———— • العُدة والعتّاد: معالم (القوّة والرّمزية العسكرية)، في سياق الحرب الدائرة بين (الجيش وحلفائه) من جهة، و(قوات الدعم السريع وحلفائها) من جهة أخرى. ظهر اسم "متحرك الصياد"، كأحد المتحركات العسكرية الهجومية، التي عقد عليها البرهان والحركة الإسلامية، آمالا عراضاً لنقل الحرب إلى (غرب السودان والتنكيل بأهله). دفع البرهان بهذا المتحرك (الأسطوري) إلى "مسرح العمليات حول مدينة الأبيض"، عاصمة (شمال كردفان). ورُغم غياب المعلومات الدقيقة (من مصادر محايدة)، فإن المعطيات العامة في الخطابات الدعائية والتقارير الإعلامية، اشارت إلى أن هذا المتحرك، كان يُمثل إحدى محاولات الجيش الجبارة، لاختراق خطوط الدعم السريع، واستعادة المبادرة في الجبهة الغربية، وصولاً لفك الحصار عن الفاشر. • متحرك "الصياد": متحرك الصياد لا يبدو مجرد متحرك عسكري تقليدي، بل يحمل دلالة نفسية/ عقائدية في اسمه ذاته. فلفظ "الصياد" يوحي بالهجوم، الترصّد، والمهارّة في التتبع والمباغتة، مما يعكس محاولة لإضفاء طابع احترافي ومبادر على هذا المتحرك الضخم، في مواجهة "الخطاب الدعائي المضاد"، الذي كثيراً ما صور الجيش —بلغة مهذبة— بوصفه (متأخراً ميدانياً). وعادة ما تُطلق مثل هذه التسميات، على متحركات خاصة تضم "قوات مختارة من وحدات النخبة"، كسلاح المدرعات، وتُجهز لتنفيذ مهام هجومية حاسمة، أو لحسم معارك مدينية صعبة. من حيث التكوين الميداني، يُعتقد أن متحرك الصياد، كان يضم الآلاف من الجنود النظاميين، وميليشيات القوات المشتركة ودرع السودان وكتائب الإسلاميين. وربما هو المتحرك الأكبر للجيش وحلفائه، منذ اندلاع هذه الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣. كما أن هذا المتحرك —حسب المعلومات المتاحة— كان مدعوماً بأسلحة ثقيلة، تشمل الدبابات القديمّة من طراز T-55 وT-62، إلى جانب راجمات صواريخ غراد أو ما يعادلها، ومدرعات دفع رباعي سريعة الحركة، فضلًا عن وحدات مشاة محمولة، وربما دراجات نارية للهجمات الخاطفة. كما أشارت تقديرات بعض النشطاء ومقاطع فيديو انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن المتحرك تلقى دعما جوياً – وتنسيقاً لوجستياً – من حلفاء الجيش في الإقليم، كمصر ودول أخرى، سواء عبر الطائرات المسيّرة أو المعلومات الاستخباراتية. يبدو أيضاً أن متحرك الصياد لم يكن مجرد أداة عسكرية بحتة، بل حمل في تكوينه طابعاً أيديولوجياً واضحاً، إذ وردت إشارات في خطاب حميدتي —وخطاباته السابقة كذلك— عن وجود كثيف لمليشيات الإسلاميين والقوات المشتركة. هذا المعطى، يُضفي على المعارك التي دارت في محور كردفان، بين الصياد والدعم السريع، بُعدًا رمزياً يربط بين الجغرافيا (الأبيض، غرب السودان) والصراع التارّيخي على (هُوّية الدولة السودانية) بين (المركز والأطراف)، وبين (الإسلاميين والعلمانيين)، أو بين (خطاب الدولة القديمّة)، وخطاب (إعادة التأسيس)، الذي يتبناه حميدتي منذ فترة بعد تحالفه مع الحركة الشعبية/ الحلو وقوى تأسيس، التي كانت قد انقسمت من (تقدم). • تآكل القدرة على استعادة المبادرة: في خطابه بتاريخ ٢ يونيو ٢٠٢٥، والذي أعلن فيه سحق قواته متحرك الصياد، رّسم حميدتي صورّة لانتصار لا يمثل فقط انتصاراً ميدانياً، بل انتصاراً على ما سمّاه "جيش الكيزان" و"جيش المرتزقة"، إذ وجه اتهامات حادة للبرهان باستخدامه أسلحة محرّمة دولياً ، واستقدامه (مرتزقة أوكرانيين) وتلقي الدّعم من (الحرس الثوري الإيراني) و(القاهرة). وقد تكون هذه الاتهامات جزءاً من (خطاب تعبوي)، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن قلق حقيقي لدى (قيادة الدعم السريع)، من (التصعيد الإقليمي المحيط)، ومحاولاتها الموازنة بين (الردع والخطاب السياسي الشرّعي). اللافت هنا أن حميدتي، رغم نبرّة النّصر، تعمّد في خطابه توجيه رسائل إلى المدنيين في شمال السودان، و في الأبيض حاضرّة شمال كردفان، التي لا تزال تحت حصار قواته، والتي كان قد لاذ بها "المقاتلين الفارّين من هزائم متحرك الصياد"، حيث أكد حميدتي أن قواته لن تمس الأبرياء، وأنه ليس هناك ما يدعو السكان إلى الهرب من منازلهم. هذه الرسالة تحمل دلالتين متزامنتين: الأولى، محاولة نزع الطابع (الغازي) عن قوات الدعم السريع. والثانية، تأكيد رمزي على (تقدم شرعي)، لا يستهدف المدنيين، بل المؤسسة العسكرية "المتهمة بخيانة الدولة والثورّة". • محاولة طموحة: من الناحية الاجتماعية/ السياسية، يمكن اعتبار متحرك الصياد، بمثابة محاولة طموحة من الجيش، لاستعادة المبادرة في الغرب، أو اختبار قدرة قواته على شن عمليات هجومية، بعد سلسلة من الهزائم والانتكاسات، التي لم ترمم قسوتها بسط نفوذه على الخرطوم ومناطق الوسط والنيل الأزرق، التي كان الدعم السريع قد انسحب منها، وأعاد تموضعه في كردفان. تدمير قوات الدعم السريع لمتحرك الصياد لا يعني فقط خسارة ميدانية، بل تآكلًا إضافياً في (القدرة الرمزية) للجيش على (استعادة المبادرة). كذلك، فإن الإعلان عن امتلاك الدعم السريع لأسلحة "لم تُستخدم بعد"، وتوجيه التهديدات المباشرة باجتياح الشمال، يعكس تصاعداً في منسوب الثقة العسكرية، لكنه ينطوي أيضاً على احتمالات خطيرة في توسع دائرة العنف، إلى مدى أكثر قسوّة. في النّهاية، تبقى صورّة متحرك الصياد، بين الواقع العسكري والمعنى الرمزي، إحدى مفاتيح قراءة التحول الجاري الآن في ميزان الحرب. إذ لم يعد الصرّاع مجرد (حرب مواقع)، بل (حرب سرديات)، تسعى كل جهة فيها إلى تثبيت شرعيتها، عبر النّصر الميدّاني والرّمزي في آن واحد. • خطاب حميدتي ٢ يونيو ٢٠٢٥ سنقوم هنا بإجراء تحليل شامل لخطاب محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، في الثاني من يونيو ٢٠٢٥، والذي جاء عقب ما وصفه بانتصار "ساحق" على متحرّك الصياد التابع للجيش السوداني. يُعتبر هذا الخطاب نقطة تحوّل في الخطاب السياسي لحميدتي، حيث تتداخل فيه عناصر من "الزّعامة الكاريزمية"، وإعادة تشكيل "الهُوّية الوطنية"، وإنتاج "خطاب سياسي/ أخلاقي" بديل للمؤسسة العسكرية السودانية التقليدية. بتحليل بنية هذا الخطاب، بوصفه "لحظة تأسيسية"، لمشروع سياسي رّمزي واجتماعي بديل: ١. منذ اندلاع الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣، شهد الخطاب السياسي لقادة النزاع، تحوّلات متسارعة. لكن، خطاب ٢ يونيو ٢٠٢٥ يمثل لحظة فارقة. لا لأنه يتناول انتصاراً عسكرياً، بل لأنه يؤسس (لرؤية أيديولوجية جديدة للشرعية الوطنية). وتكمن أهمية هذا الخطاب، في أنه لا يتوجه فقط إلى (أنصارّه)، بل إلى خصومه أيضاً، في سعيه لتوسيع قاعدته الرّمزية والاجتماعية، وصناعة سردية سياسية/ أخلاقية، تتجاوز سردية الدولة المركزية. ٢. سنحلل هذا الخطاب (سياسياً) و (اجتماعياً)، بتوظيف أدوات فهم الهيمنة ورأس المال الرّمزي، في تحليل الهيمنة الأيديولوجية، وتصنيف الشرعية ومفهوم تعبئة الحرب. • خطاب الانتصار وإعادة ترميز الذات/ الزعامة المتجاوزة للفرد: يقول حميدتي: "حتى لو متّ، فكل شباب الدّعم السريع هم حميدتي.". هذه العبارّة تعكس بناءاً لخطاب يتجاوز الفرد بالانحياز للرمز. فالزّعامة الكاريزمية تقوم على الاعتقاد بقدرات استثنائية، لقائد يتمتع بسمات فوق/ طبيعية أو خارّقة. لكن حميدتي يذهب أبعد من ذلك، إذ يحوّل نفسه، إلى ما يشبه "الطوطم السياسي"، عبر ترّسيخ فكرته كـ"مشروع وجودي" يتجسد في الأتباع. • رأس المال الرمزي والهيمنة الثقافية: في رسالته لمواطني الشمال، يؤكد حميدتي أن قواته "لن تمس بريئاً" وأن لا حاجة لهروب النّاس من منازلهم، هنا يحاول إعادة صياغة علاقة المركز بالهامش. وهذا أيضاً يُفسر ضمن "رأس المال الرمزي"، الذي تحدّث عنه بيير بورديو، حيث يحاول حميدتي (اكتساب شرعية)، تتجاوز (قواعده التقليدية)، من خلال إنتاج رموز "الوطنية الحامية". هذا التوسّع الرّمزي مرتبط أيضاً بما يسميه غرامشي "الهيمنة الثقافية"، أي قدرة "قوة اجتماعية صاعدة" على فرض رؤيتها على الآخرين بوصفها "المعقولة" و"الطبيعية". • صناعة العدو وتفكيك الشرعية المضادة: خصم مركّب: في هذا الخطاب يربط حميدتي خصمه (الجيش) و(الكيزان) بأطراف خارجية وداخلية كالحرّس الثّوري الإيراني، داعش، مصر (الدعم الجوي والاستخباري)، استثمارات بن لادن في "منظومة الصناعات الدفاعية"، تنظيم (إخوان الشياطين كما سماهم). بهذه البنية المركبة، يقدّم حميدتي (العدو) بوصفه (تهديداً كونياً)، لا (سياسياً) فحسب. وهذه تقنية قريبة من صناعة (العدو الأخلاقي) في علم النفس السياسي. حيث تُقدَّم الحرب كضرورّة ضد (الشر)، لا كخلاف سياسي. • إنكار الدين عن الخصوم: يقول حميدتي عن الإسلاميين والبرهان: "هؤلاء ليسوا مسلمين، بل شياطين". هذا الأسلوب من النزع الرمزي de-symbolization يُعيد تشكيل (حدود الجماعة المؤمنة)، ويحيل الخصم إلى موقع (خارج الدين والمجتمع)، ويخلق (شرعية مطلقة للحرب). • الأخلاقيات العسكرية وصناعة الجيش البديل: ضبط الفوضى داخل الدعم السريع: في قوله: "سأحاسب الجندي الذي دهس الأسير بالعربية (…)" إذ يُقدّم حميدتي هنا نموذجاً لـ"الجيش الأخلاقي"، في مقابل "الجيش المرتزق" الذي يتهم به خصومه (القوات المشتركة). فهنا حميدتي يسعى لبناء بنية (قانونية/ أخلاقية) لقواته، وفقًا لمفهوم الشرعية القانونية/ العقلانية. دعم الشهداء وبناء المستقبل: يتحدث حميدتي أيضاً عن (مدن طبية)، ودعم لأسر الشهداء، وقيادة جديدة شابة (ترقية جندي إلى رتبة ملازم). هذا هو ما يسمى ب(تأطير مستقبلي للقوّة العسكرية)، إذ يعيد إنتاج منطق (جيش الدولة) داخل (بنية قواته شبه العسكرية). ويشبه هذا ما يُعرف بـ"دولة الحرب" war-making as state-making • رفض المفاوضات: الانسحاب من المألوف السياسي: يقطع حميدتي برفضه لأي مفاوضات (لا جدة لاغيرها) ويعلن نهاية أي (تسوية تقليدية). وهو بذلك يعلن انفصاله عن لُغَّة (السلام الرّسمي)، ويؤسس لـ"شرعية حرب شعبية"، تقوم على التعبئة والقتال. وهذا ما يضعه على (خط صدامي مع النظام الدولي التقليدي) "القائم على التسويات." • استراتيجيات إلغاء القَبَلية وتأسيس الوطنية البديلة: يشدد حميدتي في هذا الخطاب على منسوبي قواته، عدم الحديث عن القبائل، ويقول: "الدعم السريع كل قبائل السودان." بهذه الصيغة، يسعى حميدتي لتفكيك الصورّة (الإثنية/ الجهوية) عن قوات الدّعم السريع، وتحويلها إلى (مشروع وطني جامع). كما أنه بذلك يطرح نفسه بوصفه قائد "الكتلة التارّيخية الجديدة" التي حلم بها غرامشي، كتعبير عن توازن قوى جديد. آخيراً، يكشف خطاب حميدتي بالأمس، عن تحوّل عميق في بنية خطابه السياسي: من (قائد ميداني) إلى (زعيم كاريزمي)، يحمل مشروعاً بديلًا للدولة السودانية. ويتقاطع هذا الخطاب مع البنى الأيديولوجية للحرب، والرموز الدينية، وآليات بناء الشرعية. كما يمثل لحظة مفصلية في ما يمكن تسميته بـ"تشكل الدولة من خارج الدولة"، حيث يُعاد رسم المجال السياسي، خارج "مؤسسات المركز التقليدي". لانسنغ، ميشيغان ٣ يونيو ٢٠٢٥
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة