيادات الاستالينية.. و هذا الفقد للعناصر التي كانت تشتغل بالفكر هو الذي اقعد الحزب و جعله خارج دائرة الأحداث.. حيث القيادات الاستالينية ماتزال تتوقع الجذرية، و تعتقد سوف ينبت فيها الريش بعد وقف الحرب.. نسأل الله حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة