بقلم : ١ في تقريره الأخير حول تدهور الأوضاع الاقتصادية في السودان، يقدم البنك الدولي وصفته التقليدية للتعافي الاقتصادي بعد الحرب التي تتلخص في : استئناف برنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC)، الخصخصة و رفع الدعم عن السلع، تخفيض الجنية السوداني وتوحيد سعر الصرف وإعادة بناء الثقة في النظام المالي. الخ من شروط الصندوق والبنك الدوليين. المعروفة. معلوم أن التعامل مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين لا يعني الخضوع لشروط الصندوق القاسية في فرض سياسة التقشف وتخفيض العملة، ورفع الدعم عن الوقود والدواء والعلاج والتعليم، وخصخصة قطاع الدولة، والقروض التي تكرّس للمزيد من التبعية وفقدان السيادة الوطنية ، الخ، فدول كثيرة رفضت هذه الشروط القاسية وتحسنت أوضاعها الاقتصادية والمعيشية، أما الدول التي خضعت لشروط الصندوق القاسية فقد عانت من التدهور الاقتصادي والمعيشي مثل : السودان. ٢ كان من اسباب فشل الفترة الانتقالية لما بعد ثورة ديسمبر 2018 ، هو التراجع عن ميثاق قوى الحرية والتغيير الموقع في يناير ٢٠١٩، الذي أكد على ضرورة تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية، واستبدالها بالوثيقة الدستورية التي كرست الشراكة مع العسكر و قننت الدعم السريع دستوريا، وحتى ما جاء في الوثيقة الدستورية من تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية وتمكين الشباب والمرأة، تم تجاهله، وتتحمل حكومة حمدوك بشقيها المدني والعسكري مسؤولية التدهور المريع في الأوضاع المعيشية بعد أن ضربت بعرض الحائط توصيات اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير التي رفضت زيادة أسعار السلع الأساسية ( المحروقات ، الغاز ، الكهرباء والخبز)، واقترحت تركيز الأسعار، وتغيير العملة، وتقوية العملة المحلية ، لكن الحكومة سارت في تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي برفع الدعم وتخفيض العملة والخصخصة ، وعدم دعم التعليم والصحة والدواء. الخ كما جاء في “الوثيقة الدستورية” ، مما أدي للتدهور الحالي.هذا إضافة لترك العنان للنشاط الرأسمالي الطفيلي ودوره في تخريب الاقتصاد بتهريب الذهب والبترول والوقود والدقيق والغاز الي بلدان الجوار، والمضاربة في الدولار، وخلق الصراعات والفتن القبلية ، وعدم التوجه لتحسين الأوضاع المعيشية، وزيادة الصادرات وتقليل الواردات، وتقليل الإنفاق العسكري والحكومي والسيادي ودعم ميزانية التعليم والصحة والدواء، وعدم ولاية وزارة المالية علي الشركات والمال العام( شركات المحاصيل النقدية والماشية والاتصالات والعسكرية والدعم السريع)، وإصلاح النظام الضريبي والجمركي، وإصلاح النظام المصرفي وسيطرة بنك السودان على سعر الصرف، وانسياب كل حصائل الصادر إليه، وعدم التوجه للداخل بدعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي. وغير ذلك من البدائل لسياسة رفع الدعم وتوصيات صندوق النقد الدولي التي جربها شعبنا منذ العام 1978 ، وكانت سببا في تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والجنية السوداني ، مما أدي لانتفاضة مارس – ابريل 1985 ، وثور ديسمبر 2018. ٣ استمر التدهور في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية، وزاد الطين بله انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي قاد للمزيد من التدهور والخراب، مما قاد للحرب الحالية بعد الخلاف في الاتفاق الإطاري حول مدة دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وجاءت الحرب اللعينة بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، لتقود للمزيد من التدهور الاقتصادي المعيشي، والدمار في البنيات التحتية وخسائر للآلاف في الأرواح ونزوح الملايين، وجرائم الابادة الجماعية، من طرفي الحرب، وقطع الرؤوس وبقر البطون، والعنف الجنسي، ومصادرة الحريات السياسية،والتعذيب الوحشي للمعتقلين السياسيين ولجان المقاومة والناشطين في لجان الخدمات حتى الموت. إضافة لتهريب نحو 70% إلى 80% من إنتاج الذهب، خصوصًا إلى الإمارات، الذي يُستخدم لشراء السلاح وتمويل المقاتلين. الدولة غائبة، والمورد الأساسي يُستخدم في تغذية النزاع لا في تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والتنمية. ٤ بالتالى ما يطرحه البنك الدولي هو تجريب للمجرب الذي قاد للتدهور الاقتصادي والمعيشي، كما في : الخصخصة، التحرير الاقتصادي ورفع الدعم، الخ، كما جرى في البلاد منذ ١٩٧٨،وفي سياسات الانقاذ بعد التحرير الاقتصادي التي أعلنها عبد الرحيم حمدي، وفي سياسات حمدوك بعد ثورة ديسمبر 2018 التي أدت للمزيد من التدهور الاقتصادي والمعيشي، والمزيد من التبعية. مما يتطلب خروج الجيش والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، والدخول في رحاب التنمية المستقلة المتوازنة التي تستهدف الإنسان السوداني وتوفير احتياجاته الأساسية في رفع مستوى المعيشة والتعليم والصحة والدواء، ووقف الحرب وتعزيز السلام والحكم المدني الديمقراطي، وتأمين عودة النازحين لقراهم ومنازلهم وتعمير مناطقهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة